مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الاتجار بالنساء: الضحية تدفع الثمن!

Keystone

تكثف العديد من الكانتونات المتحدثة بالألمانية جهودها للتصدي للإتجار بالبشر وخاصة النساء الأجنبيات. كما تبدل مساعي حثيثة للتمكن من التكفل بالضحايا بدل طردهن من سويسرا على الفور.

وفي برن، يواصل جهاز فدرالي جديد التنسيق مع الكانتونات والخارج من أجل بلورة استراتيجية موحدة ضد هذه الظاهرة.

بمبادرة من مركز المعلومات الخاصة بالإتجار وبهجرة النساء من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وشرق أوروبا(FIZ) الذي يتخذ من زيوريخ مقرا له، والمكتب الفدرالي للمساواة بين النساء والرجال، انتظمت في مدينة زيوريخ في الفاتح من الشهر الجاري ندوة لتسليط الأضواء مجددا على ظاهرة المتاجرة بالبشر وسبل التصدي لها بفعالية أشد.

وكان قد ورد في تقرير الأمن الداخلي لسويسرا لعام 2001 أن ما بين 1500 و3000 سيدة من ضحايا المتاجرة بالبشر تصل لسويسرا سنويا. أما على المستوى الأوروبي فترتفع التقديرات بين 120 ألف و500 ألف سيدة يتم جلبها من أوروبا الشرقية لـ”تُباع” في أوروبا الغربية.

نظريا، يعاقب القانون الجنائي السويسري منذ عام 1960 الإتجار بالبشر. غير أن “5% أو أقل من الحالات تنتهي بالإدانة أمام القضاء” حسب المحامي مارسيل بوصوني الذي شارك في ندوة زيوريخ. وأضاف المحامي أنه منذ تاريخ دخول هذا القانون حيز التطبيق، لم يصدر سوى 15 حكما في قضايا المتاجرة بالبشر في سويسرا. لذا يرى المحامي بوصوني أنه يتعين طرح سؤالين اثنين: “هل الإحصائيات المتوفرة ليست مضبوطة؟ أو أن هنالك ثغرة في النظام القضائي؟

من الضحية الحقيقية؟

ومن التفسيرات الممكنة لهذا الوضع افتقار السلطات لآليات التعامل مع هذه المعضلة، حيث يعرب المحامي بوصوني عن أسفه لـ”عدم توفر سويسرا على قضاة تحقيق متخصصين في مجال المتاجرة بالبشر”. كما يدين ما وصفه بـ”أسطورة” ربط الإتجار بالنساء المهاجرات بالجريمة المُنظمة. وفي هذا السياق يقول: “نحن أمام مجموعات أصغر بكثير”.

ويعتقد السيد بوصوني أن شبكات المهربين تتعرف على النساء “المُُستهدفات” وأسرهن في بلدهن الأصلي، وهو عامل يتيح لهذه العصابات ممارسة ضغوط قوية على الضحية إن حاولت رفع دعوى جنائية في سويسرا.

وقد شدد المتخصصون الذين التفوا حول مائدة النقاش في زيوريخ على أنه شبه مستحيل أن تتمكن الضحية من المثول أمام القضاء بما أنها تُطرد في غالب الحالات من التراب السويسري. وهو أمر أدانته بشدة السيدة ماريان شيرتينليب، من مركز(FIZ) حيث قالت: “لا تعتبر (السلطات) هؤلاء النساء ضحايا لأنهن لا يتوفرن على رخصة إقامة قانونية في بلدنا…وعندما تعثر عليهن الشرطة خلال دورات التفتيش في المقاهي الليلية والصالونات، تشرع في إجراءات الطرد. ومن ضحايا يتحولن إلى مجرمات”.

وتضيف السيدة الناشطة في المجال الإجتماعي “لا تكاد هؤلاء النساء الاستفاقة من صدمة القبض عليهن حتى يجدن أنفسهن في طائرة (ستعيدهن إلى بلدهن)”. وهذا أمر أكثر فظاعة لأن المسؤولين الحقيقيين يفلتون من العقاب على حد تعبير السيدة شيرتينليب التي حكت خلال مداخلتها قصة عن إحدى ضحايا الإتجار بالنساء.

وقالت خلال سردها لحكاية الضحية: “لقد استقبلنا الأسبوع الماضي سيدة سُُجنت في شقة لعدة أشهر. كانت هذه السيدة مجبرة على ممارسة الدعارة ليلا نهارا، وكان عليها تسديد ديون بآلاف الفرنكات لمؤجر شقتها”.

معضلة بطاقات الإقامة

ويُذكرُ أن التقرير الفدرالي حول المتاجرة بالبشر في سويسرا لعام 2001 -الذي صدر بعد المذكرة التي اقترحتها النائبة البرلمانية روث غابي فيرموت من الحزب الاشتراكي في العاصمة الفدرالية برن- أوصى بمنح رخص إقامة لهؤلاء السيدات على ثلاث مراحل.

أولا، إعطاء الضحايا مهلة تفكير لمدة ثلاثة أشهر، ثم حق الإقامة طيلة الفترة التي تستغرقها الدعوى الجنائية، وأخيرا تمديد بطاقة الإقامة لفترة غير محددة لأسباب إنسانية.

وهذه النقطة بالذات هي الأكثر إثارة للجدل ضمن المقترحات الأخيرة حسب ستيفان ليبيشيفسكي، مدير الجهاز الفدرالي الجديد الذي يحمل اسم “مكتب التنسيق في مجال مكافحة الإتجار بالبشر والمهاجرين”، وهو جهاز أنشأ هذا العام بفضل مذكرة البرلمانية الإشتراكية روت غابي فرموت أيضا.

في المقابل، أوضح السيد ليبيشيفسكي أنه “من الممكن التوصل إلى تسوية حول عدد من المحاور، بداية بالاتفاق على عدم ترحيل ضحايا المتاجرة بالبشر وتمديد رخصة إقامة من يوافق على الإدلاء بشهادته شرط ألأّ تكون الضحية ملاحقة من قبل العدالة في قضية ما”.

وذكر مدير الجهاز الفدرالي الجديد أن إمكانية منح رخص إقامة استثنائية موجودة أصلا لكن عددا قليلا من الكانتونات يلجأ لها.

أولى ثمرات التعاون

وللاستفادة بشكل أكبر من الإمكانيات المتوفرة، نظم مركز (FIZ) في أغسطس 2001 مائدة مستديرة جمعت ممثلين عن القضاء والشرطة وجمعيات مساعدة ضحايا الإتجار بالبشر وممثلين عن مكاتب المساواة بين النساء والرجال.

وكانت أولى ثمرات هذا التعاون اقتراح مسؤولي العدل والشرطة أن يتكفل مركز المعلومات الخاصة بالمتاجرة وبهجرة النساء من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وشرق أوروبا (FIZ) مؤقتا بالضحايا بدل طردهن على الفور من سويسرا. وتبذل الأطراف المعنية جهود حثيثة لبلوغ هذا الهدف.

وتعتزم كانتونات برن ولوتسرن وبازل تنظيم مثل هذه الندوات وتنسيق جهودها مع مكاتب العدل والشرطة وجمعيات مساعدة الضحايا لتوفير المزيد من الحماية لمن يقعون فريسة شبكات الإتجار بالبشر وخاصة النساء الأجنبيات.

وقد أعرب رئيس مكتب التنسيق الفدرالي الجديد عن سعادته بهذا التعاون قائلا: “نحن في بداية مسيرة تبادل معلومات وخبرات مع الكانتونات. هذا سيستغرق بعض الوقت ولكن عملنا يسير في الإتجاه الصحيح”.

وتجدر الإشارة إلى أن مركز (FIZ) يتلقى مساعدات غير مباشرة من زبائن المومسات. ويتصل هؤلاء الحرفاء لإبلاغ المركز بأنهم شاهدوا نساء مسجونات في بيوت البغاء. وعن هذا النوع من المساعدة، تعرب السيدة ماريان شيرتينليب من مركز (FIZ) عن أسفها “لعدم تساؤل هؤلاء الشهود، وهم المستهلكون (لسوق الدعارة)، عن دورهم المُبهم” في هذه الحالات.

وينتظر المتخصصون بفارغ الصبر تعديل القانون الجنائي الخاص بالمتاجرة بالبشر والذي قد يغير إيجابيا مصير الضحايا.

تبقى الإشارة في الأخير إلى أن الأتجار بالبشر لا يقتصر فقط على الاستغلال الجنسي، بل يشمل أيضا الاستغلال الاقتصادي من قبيل ما تتعرض له النساء اللواتي يتم تسخيرهن في البيوت.

أريان جيغون بورمان – سويس انفو

(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إًصلاح بخات)

جاء في التقرير حول الأمن الداخلي السويسري لعام 2001، أن ما بين 1500 و3000 سيدة أجنبية تقدم إلى سويسرا في إطار المتاجرة بالبشر
“تُباعُ” ما بين 120 ألف و500 ألف سيدة من أوروبا الشرقية كل عام في أوروبا الغربية
الفقرة 196 من القانون الجنائي التي دخلت حيز التطبيق عام 1960 تعاقب المتاجرة بالبشر
بعد تقرير مخيف نشر في سويسرا عام 2001 حول المتاجرة بالبشر في سويسرا، أنشأ المكتب الفدرالي للشرطة هذا العام “مكتب التنسيق في مجال مكافحة الإتجار بالبشر والمهاجرين”
في كانتونات بازل ولوتسرن وبازل وبرن، تنظم موائد مستديرة بمشاركة ممثلين عن القضاء والشرطة وجمعيات مساعدة ضحايا المتاجرة بالبشر وخاصة النساء

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية