مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“لا مستقبل لنظام البشير مع استمرار القبضة الحديدية”

الرئيس السوداني عمر البشير الذي أعيد انتخابه مؤخرا لولاية رئاسية جديدة تمدّد سنوات حكمه المستمر منذ 29 يونيو 1989، وهو يُخاطب أعضاء البرلمان في الخرطوم بعد أدائه لليمين يوم 2 يونيو 2015. Keystone

بعد مرور أربع سنوات على انفصال الجنوب، لا يزال الوضع في السودان يُراوح مكانه بين نزاعات في الأقاليم وانتهاكات لحقوق الإنسان وتضييق على حرية الصحافة والإعلام.. بل يذهب المراقبون إلى تصوّر الأسوأ في هذا البلد العربي الإفريقي ذي المساحات الشاسعة. ولتسليط الضوء على المستجدات السودانية من منظور الناشط السياسي المعارض، إلتقت swissinfo.ch الدكتور يوسف علي طه الكوده، وأجرت معه هذا الحوار.

 ويوسف الكوده هو رئيس حزب الوسط السوداني ورجل قانون، ولاجئ سياسي في سويسرا منذ سنتيْن تقريبا. سبق أن عمل مع العديد من المنظمات الدولية والإنسانية في السودان، وله اجتهادات وتجديد في مجال الفكر السياسي والقضايا الإجتماعية وحقوق المرأة والطفل.

 swissinfo.ch:  المعروف عن المجتمع السوداني التعدد والإنفتاح والتسامح… فلماذا أصبح هناك لاجئين سياسيين سودانيين يطلبون الحماية في بلدان أخرى؟

الدكتور يوسف الكودة: حقيقة الشعب السوداني معروف بتسامحه وطيب معشره، ولكن ذا لا يمنع أن يكون من بينه الشاذ الذي قد يصل إلى سدّة الحكم فيضيق ذرعا بالناس ولاسيما من أولئك الذين ينتهجون المعارضة مسلكا للتغيير والإصلاح فيسجنهم ويمنعهم من مزاولة العمل السياسي وربما سدّ عليهم طريق الكسب للعيش كما هو مع الكثيرين مما يضطرهم للخروج طلبا للجوء.

 swissinfo.ch:  جلد ناشطين سياسيين لمجرّد دعوتهم لمقاطعة انتخابات، وسجن نساء فقط لكونهنّ لبسن بنطالونات، … كيف تصف لنا أوضاع حقوق الإنسان في السودان في ظل حكم الفريق عمر البشير؟

الدكتور يوسف الكوده: أن يضيق النظام بالآخر إلى درجة إنزال عقوبة الجلد على من يُمارس العمل السياسي السلمي لاشك أنها درجة من الإستبداد والغطرسة لم يسبقه إليها أحد سواء كان في التاريخ البعيد أو القريب، وبلاشك هي إشارة بيّنة على إفلاس النظام الذي يعيش حالة من فقدان الأعصاب وضبط النفس.

 swissinfo.ch: مُشكلات السودان عديدة ومتراكمة ومتداخلة. لكن برأيكم، ولإيقاف التدحرج نحو الهاوية، إلى ماذا يجب أن تتجه جهود السودانيين ابتداءً؟

الدكتور يوسف الكوده: بلا شك الاوضاع في السودان تسير على الهاوية بشكل يصعب معه التحكّم وذلك بسبب ما آل إليه سلوك النظام السوداني من تردّ مريع على كافة الأصعدة، ولا إمكانية للإصلاح او الإستمرارية لما نشاهده من أوضاع في ظل بقاء النظام الحالي إلا إذا ما علا صوت العقلانية والرشد مناديا بضرورة الدخول في فترة انتقالية بحكومة قومية يلي ذلك مباشرة تعديل للدستور ومن ثم الإعلان عن تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة لا يُقصى أحد منها.

 swissinfo.ch: بعد انفصال الجنوب، ظن الكثيرون أن السودان سيتعافى من أمراض التفكك والتقاتل الداخلي. فما هي الحصيلة في شمال السودان بعد مرور 4 سنوات عن الانفصال؟

الدكتور يوسف الكوده: انفصال الجنوب كان بلاشك كارثة على الشمال وعلى أهل الجنوب على السواء. فالجنوب أصلا لم يكن مهيأً ليصبح دولة مستقلّة، وبعد الإنفصال حصل فعلا ما حذّر منه كل المراقبين من أن قبائل الجنوب سوف تدخل في حروب فيما بينها تشبه حروب داحس والغبراء، والتي ربما تستمر لمئات السنين، ولأتفه الأسباب، وهذا ما يحصل الآن، مما أثّر سلبا على الأوضاع في الشمال اقتصاديا وأمنيا.

ولد يوسف علي طه الكوده سنة 1962 بالخرطوم. نال درجة الباكلوريوس في الشريعة من جامعة “الإمام محمّد بن سعود الإسلامية ” بأبها بالمملكة العربية السعودية، ودرجة الدكتوراه في أصول الفقه من جامعة “النيليْن” بالخرطوم. عضو في “الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، وعضو سابق بـ “مجمع الفقه الإسلامي”، و”هيئة علماء السودان”، و”المجلس القومي للصحافة والمطبوعات”، وشغل منصب الرئيس المناوب لـ “الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والحقوق” التي شكلتها أحزاب المعارضة السودانية، وترأس لجنة الثقافة والسياحة والإعلام بالبرلمان الإتحادي قبل مغادرته البلاد. من أسرة سياسية عريقة: نشط في صفوف جماعة “أنصار السنة المحمّدية” ثم انتقدها وخرج عنها وكان في علاقة حوار ونقاش مع جماعة الإخوان المسلمين ثم مع الجبهة الإسلامية السودانية، قبل أن يؤسس “حزب الوسط الإسلامي” الذي ينادي بالإعتدال وبالإسلام الوسطي المتنوّر. alkouda

 swissinfo.ch: تجارب الشعوب والأمم أبتت أن أفضل أنظمة الحكم في المجتمعات المتعددة عرقيا وثقافيا ودينيا مثل السودان، هو النظام الفدرالي والحكم اللامركزي. ما تقييمكم لتجربة السودان في مجال الحكم المحلّي؟

الدكتور يوسف الكوده: عدم الإهتمام بالريف وبقية أقاليم السودان الأخرى غير الوسط والخرطوم تحديدا كان سببا في شعور سكان تلك المناطق بالظلم والضيم في توزيع الثروة والسلطة، لذلك لم تنجح تجربة الحكم الفدرالي التي لم تكن هي أصلا فدرالية حقيقية، بل كانت مجرد أقاليم وولايات تابعة للمركز، مما دفع أهالي وأبناء المناطق المهمّشة للدخول في ما نحن فيه من حروب ونزاعات.

 swissinfo.ch: دعا الرئيس عمر البشير الفرقاء السياسيين إلى حوار وطني شامل لا يستثني أحدا لإيقاف نزيف الصراعات التي أنهكت البلاد: هل يُمكن أن يكون الحوار هو الحل بعد أن فشلت كل دعوات قلب نظام الحكم؟

الدكتور يوسف كوده: الرئيس البشير هو مثله مثل الملوك الذين يُوصفون بأنهم يملكون ولا يحكمون، فهو قد قال ذلك كثيرا ووعد بالحوار والإنفتاح السياسي العديد من المرات، بل أقسم كل مرة أنه جادّ في ذلك. البشير رجل ضعيف وأصلا هو لم يأت إلى السلطة اختيارا، وانما كلفته قوى أخرى من وراء ستار بحكم وجوده في القوات المسلحة للقيام بتنفيذ الإنقلاب الذي دبّر بليل للإجهاض على النظام الديمقراطي بالبلاد، ولكن الرجل يبدو وكأنه نسي ذلك فيحاول مغالطة نفسه ويتصوّر نفسه أنه الحاكم بأمره في السودان.

 swissinfo.ch: لا يُمكن أن نتحدّث عن مسيرة السودان الحديث من دون التطرّق إلى تجربة الإسلام السياسي في هذا البلد. كناشط سياسي، ثم كمراقب ومتابع، أيْن أصابت هذه التجربة وايْن أخطأت؟

الدكتور يوسف الكوده: تجربة الإسلام السياسي في السودان تجربة فاشلة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى وليته كان فشلا سياسيا فقط، وإنما تعدى الضرر إلى الإسلام نفسه الذي حكم أولئك باسمه وتحت رايته وتاجروا به أيّما متاجرة، ولا أظن أن الإسلام السياسي ستتاح له فرصة أخرى في القريب من مستقبل الأيام. أزمة هذا التيار لا تكمُن فقط في عدم تبني مشروع دولة ديمقراطية بل هي أزمة في الأخلاق وفي الإدارة، هذا مع الإقرار بأنه لا يتصوّر أزمة للأخلاق إلا في غياب الديمقراطية الحقيقية وأجواء من الحريات.

 swissinfo.ch: علاقة النظام السوداني مع المجتمع الدولي ملتبسة. ما مسؤولية الدول الكبرى في ما يُعانيه الشعب السوداني؟

الدكتور يوسف الكوده: كثير من المحللين السودانيين لهم قناعة راسخة بأن الغرب بما فيه الولايات المتحدة يحتاج لنظام الإنقاذ الحاكم في الخرطوم لتحقيق بعض ما يُريد وما لا يمكن أن يحققه في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، لذلك فإن الدول الكبرى غير متحمّسة لزوال نظام البشير في الوقت الحالي، ولذلك ترسل هذه البلدان للخرطوم إشارات متناقضة يُفهم من بعضها مرة الرغبة في زوال النظام وعدم الرضا عنه، ويُفهم منها عكس ذلك تماما.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية