مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأجانب واللاجئون بين الهجوم والهجوم المضاد

تتميز مراجعة قانون اللجوء بـتشديد ملفت في مجال جمع شمل الأسر الذي لن يكون متاحا إلا بعد ثلاث سنوات (إن لم يعارض الناخبون السويسريون الاستفتاءين المضادين لقانوني اللجوء والأجانب) Keystone

أصبحت الكرة في ملعب الناخب السويسري فيما يتعلق بمراجعة قانوني الأجانب واللجوء التي صادقت عليها غرفتا البرلمان الفدرالي في ديسمبر الماضي.

فبعد نجاح معارضي تشديد القانونين في جمع التوقيعات اللازمة لطرح استفتاء شعبي مُزدوج ضد التعديلات الجديدة، سيقوم الناخبون بدور الحكم لفض معركة سياسية ذات أبعاد إنسانية واقتصادية هامة.

شهد الأسبوع المنصرم في سويسرا تحركات مُلفتة في أوساط المؤيدين والمعارضين لمراجعة قانوني الأجانب واللجوء التي صادق عليها البرلمان الفدرالي في ديسمبر الماضي.

وبدا واضحا من تلك التحركات وما تضمنته من تصريحات ومواقف ومبررات أن الساحة السياسية والمدنية في الكنفدرالية انقسمت إلى مُعسكر يـُغرب، وآخر يُشرق، وكأن تلك الأصوات المُتباينة ليست لأبناء نفس البلد.

وجهات نظر مختلفة ومتعارضة تماما إزاء الأجانب واللجوء. مُعسكر يؤمن بالمزيد من الحذر والتشدد إزاء الأجنبي واللاجئ، وآخر يذكر بالتقاليد الإنسانية لسويسرا ومبادئ القانون الدولي.

الأول، بزعامة وزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر من حزب الشعب اليميني المتشدد، يركز على الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها ذلك الأجنبي وذلك اللاجئ، والثاني بقيادة اليسار والخضر ومنظمات المجتمع المدني والأوساط القريبة من الكنائس، ينوه إلى مُساهمة هذا الأجنبي وذاك اللاجئ في بناء وازدهار سويسرا. عالمان ولغتان وقطبان قد يصعب جسر الهوة بينهما.

وفي بلد الديمقراطية المباشرة، تقع مهمة الفصل بين الخصمين على عاتق الناخب السويسري بعدما نجح “التحالف من أجل سويسرا إنسانية” و”لجنة معارضة مراجعة قانوني الأجانب واللجوء” بزعامة الوزيرة ورئيسة الكنفدرالية السابقة، الاشتراكية روت درايفوس، ودعم عدد كبير من السياسيين وعشرات المنظمات غير الحكومية ومنظمات التعاون، في تجميع التوقيعات اللازمة لطرح استفتاء شعبي مُزدوج ضد القانونين.

تجاوز “الخط الأحمر”

وخلال التجمع الذي نظم بمناسبة تسليم التوقيعات يوم الخميس 6 أبريل الجاري للمستشارية الفدرالية في العاصمة برن، (أكثر من 90000 لفائدة الاستفتاء ضد قانون اللجوء، وأكثر من 74000 للاستفتاء ضد قانون الأجانب، علما أن عدد التوقيعات الضرورية لعرض قانون حصل على مصادقة البرلمان في استفتاء شعبي هو 50000)، برر أصحاب الاستفتاء المزدوج تحركهم بـ”تجاوز القانونين الجديدين للخط الأحمر”، وبـ”انتهاكهما للدستور” و”معارضتهما للقانون الدولي”.

وأشادت شخصيات سياسية بارزة بنجاح حملة الاستفتاء المُزدوج مُُهاجمة بشراسة “القانون البلوخيري” (نسبة إلى وزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر، المكلف بملف الأجانب واللجوء في الحكومة الفدرالية).

المُتدخلون أدانوا نقطتين أساسيتين في مجال اللجوء:

1 – مواصلة تطبيق قرار إلغاء المساعدات الإجتماعية لكافة اللاجئين الذين رُفضت طلباتهم (باستثناء الحالات التي يثبت أنها في حاجة ملحة لأدنى المساعدات الإنسانية).

2- التشديد المُتزايد إزاء الأشخاص الذين لا يستطيعون تقديم أوراق هوية أو وثائق سفر في الساعات الثمان والأربعين الأولى بعد وصولهم إلى سويسرا.

وحول هذا الإجراء، تساءلت هيشو بانيني، من التعاون البروتستانتي: “كيف يمكن لشخص الحصول على أوراق مشروعة عندما يكون قد تعرض للاضطهاد؟”.

ومن الإجراءات التضييقية التي ندد بها أصحاب الاستفتاء المزدوج والتي ستطبق على طالبي اللجوء والأجانب غير المرغوب فيهم على حد سواء، تمديد فترة الاعتقال لسنتين (ولعام للقـُصر) في انتظار الترحيل القسري من الكنفدرالية.

وفي هذا السياق، أعربت السيدة روت درايفوس التي يعود لها الفضل في إطلاق الاستفتاء المُزدوج عن اعتقادها أن معاملة هؤلاء الأشخاص كـ”مجرمين” أمر “غير مقبول”، خاصة أن “جريمتهم” كانت “الحلم بمستقبل أفضل”.

وهاجمت الوزيرة ورئيسة الكنفدرالية السابقة في خطابها القانون حول الأجانب الذي “لم يـُصِب هدفه” حسب اعتقادها. ولئن أقرت السيدة درايفوس بضرورة أقلمة السياسة السويسرية في مجال الهجرة مع مطالب الاقتصاد، فإنها أكدت أن الاستجابة لتلك المطالب لا يجب أن تتم عبر إقصاء العمال غير الأوروبيين غير المؤهلين، مشيرة إلى أن الاقتصاد يحتاج أيضا لتلك الفئة التي يريد القانون الجديد إقصاءها تماما.

وأضافت الاشتراكية درايفوس “هذا القانون يشجع بالتالي الناس على طلب اللجوء أو التحول إلى مهاجرين سريين”. كما جددت التزامها من أجل “سياسية لجوء حقيقة”، مؤكدة أنها ستواصل نضالها ضد “معاداة الأجانب”.

من جهتها، قالت النائبة مونيكا شتوكر من حزب الخضر التي تترأس لجنة مناهضة القانونين إلى جانب السيدة درايفوس “يلزمنا قانون حول الهجرة وليس قانونا خاصا لغير الأوروبيين”، مضيفة أن الحلول المقترحة ليست إلا “علاجا بديلا”، ولن تمنع الأشخاص المعنيين من البقاء في سويسرا في وضع غير شرعي ومحفوف بكافة الأخطار التي ترافق الهجرة السرية.

وزيرة الخارجية تدخل على الخط…

ولم تمر 24 ساعة على إشارة النائبة شتوكر إلى الافتقار لـ”قانون حول الهجرة”، حتى أكدت ذلك وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي ري في خطاب ألقته يوم الجمعة 7 أبريل في مدينة بيين بمناسبة اليوم السنوي للمساعدات الإنسانية السويسرية الذي نظمته وكالة التنمية والتعاون التابعة لوزارة الخارجية.

وأمام حضور ناهز 800 شخصا في هذا اليوم الذي انعقد تحت شعار “هاربون” إشارة إلى اللاجئين والنازحين في العالم، قالت السيدة كالمي ري “عندما نتحدث عن المهاجرين، نفكر غالبا في الأجانب أو اللاجئين، في طالبي اللجوء أو اليد العاملة. تفكيرنا شامل بالتأكيد لكن تحركنا يظل مرتبطا بأحد تلك القطاعات. وبالتالي، تتعلق القرارات التي نأخذها فقط بالأجانب، باللجوء، بالسياسية الأوروبية أو سوق العمل. نحن لا نتوفر على هيئة تابعة للدولة تكرس نشاطها للجوانب المختلفة للهجرة، ينقصنا قانون حقيقي حول الهجرة”.

وبعد التذكير بأن عدد الأجانب في سويسرا تجاوز 1,5 مليون شخصا، أي ما يعادل خُمس إجمالي السكان، وأن ثلاثة أرباع الأجانب مولودون في سويسرا أو يقيمون فيها منذ أكثر من ثمان سنوات، وبأن أعداد اللاجئين في انخفاض مستمر منذ عام 2003، انتقدت وزيرة الخارجية مراجعة القانونين حول الأجانب واللجوء قائلة إنهما “يدفعان للتساؤل إن لم تكن بعض الإجراءات (الواردة فيهما) تخالف مبدأ المساواة أمام القانون والكرامة الإنسانية والحرية الشخصية، وهو ما قد يكون غير مقبول سواء على المستوى الأخلاقي أو القانوني”. وتابعت الوزيرة: “مهما كان القانون مقيدا، فلا يجب أن يمنع رجالا ونساء من القدوم للبحث عن عيش أفضل لدينا للإفلات من الجوع والعنف وغياب مشاريع الحياة”.

وأكدت السيدة كالمي ري على ضرورة “التفكير بجدية في السبل الكفيلة بالاستفادة بشكل أفضل من الجوانب الايجابية للهجرة والحد من تأثيراتها السلبية”، داعية إلى عدم تجاهل دور الأجانب واللاجئين الذين “يعود الفضل لهم أيضا في ازدهار سويسرا وتنوعها الثقافي” على حد تعبير الوزيرة.

كلامٌ لا يـنـفذ إلى آذان بـلوخر

غير أن تصريحات أصحاب الاستفتاء المزدوج ضد قانوني اللجوء والأجانب يوم 6 أبريل وما تلاه من تصريحات لوزيرة الخارجية اليوم الموالي، لم يحرك ساكنا لدى حزب الشعب السويسري الذي عبر بثقة كبيرة يوم 8 أبريل خلال تجمع في ماينفيلد بكانتون غراوبوندن عن دعم أكيد لوزيرهم كريستوف بلوخر إذ صوت زهاء 400 مندوب للحزب بالاجماع على مضمون القانونين.

وباسم الحكومة الفدرالية، أكد وزير العدل والشرطة أن التشديد المقترح “ضروري” لوضع حد لـما وصفه بـ”المشاكل الخطيرة التي شهدتها السنوات الماضية” في مجال الهجرة. ونوه في هذا الإطار إلى أن نسب البطالة والإجرام والمستفيدين من معاشات التأمين على العجز مرتفعة جدا في أوساط الأجانب المقيمين في سويسرا.

وقال السيد بلوخر: “سيكون الوضع مأساويا بالنسبة للساحة الاقتصادية السويسرية إذا ما استقبلت مؤسساتنا الاجتماعية العالم بأسره”.

وأوضح الوزير أن القانون الجديد حول الأجانب سيسمح بالحد من تدفق اليد العاملة الأجنبية إذ ستعطى الأولوية للعاملين المؤهلين من دول الاتحاد الأوروبي، كما سيسمح بمحاربة الانتهاكات، ومن بين تلك الانتهاكات، ذكر السيد بلوخر “الزواج الأبيض”.

وفي مجال الترحيل القسري، قال الوزير إن القانون الجديد حول اللجوء “ضروروي” لتسهيل تطبيق عمليات الترحيل، موضحا أن عددا كبيرا من اللاجئين لا يقدمون أية بطاقة هوية رسمية مما يحول دون ترحيلهم إلى بلدهم الأصلي.

وأضاف الوزير بهذا الشأن أن السلطات تكون مجبرة على البحث عن الاوراق لاكثر من ثلثي طالبي اللجوء الـ9500 الذين رفضت طلباتهم. ورغم أساليب التضييق المعمول بها، لاحظ الوزير أنه “يظل من الصعب حث طالبي اللجوء على التعاون من أجل ترحيلهم”.

“ضرورة” أم “غباوة”؟

في المقابل، لم يغفل السيد بلوخر التشديد على ان القانونين يعززان اندماج الاجانب الذين يمنح لهم حق البقاء في سويسرا (وهو أمر لا ينكره المعارضون لمراجعة القانونين) وان سويسرا ستواصل استقبال “اللاجئين الحقيقيين” (وهي عبارة تثير غضب معارضي المراجعة).

فالقانون الجديد للجوء لا ينظر في ملف اللاجئ الذي لا يقدم بطاقة هوية، مما يدفع معسكر الاستفتاء المزدوج إلى اعتبار هذا الإجراء “مجردا من معنى” اذا كان اللاجئ “مضطهدا حقيقيا”. كما يتخلى القانون عن منح اللاجئ حق المكوث لسبب إنساني ويحل محل ذلك حق مكوث مؤقت يُمنح للحالات الخطيرة فحسب. أما جمع شمل الأسر فلا يتم إلا بعد ثلاث سنوات، وإذا كان عمر أطفال اللاجئ يتجاوز 12 عاما، فيمكن أن يلتحق الطفل بأسرته في ظرف عام.

وبالنسبة للأجانب، يلغي القانون الجديد مثلا الحصول بشكل تلقائي على رخصة الإقامة الدائمة من نوع “C” بعد عشرة أعوام من الإقامة في سويسرا. أما أرباب العمل الذين يوظفون عمالا “بالأسود” (بشكل غير شرعي)، فسيقابلون بتشدد غير مسبوق أيضا.

هذه بعض الملامح الرئيسية لمراجعة القانونين الفدراليين حول الأجانب واللجوء، فبأي وجهة نظر سيقتنع الناخبون السويسريون الذين يتوقع أن يقولوا كلمة الحسم في سبتمبر القادم؟ هل سيشاطرون رأي مستشار الكنفدرالية السابق فرونسوا كوشبان الذي قال في تصريح لصحيفة “لا ليبرتي” الصادرة في فريبورغ (يوم 7 أبريل 2006) “إنها ليست سياسة متعلقة بالهجرة، بل غباوة”، أم سيرون في التضييقات الجديدة “إجراء ضروريا” بمفهوم وزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر؟

سويس انفو – إصلاح بخات

يعطي القانون الفدرالي الجديد حول الأجانب بوضوح الأولية لمواطني دول الاتحاد الأوروبي، بينما يحد الهجرة من الدول غير الأعضاء في الاتحاد، إذ يفتح الباب فقط للعمال المُؤهلين.
تم تشديد إجراءات جمع شمل الأسر بشكل ملفت.
يلغي القانون الفدرالي الجديد حول اللجوء المساعدات الإجتماعية لفائدة اللاجئين الذين رفضت طلباتهم ويضاعف فترة اعتقالهم إلى سنتين إلى حين ترحيلهم القسري من الكنفدرالية، كما تم التخلي عن استقبال اللاجئ لسبب إنساني.
في المقابل، تم تسهيل الحصول على ترخيص عمل وجمع شمل الأسرة في حالة الحصول على حق المكوث المؤقت.
تمت المصادقة على هذهين القانونين في ديسمبر الماضي من قبل البرلمان الفدرالي.
يوم 6 أبريل 2006، تم تسليم أكثر من 164000 ضد القانونين الجديديدن لطرح استفتاء شعبي يفترض ان يصوت عليه الناخبون السويسريون في سبتمبر القادم ليقول الشعب كلمة الحسم.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية