مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

البيئة في سويسرا بين جهود جبارة وحصيلة متواضعة

Keystone

كشف تقرير "البيئة في سويسرا 2007"، والذي صدر بمناسبة اليوم العالمي للبيئة والمهرجان الثالث لحماية الأرض، على أن حصيلة الجهود التي بذلت في مجال حماية البيئة تظل إيجابية وإن لم تحقق ما كان مرجوً.

ولأوّل مرة، يأخذ هذا التقرير في الاعتبار الجهود التي تُـبذل من أجل الحد من الأضرار التي تلحق بالبيئة، ويُـسجَّـل في هذا السياق، أن أوضاع البيئة لم تتحسّـن كثيرا منذ نشر التقرير السابق قبل خمس سنوات، لكنه يشيد مع ذلك بالنتائج، التي حققتها السياسات البيئية التي وضعت حيّز النفاذ.

من الإيجابيات التي يسجلها بقاء نسبة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون عند المستوى الذي كان عليه عام 1990، بالرغم من تزايد النشاط الاقتصادي وإجمالي الناتج المحلي، كما يشير إلى استقرار نسبة الاحتباس الحراري والغازات الملوثة للهواء، بسبب المركّـبات عند معدل 34% منذ سنة 2000.

كذلك، من المؤشرات الإيجابية، تراجع نسبة الأخطار المهدّدة لطبقة الأوزون في سويسرا بنسبة 99% بين سنة 1984 و2004، وبفضل الإجراءات المعتمدة، تمّـت المحافظة على الموارد المائية، التي لا تزال تحتفظ سويسرا بكميات كافية منها، وكذلك الأمر بالنسبة لموارد الغابات، حيث لم يستهلك من نسبة نموّها سوى 30%.

لكن ليس هناك ما يدُل على حظوظ استمرار هذا الوضع الإيجابي، فنمط المجتمع الذي نعيش فيه والإقبال الشديد على الاستهلاك، يؤدّي إلى عرقلة تلك الجهود ويفضي توسع الحركة العمرانية وحركة النقل، إلى تزايد الضغوط التي تتعرّض لها البيئة في سويسرا.

تحديات جسيمة

خصّـص التقرير حيِّـزا هاما لتِـعداد الأخطار، التي لا تزال تواجه قطاع البيئة، فهو يؤكِّـد أن سويسرا، البلد المعروف بتضاريسه الجبلية، تُـحدِق به أخطار التغييرات المناخية، كتقلص الطبقة الجليدية وتغيير الغطاء النباتي بسبب ارتفاع نسبة غازات الدفيئة.

ويظل تلوث الهواء والضجيج والمواد الكيميائية والظروف المناخية شديدة التقلب والإشعاعات، بالإضافة إلى توسع المجالات الحضرية على حساب المناطق الزراعية، أخطار تضر بصحة السكان وتؤدي إلى الحد من التنوع البيولوجي وانقراض أنواع من الكائنات النادرة.

ولئن كان للتكنولوجيا الحديثة آثار إيجابية على البيئة، إذ باتت العديد من التقنيات تأخذ في الاعتبار هذا العامل، فإنها تطرح أيضا تحديات وتلحق أضرارا، قد لا يكون الإنسان اليوم قادرا على تحديد حجمها الحقيقي، وهو ما يترك الباب مفتوحا لمزيد من الدراسة والتعمق.

تغييرات مطلوبة

تتطلّـب هذه التحديات إجابات ومبادرات على الصعيدين العام والخاص، فعلى الدولة، ولكي تحقق أهداف بروتوكول كيوتو، ينص التقرير على أنه “يجب أن تتَّـخذ إجراءات لخفض نسبة الاحتباس الحراري بمعدل 8% بموفى 2010، ومواصلة الحد من استخدام المواد المُـضرّة بطبقة الأزون، وأن تكف عن تغيير مجاري المياه الاعتيادية وألا تتساهل في التفويت في المناطق الصالحة للزراعة لحساب التوسع العمراني أو المناطق الصناعية”.

وفي مجال الطاقة، يشيد التقرير ببرنامج “سويسرا للطاقة”، الذي يدعو إلى الزيادة في نسبة الطاقة البديلة في إنتاج الكهرباء والتدفئة بنسبة 5% بحلول 2010، لكن السيد ماتيو شينال، مسؤول الاتصال ببرنامج “سويسرا للطاقة”، يقول في رد عن سؤال لسويس انفو “مشكلة البيئة يجب أن لا تُـعالج بطريقة مركزية بيروقراطية، بل من خلال التعاون الميداني والعمل مباشرة مع المجموعات المحلية، وذلك بوضع برنامج عمل مشترك وجدول زمني للتنفيذ، ثم استخلاص النتائج في النهاية، وإسناد جوائز ومكافآت للجهات التي تحترم التزاماتها”.

وأما السيد هوبر زيركندن، السكريتير العام لحزب الخُـضر السويسري، فيرجع النتائج المتواضعة، التي حققتها الدولة في مجال حماية البيئة، إلى “غياب الإرادة السياسية لدى أحزاب الأغلبية، إذ تطلّـب فرض ضريبة على غاز ثاني أكسيد الكربون في مجال التدفئة، مداولات في البرلمان استغرقت وقتا طويلا، في حين رفضت تلك الأحزاب فرض نفس الضريبة على وسائل النقل الملوثة للهواء”.

وفي محاولة لتجاوز الأغلبية، أطلق حزب الخُـضر السويسري هذه السنة، وبعد النتائج الجيدة التي حققها في انتخابات عدة كانتونات، مبادرة شعبية تهدف، في حالة نجاحها، إلى إلزام الحكومة الفدرالية بخفض نسبة ثاني أكسيد الكربون بمعدل 30% بحلول سنة 2020.

وحول السبيل لتغيير عادات المجتمع وإقناع الجمهور بالحد من الاستهلاك المفرط، تختلف أيضا إجابات المعنيين بالمحافظة على البيئة، إذ يرى السيد ماتيو شينال، أن الأمر يتطلّـب المرور من الإجراءات الطوعية إلى سَـنِّ قوانين مُـلزمة، يعاقَـب كل من يخلّ بها، في حين تركز السيدة إيميلي ليورشار، الناطقة بإسم “المستقبل المشرق”، وهي منظمة غير حكومية، على أهمية العامل الثقافي في تغيير وعي الناس ولفت اهتمامهم لقضايا البيئة.

وانسجاما مع هذا التوجه، اختار منظمو المهرجان الدولي الثالث لحماية الأرض، تنظيم فعاليات مهرجانهم في نفس اليوم وعلى عين المكان، الذي شهد تنظيم الاحتفال بيوم الموسيقى. ونتيجة لهذا الاختيار، بلغ عدد زوار المهرجان، بحسب المنظمين، 10.000 زائر في يوم الافتتاح فقط.

لكن الجميع يُـدرك، وفي مقدمتهم السيدة ليورشار، أن القرارات الفعلية القادرة على تغيير أوضاع البيئة بيد أصحاب القرار السياسي والاقتصادي، وليس رهنا بوعي عامة الناس أو اختيارهم على المستويين المحلي والدولي.

عبد الحفيظ العبدلي

بفضل التقدم التكنولوجي والمراقبة البيئية المستمرة، فإن نسبة انبعاث ثاني أكسيد الكربون بسبب الأنشطة الاقتصادية، ظلت ثابتة لم تتغير منذ 1990، في الوقت الذي زاد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة كبيرة.
منذ عام 1990، بلغت نسبة ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من قطاع النقل 34%، في حين بلغت النسبة نفسها المنبعثة من قطاع الصناعة 21%.
بالرغم أن سويسرا تأوي 50.000 نوعا من الحيوانات والنباتات، فإن ما بين 30% و50% من الأنواع الأهلية مهددة بالانقراض، في الوقت الذي تتواصل تجزئة المناطق الصالحة للزراعة، وتغزوها البناءات والمنشآت الصناعية.
كل سنة، تستهلك في سويسرا 100 مليون طن من المواد، أي بمعدل 14 طن لكل مواطن، و25% فقط من هذه المواد، قابل لإعادة الاستخدام.
تضاعفت نسبة النقل الفردي الخاص منذ 1970 مرتين، في الوقت الذي ازداد فيه النقل البري ثلاث مرات، ولا تمثل المسافات المقطوعة عبر النقل العمومي سوى 18%، وتصل نسبة نقل البضائع عن طريق السكك الحديدية 40%.
خصص قطاع الصناعة في سويسرا لحماية البيئة سنة 2003، مبلغا قدره 1.28 مليار فرنك سويسري، أي ما يعادل 0.3% من إجمالي الناتج المحلي، وهي نفس النسبة التي نجدها على المستوى الأوروبي.
يستهلك كل مواطن سويسري يوميا، 233 لتر من الماء، ويُـنتج 650 كلغ من المخلفات في المعدل سنويا
يقدّر عدد المواد الكيماوية المستخدمة لأغراض اقتصادية في العالم 100.000 مادة.
حضر 10.000 زائر للمهرجان الدولي لحماية الأرض، الذي ينظم في لوزان فقط خلال يوم الافتتاح.

تسمح التقارير حول البيئة، بالكشف عن وضع البيئة والتغييرات الحاصلة في الميدان بطريقة واضحة وبسيطة، وبمراعاة في نفس الوقت، القواعد والقوانين المعمول بها، وتستند هذه التقارير عادة، على معطيات موثوق بها وملائمة ورسمية، كما تصلح هذه التقارير السنوية أو المرحلية أساسا، للحوارات بين المواطنين وصنّـاع القرار في مجال البيئة والمجالات الاقتصادية ذات العلاقة.

ويستطيع المطلع عليها، فهم العلاقة بين مختلف الأنشطة الإنسانية والبيئة، والغرض النهائي، هو الإعلام بطريقة منتظمة بوضع البيئة وتغييراته بما يتوفّر من معطيات. وأنجز هذا التقرير، بالتعاون بين المكتبين الفدراليين للإحصاء والبيئة، اللذان بذلا جهودا مشتركة من أجل الوصول إلى تصوير دقيق للوضع، ولتوضيح الصورة، اعتمد التقرير طريقة تشمل في نفس الوقت، قضايا البيئة والانشغالات المرتبطة بها في كل قطاع من القطاعات الاقتصادية، كمجال النقل والطاقة والزراعة، وهو النموذج المعتمد على المستوى الأوروبي، والذي يأخذ في الاعتبار القوى الدافعة والضغوط الممارسة على البيئة ومواردها والوضع القائم والأضرار اللاحقة بها، وأيضا الحلول المقترحة.

وهذه الطريقة في إعداد التقرير، والتي من المُـفترض أن تشمل إجابة عن الأسئلة التالية: ما هو الوضع القائم؟ ولماذا وجد هذا المشكل؟ وما أهمية التغييرات البيئية الحاصلة؟ وما الحلول الممكنة للحد من أضرارها؟ من شأنها أن تمكِّـن من تحديد درجة الأضرار، التي ألحقتها بعض الأنشطة الإنسانية والعوامل المناخية بالطبيعة من ناحية، وتمكين الجهات المعنية من توصيف دقيق للأوضاع البيئية، ووضع الحلول القادرة على إصلاحها.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية