مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الإتحاد من أجل المتوسط.. “الشيطان يـكـمُـن في التفاصيل”!

المبنى الرئيسي للمفوضية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل Keystone Archive

على خلاف الرؤية الفرنسية التي تسعى لقلب مائدة مسار برشلونة بوصفه تجربة فاشلة، من أجل إقامة مشروع جديد في مكانه اختار الرئيس الفرنسي تسميته بـ"الإتحاد من أجل المتوسط"، يتمسك الأعضاء الآخرون في الإتحاد الأوروبي بإرث برشلونة، و"يصرون على الإكتفاء بتطوير وسائل العمل وإدماج بعض الإقتراحات (الفرنسية) فيه، وليس أكثر".

جاء ذلك في وثيقة داخلية وزعتها المفوضية الأوروبية على الدول الأعضاء استعدادا لاجتماع رفيع المستوى يعقده الإتحاد الأوروبي في شهر يونيو المقبل لبلورة وثيقته النهائية في شأن “الإتحاد من أجل المتوسط” التي ستُعرض على بلدان الضفتين الجنوبية والشرقية في القمة التي تستضيفها باريس يوم 13 يوليو.

وشددت الوثيقة التي حصلت “سويس أنفو” على نسخة منها على أن الغاية من “الإتحاد من أجل المتوسط” هي تعزيز أهداف مسار برشلونة والمحافظة على الإجتماعات الدورية لكبار الموظفين واجتماعات لجنة “اليوروماد”، مع التفكير في تشكيل فريق من مندوبي البلدان الأورومتوسطية العاملين في بروكسيل، يمكن توسيعه ليشمل المنضمين الجدد للمبادرة.

ومعلوم أن المجلس الأوروبي أقر في اجتماعه يومي 13 و14 مارس الماضي في بروكسيل مبدأ إقامة اتحاد من أجل المتوسط، غير أنه طلب من المفوضية أن تقدم “مقترحات ملموسة لتحديد الصيغ العملية لما سيُطلق عليه اسم “مسار برشلونة: اتحاد من أجل المتوسط”. وطبقا لما جاء في الوثيقة الداخلية سيتم التصديق على الصيغة المقترحة في قمة باريس بعدما أتيحت فرص عدة لمناقشتها مع البلدان المتوسطية المعنية.

ومن تلك الفرص الإجتماع الذي ضم الموظفين السامين في “اليوروميد” يوم 8 أبريل الماضي، ثم اللقاء الذي جمع رئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروزو مع سفراء البلدان المتوسطية الشريكة للإتحاد يوم 14 من الشهر نفسه، واجتماع ثان للموظفين السامين عقدوه في بروكسيل يوم 15 مايو الجاري، إضافة لإرسال موفدين من الإتحاد إلى البلدان المتوسطية لاستمزاج آرائها بشأن الإقتراحات المعروضة.

وبحسب الوثيقة ينبغي أن يشمل “الإتحاد من أجل المتوسط” جميع البلدان الأعضاء في الإتحاد الأوروبي (27 بلدا) والأعضاء والمراقبين في مسار برشلونة الأورومتوسطي الذي انطلق في سنة 1995، وهم مثلما ذكرت الوثيقة موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية واسرائيل ولبنان وسوريا وتركيا والبانيا، بالإضافة للبلدان الأخرى المطلة على المتوسط وهي، طبقا للوثيقة، كرواتيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود وإمارة موناكو. وسيُكمل الإتحاد الجديد الأطر الثنائية القائمة مع تلك البلدان بما فيها مفاوضات الإنضمام (تركيا) أو سياسة الجوار الجديد الأوروبية (المغرب وتونس …) .

إطار جديد للعلاقات

ويعتقد الإتحاد الأوروبي أن الإطار الجديد سيُعطي دفعة قوية للعلاقات بثلاثة أشكال، أولها تحسين مستوى الحوار السياسي بين الإتحاد وشركائه المتوسطيين، وثانيها “إعادة توزيع المسؤولية عن علاقاتنا الجماعية بشكل متوازن”، وثالثها إطلاق برامج ومشاريع إقليمية مفيدة للمواطن على نحو يجعل العلاقات بين الشمال والجنوب واضحة أكثر بالنسبة له.

وفي الباب الأول تؤكد الوثيقة أن أعضاء الإتحاد الأوروبي أجمعوا على إقرار قمة لرؤساء الدول والحكومات تُعقد مرة كل سنتين، على أن تُقر القمة الأولى في باريس إنشاء الإتحاد من أجل المتوسط رسميا في بيان ختامي “بالإضافة ربما لقائمة مختصرة بالمشاريع المزمع إقامتها” كما قالت الوثيقة. ويتم اعتماد هاتين الوثيقتين بالوفاق. وتسير القمم اللاحقة طبقا للسيناريو نفسه (إعلان سياسي وقائمة بالمشاريع الملموسة) فيما يعقد وزراء خارجية اجتماعات بين قمتين لتقويم الحصاد والإعداد للقمة الموالية.

وفي هذا السياق تم الإتفاق بالنسبة للباب الثاني (توزيع المسؤوليات بالتوازن) على تقاسم الرئاسة الدورية بين بلد شمالي وآخر جنوبي، لكن الوثيقة تشير إلى أن الإتحاد الأوروبي وحده توصل إلى صيغة لحل الإختلافات التي قد تنشأ بسبب تداول الرئاسة. وتتمثل الصيغة في ربطها بالرئاسة الدورية للإتحاد الأوروبي طبقا للآليات المؤسسة للإتحاد. وهكذا تتسلم فرنسا رئاسة الجانب الأوروبي في القمة الأولى وتُسلمها بدورها لمن يتولى الرئاسة في القمة المقبلة.

وطُرحت هنا مسألة شائكة تتعلق بمن يتولى التمثيل الخارجي للإتحاد الأوروبي لتفادي الإحتكاكات المحتملة بين السياسة الجماعية والسياسة الوطنية لكل بلد على حدة. وأكدت الوثيقة أنه تم التوصل إلى آلية منسجمة مع معاهدة لشبونة (التي قامت مقام الدستور الأوروبي) يكون التمثيل الخارجي بموجبها من مشمولات رئيس المجلس الأوروبي (الرئيس الدوري) ورئيس المفوضية في مستوى رؤساء الدول والحكومات، ومن مشمولات الممثل الأعلى / نائب رئيس المفوضية في مستوى وزراء الخارجية. وهذا يعني أن سيناريو تسمية وزير خارجية للإتحاد الأوروبي ليس محل اتفاق الآن وهو، في كل الأحوال، مازال بعيدا بالنسبة لميقات القمة المقبلة في باريس.

نحو سياسة خارجية أوروبية موحدة

لكن العارفين بتوجهات السياسة الأوروبية يؤكدون أن الإتجاه يسير نحو هذا الهدف، وإذا كان الخبير خميس الشماري منسق الشبكة المتوسطية لحقوق الإنسان يرى أن الحديث عن سياسة أوروبية موحدة أمر مبالغ فيه في المرحلة الراهنة، إلا أنه أكد وجود “وعي متنام بضرورة تعزيز التشاور بين البلدان الأوروبية في شأن السياسة الخارجية، وخاصة في ظل الإخفاقات المتوالية لسياسة الإنفراد بالرأي والقرار”.

وتوقع الخبير التونسي أن يُصبح العالم متعدد الأقطاب مع عودة روسيا للساحة الدولية وترتيب الأوضاع في أوروبا الشرقية وضمور دور الأمم المتحدة التي أصبحت متوارية كما هو الشأن في الإتفاق اللبناني الذي رعته قطر. ورأى أن هذه المتغيرات تشكل مناخا مناسبا لأوروبا لتكريس دورها المُميز وإسماع صوتها في المشهد الدولي.

وسألت “سويس أنفو” الشماري عن تزايد الأصوات المُغردة خارج السرب وخاصة في إيطاليا برلوسكوني وفرنسا ساركوزي وحتى بريطانيا براون، فأكد أن وجود أصوات نشاز هو سبب إضافي يحمل الأوروبيين على تفويض جهة واحدة التحدث باسم الإتحاد، وهو مسار سيقود إلى إنشاء منصب وزير الخارجية الأوروبي.

وتوقع أن تكون المرحلة الإنتقالية متمثلة في إعطاء وزن أكبر لرئاسة الإتحاد وليس لرئاسة المفوضية، وخاصة في أفق إقامة “الإتحاد من أجل المتوسط” مما يجعل الرئاسة تُعنى بقضايا أوروبا الوسطى والشرقية وقضايا المتوسط في آن معا. واعتبر أن “الفشل الذريع بل الإفلاس الذي طبع مهمة توني بلير مبعوثا أوروبيا للشرق الأوسط، هو من الحوافز المهمة على تسمية وزير خارجية للإتحاد الأوروبي، وإن بعد فترة”.

تحذير مُبطن.. ووصاية محتملة

أما بالنسبة لبلدان الضفة الجنوبية فالأمر أعوص لأن التباعد كبير بين الدول، لكن الأوروبيين اتفقوا على أمرين جوهريين أولهما ضرورة اختيار بلد جنوبي يكون مشاركا في الرئاسة لمدة سنتين ويحظى بدعم بلدان الضفة الجنوبية. وعليه أن يستضيف القمة الموالية على نحو يجعل القمم دوارة بين الضفتين، غير أن الوثيقة الأوروبية اشترطت على من يتولى الرئاسة من الجنوب أن يتعهد بدعوة جميع الدول المشاركة في المسار إلى اجتماعات القمة والإجتماعات الوزارية، وهذا تحذير غير مُبطن مُوجه إلى الدول العربية التي قد تتردد في دعوة اسرائيل إلى الإجتماعات خوفا من ردود فعل في الداخل.

وتساءلت الوثيقة في ما يتعلق بالأمانة الدائمة للإتحاد عما إذا كان دورها سيقتصر على متابعة المشاريع الإقليمية المتفق عليها، أم أنها ستقوم بدور مؤسساتي للمشاركة في إعداد القمم والإجتماعات الوزارية؟ وأعطى الأوروبيون احتمالين لشركائهم في الضفة الجنوبية فإما أن تكون هناك أمانة تطبخ المشاريع المشتركة وتُحيلها على الهيئات السياسية للتصديق عليها، أو أمانة موسعة تضطلع بمهام عديدة في مقدمتها السهر على الحكم الصالح في مسار برشلونة والتنسيق العام. وفي هذه الحالة ستعمل الأمانة الدائمة في علاقة متينة مع المفوضية الأوروبية في بروكسل. وفي كل الأحوال يُصر الأوروبيون على “تعزيز” الأمانة العامة بخبراء من عندهم يُلحقون بها، مما يدل على رغبة في فرض نوع من الوصاية على البلدان المتوسطية.

ولعل أهم ما في الوثيقة أنها كانت واضحة بل قاطعة في مسألة تمويل المشاريع الإقليمية إذ أنها رفضت رصد اعتمادات لتلك المشاريع مُسبقا وشددت على ضرورة جمع التمويل من مصادر إضافية والإتجاه إلى القطاع الخاص لحثه على المساهمة في التمويل، وهو مؤشر جلي على امتناع أوروبا عن تمويل المسار الجديد، اتعاظا من تجارب مسار برشلونة في هذا المجال والتي اعتبرتها الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي سلبية.

ومع ذلك ذكرت الوثيقة بأن الإتحاد الأوروبي رصد 50 مليون يورو للبلدان المتوسطية الشريكة خلال الفترة من 2007 إلى 2010. وختمت في هذا المضمار بالتأكيد على أن المانح الأكبر سيتولى التصرف في الأموال في حالة تشارك الإتحاد الأوروبي مع مانحين آخرين في الإنفاق على المشاريع الإقليمية المتوسطية.

خلافات عربية

في المقابل ناقش وزراء الخارجية العرب هذه الأفكار في اجتماع عقدوه في القاهرة يوم 25 مايو سعيا لبلورة موقف موحد من المبادرة الفرنسية – الأوروبية. ووافقوا في ختام الإجتماع الذي استمر أربع ساعات على «الرئاسة المشتركة المصرية – الفرنسية » للاتحاد، على أن تعد القاهرة ورقة تقدم للوزراء العرب لطرحها في الاجتماع العربي – الأوروبي الذي يلتئم يومي 9 و10 يونيو المقبل في سلوفينيا التي تترأس الإتحاد حاليا، أي قبل نحو شهر من القمة التي ستستضيفها فرنسا.

وأفادت مصادر مطلعة أن بعض المشاركين طلب تغيير اسم التجمع الجديد لأن كلمة اتحاد لا تعكس واقع الحال، ولكن لم تطرح مسميات بعينها. ويبدو أن الخلاف على من يستضيف الأمانة الدائمة، وخاصة بين تونس والمغرب، استقطب قسما مهما من أعمال الوزراء. لكن على خلاف الرؤية الأوروبية سيكون الطرح العربي متغيرا أي أنه ليس طرحاً نهائياً، وشرح وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط قائلا “إن العرب سيقدمون للأوروبيين مجموعة أفكار متحركة».

وتحاشى أبو الغيط مثلما تحاشى نظراؤه العرب الخوض في مسألة عضوية الدولة العبرية في الإتحاد الجديد، على رغم أنها مسألة خلافية، إذ أن ليبيا والجزائر وسوريا تتحفظ عليها، بدرجات، لأنها ستُسهل إدماج اسرائيل في المنطقة. وكان الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي أشعر الفرنسيين بكونه لن يحضر قمة باريس بسبب مشاركة اسرائيل فيها، مثلما أبدى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، خلال اجتماعه مع وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في الجزائر أخيرا، ملاحظات على صيغة الإتحاد من أجل المتوسط.

والأرجح أن المشاورات العربية في شأن هذه المسائل ستتكثف في الفترة المقبلة، إذ سيستضيف المغرب اجتماعاً مماثلاً لاجتماع القاهرة في الأسبوع الأول من شهر يونيو المقبل.

تونس – رشيد خشانة

القاهرة ـ أ ف ب: اكد منسق العلاقات المصرية-الليبية أحمد قذاف الدم الاربعاء 28 مايو 2008 في القاهرة أن ليبيا تؤيد من حيث المبدأ مشروع الاتحاد الاورو-متوسطي ولكنها ترى أن غموضا يكتنف الكثير من جوانبه.

وقال المسؤول الليبي للصحافيين بعد لقاء مع الرئيس المصري حسني مبارك لا يزال هناك غموض يكتنف الكثير من جوانب هذا الطرح الأوروبي عن هذا الاتحاد، مضيفا يجب أن يكون لنا رأي في هذا الطرح لأننا لسنا متلقين فقط ولقد سبق أن نادينا بأن يكون البحر المتوسط بحيرة للسلام وخاليا من الأساطيل الحربية.

وشدد علي ضرورة أن يكون للقارة الافريقية والجامعة العربية رأي في هذا الشأن كما هو الأمر بالنسبة للقارة الأوروبية.

ولكنه أوضح أن التشاور مستمر مع الدول الاوروبية والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي قدم هذا الاقتراح.

وكان وزراء خارجية وممثلو الدول العربية التسع المدعوة للانضمام إلى هذا الاتحاد (سورية ولبنان والاردن وفلسطين ومصر وليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا) اجتمعوا السبت 24 مايو في القاهرة لتحديد موقف عربي إزاء هذا المشروع وقرروا إعداد ورقة تتضمن الأفكار العربية حول تأسيس الاتحاد الاورو-متوسطي لطرحها خلال اجتماع عربي-أوروبي سيعقد في سلوفينا في 9 و10 حزيران/يونيو المقبلين.

ومن المقرر إعلان قيام الاتحاد الأورو-متوسطي خلال قمة لدول شمال وجنوب المتوسط ستعقد في باريس في 13 تموز/يوليو المقبل.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 28 مايو 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية