مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الجبالي يدعو من دافوس إلى “دعم التجربة الديمقراطية” في بلاده

في خطاب توجه به يوم الجمعة 27 يناير 2012 إلى المشاركين في الدورة 42 للمنتدى الإقتصادي العالمي في دافوس، حث حمادي الجبالي، رئيس الحكومة التونسية الجديدة الشركاء الدوليين على تقديم كل الدعم للتجربة الديمقراطية في بلاده. AFP

يشارك وفد تونسي هام يقوده رئيس الوزراء الجديد حمادي الجبالي في الدورة السنوية للمنتدى الإقتصادي العالمي في أول ظهور له على المستوى العالمي.

وتتلخص مهمة الجبالي في طمأنة العالم بالتوجه الديمقراطي لبلاده، وإعادة الثقة للإستثمار وللقطاع السياحي، وتسوية بعض المشاكل مع سويسرا من بينها قضية الهجرة غير الشرعية والأموال المجمدة.

تعرف الدبلوماسية التونسية في ظل الحكومة التي أسفرت عنها انتخابات 23 أكتوبر 2011، أولى اتصالاتها على الساحة الدولية من خلال مشاركة وفد تونسي هام يقوده رئيس الوزراء حمادي الجبالي في الدورة الثانية والأربعين للمنتدى الإقتصادي العالمي الذي ينتظم في منتجع دافوس (شرق سويسرا) من 25 إلى 29 يناير 2012.

وإذا كان الجبالي قد حرص في الخطاب الذي ألقاه في الجلسة الصباحية ليوم الجمعة على إعطاء تطمينات في كل الإتجاهات وحث الشركات والفاعلين الإقتصاديين ورجال الأعمال على “الإستثمار في الديمقراطية”، فإن وزير خارجيته رفيق عبد السلام تناول في لقاءات أجراها في اليوم السابق العلاقات الثنائية لبلاده مع عدد من الدول من بينها سويسرا التي شددت على استمرار دعمها المقدم في إطار المرحلة الإنتقالية، مع إثارة مشكلة المهاجرين غير الشرعيين التونسيين التي أدت إلى زوبعة إعلامية في الآونة الأخيرة في بعض المناطق السويسرية.

مُعضلة المهاجرين غير الشرعيين

في الواقع كان لقاء وزيري الخارجية التونسي والسويسري اختبارا للرجلين في نفس الوقت لأنها المرة الأولى التي يظهر فيها ديديي بوركهالتر أيضا بصفته وزير خارجية في الحكومة الفدرالية منذ توليه هذا المنصب في أول يناير الجاري. ومن هذا المنطلق كان هناك اهتمام كبير لوسائل الإعلام برؤية الوزيرين في دورهما الجديد.

فقد اجتمع الوزير السويسري بنظيره التونسي رفيق بن عبد السلام يوم الخميس 26 يناير 2012 في منتجع دافوس على هامش أشغال المنتدى الإقتصادي العالمي. وقد سمح هذا اللقاء، مثلما أوضح الناطق باسم الخارجية جون مارك كورفوازيي للجانب السويسري بـ “إعادة تأكيد الدعم الذي تقدمه سويسرا لتونس في مرحلتها الإنتقالية”. وهو الدعم الذي خصصت له سويسرا 12 مليون فرنك في عام 2011 وأكثر من 24 مليون فرنك سويسري للعام الجاري.

في سياق متصل، حرص الجانب السويسري على إثارة موضوع الهجرة غير الشرعية، مع الوفد التونسي، وبالأخص توافد المئات (حوالي 2500) من طالبي اللجوء التونسيين بعد سقوط نظام بن علي في تونس وانطلاق موجة ثورات الربيع العربي. ويجدر التذكير أن العديد من المناطق السويسرية عرفت في الأشهر الماضية توافدا مكثفا لفئة من المهاجرين الشباب القادمين من تونس (عبر إيطاليا)، أثارت تصرفاتها بعض الحساسيات والإمتعاض في بعض المناطق المجاورة لمراكز اللجوء والإيواء.

وفي هذا الصدد، صرح وزير الخارجية ديديي بوركهالتر لوسائل إعلام سويسرية “لقد تبادلنا وجهات النظر حول هذا الموضوع وتوصلنا الى موقف واضح وهو فتح النقاش على المستوى السياسي لتحسين التعاون” في هذا المجال. ويبدو أن الأمور لم تبق على مستوى النوايا، بل تعدتها الى خطوات عملية حيث أعلن بوركهالتر أن “وفدا تونسيا سيزور سويسرا بعد بضعة أيام لمناقشة التفاصيل التقنية”.

وكان الناطق باسم الخارجية قد أوضح في وقت سابق أن الموضوع “يتعلق بالتفاوض على اتفاقية لإعادة المهاجرين” غير الشرعيين الذين ترفض السلطات طلبات اللجوء التي يتقدمون بها في سويسرا.

ودائما حسب الناطق باسم الخارجية السويسرية، يبدو أن الجانب التونسي قد قبل النظر في مثل هذا الإتفاق لإعادة المهاجرين غير الشرعيين، لكن وزير الخارجية التونسي شدد على الوضع الإستثنائي الذي تعرفه تونس حيث قامت بإيواء أكثر من مليون لاجئ أثناء الحرب التي شهدتها ليبيا في العام المنقضي، والذين مازال عشرات الآلاف منهم متواجدين في الأراضي التونسية.

دافوس.. من أجل طمأنة العالم

حمادي الجبالي، رئيس الحكومة الجديد المنتمي إلى حزب حركة النهضة الإسلامي، كان هو الآخر محط أنظار وسائل الإعلام السويسرية والدولية بحكم أنها المرة الأولى التي يزور فيها أوربا منذ توليه هذا المنصب في 23 ديسمبر الماضي.

وكان علية بالطيب، كاتب الدولة التونسي المكلف بالاستثمار، قد أثار في تصريحات إلى وكالة الصحافة الفرنسية أن السيد الجبالي، سيستغل “فرصة حديثه أمام منتدى دافوس  كأحد القادة المدعوين، لشرح التجربة التونسية، والتشديد على تأثيراتها المحتملة على السلم والاستقرار في المنطقة “.

ومن المنتظر أن يستغل رئيس الحكومة التونسية لقاءاته الثنائية المتعددة مع أقطاب الشركات المتعددة الجنسيات، وأرباب الشركات، وممثلي الحكومات والممولين “لتقديم التطمينات” و “لدفعهم إلى الإستثمار من جديد” في تونس ما بعد الثورة. وفي خطابه، وجه السيد الجبالي نداء إلى المستثمرين وإلى الدول الغربية قائلا: “أوجه نداء هنا في دافوس لمن يسمعنا لنطالب بدعم لأن مواردنا ليست كافية… إننا نعتمد على دعم أصدقائنا في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوروبا”. 

وفي الواقع، يدرك السيد الجبالي ومعه باقي أعضاء الحكومة التونسية، أن التطلعات الإقتصادية والإجتماعية في مرحلة ما بعد الثورة ضخمة للغاية، وأن مجال المناورة للحكومة الجديدة محدود لتزامنه مع وضع اجتماعي قاتم، يتميز بركود اقتصادي، وأكثر من 800 الف عاطل عن العمل، ربعهم من خريجي الجامعات، إضافة الى تهديدات الإضرابات والإعتصامات ونزوع البعض إلى التطرف.

أخيرا، لا مفر من القول بأن نجاح اختبار السيد الجبالي والوفد الحكومي المرافق له، لا يجب الحكم عليه من خلال نوعية الخطب التي ألقيت على منبر المنتدى، بل بما قد تسفر عنه اللقاءات الثنائية الجانبية من نتائج عملية تُسهم في استئناف نشاط القطاع السياحي، وإقناع الدول المساندة للديمقراطية بتنفيذ وعودها المعلنة بتقديم الدعم لتونس في مرحلتها الإنتقالية، إضافة إلى تجسيم الوعود القاضية بتسريع إعادة أموال بن علي وحاشيته المُجمّدة في عدة بلدان من بينها سويسرا.     

عرفت سويسرا، منذ انطلاق ثورات الربيع العربي توافد أعداد من الشبان التونسيين الراغبين في الهجرة، بعد أن استغلوا الفراغ السياسي والأمني الذي تلى سقوط نظام بن علي لكي يصلوا على متن القوارب الى جزيرة لامبيدوزا والسواحل الإيطالية ومن ثم إلى الأراضي السويسرية.

المئات من هؤلاء الشبان الذين وصلوا إلى سويسرا تسببوا في حدوث مشاكل ببعض المناطق أثارت تذمر السكان لحد تحولها الى ضرورة ملحة تم طرحها في اول لقاء بين وزير الخارجية السويسري ونظيره التونسي على هامش منتدى دافوس.

وتشير التقارير الإعلامية الى أن الأمر يتعلق “بشبان تونسيين غير متزوجين، لا تنطبق عليهم صفات طالبي اللجوء إلا في حالات نادرة ( لم يزد عددهم عن 7 أنفار من بين 2099 في عام 2011)، وغير منضبطين ويتخاصمون بكثرة، ويتناولون المشروبات الكحولية، بعضهم يتاجر بالمخدرات أو يمارس بعض الجرائم الصغيرة”.

في الفترة الفاصلة ما بين شهري مارس وديسمبر 2011 شهدت سويسرا وصولهم بمعدل يتراوح ما بين 159 و284 شخص شهريا. وتشير الإحصائيات الى أن عدد المسجلين منهم بلغ 2675 طالب لجوء مما يضعهم في المرتبة الثانية بعد طالبي اللجوء الأريتريين.

في انتظار التوصل إلى إطار قانوني لإعادتهم إلى بلادهم تجري السلطات السويسرية مشاورات مع المسؤولين والدبلوماسيين التونسيين بغرض احتواء الموقف حيث أجري لقاء أولي بين وزيرة العدل والشرطة والسفير التونسي في برن يوم 15 نوفمبر 2011.

في تصريحات صحفية نُشرت يوم 25 يناير 2011، كشف السفير حفيظ بجار أن عددا من هؤلاء المهاجرين يتصلون دوريا بالسفارة لطلب المساعدة من أجل تيسير عودتهم إلى تونس.          

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية