مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

توقّـعات بفوز “ساحق” لبوتفليقة في الإنتخابات رغم المعارضة

محتجّون شبان يرفعون قميصا كتب عليه "لا للعهدة الرابعة" وعلما جزائريا خلال مظاهرة نظمت وسط الجزائر العاصمة يوم 1 مارس 2014 احتجاجا على ترشح الرئيس بوتفليقة (77 عاما) لفترة رئاسية رابعة. Keystone

كانت محاولة نشطاء جزائريين التّظاهر في شارع مراد ديدوش (شانزيليزي الجزائر العاصمة) يومي 6 و7 مارس 2014، تلبية لدعوة من حركة "بركات" (في محاكاة لحركة كفاية" المصرية)، عملية مُجهضة، بحُكم الإستنفار الأمني الذي طوَّق المنطقة الإستراتيجية، الفاصلة بين البريد المركزي وبنك الخليج العربي والكلية المركزية، إذ انتهتا بشحْن المتظاهِرات والمتظاهِرين بالقوة في عربات الشرطة، بمن فيهم بعض الصحفيين الذين أتوا لتغطية الحدث.

كان شعار “المظاهرتين” واضحا “لا لولاية رابعة لبوتفليقة.. ولا للجنرال توفيق”، وهذا يعني أن النشطاء كانوا يقصِدون رفضا مُزدوجا للجناحيْن المتصارعيْن في قمّة هرَم السلطة، أي حاشية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (77 عاما) من جهة، والفريق محمد مدين (74 عاما)، المعروف باسم “الجنرال توفيق”، قائد المخابرات التي يختصِرها الجزائريون في الأحرُف الأولى من اسمها الفرنسي “دي أر أس”.

كان متوقّعا أن تُفرِّق قوات مكافحة الشَّغب أيّ محاولة للخروج من ضيق مقرّات الأحزاب والجمعيات، من أجل الإستِقواء بالشارع. فالتظاهر في الجزائر العاصمة ممنوع بالقانون منذ سنوات، أيّا كان المبرِّر ومهْما كانت المناسبة، ولو تعلَّقت بالتضامُن مع أهالي غزّة أو لبنان أثناء العدوانيْن الإسرائيلييْن عليهما.

مطالب اجتماعية

لكن، إذا ما أجال المراقب نظره في خارطة الجزائر، سيرصد مظاهرات يومية في مُدن داخلية عدّة، وخاصة في المحافظات الواقعة في قوس الحقول النفطية في الجنوب والشرق، مِحورها مطالب اجتماعية تتعلّق بمنح الشباب فُرصا للعمل وتأمين المساكن ورفْض “الحقرة” (الإستعلاء).

وكان لافتا أن جامعة “مولود معمري” في تيزي وزو، مركز منطقة القبائل، كانت يوم 4 مارس الجاري، مسرحا لمُظاهرة طلاّبية معارضة لترشيح بوتفليقة لولاية رابعة ومُطالبة بالديمقراطية واستقلال العدالة. وكان لافتا أيضا، أن قوات الأمن تفادَت الإحتِكاك بالطلاّب، على عكس ما حدث في العاصمة يوم الخميس الموالي (6 مارس)، ربّما لأنهم تخلّوا عن السيْر نحو مقرّ المحافظة للإعتصام أمامه، مثلما كان مقرّرا، بسبب غزارة الأمطار التي هطلت على المدينة يومها.

وغيْر معروف ما إذا كانت الإحتجاجات اليومية في المُدن الداخلية ستنتقل من الشِّعارات الإجتماعية إلى المطالِب السياسية في المرحلة المقبلة، إلا أن الثابت أن قوات الأمن لم تُفلِح في إسكات تلك الحركات العفْوية، التي يقودها خرِّيجون عاطلون عن العمل يتمتّعون برُؤية سياسية حادّة، تعزو المشاكل الكبرى التي يتخبّط فيها البلد إلى ما يُسمّونه إجمالا بـ “الفساد”.

يوم 1 مارس 2014، قدم عبد العزيز بوتفليقة ترشحه لعهدة رابعة على رأس الجزائر إلى رئيس المجلس الدستوري Keystone

لائحة اتهام.. وردود

في سياق متصل، ترجم هشام عبود، ناشرُ صحيفتيْ “جريدتي” و”مونجورنال” والضابط السابق في الإستخبارات الجزائرية، ما ظلّ يردِّده الشباب في مسيراتهم بورقلة والبويرة وتيزي وزو من عناوين عامة عن ذلك الفساد،  إلى ما يُشبِه لائحة اتِّهام مفصَّلة، زاعما أن الشقيق الأصغر للرئيس سعيد بوتفليقة مُورَّط في قضايا فساد، تتعلّق بصفقات نفْط عقدتها مجموعة “سوناتراك” (قطاع عام) في عهد وزير الصناعة والطاقة السابق شكيب خليل، المتواري عن الأنظار منذ مغادرته مطار وهران في ظروف غامِضة إلى وجهة غيْر معلومة. كما تتعلّق أيضا بتلقي عمولات في صفقة الطريق السريعة الرابطة بين شرق الجزائر وغربها، التي أنجِزت في عهد وزير النقل السابق عمار غول، والتي تكشّفت عُيوب كثيرة فيها، وكذلك بقضية مجموعة “الخليفة” (تضمّ شركات عدّة بينها مصرف تجاري ومحطة تليفزيون وشركة طيران…)، التي أشهر إفلاسها واعتقل رئيسها عبد المؤمن خليفة.

اتِّهامات عبود هذه أخرجت سعيد بوتفليقة عن طوره للمرة الأولى منذ دخوله قصر المُرادية (مقر الرئاسة) في عام 1999، ليُصدر منذ أيام بيانا توعَّد فيه هذا الأخير (أي عبّود) برفع دعوى قضائية ضدّه، “بسبب الإتهامات الخطِرة التي يتحمّل (عبود) مسؤوليتها أمام الشعب الجزائري”، على ما قال موقع “كل شيء عن الجزائر”، الذي نقل فحوى البيان. وسعيد هو الشقيق الأصغر للرئيس بوتفليقة، وكان يعمل أستاذا في الجامعة قبل تسميته مستشارا خاصا للرئيس مسؤولا عن “خلية الإعلام الآلي التابعة لرئاسة الجمهورية”، بحسب ما جاء في مرسوم التّعيين، غير أن صلاحيات سعيد توسّعت، حتى قيل أنه بات الحاكِم الفِعلي باسم شقيقه، الذي أقْعده المرض وحال دون تسييره دفّة الحُكم، مثلما كان يفعل في ولايتيْه الأولييْن.

والأرجح، أن سعيد صار الغريم الأول للقادة العسكريين الذين يُقال أنهم يحكمون البلد منذ وقف المسار الإنتخابي في يناير 1991، وعلى رأسهم “الجنرال توفيق”، الذي حاول الرئيس بوتفليقة قصقصة أجنِحته بسحْب ثلاثة أرباع الأجهزة التي كان يُديرها من دائرة سلطته، ووضعها تحت إشراف رئيس الأركان الوفيّ له الفريق أحمد قايد صالح (74عاما). أكثر من ذلك، شنّ عمار سعيداني، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني (الذي يتولّى بوتفليقة منصِب رئيسه “الفخري”)، وهو من الدائرة الضيقة المحسوبة على الرئيس، قبل أسابيع قليلة حملة غيْر مسبوقة على “الجنرال توفيق”، متَّهِما إياه بالتحكّم في مفاصل صُنع القرار وبالتقصير الذي أدّى إلى اغتيال الرئيس الراحل محمد بوضياف وعمليات إرهابية أخرى، بينها محاولة اغتيال الرئيس بوتفليقة في مدينة باتنة قبل سنوات.

لكن بوتفليقة سفّه عمار سعيداني، الأمين العام الحالي لجبهة التحرير الوطني، الذي شن هجوما غير مسبوق على توفيق، متهما إياه بالتحكم في وسائل الإعلام وحبك المناورات، لشق صفوف الأحزاب وتسمية الموالين على رأسها. وأتت رسالة بوتفليقة التي تليت نيابة عنه بمناسبة يوم الشهيد في مثابة ردّ اعتبار للجنرال توفيق، غير أن رباحي اعتبر أن تلك الرسالة موجهة للإستهلاك وأن ما قاله سعداني صحيح، بدليل أنه هو نفسه لم يصل إلى الأمانة العامة لجبهة التحرير، إلا بواسطة تلك “الدسائس” التي يُشهّر بها اليوم.

وبعدما أحدث “القصف المركّز” على توفيق رجّة في الأوساط السياسية، خاصة عشية انطلاق الترشيحات للرئاسة، اضطر بوتفليقة لإصدار بيان شدّد فيه على أهمِية وِحدة الأجهِزة العسكرية وأمَر توفيق بالإستمرار في أداء مهامِّه في إطار الدستور، نافيا أن تكون هناك خِلافات بين المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات، “الذي هو جزء لا يتجزّأ من تلك المؤسسة”، مثلما قال.

توفيق رباحي، إعلامي وباحث جزائري

كان ينبغي على بن فليس أن يعمل على منْع بوتفليقة من الترشح، ليس في الشوط الأخير، وإنما منذ تعديل الدستور لإلغاء سقْف الولايات الرئاسية

 تزوير المشهد الحزبي

على صعيد آخر، المحلل السياسي الجزائري توفيق رباحي أن تزوير الإنتخابات في الجزائر، تجاوز الأسلوب التقليدي التقني، ليغدو عملية طويلة الأمد ومعقَّدة كيْ لا تكون هناك حاجة للتزوير في الصناديق يوم الإقتراع. وأضاف في تصريح لـ swissinfo.ch أنه “يمكن أن يأتي أفضل المراقبين من المنظمات الدولية المتخصِّصة، لكنهم لن يلحظوا أيّ تزوير وستكون النتائج فوزا لبوتفليقة بنسبة تُقارِب 80  أو 70%”، حسب توقعاته.

ولكن، هل ستُخفق كل المحاولات الجارية للإعتراض على ترشيح الرئيس الحالي لولاية رابعة أو في الأقل لإلحاق هزيمة انتخابية به؟ يجزم رباحي بذلك، عازيا إيّاه إلى انقسام النخبة الجزائرية إلى ثلاث مجموعات: الأولى، موجودة داخل المنظومة القائمة. والثانية، مستقيلة لا تهتم بالشأن العام. أما الثالثة، فهي نُخبة متخبِّطة، إذ أن صوتها الإحتجاجي يعلو من حين لآخر، لكنه غيْر مسموع، وهذا يعني أن النظام ليس في حاجة إلى الفئة الأولى، أما الثانية، فلا تشكِّل خطرا عليه، طالما أنها لامُبالية بطبيعتها. أما الثالثة، فليست من القوة، بحيْث تستطيع التأثير في مسار الأحداث، ما يعني أنها نخبة عاجِزة.

في الوقت نفسه، يرى رباحي أن النظام الجزائري يحصد اليوم ما زرعه طيلة العشرين عاما من بثِّ الرّيْبة بين المواطنين، بحيث لم يعُد أحد يثِق في الآخر. فحتى المتظاهرون ضدّ الولاية الرابعة، بات يُروَّج عنهم أنهم من عملاء المخابرات المُعترضة على استمرار بوتفليقة في الحُكم. وفيما يعتقد الخبير رباحي أن هناك جانِبا من الصحة وآخرَ من الخطأ في هذه الإتهامات، يُؤكد أن “المسألة لا تتعلق بشخص لكونه سيكون عابِرا في جميع الحالات، وإنما بإرساء منظومة ستُـعمِّر طويلا”.

في هذا السياق، انتقد رباحي المرشح علي بن فليس، غريم بوتفليقة في انتخابات 2004 و 2014 الذي “كان ينبغي أن يعمل على منْع بوتفليقة من الترشح، ليس في الشوط الأخير، وإنما منذ تعديل الدستور لإلغاء سقْف الولايات الرئاسية. فمبارك على سبيل المثال، لم يسقط يوم 25 يناير 2011، وإنما من خلال حركات الإحتجاج في الشارع (حركة كفاية) وفي شبكات التواصل الإجتماعي”.

رباحي أشار أيضا إلى وجود أمثِلة سلبية في المحيط الإقليمي للجزائر. إذ أن الرافضين للمسيرات اليوم، يطرحون سؤالا غيْر بريء مَفادُه “هل تريدون أن نصبح مثل ليبيا؟”، وطبعا يأتي جواب المواطن العادي “راني مليح” (أنا بخير أو وضعي جيد). ويسري مناخ التخويف هذا في مجتمع “ذاق ويلات الإرهاب في عقود سابقة، إذ لا توجد أسْرة جزائرية ليس لها ابن أو أب مقتول أو مسجون أو مفصول من العمل”، على ما قال رباحي.

غير أن كثيرا من المراقبين اعتبروا أن معاودة ترشيح بوتفليقة المريض جدا من دون نشر كشف طبّي عن حقيقة صحته، يمثل استهانة بذكاء الجزائريين ستُساهم في إذكاء الغَلَيان والضّجر العام من فساد الحكّام واستخفافهم بشعوبهم. وقال إعلامي، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ swissinfo.ch: “إن المرشح بوتفليقة لم يستطع إعادة نُطْق الجملة التي لُقِّن إياها قبل تقديم ملف ترشيحه إلى المجلس الدستوري، إذ قال في تلك الجملة التي لم يتبيّنها الجمهور “يشرفني اليوم أنني جئت أسلم عليك هنا لكي أضع ملف ترشحي رسميا، طبقا للمادة 74 من الدستور و32 من القانون العضوي للانتخابات”، بينما ارتكب الرئيس بذلك خطأيْن لم يفوتا رجال القانون، إذ أن المادّة 74 لا علاقة لها بالانتخابات الرئاسية، بل هي تُحدد فترة الولاية الرئاسية بخمس سنوات. أما المادة 32 من القانون الانتخابي، فتتعلق بمسائل تِقنية تخصّ أوراق الإقتراع. ورجّح خبراء قانونيون أن يكون بوتفليقة قصَد المادة 73 من الدستور و136 من القانون العُضوي للانتخابات، وهما خطآن عمَّقا الشكوك في القدرات الذهنية للرئيس – المرشّح.  

من هنا يبدو ترشيح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة، كما لو أنه تحول إلى عنصر تعقيد للأزمة السياسية، خاصة أن بن فليس حذّر من أن “عدم احترام الإرادة الشعبية سيكون مَدخلا للتأزيم”، مؤكِّدا أنه لا يريد للجزائر “أن تشهد السيناريو الأليم الذي يجري في العالم العربي والذي كان سببه تفريط الحكّام في مبدإ التداوُل على السلطة”، على حد قوله.

رئيس بالوكالة

لكن، حتى لو أدّى الاستحقاق الانتخابي المقرّر للسابع عشر من شهر أبريل المقبل إلى إعلان فوز بوتفليقة، فإن وضعه الصحي لن يسمح له بإدارة دفّة الدولة، ما سيجعله ينفض الغُبار – بالضرورة – عن مشروع تعديل للدستور، يقضي بإنشاء منصب نائب للرئيس يُدير شؤون الدولة بالوكالة.

أما في حال غياب الرئيس عن المشهد تماما، فيتوقع المحلل توفيق رباحي أكثر من إصلاح واجهي، “لأن الجنرالات الأقوياء، مثل التواتي والعماري ونزار، إما غيَّبتهم الموت أو أقعدهم المرض أو أغراهم البيزنس فغابوا عن المشهد، فاسحين المجال لضباط الجيل الجديد، الذي يتميَّز بأدلجة أقل وتسييس أقل، وهؤلاء يمكن التفاوض معهم، وهم لا يعتبرون أن يد الجيش ينبغي أن تكون فوق أيدي الجميع”، على ما قال. مع ذلك، ما زال هناك في الواقع ديناصور من ذلك الجيل، وهو الجنرال توفيق، وإن أصبح منهكا وضعيفا بعد سحب الأمن العسكري والقضاء العسكري وأجهزة أخرى من مملكته الأمنية.

السؤال الآن.. هل ستُختزل المعركة الإنتخابية المقبلة في مواجهة بين بوتفليقة وبن فليس؟ استبعد رباحي هذا السيناريو، متوقعا أن لا يحصل بن فليس سوى على فتات أصوات من النقابات والأحزاب والغاضبين عموما، “لكنها لن تشكل قوة في وجه التعبئة الشاملة للأجهزة لصالح بوتفليقة”، حسب رأيه. وقدّر رباحي نسبة مؤيدي بن فليس، الذي كان أمينا عاما لجبهة التحرير الوطني قبل 2004 بنحو 25% في مقابل 70% لبوتفليقة و5% لتيار التصحيحيين، بزعامة عبد الرحمان بلعياط (دعا لعدم التصويت لبوتفليقة).

رباحي أضاف أن التغيير لا يصنعه النشطاء الغاضبون، وإنما الجماهير، مذكّــرا أن لبن فليس “ماضٍ انتخابي سيّء، إذ ناصره كثيرون في انتخابات 2004 ضد بوتفليقة، إلا أنه عاد إلى بيته بعد إعلان النتائج، بينما فُصل كثيرون من أعمالهم ودفعوا الثمن غاليا وما زال بعضهم يُسدّد فاتورة موقفه إلى اليوم”…

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية