مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

استقالة وزير الدفاع قد تمهِّـد لعودة “مشروطة” لليمين المتشدد

بعد استقالة سامويل شميد، سيلتحق وزير (أو وزيرة) جديد (ة) للعمل في القصر الفدرالي في برن ابتداءً من 1 يناير 2009 Keystone

عمليا، أصبح وزير الدفاع السويسري سامويل شميد جزءً من الماضي أو يكاد، وتحوّل السؤال الحقيقي، الذي تموج به الساحة السياسية في برن، عن الشخص الذي سيُـعوِّضه في تشكيلة الحكومة الفدرالية.

من الناحية المنطقية، يُـفترض أن يتيح هذا الشغور لحزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، إمكانية العودة إلى السلطة، بعد أن قرر في ديسمبر 2007 التحوّل إلى المعارضة، لكن بقية الأحزاب تضع شروطا مُـسبقة لذلك.

على الرغم من أن حزب الشعب هو أكبر حزب سياسي في سويسرا، إلا أنه لا يتوفّـر حاليا على أي ممثل له في الحكومة، بعد أن التحق كل من سامويل شميد (وزير الدفاع) وإيفلين فيدمر شلومبف (وزيرة العدل والشرطة) بالحزب البورجوازي الديمقراطي، الذي تأسس مؤخرا، بعد إنشقاق عن حزب الشعب السويسري.

في التقاليد السياسية للكنفدرالية، يتم تعويض وزير مغادر بعضو ينتمي إلى نفس الحزب، لكن ذلك لن يحدُث بالنسبة للحزب الديمقراطي البورجوازي، حيث ستكون حظوظ أحد مرشحيه للظفر بالمنصب، ضئيلة جدا.

ويوضِّـح أوسكار ماتسوليني، الخبير السياسي المتخصص في شؤون حزب الشعب السويسري، أن ذلك سيكون “صعبا إلى حدٍّ كبير، نظرا لأن هذا الحزب لم يُـثبت بعدُ جدارته على المستوى الانتخابي”، مشيرا إلى أنه، في صورة فوز مرشّـح من هذا الحزب بمقعد في الحكومة الفدرالية، “فإنها ستكون المرة الأولى التي يُـنتخب فيها عضو في الحكومة، دون توفُّـره على مجموعة برلمانية وعلى حزب له حضور على المستوى الوطني”.

ويعني هذا أن الحلّ المتمثِّـل في اختيار البرلمان لوزير ينتمي إلى الحزب الديمقراطي البورجوازي، غير عملي. وفي هذا الصدد، أعلن الحزب يوم 11 نوفمبر أنه لن ينافس على خلافة سامويل شميد.

الوفاق الذي لا مفرّ منه

انسحاب سامويل شميد من الحلبة السياسية، سيكون إذن مناسبة لعودة حزب الشعب السويسري إلى التسيير الحكومي، وهو ما لم يُـرفض أبدا من طرف بقية الأحزاب الكبرى. وبالفعل، فإن الحزب الذي حصُـل على أكثر من 30% من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (أكتوبر 2007)، يظل أكبر حزب سياسي في البلاد، وهو ما يُـخوِّله بصفة مشروعة، المطالبة بالحصول على مقعدين من المقاعد الوزارية السبعة في الحكومة الفدرالية.

لكن منطِـق الأرقام لا يكفي لوحده، إذ أن المشاركة في الحكومة، تتطلّـب توفّـر القُـدرة على التعاون مع الأحزاب الأخرى وعدم السير في الاتِّـجاه المعاكس لنظام الوفاق، الذي يحظى بالأولوية في الممارسة السياسية السويسرية.

وقد أدّى النقص في الممارسة الوفاقية بالتحديد إلى خسارة كريستوف بلوخر، زعيم حزب الشعب، لمقعده الوزاري في ديسمبر الماضي، حيث قرّر البرلمانيون في نهاية المطاف، عدم التجديد له بعد أن سئموا من ممارسته المزدوجة لورقتي الحُـكم والمعارضة.

اليوم، لا تريد الأحزاب الثلاثة الأخرى المشاركة في الائتلاف الحكومي، تِـكرار المرور بنفس التجربة، وهو السبب الذي دفعها إلى وضع شروط مقابل عودة حزب الشعب السويسري إلى الحكومة، حيث صرّح فولفيو بيلّـي، رئيس الحزب الراديكالي، أنه “يجب على حزب الشعب أن يتخلّـى عن سياسته المعارضة”.

الحزبان الحكوميات الآخران، عبّـرا عن نفس التوجّـه، وأضاف كل من كريستيان لوفرا، رئيس الحزب الاشتراكي وكريستوف داربولي، رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي، شرطا آخر، يوجِـب على حزب الشعب السويسري دعم نهج العلاقات الثنائية (المتّـبع منذ بداية التسعينات) مع الاتحاد الأوروبي.

اختيار عسير

من جانبه، عبّـر حزب الشعب السويسري عن رغبته في العودة مجددا إلى الحكومة على لسان رئيسه طوني برونّـر، الذي لم يُـعلن بعدُ عن اسم المرشّـح (أو المرشحين) الرسمي للحزب، ومن المنتظر أن تقوم فروع الحزب في الكانتونات باقتراح عدد من الأسماء، فيما ستؤول الكلمة الأخيرة إلى المجموعة البرلمانية لحسم الاختيار.

في الأثناء، يُـمكن القول بأن الأمور صارت واضحة. فمن أجل استعادة إحدى حقائبه، سيتوجّـب على حزب الشعب السويسري تقديم مرشّـح بإمكانه الحصول على أغلبية في صفوف البرلمانيين، أي بكلمة أخرى، مرشّـحا معتدلا وغير ممثِّـل للجناح المتصلِّـب في الحزب.

ويقول الخبير السياسي أوسكار ماتسوليني في معرض تحليله للموقِـف “يتمثل السؤال في معرفة ما إذا كانت لدى حزب الشعب نيّـة التقدّم مجدّدا باعتباره حزب حكومة، لكننا لا نعرف ما إذا كان الحزب سيصِـل إلى اتفاق حول مرشّـح (وحيد)، أما الحلّ، فقد يتمثّـل في اقتراح مرشّـحين أو ثلاثة رسميين، يُـمكن أن يُـعتبر أحدهم، على الأقل، معتدِلا من طرف الأحزاب الأخرى”.

وبرأي المسؤولين عن حزب الشعب السويسري، فإن الفضل في التقدّم الكبير المسجّـل على مدى الأعوام الماضية، يعود إلى التيار الذي يُـمثله كريستوف بلوخر، لذلك، فإن البرلمانيين – بانتخابهم ممثِّـلا عن حزب الشعب أكثر اعتدالا في الحكومة – لا يحترمون إرادة الشعب ولا التيار المهيمن داخل الحزب. وفي مثل هذه الظروف، فإن الخيار الوحيد المتاح لحزب الشعب، يتمثل في الانخراط في سياسة معارضة للحكومة.

حيرة الناخبين

المشكلة هنا هو أن سياسة المعارضة هذه، التي أطلِـقت في أعقاب الإطاحة بكريستوف بلوخر، لا تُـؤتي ثمارها، حسب ما يبدو، إذ تزداد حيرة ناخبي حزب الشعب تُـجاه هذه التشكيلة السياسية، التي لا تتوقّـف عن تغيير رأيها، وخاصة فيما يرتبط بملف العلاقات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي، وهي حيرة بدأت تُـترجم عن نفسها في خسائر في صناديق الاقتراع، مثلما سُـجِّـل مؤخرا في انتخابات محلية في كانتون شافهاوزن.

في المحصِّـلة، يجد الحزب نفسه بعد استقالة سامويل شميد، بوجه اختيار عسير، يتراوح بين التخفيف من تشدّده، كي يتمكّن من العودة إلى السلطة أو الاستمرار في السَّـير على نهج المعارضة الخطير.

ومهما يكن من أمر، يبدو الحزب اليوم في مفترق طُـرق، حيث يستخلص أوسكار ماتسوليني أن “حزب الشعب السويسري مُـجبر الآن على الاختيار، فهو مُـجبَـر على التقدّم (أمام البرلمان)، إما كحزب حكومي أو كحزب معارض”.

سويس انفو – أوليفيي بوشار

ولد سامويل شميد، وزير الدفاع وحماية السكان والرياضة السويسرية سنة 1947. وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال.

درس القانون في جامعة برن، ومارس المحاماة وكان ضابط عدلية أيضا.

بدأ مشواره السياسي من جماعته المحلية (البلدية) بمنطقة روتي بي برن، أولا كعضوا بمجلسها التشريعي ثم إلتحق بدائرتها التنفيذية.

شغل على المستوى الكانتوني مقعدا في برلمان كانتون برن بين سنتيْ 1982 و1993.

إبتداء من 1994، اصبح له حضورا على الساحة الوطنية، أولا كنائب بمجلس النواب (1994، 1999)، ولاحقا كعضوا بمجلس الشيوخ (1999-2000) وكان يترأس حينها المجموعة البرلمانية التابعة لحزب الشعب السويسري.

انتخب عضوا بالحكومة الفدرالية في 6 ديسمبر 2000، وبدأ مهامه كوزير للدفاع وحماية السكان والرياضة في غرة يناير 2001. كما شغل منصب رئاسة الكنفدرالية في عام 2005.

يوم 21 يونيو 2008، انسحب نهائيا من حزب الشعب السويسري وأسس، رفقة منشقين ينتمون إلى الجناح المعتدل في الحزب، فرع الحزب البورجوازي الديمقراطي في برن.

يوم 1 نوفمبر 2008، شارك في تأسيس الحزب البورجوازي الديمقراطي، على المستوى الوطني.

يوم 12 نوفمبر 2008، أعلن بشكل مفاجئ عن استقالته من منصبه كوزير للدفاع في الحكومة الفدرالية يوم 31 ديسمبر 2008.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية