مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اقبال ملفت من السويسريين على أنشطة جمعية داعمة لأطفال غزة

مشهد من واقع أطفال غزة في مخيم الزيتون بقطاع غزة في 15 مايو 2011 Keystone

شهدت نشاطات جمعية "أطفال غزة" السويسرية إقبالا كبيرا من الجمهور في جنيف، خاصة وأنها استضافت شخصيات مشهورة على الساحة الدولية مثل الطبيب النرويجي ماد جيلبيرت الذي عالج جرحى القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، والمناضل الفرنسي ضد النازية، والدبلوماسي والمفكر ستيفان هيسل.

swissinfo.ch تحدثت مع نائبة رئيسة الجمعية لاورانس ديونا، للتعرف أكثر على نشاطات الجمعية ومساهمتها في تمويل مشاريع خيرية.  

أسست جمعية “أطفال غزة” الإنسانية في عام 2010 من قبل مجموعة من الشخصيات السويسرية من مختلف الآفاق يجمعهم “تأثرهم وصدمتهم بالطريقة التي تصرفت بها إسرائيل في قطاع غزة، فقرروا القيام بتحرك من أجل مساعدة أطفال القطاع”، مثلما تقول نائبة رئيسة الجمعية الكاتبة والصحفية السويسرية لاورانس ديونا.

وعن سبب تركيز هذه الجمعية على الأطفال بالذات، تجيب هذه الأخيرة: “لأن ما شاهدته في بيروت من قبل واليوم في غزة، يدمي القلب، وعندما تنظر لصبي بريء فقد أطرافه أو عينيْه لا تجد كلمات تعبر بها. لهذا اخترنا الاهتمام بمساعدة الأطفال بالدرجة الأولى لأنهم يمثلون المستقبل”.

أما الطريقة التي اختاروها للمساعدة، فهي “جمع الأموال وإرسالها إلى جمعيات عاملة في قطاع غزة ومهتمة بقضايا الأطفال. وتوضح السيدة ديونا ضمن هذا السياق: “ليست لدينا بنية قائمة في قطاع غزة، كمؤسسة طبية أو دار لرعاية الأطفال، بل نكتفي بجمع الأموال هنا في سويسرا وتقديمها لمؤسسات قائمة وتنشط على عين المكان.

واعتمدت جمعية “أطفال غزة” السويسرية طريقة متميزة لجمع الأموال والتحسيس بمعاناة أطفال غزة من خلال تنظيم أمسيات نقاش مفتوحة للجميع، حول جانب من معاناة قطاع غزة عموما، ومعاناة الأطفال خصوصا. وتتم دعوة شاهد عيان أو شخصية مؤثرة تقدم شهادتها عن موضوع النقاش. وقد لقيت تلك الأمسيات إقبالا كبيرا من الجمهور في جنيف، لا سيما في أوساط المثقفين والطلبة نظرا لانعقادها في إحدى جامعات جنيف.

شهادة ميدانية مؤثرة لطبيب

أولى أمسيات الجمعية التي نظمتها في شهر فبراير 2011، تمثلت في استضافة الطبيب النرويجي ماد جيلبيرت، الذي عايش، إلى جانب زميله ومواطنه إيريك فوس، أحداث الحرب التي شنّتها إسرائيل ضد قطاع غزة ما بين نهاية عام 2008 وبداية 2009، وعاين معاناة الفلسطينيين من داخل أحد مستشفيات قطاع غزة. ثم نقل تلك المعاناة لاحقا إلى الرأي العام العالمي من خلال شهاداته التي تناقلتها وسائل الإعلام.

وعن شاهد العيان هذا، تقول لاورانس ديونا: “لقد قضى 12 يوما هو وزميله إلى جانب الفلسطينيين، وتحت القصف الإسرائيلي خلال الهجوم الذي سمي بعملية الرصاص المسكوب. وكانا الطبيبين الأجنبيين الوحيدين”.

وتضيف هذه المسؤولة: “لقد كان يساعد في علاج المصابين تحت القصف المستمر، ويقوم في نفس الوقت بتوثيق ويلات القصف على المدنيين ونقلها لكل أنحاء العالم، نظرا لفرض إسرائيل حصارا على الإعلام. وبفضل شهادات هاذين الطبيبين، استطاع العالم معرفة حقيقة الوضع خصوصا وأنهما طبيبين ويعرفان حقيقة الإصابات ونوعية الأسلحة المستعملة”.

توافد الجمهور السويسري بكثرة على هذه الأمسية سمح للجمعية بجمع حوالي 10 آلاف فرنك سويسري. وهذا المبلغ مُنح لجمعية يشرف عليها طبيب نفساني في قطاع غزة تحاول معالجة  التأثيرات النفسية للحرب على الأطفال. 

وعن اختيار دعم جمعية الطب النفسي تقول ديونا: “اختيار الاهتمام بالجانب النفسي لأطفال غزة يرمي إلى تفادي التأثيرات النفسية التي قد تتراكم لدى أطفال لم يعرفوا غير الحرب، وفي منطقة تعتبر بمثابة سجن لا يمكنهم مغادرته”.

نصرة أطفال غزة من قبل مناضل تجاوز 94 من العمر

الأمسية الثانية التي نظمتها جمعية “أطفال غزة” السويسرية استضافت أحد رموز النضال من أجل العدالة والحرية والمساواة في العالم، وسجين مخيمات النازية السابق، وصاحب فكرة “الثورة من أجل الكرامة” التي حركت أغلب العواصم الغربية اليوم بعد ثورات الربيع العربي. إنه الدبلوماسي الفرنسي السابق ستشفان هيسل. 

  

وعن هذا الاختيار، تقول لاورانس ديونا: “كنا نعرف التزام ستيفان هيسل من أجل فلسطين ومن أجل غزة بالخصوص، لأنه ليس فقط شخص يكتفي بالحديث عن معاناة الفلسطينيين، بل إنه تردد على أرض فلسطين لأكثر من 10 مرات رغم تقدم سنه”.

وتابعت قائلة: “استضافته سمحت بتقديم شهادة صادقة لرجل مر بمخيمات الاعتقال النازية، ومقاوم لازال يحمل ندوم القهر. وكان حديث هذا الرجل المتقدم في السن عن معاناة سكان غزة بمثابة رد أيضا على من يروج بأننا نقوم بدعاية ضد دولة إسرائيل التي من حقها العيش أيضا. ومن يستمع إلى شهادته يدرك جيدا عمق المعاناة التي يعيشها سكان قطاع غزة”.

الإعلان عن حضور ستيفان هيسل في مدرج الجامعة للحديث عن أطفال غزة، جلب جمهورا غفيرا تجاوز 600 شخص. كما سمح بجمع مبلغ 15 ألف فرنك. وقد قررت جمعية “أطفال غزة” تخصيص هذا المبلغ لدعم الجمعية الخيرية الفرنسية العاملة في القطاع “صوت الطفل” التي اختارت ستيفان هيسل وزوجته كريستيان كرئيسي شرف، والتي تدعمها شقيقة الممثلة الفرنسية كارول بوكيه، التي تحاول “إعادة البسمة إلى شفاه أطفال غزة، وإعادة تذوق طعم الحياة، بتنظيم جلسات رسم أو ألعاب في المدارس”، كما توضح ديونا.

اهتمام الجمهور رغم الجمود السياسي

ما يجلب الانتباه هو أن الأمسيتين اللتين نظمتهما جمعية “أطفال غزة” السويسرية جلبتا جمهورا حاشدا أكثر مما هو معتاد في الأمسيات الإنسانية. وهو ما دفع لاورانس ديونا إلى التساؤل عن هذا التناقض “بين جمهور غفير يلبي الدعوة كلما نُظم نقاش عن القضية الفلسطينية ويعرب عن استعداده للمساهمة، وبين جمود على المستوى السياسي وفي أعلى المستويات لحل المشكلة القائمة منذ ستين عاما”.

نتذكّر هنا أيضا أن الاقبال من الجمهور خلال الاجتماع الذي نظمته رئيسة الكنفدرالية السويسرية ميشلين كالمي-ري بجامعة جنيف في محاولة منها  لإعادة إحياء مبادرة جنيف لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كان كبيرا أيضا . فهل تنظر ديونا إلى مبادرة جنيف كأرضية للحل وهل تعتقد بأن ذلك ممكنا؟ سارعت إلى الإجابة قائلة: “يجب أن نتمسك دوما بالأمل وإلا فإنها النهاية، لكنني لا أرى بوادر في الوقت الحالي لإمكانية هذا الحل”.

وتتذكر كيف أنها عند زيارتها مع زوجها  لفلسطين وإسرائيل قبل أربعة أعوام كانا يسألان الفلسطينيين عن مبادرة جنيف فكان الجواب إما جهل تام بها، أو عدم اكتراث، أو تشكيك في قدرتها على إنصاف الفلسطينيين.

أثناء حديث لاورانس ديونا نائبة رئيسة جمعية “أطفال غزة” السويسرية عن شهادة المناضل الفرنسي ستيفان هيسل بخصوص الأوضاع في قطاع غزة، وصفت الجو الذي كان سائدا أثناء تقديم ستيفان هيسل لشهادته قائلة: “إن المدرج الذي كان به أكثر من 600 مشارك، ساده صمت هائل طوال فترة تقديم شهادته، خصوصا أنه بدأ حديثه بقوله “قول الحقيقة، ترف اسمح لنفسي بالقيام به لأنني في سن متقدم”.

ثم أضافت: “كان حديث هذا الرجل المتقدم في السن عن معاناة سكان غزة بمثابة رد أيضا على من يروج بأننا نقوم بدعاية ضد دولة إسرائيل التي من حقها العيش أيضا. ومن يستمع إلى شهادته يدرك جيدا عمق المعاناة التي يعيشها سكان قطاع غزة”.

هذه الجملة دفعت زوج لاورانس ديونا السيد فرج موسى، المسؤول السابق بأحد مكاتب الجامعة العربية في الخارج، إلى تقديم الملاحظة التالية: “إن هذا الإقبال الذي يلاقيه مدافع عن القضية الفلسطينية مثل ستيفان هيسل هنا في الغرب، تقابله لا مبالاة وجهل بنضال الرجل في العالم العربي”.

وشرح السيد فرج موسى ذلك بقوله: “اندهشت من جهة لهذا الإقبال الذي لقيه تدخل ستيفان هيسل  في جنيف بحيث تم اللجوء لفتح مدرج آخر للسماح للجمهور بمتابعة شهادته عبر شاشة عرض. ومن جهة أخرى، تساءلت لكون عالمنا العربي لا يعي بعد أهمية شهادة هذا الرجل وما يقدمه للقضية الفلسطينية.

هذا ما آسف له لأن الرجل الذي سمح كتابه الذي نشر في أكثر من مليوني نسخة لتحريك ضمائر الناس في العالم. وهذا التقصير نتحمل مسؤوليته في العالم العربي، ويتحمل مسؤوليته الإعلام العربي، والدبلوماسيون الفلسطينيون والعرب لأننا لا نحاول التعرف على من يقف إلى جانبنا، وعلى أصدقائنا الفعليين. وستيفان هيسل صديق فعلي للقضية الفلسطينية”.      

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية