مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الإنخراط الفاعل في المؤسسات المحليّة بديلا عن الإنتماءات الفئويّة

عادل النهدي ونبيل حمادي من داخل المجلس المحلي ببلدية شافان بري- رينون
المهندسان السويسريان من أصل تونسي عادل النهدي (على اليسار) ونبيل حمادي (على اليمين) خلال جلسة عمل للمجلس المحلي لبلدية شافان بري- رينون، الذي هما عضوان فيه، تم عقدها بشكل استثنائي يوم 22 يونيو 2018 في مقر البرلمان المحلي لكانتون فُو . swissinfo.ch

تتوزع خيارات الوافدين الأجانب للإنخراط في الشأن العام في سويسرا بين إنشاء جمعيات ذات طابع ثقافي وسياسي تقتصر على رعايا بلد بعينه أو فئة محددة، وبين العمل من داخل النسيج المؤسساتي لبلد الإقامة كالأحزاب والهيئات المدنية المحلية. 

هذا الخيار لم يكن موضع تردد أو جدال لدى كل من نبيل حمادي وعادل النهدي، وهما سويسريان من أصل تونسي، وعضوان حاليا في المجلس المحلي ببلدية شافان بري رينونرابط خارجي Chavannes – près – Renens بكانتون فو،  ومؤسسا جمعية “الرياضة للجميع”رابط خارجي وعضوان بمكتب تسيير جمعية “الكفاءات التونسية بسويسرا”.

يرى السيد عادل النهدي أن البحث عن الجدوى والفاعليّة يقتضي توظيف الآليات المحليّة، والعمل من خلال المؤسسات والهيئات التي تعكس بالفعل ثقافة البلد وسياقه التاريخي والحضاري. و”مثلما أنه لا يمكن الإتيان بشجرة من الشرق واستنباتها في الغرب ثم انتظار أن تثمر، كذلك لا يُمكن إنشاء مؤسسات بعقلية وثقافة شرقيتيْن وانتظار أن تكون فاعلة في سويسرا بذات الفاعلية بموطنها الأصلي”.

المدخل الوحيد للعمل في هذا البلد، وفق النهدي إذن، “هو المؤسسات المحلية، وقد تكون هذه المؤسسات أحزابا أو جمعيات مدنية، لكن بشرط أن تكون سويسرية شكلا ومضمونا”.

أما السيد نبيل حمادي، فيرى أن هذا لا ينفي ذاك، ويعلل قائلا: “يُمكن أن تتواجد جمعيّات خاصة بالجاليات، بشرط أن تعمل في مجالات محددة، أمّا ما يتعلق بالشأن السويسري الدّاخلي فلابد أن تتكفل به مؤسسات محليّة”.

المزيد

المزيد

“جمعية القدس الرياضية”.. عشر سنوات من العطاء المتجدد

تم نشر هذا المحتوى على وقد وفّـر هذا النشاط على مدى السنوات العشر الماضية لبعض من أبناء الجالية العربية، ولمجموعات أجنبية أخرى، من عدد من الكانتونات السويسرية، مناسبة للتأكيد بأن هذه المجموعات متجانسة داخلها ومندمجة في محيطها، ومتكيفة مع أوضاع البلاد، وتحدوها رغبة في المشاركة في الحياة الرياضية والثقافية والإقتصادية في البلد المضيف. وتتخذ هذه الهيئة من “التعايش والاحترام المتبادل…

طالع المزيد“جمعية القدس الرياضية”.. عشر سنوات من العطاء المتجدد

يقطن هذان المهندسان ببلدية شافان بري -رينون، التي تتميّز بوجود نسبة عالية من الأجانب فيها، مما فتح أمامهما فرصا كبيرة للإنخراط في الشأن العام من داخل العمل البلدي ذاته، خاصة وأنهما يتمتعان بخبرة طويلة في العمل الجمعياتي.  

اختبار صندوق الإقتراع

لخوض هذه التجربة، قرّر نبيل حمادي الإنخراط في حزب يُعرف بانفتاحه على الأجانب وتفهمه لخصوصياتهم، ونعني هنا الحزب الإشتراكي.

يقول السيد حمادي: “جلست مع قيادة الحزب الإشتراكي على المستوى المحلّي وتعرّفت على برنامج الحزب الذي وجدت نفسي أتفق مع جزء كبير منه. فلم أتردد لحظة في طلب العضوية والعمل من خلاله”.

ثم كان التحاق النهدي بنفس الحزب بعد الإقتناع بأن الإنخراط في العمل المحلي من الأوليويات، لاعتبارات عدّة يشرحها قائلا: “هذا البلد قدّم لنا الكثير، وسنظل عاجزين عن ردّ جميله”.

ويضيف: “لسويسرا تقاليد عريقة في مجال الديمقراطية والإنضباط والتنظيم واحترام حقوق الإنسان. وعلينا كوافدين أن نستفيد من هذه التجارب. إننا نعيش في بلد الدّيمقراطية المباشرة بامتياز، بما يعنيه ذلك من حكم محلّي متطوّر، وإشراك واسع للمواطن في صناعة القرار”.

مطوية إشهارية تتعلّق بآخر دورة رياضية نظمتها جمعية الرياضة للجميع.
مطوية إشهارية تتعلّق بآخر دورة رياضية نظمتها جمعية “الرياضة للجميع”. swissinfo.ch

وإذا كان منتهى الإندماج أن “يمنحك النّاخبون المحليون أصواتهم”، فإن المرور إلى العمل المحلي الفعلي تطلب من هذيْن الوافديْن الترشّح على قوائم الفرع المحلي للحزب الإشتراكي في الإنتخابات المحليّة لعام 2016.

وكم كانت المفاجأة سارّة حين حصل حمادي على عدد أصوات يفوق الأصوات التي حصل عليها رئيس الفرع المحلي للحزب، بل إنه احتل المرتبة الثامنة من ضمن قائمة تشمل ثمانين مرشحا. أما زميله النهدي فقد احتل المرتبة العاشرة. وقد فازت بعضوية المجلس البلدي في الدورة الإنتخابية نفسها أربعة أسماء عربية، وجاءت جميعها ضمن العشر الأوائل من حيث عدد الأصوات.

فضاء عمل خصب

يقول السيد حمادي عن هذه التجربة: “هذه أوّل مرة في حياتي أجد نفسي منخرطا في تسيير العمل البلدي، ولقد مكنني ذلك من التعرّف على آليات هذا العمل وتقنياته ولجانه، والقواعد المنظمة له…”.

واليوم ينشط حمادي ضمن لجنتيْن دائمتيْن تابعتيْن للمجلس المحلي ببلدية شافان هما: “لجنة السويسريين والأجانب”، وهدفها إدماج الجاليات في المجتمع المحلي، وتوفير فرص للتعارف بينها بغية انفتاحها على بعضهما البعض. كما أن الهدف الأساسي من عمل هذه اللجنة هو تحقيق وضمان الإنسجام داخل المجتمع (cohésion sociale). ومن بين المشروعات التي تشرف عليها هذه اللجنة مشروع يوفّر فرصة لسكان البلدية لمشاهدة مباريات المنتخب الوطني السويسري في كأس العالم على شاشة عملاقة بحضور نسبة كبيرة من سكان المنطقة، بما يسمح لهم بالتعارف والتواصل.

سكان بلدية شافان يتابعون في فضاء عام مباريات المنتخب الوطني السويسري ضمن منافسات كأس العالم بروسيا 2018
سكان بلدية شافان يتابعون في فضاء عام مباريات المنتخب الوطني السويسري ضمن منافسات كأس العالم بروسيا 2018 swissinfo.ch

أما المشروع الثاني، فهو مبادرة شخصية تقدّم به السيد حمادي وتتمثّل في تنظيم مسابقة رياضية خاصة بأطفال الأحياء بالمدينة البالغ عددها 15 حيا، بما يسهّل التقاء وانفتاح السكان على بعضهم البعض في أجواء ترفيهية ممتعة. ومن المنتظر أن تنظّم هذه المسابقة في شهر يونيو 2019. واقترح بأن تشرف على هذا المنشط جمعية مختصة وهي “Sport pour tous” (أي رياضة للجميع) نظرا لما راكمته من خبرة في هذا المجال خلال السنوات العشرين الماضية.

أعضاء لجنة السويسريين والاجانب التابعة للمجلس المحلي ببلدية شافان.
أعضاء “لجنة السويسريين والأجانب” الإستشارية التابعة للمجلس المحلّي ببلدية شافان بري -رينون . ويظهر السيد نبيل حمادي الذي هو عضو في هذه اللجنة، على أقصى يمين الصورة. swissinfo,ch

أما اللجنة القارّة الثانية والتي ينشط فيها، فهي “لجنة منح الجنسية”، ومهمّتها دراسة طلبات المترشحين، حيث توصي بقبول أو رفض هذه الطلبات.

ويقول حمادي عن تجربته كعضو في هذه اللجنة: “لقد انتابني شعور لا أستطيع وصفه، ويتعلّق بالتحوّل الذي حصل لي. فقبل سنوات كنت أجلس كأجنبي امام لجنة تختبر مدى توفّر شروط منح الجنسية لديّ، واليوم أجلس على الجانب الآخر حيث أقوم باختبار المرشحين الأجانب للحصول على الجنسية السويسرية”.

وبرأي حمادي، فإن هذا دليل على أن النظام السياسي السويسري نظام منفتح بخلاف ما يدّعيه بعض الأجانب، ولديه قدرة فائقة على استيعاب الجميع خاصة على المستوى البلدي.

تدرّج في الإندماج وفي تحمّل المسؤولية

أما عادل النهدي، فهو اليوم عضو بالمكتب المدير لاعمال المجلس المحلّي ببلدية شافان، ومن المقرّر أن يُصبح رئيسا لهذا المجلس في عام 2021، ولهذا التاريخ أهميته، لأنه يحمّل النهدي مسؤولية التنظيم والإشراف على الإنتخابات البلدية المقبلة. 

ويرى هذا الأخير أن التحدي الأكبر بالنسبة له هو أن يكون في مستوى تطلعات سكان البلدية وخاصة الناخبين الذين منحوه أصواتهم، لذلك، أطلق النهدي حتى الآن مبادرتيْن مهمّتيْن: الأولى تتمثّل في مشروع يهدف إلى إنشاء فضاء عام خاص بالأنشطة الرياضية والثقافية متعددة التخصصات، وهذا ما تفتقده هذه المنطقة.

أما المشروع الثاني، الذي يعمل النهدي من أجل تنفيذه فهو مشروع Parent-Reference (أي القريب المرجع) وهدفه مساعدة أولياء طلاب المدارس الذين لا يُتقنون اللغات الوطنية خلال تواصلهم مع المدرسين او مديري المدارس، وأيضا مساعدتهم على متابعة الواجبات المدرسية لأبنائهم. 

طموحات مستقبلية

يتطلّع النهدي إلى أداء مهمّته كأول رئيس للمجلس البلدي من أصل عربي عندما تؤول المهمة إليه في عام 2021. وفي انتظار ذلك، عقد العزم على العمل الجاد ليكون في مستوى الآمال المعلقة عليه، ولأنه الطريق الوحيد الذي سيُمكّنه في المستقبل من تحقيق حلمه في الفوز بمقعد في البرلمان المحلي لكانتون فو. ورغم أن العمليّة ليست بالسهلة، إلا أن الأحلام “تولد صغيرة ثم تكبر”، على حد تعبيره.

 أما حمادي، فيسعى إلى أن يتولى في المستقبل رئاسة لجنة منح الجنسية أو لجنة السويسريين والأجانب على مستوى المجلس المحلي. وهو أيضا يحلم مثل زميله بالظفر في يوم ما بمقعد في برلمان الكانتون من أجل تحقيق غايته في الحصول على مزيد من الفاعليّة والتأثير في الواقع.

أعضاء جمعية الكفاءات التونسية في سويسرا
بالإضافة إلى نشاطهما ضمن المؤسسات المحلية السويسرية، كذلك يساهم نبيل حمادي وعادل النهدي بشكل فعّال في تنفيذ مشروعات وخطط جمعية الكفاءات التونسية المقيمة بسويسرا، والتي تركّز جهودها على إفادة تونس من الخبرات السويسرية. swissinfo.ch

 أما الطموح الآخر فهو استثمار تجربتهما في العمل البلدي في سويسرا  للمساعدة على تطوير العمل البلدي في بلدهما الأصلي تونس، عبر فكرة التوأمة بين البلديات هنا وهناك، وعبر استثمار الآليات المتطوّرة هنا في تنمية العمل البلدي في تونس، وكذلك استثمار كل هذه الخبرات في مجال تدريب المجالس البلدية الجديدة المنتخبة حديثا هناك.  

 مسيرة اندماج مهني ناجحة 

غادر كل من نبيل حمادي وعادل النهدي تونس وقد حُرما من استكمال دراستهما في الجامعات التونسية، ولذلك كانت أولى خطواتهما في سويسرا السعي لاستكمال الدراسة، فالتحق عادل النهدي بجامعة نوشاتيل حيث تحصل على لقب مهندس في المعلوماتية، وكذلك التحق نبيل حمادي بمدرسة المهندسين بمدينة إيفردون حيث حصل على دبلوم مهندس في المعلوماتية. 

انضم الرجلان لاحقا إلى برنامج أوروبي للدراسات العليا في تخصص إدارة وتكنولوجيا أنظمة المعلوماتية (برنامج دراسي مشترك بين المعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان، وجامعة لوزان، وجامعة غرونوبل الفرنسية، وجامعة أنسي الفرنسية وجامعة جنيف)، حيث أكملا هذا البرنامج بنجاح. 

في الأثناء، تعاقد نبيل مع شركة SWorld لكنه كان في خدمة شركة أورونج للإتصالات. وبعدها انتقل للعمل مع “لوتري روموند”، حيث يعمل حتى الآن. وكانت أغلب الوظائف التي أداها في مجال الحفاظ على جودة المنتوج والإرتقاء به. 

أما النهدي، فقد أضاف إلى تكوينه السابق حزمة كبيرة من الشهائد بفضل التكوين المستمر في مجالات عدة من بينها الإتصال وعلوم الإدارة وفنون القيادة، حصل عليها من العديد من البلدان الأوروبية، مما سهّل له لاحقا الإرتقاء في الوظائف. وهو يشتغل اليوم خبيرا لدى شركة نستليه الدولية العملاقة. 

يقول عادل إن تجربتهما جعلتهما يقتنعان أن الأجنبي الذي لا ينجح في بناء مساره المهني ولا يجد سعادته في سويسرا، يجب عليه أن يبحث عن أسباب فشله في نفسه لا في الواقع. ويضرب على ذلك مثل السوريين حديثي الوصول إلى سويسرا وكيف تمكنوا في فترة قصيرة من شق طريقهم في الحياة بنجاح، فتحوا المطاعم وحصلوا على الشهائد والدبلومات وافتكوا أماكنهم داخل المجال الوظيفي والمجال التجاري.

الأمر يتعلّق بالعقليات وبالإرث الذهني الذي حمله معه كل أجنبي، خاصة المكانة المركزية التي تحتلها الدولة في هذه الذهنية. الجميع ينتظر تدخل الدولة لتضمن له العمل وتوفّر له احتياجاته. لكن هنا في سويسرا من أراد أن يُغيّر واقعه نحو الأفضل عليه أن يأخذ المبادرة بنفسه. 

أما بالنسبة لنبيل، فإن نجاح عملية الإندماج مرتبط بشروط ذاتية وأخرى موضوعية:

بداية يعتبر أن الشروط الذاتية تتدخّل بشكل أكبر في نجاح عملية الإندماج: فما هو ذاتي يتعلّق بتركيبة شخصية الفرد، وكيف عاش من قبل، وكيف يتفاعل مع المحيط من حوله، وعلى ما تعوّد من قبل، ومدى قدرته على التكيّف مع متطلبات الواقع الجديد أو سوق العمل! 

يرى نبيل أنه من الضروري أن يتسلح الأجنبي بإرادة قوية وأن يستشعر أهمية التحدّي الذي يتعيّن عليه أن يكون قادرا على رفعه. ثم أن لا يبحث الفرد في بداية مشواره عن الربح البسيط والقريب، بل أن يتسلّح برؤية مستقبلية، قد تكون نتيجتها ضيقا في البداية لكنها تفتح الطريق إلى المستقبل، كاختيار التكوين والتعليم بدلا من العمل من دون كفاءة وشهائد. 

أما بالنسبة للظروف الموضوعية، والتي يُمكن أن تثبّط العزائم، وبخاصة للأشخاص الذين لديهم شخصية هشّة بطبيعتهم، فيذكر نبيل هنا مسألة تراخيص الإقامة. حيث أن القانون لا يسمح للأجنبي في البداية بالعمل إذا كان يحمل إقامة مؤقتة ( من صنف N )، أو هي لا تحفّز صاحب العمل على توظيف الأجنبي إذا كان يحمل اقامة مؤقتة (من صنف F ) مثلا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية