مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التغييرات كانت مُـتوقّـعة.. لكن ليس بهذا الحجم

Keystone

لم تُـشكل انتخابات الأحد 21 أكتوبر مفاجأة للخبراء والمحللين السياسيين، لكنهم لم يتوقّـعوا أن تتعرض تمثيلية الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي لهذا الحجم من التغييرات.

ويرى الخبراء أن نتيجة التصويت، التي أدّت إلى تعزيز كبير لليمين المتشدد، لن تؤثر على صورة سويسرا في الخارج، على المدة الطويل.

في تصريح لسويس انفو، قالت الخبيرة السياسية ريغولا شتامبفلي “هذه النتيجة لا تفاجئني، لكنني لم أكن أتوقّـع أن يصل فوز حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) إلى مثل هذا الحجم”.

ردّ فعل السيدة شتامبفلي يشاطِـره مراقبان آخران اتّـصلت بهما سويس انفو، حيث اعتبرا أن نجاح حزب الشعب لا يبعث على الدهشة في نهاية المطاف. فقد نجح هذا الحزب في جلب الاهتمام إليه طيلة الحملة الانتخابية، بفضل تكتيكاته المبتكرة وبمساعدة (غير مقصودة بالطبع) معارضيه ووسائل الإعلام، وتبعا لذلك، قطف يوم الأحد ثمار جهوده.

فعلى مدى الأسابيع التي دارت فيها الحملة الانتخابية، كثُـر الحديث عن مسألة إعادة انتخاب كريستوف بلوخر، زعيم حزب الشعب، ضمن تشكيلة الحكومة الفدرالية في شهر ديسمبر القادم. واليوم، حوّلت نتائج هذه الانتخابات، إمكانية استبعاد وزير العدل والشرطة إلى مجرّد سيناريو خيالي.

وبالفعل، سيكون من العسير جدا على أي طرف سياسي تحمُّـل مسؤولية دفع أقوى حزب سياسي في البلاد إلى صفوف المعارضة والمخاطرة بتفجير سياسة التوافق العزيزة على السويسريين.

ويقول باسكال شاريني، مدير قسم العلوم السياسية بجامعة جنيف “سيكون من الغريب جدا تصور حكومة بدون حزب الشعب، بل إن الاحتمال الأكثر معقولية، قد يتمثل في حكومة بدون الحزب الاشتراكي، نظرا لتراجع الاشتراكيين، مقابل حصول أحزاب اليمين الثلاثة على أغلبية مريحة تسمح لهم بمواجهة عمليات التصويت في البرلمان والاستفتاءات أيضا بثقة واطمئنان”.

تأييد كبير لحماية البيئة

حماية البيئة، هي الفائز الكبير الآخر في هذه الانتخابات، فقد نجح حزب الخُـضر السويسري في كسب رهانه، حيث شارف على الحصول على 10% من الأصوات، بل تمكّـن من الدخول لأول مرة إلى مجلس الشيوخ.

يضاف إلى ذلك، أن حركة الدفاع عن البيئة الليبرالية، التي تتموقع على يمين الخُـضر، والتي لم يكن لها أي وجود قبل أربعة أعوام، تمكّـنت من تحقيق اختراق مُـلفِـت في كانتون زيورخ.

هذا التقدم الذي حققه المدافعون عن البيئة، تمّ على حساب الحزب الاشتراكي، الذي تلقّـى صفعة “تاريخية”، على حد وصف معظم الصحف الصادرة صباح الاثنين، الذي نزل تحت سقف 20% من أصوات الناخبين. في المقابل، لا يُـعتبر انتقال جزء من الأصوات من الاشتراكيين إلى المدافعين عن البيئة أمرا مثيرا للاستغراب.

ففي واقع الأمر، يُـمكن للخُـضر أن يستفيدوا من الاهتمام الواسع لدى الجمهور بملف التغيرات المناخية، أما بالنسبة للاشتراكيين “فقد انهاروا بالخصوص في المناطق المتحدثة بالألمانية من سويسرا، حيث تراجع اهتمامهم بملفاتهم التقليدية، مثل القضايا المجتمعية والعمال والتأمينات الاجتماعية”، على حد قول الخبير السياسي إرنيست فيبل، الذي يشير في المقابل، إلى أن الاشتراكيين قاوموا بشكل أفضل في سويسرا الروماندية (المتحدثة بالفرنسية)، حيث لا زالوا أكثر اهتماما بهذه القضايا.

السؤال الآن، هل سيتمكّـن الخُـضر من الاستمرار في تحقيق هذا الاختراق لفترة أطول؟ إذ تشير دراسة عن جامعة برن إلى أن النواب الخُـضر في البرلمان الفدرالي هم أكثر من يصوّت عكس التيار في البرلمان، كما أن مبادراتهم الشعبية تواجّـه بالرفض من طرف الشعب، وهو ما يعني وجود تفاوت بين نجاح الخُـضر في الانتخابات ونجاعتهم الحقيقية في ميدان الفعل السياسي، وسيكون المستقبل حاسما في معرفة نظرة المواطنين لهذا التفاوت.

صراع الأشقاء في الوسط

في أعقاب هذه الانتخابات الفدرالية، لم يعُـد واضحا بالتحديد من يتزعّـم الوسط على الخارطة السياسية. تقليديا، كان الحزب الراديكالي (يمين) يتوفّـر على تقدّم ملموس على الحزب الديمقراطي المسيحي (وسط اليمين)، لكن الحزبين أصبحا الآن متساويين.

وبغضّ النظر عن الأرقام والنِّـسب، تأكّـدت التوجّـهات التي تكهّـنت بها استطلاعات الرأي، واتّـضح أن الراديكاليين بدؤوا في التراجع، فيما يستردّ الديمقراطيون المسيحيون مواقعهم بعد سنوات عِـجاف.

فبعد النتائج التي تحققت يوم 21 أكتوبر، يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين مؤهلون للمطالبة باسترداد الحقيبة الحكومية، التي خسروها في عام 2003 لفائدة حزب الشعب السويسري، وبعملية حسابية بسيطة، لا يُـمكن لهم الحصول على مقعد ثانٍ، إلا على حساب الراديكاليين.

وفي انتظار جلسة 12 ديسمبر لغرفتي البرلمان الفدرالي، التي يتم فيها انتخاب أعضاء الحكومة الفدرالية الجديدة، فإنه ليس بإمكان الديمقراطيين المسيحيين استعادة مقعدهم، إلا بدعم من اليسار.

في المقابل، يُـفترض منطقيا، أن يدعم حزب الشعب الراديكاليين الأكثر يمينية من الديمقراطيين المسيحيين، وبما أن قوة المعسكرين داخل البرلمان تكاد تكون متساوية، فإن الموقف يظل مفتوحا على جميع الاحتمالات.

صورة سويسرا في الخارج

في نهاية المطاف، ورغم كل ما أحاط بهذه الانتخابات من سِـجالات وجدل، إلا أن نتائجها لا تغيّـر الكثير في المشهد السياسي السويسري، إذ يظل البرلمان كالعادة، مهيمنا عليه من طرف أحزاب اليمين.

في المقابل، تأكّـدت مجددا قوة حزب الشعب السويسري، وهي ظاهرة لن تمُـر دون إثارة مشاكل لصورة سويسرا في الخارج. فخلال الأسابيع الماضية، أعربت وسائل الإعلام الأجنبية عن انزعاجها واندهاشها لما اتّـسمت به الحملة الانتخابية لهذا الحزب من عداء للأجانب.

ويقول باسكال شاريني، الخبير السياسي “إن صورة سويسرا لن تتحسّـن. كما أنني لست مبتهجا لعشرات المكالمات الهاتفية، التي سأتلقاها غدا من الصحافة الأجنبية لطلب تعليق منّـي على هذه النتائج، هناك انزعاج حقيقي في الخارج لما يحدُث في سويسرا”.

ويضيف شاريني “سيكون من المعقّـد إفهامهم أن حز بالشعب السويسري ليس من أقصى اليمين، مثلما هو الحال للجبهة الشعبية في فرنسا، لأنه عندما يشاهد الأجانب اللافتات الانتخابية لحزب الشعب، فهو يمثل نفس الشيء بالنسبة لهم”.

من جهته، يقول كليف تشورش، الخبير السياسي بجامعة كينت البريطانية “إنني أعتقد أنه من المحتمل أن يُـصاب أصدقاء سويسرا بشيء من خيبة الأمل، وهو ما سيبدِّد أوهام الاتحاد الأوروبي بخصوص رغبة سويسرا في الالتحاق به”.

مع ذلك، لا يُـفترض أن تتسبب ردود الأفعال في تأثيرات ملموسة على المدة البعيد، حيث يقول إيرنيست فيبل “لا أعتقد أنه ستكون هناك انعكاسات، فعندما حصل تقدّم لأقصى اليمين في النمسا أو في بلدان أخرى، انطفأت ردود الفعل بسرعة كبيرة”.

سويس انفو – أوليفيي بوشار

(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)

اختار الناخبون السويسريون يوم 21 أكتوبر 2007، الأعضاء المائتين في مجلس النواب ومعظم أعضاء مجلس الشيوخ للدورة التشريعية القادمة، التي تستمر أربعة أعوام (2007 – 2011).

تُـسيطر الأحزاب الأربعة الرئيسية، وهي حزب الشعب السويسري والحزب الاشتراكي والحزب الراديكالي والحزب الديمقراطي المسيحي على أكثر من 75% من المقاعد في البرلمان، وتتقاسم فيما بينها الحقائب الوزارية السبع في الحكومة الفدرالية.

يشكّـل التحالف بين الخُـضر وعدد من الأحزاب اليسارية الأخرى أكبر مجموعة معارضة في البرلمان.

يوم 12 ديسمبر القادم، ستجتمع غرفتا البرلمان لانتخاب حكومة جديدة.

حزب الشعب السويسري: 62 نقعد (+7 مقارنة بعام 2003)
الحزب الإشتراكي: 43 (- 9)
الحزب الراديكالي: 31 (-5)
الحزب الديمقراطي المسيحي: 31 (+3)
الخضر: 20 (+6)
آخرون: 13 (-2)

العدد الإجمالي للمقاعد في مجلس النواب السويسري: 200

لم تكتمل بعد نتائج انتخابات مجلس الشيوخ. حزب الخضر فاز بأول مقعد له في المجلس، الذي يمثل الغرفة الثانية للبرلمان الفدرالي، ويبلغ عدد أعضائه 46. وسيحسم الناخبون في شهر نوفمبر القادم بين المترشحين الذين لم يتمكنوا من الحصول على أكثر من 50% من الأصوات في ثمانية من الكانتونات السويسرية الـ 26.

swissinfo.ch

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية