مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

استعادةُ ذكرى المُعمّـرين السويسريـين في سطيف الجزائرية

الطحّـان نور الدين أمام أحجار رحي القمح التي كانت تُستخدم في عهد السويسري هنري دونان والتي تحمل تاريخ 1859

تحل الجزائر هذا العام ضيفة شرف على المعرض السويسري الذي يتواصل في لوزان من 19 إلى 28 سبتمبر، وهي مناسبة للتذكير بالحقبة التي هاجرت فيها أكثر من 100 أسرة سويسرية من أكثر العائلات فقرا في كانتون فو إلى مدينة سطيف الجزائرية.

“الهواء نقـيٌّ هنا، ولئن كان باردا نسبيا، فهو يُشبه قليلا هواء سويسرا في فصل الشتاء”.. انطباع ورد في الرسائل التي كتبها شارل فويـيامي وفرونسوا بورنون إلى أقاربهم الذين ظلوا في كانتون فو. إننا في عام 1855. وقد هاجر هؤلاء المزارعون الذين كانوا يعيشون في سويسرا “في ظروف حرجة جدا ومؤلمة جدا”، حسب التعبير الوارد في كتاب البلدية، قبل بضعة سنوات إلى مدينة سطيف قلب الجزائر.

ودفعت السلطات لكل أسرة في عام 1875 إعانة بلدية لاصطحاب عائلاتهم متعددة الأفراد: سبعة أطفال لفرونسوا بورنون، ستة لشارل فوييامي، خمسة لجورج فوييامي. وقد قادتهم رحلتهم إلى الاستقرار في بلدة عين أرنات في الضاحية القريبة من سطيف.

سطيف، استثنـاء سويسري

وبعد مضي قرابة 150 عاما، مازال يمكن العثور على بعض المنازل والمباني التي يعود تاريخ تشييدها إلى حقبة المُعمرين السويسريين، ومن أبرزها المعبد البروتستاني المهجور الذي بناه المهندسون الفرنسيون في عين أرنات، والذي مازالت تحتضنه الأرض المسلمة، ويعتلي بـرج أجراسه عشان جميلان للقالق. فهل يكون ذلك إشارة على حسن الطالع؟

ولئن كانت سويسرا لا ترتبط إلا نادرا بالحكم الاستعماري، فإن سطيف تـُعتبر استثناء بارزا. ففي البداية، أقدمت ثمان شخصيات سويسرية، من بينها الكونت سوتير دو بورغار من مصرف “لولان وسوتر”، وبول-إيليزي لولان، وجاك-ماري ميرابو، وبارون “جانجان- لاسارا” (قرب جنيف) ونائب مجلس الشيوخ السابق في كانتون جنيف جون –أنطوان فازي، على إنشاء شركة استعمارية في الجزائر بمباركة الإمبراطور نابوليون الثالث.

ووهب لهم المرسوم الإمبراطوري 20000 هكتار مع إمكانية إنشاء عشرة قرى على أبواب منطقة القبائل. وتمت عملية اجتذاب المُعمرين من خلال دعاوة فعالة في كانتون فو. وأعطتهم باريس حق المرور البحري مجانا لمدة 10 سنوات. كما حُدّدت التكلفة القصوى لكل منزل بـ 2500 فرنك. وكان يتعين على هؤلاء المعمرين التوفر على 2000 فرنك لشراء الماشية والأدوات اللازمة لزراعة العشرين هكتارا التي سُلـّمت لكل أسرة.

هنري دونان.. من النشاط التجاري إلى العمل الإنساني

وبمقربة من هناك، توجد آثار “جميلة” الرومانية المُدرجة في قائمة الإرث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو”. هنري دونان، ابن جنيف الذي وصل إلى سطيف في سن 25 عاما كموظف في المستوطنة السويسرية، أطلق اسم جميلة لاحقا على شركته الخاصة.

وكان دونان، الذي تحول من رجل أعمال إلى مؤسس الصليب الأحمر، قد كتب إعلانات نُشرت في “صحيفة جنيف” لتجنيد المُعمرين، تضمـّنت وعدهم بعمالة عربية رخيصة. وبعد سنوات قليلة، شيـّد دونان مطاحن قمح، وأنشأ شركة مطاحن جبل جميلة بالقرب من المدينة الرومانية.

واليوم، مازالت مطاحن دونان قابلة للاستعمال، كما وُضعت في ركن أحجارُ الرّحى التي صُنعت في ذلك العهد في كوربي/Corbeil (فرنسا). وتُثبت إحدى تلك الأحجار التي تحمل تاريخ 1859 أصالة هذه المطاحن التي ستؤدي بـ “دونان الإفريقي” إلى الإفلاس.

ففي ذلك العام، شدّ دونان الرحال إلى سولفيرينو الإيطالية أملا في لقاء الإمبراطور نابوليون لعله يحصل على تنازلات تجارية لإنعاش أعماله في الجزائر. وبعدما عاين دونان الواقع الرهيب في ساحة معركة سولفيرينو والأعداد الهائلة من الضحايا التي ظلت من دون مساعدة، فكر في تأسيس الصليب الأحمر في عام 1862. فهو لـم يكن يعلم حينها أنه سيُكافأ يوما ما بجائزة نوبل للسلام… عندما مُنحت للمرة الأولى عام 1901.

حمى وتيـفوس وكوليرا

في ذلك الوقت، كان يُعدُّ المـعمرون السويسريون في سطيف بالمئات. ولكنهم كانوا بدؤوا يستشعروا خيبة الأمل وزوال الوهم. مما دفع عشرة منهم إلى كتابة رسالة مشتركة إلى السيد بارون جانجان جاء فيها: “إنه من المستحيل تماما أن ندفع ثمن المزارع. لقد وعدتمونا بمراعي جميلة، وبأننا سنجد قمحا مزروعا بكميات (كبيرة). نحن نطالب بأن يتم إيواءنا كالسويسريين وليس كالعرب. فلا يمكننا أن نحتفظ بحيواناتنا في بيوتنا مثلهم. كما نسألكم سداد أموالنا في أقرب وقت مُمكن”.

لكن المصائب انهالت على المستوطنة السويسرية، بحيث دمّرت العواصف المنازل والمحاصيل، وضربها وباء الكوليرا في يوليو 1854. وفي نهاية نفس العام، سُجلت 100 حالة وفاة من أصل 388 ساكنا.

ولم يكن كلامُ الجنرال القائد لفرع سطيف رقيقا إزاء المـعمرين بحيث تحدث عنهم باعتبارهم ينتمون إلى سلالة من البشر ذوي “سُلوكيات وديعة لكنها قليلة النشاط، وروتينية العادات، ومصرة على اتباع قواعدها الصحية السيئة، لا تتميز بالكثير من النظام ولا النظافة، كما تفتقر إلى التحفظ. فبعض المنازل قد تأوي ثلاثة أسر في نفس الوقت. وهذا الازدحام هو الذي يُنسب له جزء كبير من الأمراض”.

تـفسـير آخر

لكن المؤرخ كلود لوتسلشفاب وجد تفسيرا آخر. ففي أطروحته التي نُشرت عام 2007، تحدث هذا الأستاذ للتاريخ الاقتصادي والاجتماعي في جامعة نوشاتيل عن “التعايش القسري للمستوطنين والسكان الأصليين في مجال الزراعة (…). وكان المَخرج الوحيد الممكن بالنسبة للأوروبيين في مناطق السهول المرتفعة تلك التحول نحو الزراعة الرأسمالية التي ظهرت في عقدي 1890-1900”.

وفي عام 1958، قبل استقلال الجزائر، كانت الشركة الجنيفاوية (نسبة لجنيف) للمستوطنات السويسرية موضع مصادرة من قبل الحكومة الفرنسية. وبعد شراء الأراضي من آخر المُعمرين، أعيد توزيعها على السكان الأصليين، ليُسدل الستار على فصل نادر من الاستيطان السويسري.

سويس انفو – اعتمادا على تقرير بالفرنسية لأوليفـيي غريفا

يتواصل في لوزان من 19 إلى 28 سبتمبر.

تحل على المعرض الخطوط الحديدية الفدرالية “CFF” كضيف شرف، وكانتون سانت غالن كضيف شرف وطني، والجزائر كضيفة شرف دولي.

سيكون المعرض الوطني، الذي ينظم تحت شعار التنقل والمواصلات، “المحطة 15” لميترو الأنفاق الجديد في لوازان M2 الذي دُشن يوم الخميس 18 سبتمبر والذي يعد أول ميترو آلي تماما في سويسرا. لكن المحطة 15 ليست سوى محطة افتراضية لأنها توجد خارج خط الميترو الجديد وخُصصت لاكتشاف الابداع والتجديد في مجال التنقل.

هاجرت أكثر من 100 أسرة سويسرية إلى سطيف بين يناير 1853 ومارس 1854، ومن بينها عائلات:

أوبيرتيت/Aubertet، بادو/Badoux، باندري/Banderet، باربي/Barbey، بارو/Barraud، باسي/Basset، بو/Baud، بوفي/Bovet، كافان/Cavin، شابوي/Chapuis، شابوي/Chappuis، كلافيل/Clavel، كورفوازيي/Courvoisier، دوليون/Dellient،دولوش/Deluche، دومارتين/Demartines، دوسو ليغليز/Dessous L’Eglise، دوفو/Devaud، دوفوازان/Duvoisin، إيميري/Emery، إيتنو/Ethenoz، فافي/Favez، فافر/Favre، غاتابان/Gatabin، غيار/Gillard، غيتا/Gétaz، جيرار/Girard، جانجان/Gingins، غرو/Gros، غينيار/Guignard، جاكو/Jaccoud، جاتون/Jaton، هولير/Huller، كنيبيل/Knebel، هيرتر/Herter، لانييل/Lagnel، مانيان/Magnin، ميشو/Michaud، ميشو/Michot، موني/Monnay، ني-فالوتون/Ney-Vallotton، أوغي/Ogay، بونشو/Panchaud، ريشار/Richard، رونو/Renaud، سين/Senn، سيري/Serex، سبيشيغر/Spichiger، تابور/Tabord، تانتوريي/Tinturier، فالي/Valet، فياند/Viande، فوليامي/Vulliamy، ويليامو/Wulliamoz.

(المصدر: هجرة أهالي كانتون فو إلى الجزائر، المجلة التاريخية لكانتون فو)

(Emigration vaudoise en Algérie, Revue historique vaudoise)

«La Compagnie genevoise des Colonies suisses de Sétif (1853-1956)», par Claude Lützelschwab, Ed. Peter Lang, Berne.

«Emigration vaudoise en Algérie» par Patrick R. Monbaron, Revue historique vaudoise.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية