مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

محطّة لُويْك.. مخاوف بالجملة رغم محاولات الطمأنة

الصحون الملتقطة للإتصالات السلكية واللاسلكية بمحطة لويك بكانتون فالي من خلال صورة ألتقطت لها يوم الثلاثاء 10 يناير 2006. Keystone

سلّطت فضيحة المعلومات "داتاغيت" "Datagate" الأضواء على محطة لويك للأقمار الصناعية في كانتون فالي بسويسرا، والتي يشتبه منذ سنوات بوجود أشخاص فيها على صلة بالمخابرات الأمريكية، لكن حتى لو تمّ التحقق من كون هذه الشركة تقوم بعمليات تنصّت على اتصالات خارجية لصالح وكالة الأمن الوطني الأمريكية، فليس في الأمر مخالفة قانونية.

لا يمكن لشخص يسير على طول خطّ الطريق ما بين مدينتي بريغ وسيون في كانتون فالي، إلا أن يشاهد تلك المحطة. فعلى الجانب الشمالي من وادي الرّون وفوق أراضي بلدة لويْك، تربض عشرات أطباق (الساتِلايْت) التقاط المعلومات الموجّهة نحو الأفق.

منذ أن أدلى إدوارد سنودن، الموظف السابق في وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي الأمريكي، عادت هذه المحطة إلى واجهة الأحداث، ما أطلق عليه تسمية “الأذن الكبيرة” في لُويْك. وقد صرّح مؤخرا دنكان كامبل، صحفي التحقيقات البريطانية، الذي كان أول من كشف النِّقاب في عام 1988 عن النظام الاستخباراتي الذي عُرف باسم “ايشلون ECHELON” لـ swissinfo.ch قائلا: “أنا متأكّد من أن سويسرا لديها اتفاق لتبادُل المعلومات مع وكالة الأمن القومي الأمريكي. والحقيقة، أن الأمريكيين موجودون بشكل كبير داخل محطّة لُويْك [للأقمار الصناعية الأرضية]”.

شكوك وريبة

وبينما يدور الحديث عن محطّة واحدة، فإنه في الواقع هناك محطات. فالموقع منقسم إلى منطقتين، الصغرى منهما تتبع إلى الحكومة السويسرية، وتضم أنْتِينات هوائية تُدار من قِبل وزارة الدفاع الفدرالية، وهي جزء من نظام التجسّس السويسري “أونيكس Onyx”، الذي يسمح بمراقبة والتِقاط الاتصالات الدولية، المدنية والعسكرية، التي تجري عبْر الأقمار الصناعية.

وأكثر ما يثير الشك حول استخدام وكالة الأمن القومي الأمريكي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لـ “الأذن الكبيرة” في لُويْك، هو وجود المنطقة الثانية، والتي تضم 50 أنْتِينا هوائيا موزّعا على مساحة من الأرض، تبلغ نحو 150 ألف متر مربّع، تمتلكها شركة “سينيالهورن س.أ. Signalhorn SA”، وهي شركة مسجّلة في السجل التجاري السويسري وتتبع لمجموعة “سينيالهورن تراستيد نِيتْوُورك Signalhorn Trusted Networks” ومقرّها الرئيسي في باكنانغ – ألمانيا.

وأوضحت لنا وزارة الدفاع السويسرية، من خلال رسالة إلكترونية، بأن الموقِعيْن، المدني والعسكري، ليس بينهما أية علاقة، وكل ما يربط بينهما هو “عقد خدمات”، الذي يوكل لشركة “سينيالهورن” المسؤولة عن الصيانة التقنية للأنتينات الهوائية، الخاصة بوزارة الدفاع.

تلتزم شركة سينيالهورن بموجب هذا العقد، بتوفير “مجموعة واسعة من الخدمات التجارية، كالدخول إلى الإنترنت وإلى شبكة المدفوعات ببطاقات الائتمان في محطات البنزين”، وبالإضافة إلى الشركات العاملة في قطاع الطاقة أو النقل البحري، يوجد من بين عملائها بعض محطات الإذاعة والتلفزيون، مثل اتحاد الإذاعات الأوروبية.

ويضيف أنفر أندرسون، رئيس المبيعات والاتصالات في سينيالهورن، قائلا لنا عبر رسالة مكتوبة: “كما نقوم بتوفير عدد من الخدمات في مجال الدفاع، وبشكل رئيسي، الاتصال بالسفارات لصالح عدد من وزارات الخارجية”. وحفاظا على السرية، تفضل الشركة عدم الكشف عن مزيد من المعلومات حول عملائها من الهيئات والمؤسسات.

وفي نفس الوقت، تنفي سينيالهورن مزاعم وجود علاقة بينها وبين المخابرات الأمريكية: “على حدّ عِلمنا، لا توجد علاقات تعامل بين وكالة الأمن القومي وأي مزود تجاري لخدمات الأقمار الصناعية، وتقول وسائل الإعلام بأن هذه الوكالة التي تعمل في جمع المعلومات، لا تستخدم سوى البِنية التحتية المملوكة للحكومة”.

شبهات تحتاج إلى إثبات

ومع أنها تأسّست في شهر فبراير 2012، فإن لسينيالهورن تاريخ طويل. ففي عام 2000، كانت تحمل اسم “فيريستار”، عندما تسلّمت البنية التحتية التابعة لسويسكوم في لُويْك. وفي وقت لاحق، غيّرت اسمها عدّة مرات، لكن ظلت شركة “أمريكان تَاوَر كوربوريشن American Tower Corporation”، والتي هي إحدى كبريات الشركات في مجال صناعة الاتصالات اللاسلكية، ومقرها بوسطن، هي المساهم الأوّل والأكبر فيها.

منذ اللحظات الأولى لتسليم واستلام الموقِع، انبعثت الكثير من الشكوك حول الصفقة، حيث تولّد حينها تخوّف من أن تُصبح المحطة جزءً لا يتجزّأ من النظام الاستخباراتي “إيشلون ECHELON” للتنصّت على المكالمات والاتصالات السلكية واللاسلكية، الذي أطلقته في سبعينيات القرن الماضي، كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، والذي مثّل نسخة سابقة لنظام التجسّس “بريزم PRISM”، الذي كشف عنه إدوارد سنودن.

في ذلك الوقت، توقّع البعض أن يكون وضع يد “فيريستار Verestar” على المكان، مقدّمة لإدراجه في إطار مشروع “غراوندبريكر groundbreaker” التابع لوكالة الأمن القومي الأمريكي، وأن تعهد ببعض أنشطتها الخارجية إلى شركات خاصة. وفي عام 2001، نقلت مجلة “لوموند دو رانسينييمو” الفرنسية، المتخصصة في المجال من جانبها، عن أحد العاملين في سويسكوم، بأن وكالة الأمن القومي تدخّلت لإتمام الصفقة، التي قُدّرت بنحو 100 مليون فرنك، لكن جاء نفي هذه التصريحات في وقت لاحق من قِبل المتحدث باسم وزارة الدفاع السويسرية.

أكّد وزير الدفاع أولي ماورر في نهاية أكتوبر 2013 أن سويسرا “ليس لديها اتصالات ولا تبادل بيانات مع وكالة الأمن القومي الأمريكية”.

يبدو أن هذه التصريحات لم تُقنِع أحدا وأن الوثيقة التي نشرتها صحيفة الموندو الإسبانية، ربما تكذبها جملة وتفصيلا، حيث تظهر سويسرا ضمن المجموعة الثانية في القائمة التي وضعتها الولايات المتحدة للبلدان الأكثر تعاونا مع أنشطة وكالة الأمن القومي الأمريكي، بينما احتلت كل من بريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا، المجموعة الأولى.

ومن جانبه، صرّح كريستوف بلوخر، وزير العدل والشرطة السابق، الذي ينتمي إلى نفس الحزب الذي ينتمي إليه أولي ماورر (يمين شعبوي)، لصحيفة شواز ام سونتاغ قائلا: “أكيد أن سويسرا تتعاون مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية”.

وكذلك وقف بالتازار غلاتلي، عضو المجلس الوطني عن زيورخ ومن المدافعين عن البيئة، نفس الموقف مُعتبرا أنه لا يوجد أدنى شكّ في وجود هكذا تعاون: “قبل بضع سنوات، صرّح المتحدث باسم وزارة الدفاع لمجلة أسبوعية، بأن هناك نوعا من التعاون بين أجهزة المخابرات السويسرية والأجنبية. هذا أمر طبيعي، ولكن نريد أن نعرف ما هو مدى هذا التعاون”.

الحكومة غير متخوفة

في ردّها على استجوابات برلمانية، سعت الحكومة السويسرية إلى طمأنة أعضاء البرلمان، إلى أن الشركة كان لها طابع تجاري بحْت، وأن وكالة الأمن القومي الأمريكي لم تكن يوما من الأيام ضِمن عملائها، وأن عمل الشركة مُقتصِر بشكل رئيسي على نقل البيانات، وأن الحكومة ليست لها معرِفة بمحتواها.

بعد ذلك، بل ومنذ ذلك الحين، لم يتطرّق أحد لقضية أطباق لُويْك، حتى إذا كانت الأشهر الأخيرة، وظهرت إلى السطح عمليات التنصّت التي تقوم بها وكالة الأمن القومي الأمريكية على نِطاق واسع، وإذا بالمنطقة الرمادية التي تحيط بمحطة فالي والشركة المُشغّلَة لها، تعود إلى واجهة الأحداث. وفي مقال نُشِر في بداية نوفمبر 2013، ذكرت صحيفة شواز أم سونتاغ، بأن موظفا سابقا، رفيع المستوى في وكالة الأمن القومي، صرّح بأن الشركة ستعمل فقط لمصلحة الوكالة.

ويظهر من خلال السيرة الذاتية لبعض المسؤولين الحاليين لسينياهورن، صِلات عمل وثيقة مع الجهات المختصّة في وزارة الدفاع الأمريكية. فعلى سبيل المثال، جيمس كابيرنوس، الرئيس التنفيذي للشركة، كان حتى قبل بضعة أشهر مسؤولا عن “تراستكوم TrustComm”، وهي شركة كبيرة للاتصالات السلكية واللاسلكية، يوجد مركزها الرئيسي في القاعدة الجوية العسكرية في ولاية تكساس، بينما ذراعه الأيمن ريك منتر، فقد كان الرئيس التنفيذي للعمليات في “سيس غوفيرنمنت سوليوشن” “SES Government Solutions”، وهي شركة متخصّصة في مجال الأقمار الصناعية والاتصالات السلكية واللاسلكية العسكرية، على اتصال وثيق بالحكومة والجيش الأمريكيين.

أما وزارة الدفاع السويسرية، فلا تبدو من جانبها قلقة: “ليس من داعٍ للاعتقاد بأن هذه الشركة وبِنيتها التحتية على صِلة من قريب أو بعيد ببرنامج التنصّت الأمريكي بريزم PRISM”، ومنذ عشر سنوات، لم يتغيّر موقف الحكومة، إلا فيما يتعلق باسم برنامج التجسس.

في عام 1997، قرّرت الحكومة السويسرية تطوير نظام للتنصّت على الاتصالات الدولية المدنية والعسكرية، التي تتم عبر الأقمار الصناعية.

في عام 2000، دخل النظام الذي أطلِق عليه اسم “أونيكس” حيِّز التنفيذ وأصبح منذ عام 2006 في كامل فعاليته، وهو يعمل بالاعتماد على الأطباق الفضائية المزروعة في محطّات للأقمار الصناعية موجودة في كل من زيمرفالد وهايمينشفاند (في كانتون برن) ومحطة لُويْك (في كانتون فالي) .

يعتمد هذا النظام على فهرس للكلمات المُراد مراقبتها، بوصفها مفاتيح تُسهِّل تصفية الاتصالات التي يتم التنصّت عليها والتعرّف على المعلومات التي يراد تتبعها.

في عام 2009، تمكّنت السلطات السويسرية، بفضل إحدى الرسائل التي التقطها أونيكس، من معرفة أن الحكومة اللِّيبية على عِلم بالتحضيرات للعملية العسكرية لتحرير الرهينتين السويسريتين المحتجزتين في هذا البلد الشمال إفريقي.

فراغ تشريعي؟

وِفقا لوزارة الدفاع، حتى وإن تمّ التحقق من كون سينيالهورن تقوم بعمليات تنصّت لصالح جهاز استخبارات أجنبي، فإن السلطات لن تتدخّل إلا في حالة كون هذه الاتِّصالات صادرة من سويسرا أو قادمة إليها، أما في حالة كون التنصّت يختصّ بالاتصالات الخارجية: “فإن هذا الفعل لا ينتهك القوانين السويسرية بحال”.

بينما من وجهة نظر بالتازار غلاتلي، عضو المجلس الوطني ومن المدافعين عن البيئة من زيورخ وعضو لجنة السياسات الأمنية وصاحب العديد من المبادرات البرلمانية بخصوص فضيحة “داتاغيت Datagate”، فإن: “عدم وجود وسائل قانونية تمنع من القيام بهكذا نشاط لحساب شركات، ربما أفصحت هي بنفسها عن كونها فروع خاصة لأجهزة مخابرات أجنبية، يمثل إلى حدٍّ ما، مشكلة”، وأضاف معلِّلا: “لأنه يجعل من حيادية سويسرا موضع شكّ”.

وخلال الدورة القادمة للبرلمان، قد تطالب اللجنة بجلسة استماع إلى مسؤولي المخابرات الفدرالية: “نريد منهم أن يقولوا لنا بوضوح ما يعرفونه عن أنشطة أجهزة الاستخبارات الأجنبية في سويسرا، وسيتم أيضا التطرق إلى قضية لُويْك وما إذا كان فعلا قيام هكذا شركة بعمليات تنصّت على المكالمات الهاتفية في الخارج، هو عمل قانوني، وأعتقد أن هناك مشكلة فراغ قانوني يجب تداركه”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية