مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

البحث الشاق عن “طريق ثالث” بين دولة الرعاية ووصفات المؤسسات الدولية

فرض الإرتفاع الصاروخي لأسعار الغذاء (في الصورة: نساء باكستانيات يتدافعن للحصول على شيء من الخبز) والوقود في العالم على الحكومات والنخب في العالم العربي إعادة التفكير في أساليب إصلاح اقتصاديات بلدانهم Keystone

بدأت ترتفع أصوات داخل بعض المجتمعات العربية تطالب بإعادة النظر ببرامج الإصلاح الاقتصادي وسياسات اللبرلة والخصخصة التي تطحن في طريقها الطبقات الفقيرة وتذيب الطبقات الوسطى.

ويأتي هذا التطور أيضا رداً على موجة الغلاء العالمي وانعكاساتها القاسية على الشريحة الواسعة من المواطنين في العديد من الدول العربية.

وإذا كان ‘الصوت اليساري’ يمثل الاحتجاج التقليدي على هذه السياسات الاقتصادية، فإنّ الفترة الأخيرة بدأت تشهد نمو أصوات مستقلة أو قريبة من المؤسسات الحكومية لا تدعو إلى العودة إلى القطاع العام والتخلي عن اللبرلة الاقتصادية أو الرجوع عن سياسة التخاصية (التخصيص او الخصخصة أوالخوصصة) والسوق الحر، لكنها – في الوقت نفسه – تطالب بتبني خيارات ليبرالية ذات طابع اجتماعي، لا تترك للسوق الخاص الحرية الكاملة في التحكم بأقوات المواطنين وأرزاقهم، أو الحرية المطلقة في إعادة صوغ العلاقات الاجتماعية والسياسية في بعض الدول.

في الأردن تحديداً؛ ثمة مؤشرات ودلالات على تشكل رؤية جديدة داخل النخبة السياسية الرسمية، والمقربة من دوائر صنع القرار، تدفع باتجاه تبني خيار أقرب إلى ‘الليبرالية الاجتماعية’، التي وإن كانت تلتزم بالمسار الليبرالي الاقتصادي العام إلاّ أنّها تقوم على تخفيف الآثار السلبية على الطبقة الاجتماعية العريضة (الوسطى والدنيا).

معضلة برنامج الإصلاح الاقتصادي

في تعليقه على الخلل في برنامج الإصلاح الاقتصادي الأردني، يرى الكاتب والمعلق الاقتصادي في صحيفة “الغد” اليومية حسن الشوبكي، في تصريح لسويس أنفو: “إنّ المعضلة الرئيسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي تتمثل بالالتزام الحرفي بمعايير المؤسسات الدولية وأرقامها دون النظر إلى الوقائع الاجتماعية والاقتصادية على الأرض’.

الملاحظة السابقة يمكن التقاطها، وفقاً للشوبكي، من الفجوة القائمة بين ناتج المحلي الإجمالي المتوقع لهذه السنة والذي يبلغ 12 بليون دينار أردني وبين معدل الدخل الفردي الذي لم يرتفع إلا بنسبة محدودة، فيما تصل نسبة التضخم المتوقعة، وفقاً لمصادر رسمية، إلى 12%. وهو ما دعا اللجنة المالية في مجلس النواب الأردني إلى المطالبة مؤخراً بربط الأجور والدخول بمعدلات التضخم، كي يتمكن الناس من التكيف مع التضخم والغلاء المتتالي بالأسعار.

إشارات ومقدمات لبروز ‘الطريق الثالث’

خيار ‘الطريق الثالث’ يعكس تطوراً في مسار المناظرة الاقتصادية – السياسية الأردنية. ففي السابق كان السجال السياسي قائما بين خيار ‘الدولة الريعية’ والدور الاقتصادي والاجتماعي الكبير للدولة، كما كانت عليه حال الاقتصاد الأردني إلى آواخر الثمانينات، وهو خيار تتبناه النخب اليسارية والتقليدية في البلاد، وبين خيار ‘اللبرلة’ ما يتضمنه من خصخصة وتشجيع للاستثمار وتطبيق لوصفات المؤسسات الدولية، وبيع ممتلكات ومؤسسات الدولة، وانسحاب الدولة من سوق العمل والتوظيف بصورة كبيرة، وهو المسار الحالي الذي يدفع به حثيثاً الفريق الاقتصادي، ويمثل رئيس الديوان الملكي، د. باسم عوض الله، مهندس هذا الاتجاه.

خيار ‘الطريق الثالث’ هو الخيار الجديد، الذي بدأ يسود داخل أوساط رسمية وشبه رسمية، لها تحفظاتها على المسار الاقتصادي الحالي، وإن كانت ترفض العودة إلى ‘دولة الرعاية’، فإنّها وفي ضوء المعادلة السياسية والتاريخية الأردنية، ترى أنّ ‘اللبرلة المتوحشة’ دون مراعاة التداعيات الاجتماعية ستؤدي إلى أزمة سياسية خانقة في بنية العلاقة بين الدولة والمواطن.

وإذا كان رئيس الوزراء السابق د. معروف البخيت قد أطلق علناً، في محاضرة سابقة له في المعهد الدبلوماسي الأردني، الدعوة إلى ‘الطريق الثالث’، فإنّ مراقبين وسياسيين يؤكدون أنّ هذا هو أيضاً توجه رئيس الوزراء الأردني الحالي، نادر الذهبي، الذي وإن تحصّل على خبرةٍ اقتصادية متميزة في السنوات الأخيرة في مجال إدارة المؤسسات المتحولة نحو القطاع الخاص، فإنه – في الوقت نفسه – كان ضابطاً رفيعاً في الجيش الأردني، ما يجعله أكثر تحفظاً نحو الإغراق في الخصخصة واللبرلة بعيداً عن ‘الشروط الاجتماعية’ والتوازنات الحساسة داخل الدولة والمجتمع.

على المستوى السياسي؛ تبرز إحدى المعضلات الرئيسة للمسار الاقتصادي الحالي، الذي يرسم جزءاً كبيراً من ملامح المشهد الأردني، بأنّ هذا المسار سيؤول عملياً إلى تحولات اقتصادية واجتماعية قاسية. فالطبقة الوسطى التي تشكلت في القطاع العام خلال العقود السابقة، هي برسم الانهيار بل وفي خضمه حالياً، كما أنّ دور مؤسسات الدولة في إفراز النخب القيادية داخل الدولة والمجتمع أخذ بالتراجع لصالح القطاع الخاص، وبدأت تدريجياً تحل محلها نخبة جديدة من رجال الأعمال، وبالتحديد المرتبطين بوكالات أو علاقات مع مؤسسات تجارية خارجية. وقد شهدت الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب الأردني صعوداً لهذه النخبة.

المحلل والكاتب السياسي في صحيفة “العرب اليوم”، فهد الخيطان، يذهب في تصريح خاص بسويس أنفو، إلى أنّ هنالك شعورا عاما، نخبويا وشعبيا، بأنّ الطريق الليبرالية الحالية، قد فشلت لأسباب عديدة، لكن هنالك صعوبة بالعودة إلى الخيارات الاشتراكية والاعتماد بالكلية على القطاع العام. ولذلك بدأ التفكير بالدعوة لـ’الاقتصاد المختلط، أي الدمج بين دور القطاع العام والخاص، والاستفادة من تجارب أخرى في هذا المجال، بخاصة بعض الدول الأوروبية’.

البحث عن روافع سياسية واجتماعية

وإذا كان الخيطان يرى أنّ ‘النخبة الليبرالية التي تمسك بالقرار تحول دون طرح مشروع الطريق الثالث على طاولة البحث داخل الدولة، والتفكير في بدائل اقتصادية أخرى غير المسار الحالي’، فإنّ النائب بسام حدادين يرى، في تصريحات خاصة بسويس انفو، أنّ ‘الملك بدأ يخط عملياً مسار الطريق الثالث من خلال مجسات اجتماعية تتجسد بمبادراته الاقتصادية المتعددة لإنعاش وحماية الطبقات الفقيرة وزياراته الدورية المتكررة للمناطق المحرومة والضعيفة اقتصادياً’.

ويرى حدادين أنّ المبادرة الملكية أسفرت عن مشاريع عديدة تشكل مقدمات لتبلور ‘الطريق الثالث’ وأبرز هذه المشاريع الإعفاءات الضريبية للمواد الأساسية والاهتمام ببناء شبكة أمان اجتماعي لحماية الطبقات الفقيرة ومبادرة سكن كريم التي ستوفر مئات الآلاف من الشقق السكنية لذوي الدخل المحدود.

ويتوقع حدادين أنّ المستقبل مفتوح أمام ‘الطريق الثالث’، ويرجح أن يكون حزب الجبهة الوطنية، “الذي تقوده شخصيات سياسية وبيروقراطية سابقة، مشهود لها بالنزاهة” على حد قوله، هو الرافعة الاجتماعية والسياسية لهذا الخيار.

في المقابل؛ يرى الخيطان أنّ هنالك إمكانيات في القطاع العام والخاص يمكن أن تساهم في تحقيق نموذج ‘الخيار الثالث’، ويلاحظ أنّ هنالك صعوداً لرؤية اقتصادية ترى ضرورة خصخصة الإدارة بدلاً من خصخصة ممتلكات الدولة.

في انتظار “المطبخ الرسمي”..

ربما يجد خيار ‘الطريق الثالث’ بريقه في الآونة الأخيرة، في سياق السجالات السياسية والإعلامية الأردنية العاصفة التي تصاعدت بعد تداول أخبار عن بيع أراضٍ ومبانٍ مؤسسات وطنية ذات قيمة تاريخية وثقافية لدى الأردنيين تعود أغلبها للقوات المسلحة (المدينة الطبية، المباني الجديدة للقيادة العامة).

فبعد أيام من الجدال والنفي والنفي المضاد تبين أن عملية البيع هي برسم الاتمام، لكن بـ’مخارج اقتصادية’ (تأسيس شركة لمؤسسة الضمان الاجتماعي لاستثمار هذه الأراضي) وهو ما دفع بصوغ أسئلة رئيسة وجدت صداها في المنتديات السياسية والمنابر الإعلامية حول جدوى المضي قدماً في المسار الاقتصادي الحالي في ظل ارتفاع كبير في الأسعار وغلاء فاحش وتفاوت في مصادر الدخل الفردي وعجز في الموازنة ومعاناة شريحة واسعة من المواطنين من ظروف اقتصادية حرجة.

لكن يبقى السؤال فيما إذا كان الحديث عن ‘الطريق الثالث’ سينتقل من الأطر غير الرسمية والنقاشات السياسية والإعلامية ليصبح موضوعاً للحوار داخل الدولة، أم أنّ النخبة الليبرالية الممسكة بالقرار الاقتصادي حالياً ستتمكن من إبقاء هذه النقاشات خارج ‘المطبخ الرسمي’؟

محمد أبو رمان – عمان

عمان (رويترز) – قال نشطاء يوم الاحد 4 مايو 2008 إن قوات الأمن الأردنية اعتقلت ثلاث نشطاء لتوزيعهم منشورات تدعو لإضراب عام للاحتجاج على ارتفاع أسعار الأغذية وسياسات الدولة التي يقولون انها تزيد من فقر فقراء المملكة.

وقال خالد كلالدة وهو امين عام حركة اليسار الاجتماعي الاردني ان الاعتقالات تمت يوم السبت بينما كان اعضاء من حزبه يوزعون المنشورات وكان ذلك جزء من حملة وطنية تهدف لتوزيع اكثر من 20 الف نشرة.

وقال كلالدة ان منظمته التي انشئت قبل وقت قصير قد أخذت الفكرة من نشطاء مصريين دعوا لإضراب اليوم الرابع من مايو ايار عن طريق موقع ( فيس بوك) Facebook على الانترنت يطالبون فيها بحد أدنى لأجور العمال والموظفين وربط الاجور بالاسعار واتخاذ تدابير اخرى للتحكم بالاسعار.

ورفعت السلطات الاردنية أسعار الوقود بشكل حاد في فبراير شباط الماضي وارتفعت اسعار كل شيء من الخبز الى اسعار الشقق السكنية مما أثر بشكل خاص على غالبية سكان المملكة البالغ عددهم حوالي ستة ملايين نسمة من ذوي الدخل المتدني.

وقال نشطاء ان السلطات رفضت في الاسابيع القليلة الماضية إعطاء تصريح لأي احتجاج شعبي ضد ارتفاع الأسعار في بلد يرتفع فيه عدد العاطلين عن العمل وحيث أدى الارتفاع الحاد في أسعار الخبز والوقود في السابق الى اضطرابات
شعبية.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 4 مايو 2008)

الرباط (رويترز) – استخدمت الشرطة المغربية القوة لانهاء الحصار المفروض منذ اسبوع على ميناء في جنوب المغرب من قبل شبان يحتجون على الفقر والبطالة لكن الحكومة نفت مزاعم السكان بمقتل بعض المتظاهرين. وقال سكان ان المئات من افراد الشرطة وصلوا الى ميناء سيدي افني الساعة الثانية صباح يوم السبت 7 يونيو 2008 لابعاد المتظاهرين.

وقال مسؤول أمني محلي “الميناء بقي تحت الحصار منذ 30 مايو بسبب المظاهرات المتواصلة في سيدي افني مما جعل السمك المعبأ في الشاحنات يتعرض للتلف.” وقال ان الشرطة القت القبض على 20 شخصا ولكن احدا لم يقتل او يصاب في العملية التي بدأت بعد ان اضرم المتظاهرون النار في سيارة مسؤول محلي.

وقال دبلوماسي غربي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته ان شاهد عيان موثوق به ابلغه بمقتل ثمانية اشخاص. وقال أحد سكان سيدي افني شارك في المظاهرات ان قوات الأمن هاجمت المتظاهرين مستخدمة كلابا وهراوات. وقال الساكن وهو عامل اجتماعي طلب عدم ذكر اسمه ” العشرات جرحوا لقد شاهدت بأم عيني جثتين في الشارع بجروح في الرأس.” واضاف “عدد من الاصدقاء في المدينة أكدوا لي وفاة ثلاثة اخرين على الاقل.”

ومثل هذه الاحتجاجات تحدث بصفة منتظمة في المغرب لكنها نادرا ما تسفر عن سقوط قتلى. وقال سكان ان المتظاهرين كانوا يشكون من تهميش حكومة الرباط لهم واسقاطهم من حسابات التنمية الاقتصادية وتجاهلهم في الوظائف. وقالوا انهم كانوا يأملون في ان تصبح سيدي افني محافظة في اطار عملية تعديل وشيكة للحدود الادارية ولكن تم ابلاغهم بان ذلك لن يحدث.

وقال سكان ان قوات الأمن بدأت في تفتيش المنازل في تلك البلدة الصغيرة المطلة على المحيط الاطلسي والواقعة على بعد 700 كيلومتر جنوب غربي العاصمة الرباط بعد فض المظاهرة.

وقال ابراهيم عرب وهو نشط في مجال حقوق الانسان ومدرس في سيدي افني ان الناس اعتادوا على مثل هذه المظاهرات في بلدتهم ولكن الشيء المختلف هذه المرة هو نهب بيوت الناس. واضاف انه بحلول الساعة التاسعة مساء خرج بعض السكان الى الشوارع وبدأوا في رشق الشرطة بالحجارة.

وقال محمد عصام الذي اوضح انه هرب من البلدة لتجنب القلاقل انه ليس متأكدا من عدد الاشخاص الذين ماتوا ولكنه قال ان كثيرين اصيبوا بجروح خطيرة كما اعتقل المئات.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 8 يونيو 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية