مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“وباء كورونا لا يجب أن يسمح للجناة بالإفلات من العقاب”

أشخاص يتظاهرون
صورة من الأرشيف تظهر أفراد عائلات من أولئك الذين "اختفوا" خلال دكتاتورية نظام أوغستو بينوشيه، وهم يطالبون بالعدالة. Copyright 2019 The Associated Press. All Rights Reserved.

 مع إجبار جائحة كوفيد- 19 إدارات السجون على اتخاذ تدابير لتحسين النظافة العامة، تؤكّد الأمم المتحدة على ضرورة قضاء المدانين بارتكاب انتهاكات في مجال حقوق الإنسان كامل عقوباتهم وعدم الإفراج عنهم أو تمكينهم من الإفلات من العقاب.   

 ويقول فابيان سالفيولي، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار إن التدابير الوقائية في السجون المكتظة يجب ألا تؤدي إلى تخفيف العقوبات المسلطة على المدانين بارتكاب جرائم إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية.

 ثم يضيف: “يحظر القانون الدولي الحالي اتخاذ أي تدابير من شأنها أن تؤدي إلى إفلات الأشخاص المدانين بارتكاب هذه الجرائم من العقاب”.

Fabián Salvoli
فابيان سالفيولي، مقرر الأمم المتحدة الخاص لتعزيز الحقيقة والعدالة وجبر الاضرار وضمان عدم تكرارها. ONU

 وفي نهاية أبريل الماضي، نشر سالفيولي مذكرة إعلامية موجهة للحكومات تدعو إلى “تجنّب اتخاذ هذا الوضع الوبائي الاستثنائي ذريعة للعفو أو للإفراج عن الأشخاص المحكوم عليهم في هذه الجرائم الخطيرة”. 

إصدار هذه الوثيقة دفعت إليه الحالة في أمريكا اللاتينية، وحالات محددة في الأرجنتين وتشيلي وبيرو، لكن سالفيولي، يشدد إلى أن هذه الوثيقة موجهة لجميع أنحاء العالم. هناك أشخاص أدينوا بارتكاب مثل هذه الانتهاكات في بلدان مختلفة بما في ذلك تنزانيا ورواندا.

وتقول مذكرة الأمم المتحدة: “أي تدابير من قبيل العفو العام، والعفو، والإعفاء من المسؤولية الجنائية، تعتبر لاغية وباطلة، وليس لها أي أثر قانوني”. 

 لكن الوثيقة تؤكّد في نفس الوقت على وجوب احترام الدول لحقوق السجناء خاصة في ظل جائحة كوفيد-19، وتجنب الاكتظاظ في السجون وضمان معايير النظافة في مراكز الاحتجاز. 

ومع ذلك، يؤكّد سالفيولي على أن مثل هذه الإجراءات الوقائية الضرورية ضد كوفيد- 19 “يجب ألا تؤدي إلى الإفلات من العقاب القانوني أو الفعلي”.

 أعمال شغب في السجون

 يقول دانيال بولومي، الرئيس السويسري لمنظمة “العدالة الدولية”، وهي هيئة مقرها في جنيف وتحارب الإفلات من العقاب “إن الدول ملزمة بضمان ظروف صحية لجميع السجناء، دون إستثناء، خاصة في ظل الوباء الحالي”. 

ويقول أيضا: “لقد رأينا مؤخرا صورا رهيبة للسجناء المكتظين في سجون السلفادور، بينما كانت هناك أعمال شغب في بلدان مختلفة، تطالب بتحسين ظروف الإقامة في السجون. لدي خبرة واسعة في زيارة السجون، خاصة في إفريقيا، وأعلم أنه من السهل على نظام السجون أن يصبح غير إنساني بسرعة”. 

مع ذلك، يقول بولومي”من المهم في هذه الحالة الوبائية إطلاق سراح سجناء الرأي – كما طالبت بذلك منظمة العفو الدولية – وإطلاق سراح أولئك الذين سجنوا لمجرد ارتكاب جرائم إدارية بسيطة. ولكن لا شيء يمكن أن يبرر إطلاق سراح المدانين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية”. 

كانت سويسرا أوّل بلد أنشأ مجموعة عمل للتعامل مع الماضي، كجزء من عملية نشر السلام في الخارج.

سويسرا إلى جانب الأرجنتين، كانت من داعمي الالتماس الداعي إلى إنشاء خطة مقرر الأمم المتحدة الخاص لتعزيز الحقيقة والعدالة وجبر أضرار الماضي وضمان عدم تكرارها.

المزيد
واجهة مبنى المحكمة الجنائية الفدرالية

المزيد

آمال متزايدة في إمكانية تقديم مجرمي الحرب إلى المحكمة

تم نشر هذا المحتوى على مع توقع إجراء أول محاكمة دولية لجرائم الحرب في سويسرا أمام محكمة غير عسكرية في الأشهر المقبلة، تقول منظمة ” ترايال إنترناشيونال ” TRIAL International السويسرية غير الحكومية أن حالات “الولاية القضائية العالمية” هذه في تزايد في جميع أنحاء العالم. وتقول إن سويسرا لديها العديد من القضايا الأخرى قيد الدرس والتحقيق، لكنها ما زالت بحاجة إلى زيادة وتيرة عملها في هذا المضمار. نظراً لتداعيات أزمة فيروس كورونا، أُجلت المحاكمة التي طال انتظارها لزعيم المتمردين الليبيريين السابقين إليو كوشيا، والتي كان من المقرر إجراؤها مبدئياً أمام المحكمة الجنائية الفدرالية السويسرية في أبريل الحالي، ولكن ما زال من المتوقع أن تتم هذه المحاكمة في وقت لاحق من العام. وتأمل فاليري بوليت، رئيسة تحرير مجلة “ترايال السنوية بشأن الولاية القضائية العالمية” المنشورة يوم الاثنين الماضي، في أن تفتح المحاكمة حقبة جديدة في وحدة الجرائم الدولية في سويسرا في مكتب المدعي العام (OAG). تقول فاليري بوليت لـ swissinfo.ch: “آمل أن تكون المحاكمة علنية وأن تحظى بتغطية إعلامية كبيرة لهذه القضية، كما آمل أن يكون ذلك حافزاً لوحدة الجرائم الدولية للمضي قدماً في التحقيق وإرسال لوائح الاتهام”. وتضيف: “نحن بحاجة إلى الإقرار بأهمية ما آلت إليه الأمور بأن كوشيا سيخضع أخيراً، وبعد ست سنوات من الانتظار، للمحاكمة؛ لقد حان الوقت لذلك”. كوشيا، القائد السابق لحركة التحرير المتحدة من أجل الديمقراطية في ليبيريا (ULIMO)، متهم بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب الأهلية الليبيرية الأولى بين عامي (1989-1996)، بما في ذلك أعمال عنف جنسي وقتل وأكل لحوم البشر وتجنيد الأطفال للقتال، وإجبار المدنيين على العمل في ظروف قاسية. وقد تم اعتقاله في سويسرا في نوفمبر 2014، وهو قيد الاحتجاز على ذمة التحقيق منذ ذلك الحين بانتظار المحاكمة، حيث قامت السلطات السويسرية بإجراء تحقيقات، بشأن الجرائم المنسوبة إليه. وقد رفعت القضية منظمة سويسرية أخرى غير حكومية، هي “سيفيتاس ماكسيما” Civitas Maxima وذلك بالنيابة عن الضحايا الليبيريين، بموجب مبدأ يعرف باسم الولاية القضائية العالمية، حيث يمكن لدول مثل سويسرا التي اعتمدت هذا المبدأ في القانون الوطني، استخدامه لمحاكمة غير مواطنيها على الجرائم الدولية الخطيرة (الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية) التي ترتكب في أي مكان في العالم. ويخضع وزير الداخلية الغامبي السابق عثمان سونكو أيضاً، منذ يناير 2017، للاحتجاز، بانتظار محاكمته في سويسرا، حيث يتم التحقيق معه من قبل مكتب المدعي العام في جرائم مزعومة ضد الإنسانية، ومنها التعذيب. اللجوء إلى الولاية القضائية العالمية في ازدياد يعتبر محامو حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية مثل ” ترايال” في طليعة الجهات التي دفعت الولاية القضائية العالمية إلى تحمل مسؤولياتها في المحاكمات، وإجراء المساءلة عن الجرائم الخطيرة، لا سيّما عندما لا تتوفر الأطر القانونية لذلك في البلد الذي ارتكبت فيه الجرائم. وعلى سبيل المثال، لم تقم ليبيريا، حتى اليوم، بمحاسبة أي شخص على الجرائم الدولية الخطيرة التي ارتكبت خلال حروبها الأهلية، علماً أن هناك بعض القضايا أيضاً في دول أوروبية تتبنّى هي الأخرى مبدأ الولاية القضائية العالمية. ووفقا لتقرير “ترايال”، فلقد ازداد اللجوء إلى صلاحيات الولاية القضائية العالمية في البلدان حول العالم “أضعافاً مضاعفة”، مع وجود عدد غير مسبوق من القضايا. وبحسب التقرير المذكور، واستناداً إلى عام 2019، تخضع 16 دولة لملاحقات قضائية، وهناك حالياً 11 متهماً قيد المحاكمة، و “يمكن أن يضاف إليهم قريباً، أكثر من 200 مشتبه به”، بحسب التقرير. وقد ارتفع عدد المشتبه بهم في قضايا الولاية القضائية العالمية حول العالم (207) أي بنسبة 40% عن عام 2018. وتقول بوليت إن الاتجاه بدأ في عام 2015 بتدفق اللاجئين إلى أوروبا “الذي رافقه قدوم العديد من الشهود والعديد من الضحايا والعديد من الجناة المشتبه بهم”. وتقوم الدول الأوروبية الآن باكتساب خبرتها في هذا المجال، وهناك دول مثل فرنسا وألمانيا، تقوم بإنشاء وحدات تعاون مشتركة للتحقيق في القضايا. وتضيف بوليت: “لدى سويسرا بعض القضايا، التي رُفع الكثير منها من قبل “ترايال إنترناشيونا”. “لدينا ست قضايا كبيرة قيد التحقيق، لكن أخشى ألا يتم إجراء التحقيقات اللازمة. لذا فمن الواضح أنه لا يمكن اعتبار سويسرا مثالاً”، على حد قولها. الموارد والإرادة السياسية لطالما اتهمت المنظمات غير الحكومية وغيرها، مكتب المدعي العام بالتباطؤ في قضايا الجرائم الدولية. ويُعزى ذلك إلى المعاناة من النقص في الموارد، والخشية من التدخلات والضغوط السياسية الممكنة. في شهر أبريل من عام 2018، كتب المقررون الخاصون للأمم المتحدة، المعنيون بقضايا التعذيب واستقلالية القضاة والمحامين، إلى الحكومة السويسرية، معربين عن قلقهم إزاء مزاعم بأن مكتب المدعي العام قد تعرض للضغط السياسي، لا سيما في القضايا المرفوعة ضد وزير الدفاع الجزائري السابق خالد نزار، ورفعت الأسد عم الرئيس السوري الحالي. وفي ردّ مكتوب، رفض وزير الخارجية إينياتسيو كاسيس هذه الادعاءات وأكد أن “سويسرا تعلق أهمية كبيرة على مكافحة الإفلات من العقاب، لا سيما بالنسبة للجرائم التي تقع تحت طائلة القانون الدولي”. ولكن، ورغم مرور عامين على رفع هذه القضايا إلى المختصين، لم يتم فيها إحراز أي تقدم يذكر، حيث لم يتم الاستماع سوى لشاهد واحد في قضية نزار، بحسب ما تدّعي بوليت. أما في قضية سونكو، التي رفعتها “ترايال” أيضاً للجهات المختصة، فإن العاملين فيها “ليس لديهم أدنى فكرة” عن متى يمكن تقديمه للمحاكمة، على حد قولها. ورفض مكتب المدعي العام مقابلة swissinfo.ch بشأن هذه الادعاءات، وصرّح في رد مكتوب أن التحقيقات المتعلّقة بهذه القضايا “جارية”. وفيما يتعلق بقضية الوزير الغامبي السابق سونكو، ذكر أن “المشتبه به ما زال رهن الاحتجاز وأن الإجراءات الجنائية السويسرية مستمرة بحقه”، كما أن مكتب المدعي العام يتابع عن كثب ما يحدث في غامبيا بهذا الشأن وفي ولايات قضائية أخرى ذات صلة. ووفقاً لـ ترايال، ذكرت لجنة الحقيقة والمصالحة والتعويضات TRRC أن هناك جلسات استماع إلى شهود وضحايا أحياء تجري في غامبيا، وأن اسم سونكو تردد على لسان هؤلاء بشكل متكرر. كما تم نقل “مواد وأدلة متعلقة بالقضية، بما في ذلك شهادات أمام لجنة الحقيقة والمصالحة والتعويضات TRRC، وتسليمها إلى المدعي العام السويسري”. ورفض مكتب المدعي العام إعطاء تفاصيل عن موارده المخصصة لمتابعة قضايا الجرائم الدولية، وعن مدى ملاءمتها إنجاز المهام المطروحة. الجرائم الدولية والإرهاب ويعرب تقرير “ترايال” أيضاً عن القلق بشأن ما يسميه منحى متزايداً للمدعين العامين حول العالم، لاتهام المشتبه بهم بالإرهاب، وهي تهمة يسهل إثباتها أكثر من تهمة ارتكاب الجرائم الدولية. وهذا أمر يثير القلق، لا سيّما مع انتفاء وجود تعريف دولي للإرهاب، ولأن من عواقبه تهميش الضحايا، لأن الإرهاب جريمة ضد الدولة وليس ضد الأفراد. وتعتبر “ترايال” أن عواقب هذا المنحى، تشكل “حقيقة من الصعب تقبّلها بالنسبة للعديد من الناجين الذين يعتبرون اتباع هذا المنحى للوصول إلى تحقيق العدالة التي ينشدونها بمثابة خطوة نحو إغلاق ملفات قضاياهم”. ويشير التقرير إلى ما حصل في قضية الجهاديين الفرنسيين منير ديوارا ورودريغ كوينوم، اللذين حكمت عليهما محكمة فرنسية في ديسمبر من عام 2019 بالسجن لمدة 10 سنوات بتهمة الإرهاب. وكان المتهمان قد ظهرا في صوَر في سوريا وهما يرتديان ملابس قتالية ويحملان بنادق كلاشينكوف، وكان أحدهما يلوح بإحدى يديه برأس مقطوع. وتعتبر “ترايال” أن المشتبه بهما “كان يمكن أن يتهما، بالإضافة إلى التهم المتعلّقة بالإرهاب الموجهة ضدهما، بالاعتداء على الكرامة الشخصية لضحاياهما، وهي جريمة حرب محددة بوضوح في اتفاقيات جنيف”. وترى بوليت إن المشكلة لا تكمن في سويسرا بقدر ما تكمن في واقع أن وحدة الجرائم الدولية التي، وبنتيجة افتقارها إلى الموظفين، قد تم دمجها مع وحدة جرائم الإرهاب. هذا الدمج لا يُعتبر مشكلة في حد ذاته، فقد حصل أيضاً في فرنسا. وتقول لموقع swissinfo.ch: “قد يكون من الجيد الاعتقاد بأن لديك وحدة معنية بجرائم الإرهاب تعمل أيضاً في قضايا جرائم الحرب، لأن هذه الجرائم مرتبطة ببعضها أحياناً. لكن المشكلة تكمن في الافتقار للموارد البشرية والمالية والتعرّض للضغوط السياسية التي تمارسها دولة ما. ونتيجة لضغوط الرأي العام، تجنح الدول إلى مقاضاة المشتبه بهم في قضايا الإرهاب. ثم يصبح من الصعب الدمج بين الإرهاب وجرائم الحرب، لأن جرائم الإرهاب هي التي ستُولى الأهمية “.

طالع المزيدآمال متزايدة في إمكانية تقديم مجرمي الحرب إلى المحكمة

(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلّي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية