مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الجبال التي تحجب الشمس

Keystone

قضت باتريسيا هايسميث، الكاتبة الأمريكية المعروفة بغزارة إنتاجها، 14 سنة من حياتها في التيتشينو، الكانتون السويسري الناطق باللغة الإيطالية.

ومن الغريب أنها لم تكتب سوى قصة واحدة من وحي تلك المنطقة، وهي بعنوان “الهروب الطويل من الجحيم”.

لقد استطاعت هايسميث رسم صورة حية لمنطقة التيتشينو في الجملة التي صدّرت بها روايتها: “لقد كانت ولا تزال أرض الجبال التي تحجب الشمس، وأرض الصوّان بنتوءاته المترسبة وأشجاره الوارفة التي تملأ المنحدرات المائلة، ومع ذلك تقف شامخة مستوية على سوقها…”.

ويُـعتقد أنها كتبت قصّتها تلك من أمام أوّل بيت نزلت فيه في التيتشينو في وادي ماجّـيا Maggia، قرية صغيرة بمنطقة أوريغينو، هذا البيت الذي تحوّل لاحقا إلى مزرعة.

ويقول يورغ شيرتس، المالك الجديد للبيت الذي كانت تسكنه هايسميث “لا وجود للشمس هنا إطلاقا بين شهري نوفمبر ويناير، وبالتالي، فبالإمكان تصور طبيعة النصوص التي تكتبها”.

وكانت بعض الطبعات الألمانية من رواياتها تملأ رفوفا صخرية عند مدخل البيت الذي اشتراه شيرتس، لأن هذا الأخير كان يريد أن يعرف المزيد عن هذه الكاتبة المنطوية على نفسها، والتي لم يرها إلا لوقت قصير عند استكمال إجراءات شراء للبيت.

الممتلكات الأدبية

إلى حين وفاتها سنة 1995، عندما أوصت بنقل ممتلكاتها الأدبية إلى أرشيف الأدب السويسري في برن، لم يكن يعرف إلا القليل عن حياة هايسميث الخاصة.

ويقول أولريخ فيبر، المسؤول عن حفظ تركة هايسميث الأدبية: “نحن في بدايات استكشاف شخصية هذه المبدعة، لأنها لم تتكلم كثيرا إلى الجمهور عن حياتها الشخصية، ولحسن الحظ، لدينا الآن الكثير من الوثائق. لقد تركت مذكراتها وسجلت ملاحظاتها وأرسلت الكثير من الرسائل لأصدقائها، الذين عرفوها بشخصيتها المعقّدة”.

وإحدى هاته الصديقات، فيفيان دو برناردي، التي كانت تسكن على بعد بعض الكيلومترات فقط من قرية أوريجينو.

ومثل العديد من الأمريكيين، ليس لدي برناردي معرفة مسبقة بهايسميث، التي تتوجه في كل رواياتها البوليسية، بما في ذلك “غرباء في القطار”، ومجموعة “المستر ريبلاي” إلى الجمهور الأوروبي.

وبادرت هايسميث إلى الاتصال بدو برناردي، بعد أن علمت بأعمالها حول الأطفال المعاقين، وكانت ترغب في الاستماع إلى رأيها حول قصة، سبق أن كتبتها حول أب قتل شخصا بريئا بسبب القلق الذي كان ينتابه على مستقبل إبنه المعاق.

وأصبحت الكاتبتان صديقتان حميمتان، تذهبان معا إلى سينما لوكارنو، وتتناولان الغداء معا في مطعم جياردينتّو في طينيا، المنطقة التي قضت بها هايسميث السنوات الأخيرة من حياتها.

لقد كانتا تكتفيان في العادة بزيارة بعضهما البعض للحوار حول القضايا الأدبية عامة وحول أعمال هايسميث والأحداث الدولية. ويُـنقل عن دو برناردي أن هايسميث كانت تقرأ يوميا أحد الصحف الدولية، وأنها لم تعر يوما اهتماما للأخبار والسياسة المحلية.

حكاية التيتشينو

حدث أن طلبت منها صحيفة “العالم” (لوموند)، الصادرة في باريس، المساهمة في كتابة قصة قصيرة حول كانتون التيتشينو، فالتجأت لدو برناردي طالبة عونها، وهو ما فجّر فضيحة أدبية.

وتتذكر دو برناردي كيف أن “أب زوجها كان حكواتيا، يروي لكل مناسبة قصة”، وتضيف “عليه الآن أن يسرد لنا حكاياته الرائعة حول التيتشينو وحول القرية التي نعيش فيها، صحبة العائلة. لقد عرض عليّ فكرتين أو ثلاثة أفكار، نقلتها بعد ذلك إلى باتريسيا”.

وكانت النتيجة قصة “الهروب الطويل من الجحيم”، وهي تروي مأساة مزارع طرده قسّ القرية من حضيرة الكنيسة، بسبب نزاع عن الملكية، فعزم على قطع الرحلة الطويلة لمقابلة أسقف المدينة مشيا على الأقدام.

وتقدم القصة كذلك صورة حية عن الحياة في ريف التينشينو: “لقد أصبح يطلق على رحلة لويجي إلى لوغانو لمقابلة الأسقف ثم عودته بحج لويجي لأسقف لوغانو”، ومنذئذ وإلى حين وفاته، لم يكن لويجي فقط الوحيد من قرية رياطو، الذي زار لوغانو، بل صاحب معجزة لقيامه بذلك مشيا على الأقدام”.

وهذا الثناء على عزيمة وقوة هذا المزارع من أهل البلد، والنهاية السعيدة لمغامرته، أمر غير عادي بالنسبة لروايات هايسميث، التي وصفتها صحيفة “نيويورك” “بالقصص والأحلام المزعجة، التي تقض المضاجع طيلة ما تبقى من الليل..”

الشرّ

يقول فيبر: “إنها مفتونة بالشرور والمعاصي، وهي قرينة القلق وتلازم قراءة الصحف الناقلة لأخبار الجريمة”.
وتقر دو برناردي “كانت هايسميث مهتمة جدا بمسألة الشر، وتوصلت بعد أن درست جرائم القتل الحقيقية والخيالية طيلة حياتها، إلى أن ما نسميه شرا، ليس سوى مرض ذهنيّ”.

وتقول إن هايسميث كانت تعاني من الكآبة، وتبدو عليها الشقاوة، ولكن السنوات التي قضتها في قرية ريفية صغيرة، كانت أيضا من أسعد أيامها، فبساطة الحياة هناك أضفى عليها مسحة من الجمال الطبيعي الرائع”.

سويس انفو – دال بيشتل – وادي ماجّيا

نشرت هايسميث أوّل أعمالها الروائية “غرباء في القطار” سنة 1951، وحوّلت بعد ذلك إلى فيلم، وكذلك حصل الأمر نفسه مع عدد آخر من رواياتها.

في سنة 1955، نشرت قصة “النابغة مستر ريبلاي”، وهي رواية حصلت من خلالها على شهرة واسعة. وفي الجُـملة، كتبت 22 رواية والعديد من القصص الصغيرة.

بعد وفاتها، وطبقا لوصيتها، أسندت ممتلكاتها الأدبية إلى أرشيف الأدب السويسري، وعرضت أعمال هايسميث في المكتبة الوطنية السويسرية ببرن في شهر سبتمبر 2006.

1921: ولدت باتريسيا هايسميث بفورت وورث في ولاية التكساس بالولايات المتحدة.
1938- 1942: درست الأدب الإنكليزي بجامعة كولومبيا في نيويورك.
1951- 1953: سافرت عبر القارة الأوروبية.
خلال الستينات وأوائل الثمانينات: أقامت في المملكة المتحدة وفرنسا.
1982: سافرت إلى سويسرا.
1995: توفيت في مستشفى لوكارنو.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية