مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التَهَرُّب الضريبي مسألة تتعلق بحقوق الطفل أيضا

ألكسندرا دوفرسنيه

وُفقاً لأستاذة القانون الدولي ألكسندرا دوفرين، يَتعيَّن على لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة أن تطلب من سويسرا تقديم تقرير حول التأثير الذي تُخلِّفه سياستها الضريبية خارج حدودها الإقليمية.

كانت الاستجابة لـوثائق “باندورا”، و”بارادايس”، و”بنما” تميل إلى التركيز على الخَطَر الذي يشكله التهرب الضريبي وانعدام الشفافية على قُدرة الحكومات على مُكافحة الفساد، وضمان العدالة الضريبية، ومَنع غسيل الأموال. لكن القضية الهامة الغائبة عن النقاش إلى حَدٍ كبير هنا، هي الاعتراف بالتأثير المباشر للتهرب الضريبي على حقوق الإنسان المتعلقة بالأطفال.

في جوهره، يُعتَبَر التهرب الضريبي مسألة تتعلق بحقوق الأطفال. ويتأثر الأطفال بشكل غير متكافيء من التهرب الضريبي الذي تُسَهِّلُه دول لا تعير أهمية كبيرة لمعايير الشفافية. إن تحقيق حقوق الأطفال الأكثر أهمية – مثل حقهم في التعليم، والرعاية الصحية، والغذاء، والمأوى، والتحرر من العنف، والبيئة المستدامة – يتوقف على قدرة وطنهم الأم على توليد عائدات ضريبية كافية. وفي حين يمكن للبالغين التأثير على أولويات الضرائب والميزانية من خلال التصويت أو شَغل المناصب العامة، فإن الأطفال غير قادرين على فعل ذلك.

المزيد
رئيس أذربيجان إلهام علييف ]ثشير باصبعه وفي الخلفية علم بلاده

المزيد

وثائق باندورا تلقي بظلال من الشك على ممارسات المستشارين الماليين السويسريين

تم نشر هذا المحتوى على عاد المستشارون الماليون السويسريون إلى دائرة الضوء بسبب ثبوت مساهمتهم في بلورة خطط لمساعدة الأثرياء والمتنفذين على تحريك الأموال ونقلها حول العالم.

طالع المزيدوثائق باندورا تلقي بظلال من الشك على ممارسات المستشارين الماليين السويسريين

أضف إلى ذلك، فإن البلدان التي يتضرر فيها الأطفال أكثر من غيرهم نتيجة عدم كفاية الإيرادات – وهي في معظمها من دول جنوب الكرة الأرضية – ليست هي البلدان التي تستفاد أكثر من غيرها لكونها “ملاذات ضريبية” للشركات متعددة الجنسيات، والأفراد والأسر الأثرياء، والتي يقع معظمها في شمال الكرة الأرضية. وهكذا، فإن إمكانية تحويل تكاليف سياسات التهرب الضريبي إلى “أطفال الآخرين”، ولا سيما الأطفال في البلدان المنخفضة الدخلرابط خارجي، يجعل الإصلاح في هذا المجال في غاية الصعوبة.

في الشهر الماضيرابط خارجي، استعرضت لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة سِجِل سويسرا في مجال حقوق الإنسان فيما يتعلق بالأطفال. وعلى الرَغم من إعراب اللجنة عن قلقهارابط خارجي بشأن العُنف والتمييز ضد الفئات الأكثر ضعفاً من الأطفال، إلا أن أداء سويسرا بشكل عام كان جيداً فيما يتعلق بالأطفال داخل أراضيها.

ولكن ماذا عن تأثير السياسات الضريبية والمالية السويسرية على الأطفال خارج حدودها الإقليمية، على سبيل المثال، من خلال تأثيرها السلبي على قدرات الدولرابط خارجي لتحقيق أهداف التنمية المُستدامة في مجالات الصحة الجيدة، والتعليم الجيّد، والمساواة بين الجنسين، والمياه النظيفة والصرف الصحي؟ إن إحدى الثغرات في عملية مراجعة اتفاقية حقوق الطفل تتمثل بِعَدَم أخذها العوامل الخارجية بنظر الاعتبار دائماً – وهي في هذه الحالة، الآثار السلبية التي يتحملها الأطفال (في جنوب الكرة الأرضية بالدرجة الأولى) نتيجة لسياسات الشفافية الضريبية والمالية للدولة التي تقوم بالإبلاغ. وفي المراجعة التي أجرتها في سبتمبر 2021،رابط خارجي وكذلك ملاحظاتها الختامية في أكتوبر 2021رابط خارجي، لَمْ تستفسر لجنة حقوق الطفل عن هذه القضايا أو تذكرها.

في المقابل، طلبت لجنة حقوق الطفل مؤخراً من أيرلندارابط خارجي ذِكر التدابير المُتَّخذة “لِضَمان عَدَم مُساهمة سياساتها الضريبية في التجاوزات الضريبية من قبل الشركات العاملة في بلدان أخرى، مما يؤدي إلى تأثير سلبي على توافر الموارد اللازمة لإعمال حقوق الأطفال في تلك البلدان”. هذه سابقة ممتازة. وبالمثل، يتعين على لجنة حقوق الطفل أن تطلب من سويسرا أيضاً القيام بذلك في تقريرها الدوري المُقبل المُقرر تقديمه في مارس 2026.

الحاجة لمزيد من الشفافية

وفقاً للتقديرات، تمتلك الملاذات الضريبية 10% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم أجمع. على الرغم من الإصلاحات الأخيرةرابط خارجي، فقد صنَّفت شبكة العدالة الضريبية سويسرا كخامس أكبر ملاذ ضريبي، ومسؤولة عن 12.8 مليار دولار من الإيرادات المفقودة لبلدان أخرى. (تم تصنيف أيرلندا في المرتبة 11رابط خارجي). وفي حين لا يزيد عدد سكان سويسرا عن 0.1% فقط من سكان العالم، لكنها مسؤولة عن 5.1% من الخسائر المترتبة عن التهرب الضريبي على المستوى العالمي. كما أنها تحتل المرتبة الثالثة في العالم من حيث السرية الماليةرابط خارجي. وفي دورته الربيعية الماضية، باءَت جميع الجهود التي بذلها البرلمان السويسري لِسَد بعض هذه الثغرات بالفشل.

المزيد
taxes

المزيد

سويسرا مسؤولة عن 13 مليار دولار من الخسائر الناجمة عن التهرب الضريبي على مستوى العالم

تم نشر هذا المحتوى على تستفيد سويسرا من التجاوزات الضريبية للشركات والأفراد والتي تصل قيمتها إلى حوالي 12.8 مليار دولار (11.9 مليار فرنك سويسري) وفقًا لتصنيف عالمي جديد.

طالع المزيدسويسرا مسؤولة عن 13 مليار دولار من الخسائر الناجمة عن التهرب الضريبي على مستوى العالم

هناك سابقة أُقِرَّ فيها بأثر سياسة سويسرا المتعلقة بالضرائب والشفافية المالية على حقوق الإنسان خارج حدودها الإقليمية. ففي عام 2016، وبِضَغط من منظمات غير حكومية ومؤسسات أكاديميةرابط خارجي، دَعَت لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سويسرا إلى إجراء تقييمات مُستقلة وتشاركية ودوريةرابط خارجي لما لسياساتها في مجال السرية المالية وضرائب الشركات من آثار في الخارج على حقوق المرأة والمساواة الفعلية، وضمان إجراء هذه التقييمات بطريقة نزيهة والإفصاح العَلَني عن النتائج. لكن القضية لم تَحظَ بَعد بالاهتمام الذي تستحقه.

السبب الرئيسي في ذلك هو الافتقار إلى الشفافية نفسها؛ فالشبكة الغامضة التي تُمَكّن الأثرياء والشركات من إخفاء ثرواتهم مُعقدة ومُبهمةرابط خارجي. وكما أظهرت فضائح وثائق “باندورا” و”بارادايس” – والتي لم يتم الكَشف عنها إلا بعد تسريب ملايين المُستندات – فإن قواعد السرية المالية تجعل من الصَعب معرفة مقدار الأموال المُعرضة للخطر، أو الجهة التي تتدفق إليها. ان مستشاري الخدمات المالية وسلطات الضرائب مُنخرطون في لعبة “القط والفأر”، والاستراتيجيات المُبتكرة لإخفاء الثروة تتطور بشكل أسرع من قُدرة السلطات على تحديث قوانينها وأنظمتها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن فَهم هذه المعاملات والتحقيق حولها غالباً ما يقع خارج نطاق تدريب وخبرة المُختصين والمُدافعين عن حقوق الأطفال، الذين غالباً ما تكون خلفياتهم في مجالات علم النفس، والعمل الاجتماعي، والصحة، والتعليم، وقانون الطفل، وليس في قوانين وسياسات الضرائب والشؤون المالية. كما تميل المبادرات في مجال الأعمال التجارية وحقوق الإنسان إلى التركيز على قضايا أخرى غير التهرب الضريبي.رابط خارجي

لهذا السبب، يكون من المنطقي وَضع العبء على الحكومات لحساب تكاليف سياساتها والإبلاغ عنها. فالحكومات هي الجهة التي تتوفر على إمكانية الوصول إلى المعلومات ذات الصلة. ولتجنب أعباء البَحث غير الضرورية، فإن بإمكان لجنة حقوق الطفل أن تبدأ بِمُطالبة عدد قليل من البلدان المسؤولة بشكل مباشررابط خارجي عن مُعظم حالات التهرب الضريبي، بما في ذلك سويسرارابط خارجي، بتقديم التقارير. ويمكن للجنة حقوق الطفل أن تصيغ طلباتها لتقديم التقارير وفق طلباتها لأيرلندا في عام 2020، وكذلك طلب اللجنة المَعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة لسويسرا في عام 2016، والذي يشير صراحة إلى الأثر المترتب عن السرّية المالية والسياسة الضريبية خارج الحدود الإقليمية.

وحيث تُرتَكَب معظم التجاوزات الضريبية من قبل الأفراد والأسر الأثرياء جداً، يتعين على لجنة حقوق الطفل ان تنظر في إضافة التهرب الضريبي من قبل الأفراد. وربما يكون الأمر الأكثر أهمية، هو قيام لجنة حقوق الطفل بِمُطالبة سويسرا وغيرها من الدول ذات الصلة بتقديم تقييمات ملموسة لتأثير التجاوزات الضريبية، بناءً على بيانات حديثة وسياسات مُحددة. ومن شأن ذلك أن يقلل من خطر اجتناب الدول الأطراف إجراء تحليل جاد قائم على البيانات، والسعي إلى “الإجابة” على هذه الاستفسارات بالرجوع إلى تقرير عام عن مبادئ الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، كما فعلت سويسرا على ما يبدو عند تقديمها لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 2020رابط خارجي.

يتعيّن على سويسرا، شأنها في ذلك شأن أيرلندا وغيرها من الملاذات الضريبية، أن تنظر في تكلفة وعواقب سياساتها الداخلية المتعلقة بالضرائب والشفافية المالية على الأطفال في الخارج. ويُعتَبَر قياس هذه التكاليف والإبلاغ عنها عَلناً الخطوة الأولى في هذا المسار.

الآراء الواردة في هذا المقال تُلزم المؤلفة فقط، ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر SWI swissinfo.ch.

سلسلة “وجهات نظر”

تقوم swissinfo.ch بنشر آراء حول مواضيع مختلفة، سواء حول قضايا سويسرية أو مواضيع لها تأثير على سويسرا. يرمي اختيار المقالات إلى تقديم آراء متنوعة بهدف إثراء النقاش حول القضايا المطروحة. إذا كنت ترغب/ين في اقتراح فكرة لمقال رأي، يُرجى إرسال رسالة إلكترونية إلى arabic@swissinfo.ch

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية