مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الجزائر وليبيا تفتحان صفحة جديدة من التكامل

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في حديث مع الزعيم الليبي معمر القذافي في افتتاح القمة العربية 17 في الجزائر يوم 22 مارس 2005 Keystone Archive

قبل أيام من انفجار موجة العنف الجديدة في المنطقة المغاربية، طوت الجزائر وليبيا أزمة التأشيرات وفتحتا صفحة جديدة من التعاون يمكن أن تساهم في بناء تكامل اقتصادي تونسي – ليبي – جزائري في ظل الشلل المزمن للإتحاد المغاربي.

ولم تقتصر ثمار التقارب الجزائري – الليبي على إعفاء الجزائريين من التأشيرة أسوة بالتونسيين، وإنما شملت أيضا سحب الاتفاقات المُعلن عنها أخيرا بين تونس وليبيا على العلاقات مع الجزائر.

بعد أربعة أيام فقط من نقض محكمة الاستئناف الجزائرية حُـكما قاسيا بالسجن على مدير صحيفة “الشروق” علي فُضيل والصحفية نائلة بالرحال، اللذين شكاهما الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي للقضاء بتهمة التشهير به، حلَ رئيس الحكومة الجزائرية عبد العزيز بلخادم بطرابلس على رأس وفد حكومي رفيع المستوى، لإحياء اللجنة التنفيذية المشتركة التي جُمّـدت اجتماعاتها منذ أربع سنوات.

وواضح أن تخفيف الحكم السابق الذي أصدرته محكمة البداية لم يُسمَم العلاقات مجددا، على رغم الانزعاج الشديد الذي أبدته ليبيا من المقالين الصادرين في أغسطس الماضي، نقلا عن الطوارق الجزائريين، الذين رفضوا مشروعا دعا له القذافي من تومبوكتو (مالي)، لإقامة دولة في الصحراء الكبرى تضم الجزائر ومالي والنيجر.

وأثار الحكم الابتدائي صدمة لدى الرأي العام الجزائري، وموجة من التضامن مع فضيل وبالرحال، اللذين قرّرت المحكمة سجنهما ستة أشهر وإلزامهما دفع غرامة مقدارها 20 ألف دينار جزائري، إضافة لوقف الصحيفة عن الصدور لمدة شهرين وتغريمها بــ 500 ألف دينار.

وأبطل الاستئناف قرار السجن، مُحوِّلا إياه إلى ستة أشهر مؤجَّـلة التنفيذ وأعفاهما من الغرامة، فيما ألغى قرار وقف الصحيفة عن الصدور وخفف الغرامة إلى العُشر، على رغم مطالبة الإدّعاء بتعطيل الصحيفة سنة كاملة، إضافة إلى الغرامة وتشديد العقاب على الصحفيين بترفيعه إلى سنة سجنا.

ومع ذلك، لم تكن مراجعة الحكم القضائي مؤشرا على برود في العلاقات بين الحكومتين، إذ بدا من النتائج المُعلنة في ختام يومين من الاجتماعات بين وفدي الحكومتين، من بينها لقاء بين بلخادم والقذافي، أن الجانبين بدَدا الغيوم التي تلبّـدت في سماء العلاقات الثنائية بعد إعلان أمين (وزير) الأمن العام الليبي العميد صالح رجب المسماري، عن إخضاع المواطنين المغاربيين الراغبين في زيارة ليبيا للتأشيرة، ولم يستثنِ سوى التونسيين، مما أثار غضب الجزائر واستوجب إرسال مبعوث خاص على عجل إلى الرئيس بوتفليقة لتهدئة خاطره.

منطقة اقتصادية ليبية تونسية جزائرية؟

ولم تقتصر ثمار التقارب الجزائري – الليبي على إعفاء الجزائريين من التأشيرة أسوة بالتونسيين، وإنما شملت أيضا سحب الاتفاقات المُعلن عنها أخيرا بين تونس وليبيا على العلاقات مع الجزائر، ويعني ذلك إعفاء السلع التونسية والجزائرية ذات المنشإ الوطني من الضرائب والرسوم الجمركية لدى تصديرها لليبيا، وزيادة حجم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة.

مع ذلك، تبقى هناك نِـقاط سوداء مُرتسمة على لوحة العلاقات الثنائية، وهي لا تختلف في الجوهر عن الفتائل التي أشعلت نار الأزمات السابقة بين طرابلس والجزائر والمُتّـصلة بنوع المسافة التي تضيق أو تتّـسع مع عواصم القرار الغربية.

فالقذافي غير مرتاح لتعاطي واشنطن مع الجزائر، بوصفها الشريك الأول في المغرب العربي، وهو يسعى إلى علاقات تفاضلية معها، بعدما نهل من حلاوة مُصادقتها.

وإذا كانت صحيفة “الباييس” الإسبانية أماطت اللِّـثام عن قلق مغربي من صفقات سلاح روسية مع الجزائر تجاوزت قيمتها 10 مليارات يورو، مما بوأها مركز القوة العسكرية الأولى في شمال إفريقيا، فلا شك أن القذافي يشعر بانزعاج مماثل، وهو الذي حمل ارتيابه من جارته الغربية الكبرى على الذهاب إلى وجدة في صيف 1984 لإقناع الملك الراحل الحسن الثاني بالتوقيع على معاهدة “الإتحاد العربي الإفريقي”، بوصفها ردا على معاهدة حُـسن الجوار التونسية – الجزائرية، التي انضمت لها موريتانيا لاحقا.

قُصارى القول أن التطور الأخير في العلاقات الليبية الجزائرية أعطى حصادا مُـهمّـا ليس أقله إلغاء التأشيرة بين البلدين، والدفع نحو تنشيط التعاون الاقتصادي، وخاصة تكثيف المبادلات التجارية، على نحو يستجيب للطلبات المعلنة لرجال الأعمال بفتح المجال الاقتصادي الإقليمي أمام التجار والصناعيين.

ولوحظ أن رجال الأعمال في البلدان المغاربية شكّـلوا منظمة موحدة في الجزائر يوم 3 أبريل الجاري، على هامش لقاء دعت له “منظمة أصحاب العمل” الجزائرية، وكانت أول دعوة أطلقوها للحكومات تتعلّـق بإلغاء الحواجز الجمركية وإزالة العراقيل الإدارية، التي تعطِّـل تدفّـق المنتوجات بين البلدان المغاربية، والتي لا تتجاوز حاليا 2.4 بالمائة فقط من الحجم الإجمالي لمبادلاتها الخارجية، طبقا لتقديرات بوعلام المراكشي، رئيس “منظمة أصحاب العمل” الجزائرية.

وقال المراكشي في تصريحات للصحفيين، إن المبادلات الموازية (أي التي تتم بواسطة التهريب) تُقدّر بمليارات الدولارات، مُـتسائلا عن الأسباب التي تمنع الحكومات من تحرير المبادلات التجارية من القيود.

وإذا ما أعطت هذه الضغوط، التي يمارسها القِـطاع الخاص أكلها، وإذا ما أبصرت الإجراءات التي قرّرتها اللجنة المشتركة النور في الفترة المقبلة، أسوة بالخطوات الاقتصادية التي تقررت بين تونس وليبيا، فمن غير المستبعد أن تشهد المنطقة بروز منطقة اقتصادية ليبية – تونسية – جزائرية مشتركة، تشكل استجابة للمناخ الاقتصادي الجديد وخروجا من عباءة اتحاد المغرب العربي، التي ضاقت على الجسم الاقتصادي المُتمدد.

مياه جديدة في العلاقات الثنائية

وانطلاقا مما كشفه أمين اللجنة الشعبية العامة (رئيس الوزراء) الليبي البغدادي المحمودي ونظيره الجزائري بلخادم في مؤتمر صحفي مشترك عقداه يوم 10 أبريل 2007 بعد نهاية اجتماعات الدورة الثانية عشر، يبدو البلدان مُقبلين على تجربة تكامل اقتصادي تبدأ من رفع القيود الإدارية والجمركية على تنقُّـل الأشخاص والسلع بين البلدين، وتوثيق علاقاتهما التجارية برفع حجم المبادلات إلى مليار دولار، لتتدرج نحو تكريس ترابط الإقتصادين، بالإضافة لتعديل الإطار القانوني للتعاون كي يستجيب لمتطلبات المرحلة الجديدة.

ويمكن القول أن الجزائريين حذوا حذو التونسيين في هذه السبيل، إذ وضع المحمودي نفسه صيغة مُـشابهة مع الوزير الأول التونسي محمد الغنوشي قبل أسابيع، وصلت إلى حد تنظير الدينار التونسي بالدينار الليبي والتعاطي بالعُـملتين كما لو أنهما عملة وطنية واحدة.

لكن هناك فروقا نوعية تجعل التجربتين مختلفتين بالضرورة، فالإقتصادان، الجزائري والليبي، متشابهان لأنهما يعتمدان على المحروقات وليس لدى أحدهما منتوجات خاصة يمكن أن يصدِّرها للآخر، مما يعني أن هناك كثيرا من الجمل الرنانة الجوفاء في التوجّـه المشترك الذي أعلنه المحمودي وبلخادم.

أما مع تونس، فتشهد مئات الشاحنات الثقيلة التي تملأ الطريق الدولية تونس – طرابلس، وكذلك آلاف الحاويات التي تُنقل من الموانئ التونسية إلى الموانئ الليبية، أن مجالات التبادل ما انفكّـت تتوسع، واستطرادا أن التكامل شعار قابل للتجسيد.

غير أن هذا لا ينفي أن مياها جديدة تدفّـقت في قنوات التعاون الجزائري – الليبي، ويكفي تحليل إشارات بلخادم إلى “التخلي عن المشاريع المشتركة التي أثبتت أنها غير مُجدية”، وضرورة انتهاج أسلوب جديد في التعاون كي ندرك أنه يُـومئ إلى القمّـة التي عقدها الرئيس السابق اليمين زروال مع القذافي في بلدة “عين أم الناس” على الحدود المشتركة، قبل نحو عشر سنوات من الآن، والتي أعلنا في ختامها عن مشروع وحدة جزائرية – ليبية على الطريقة المُحبَبة إلى الزعيم الليبي.

طبعا، ترافقت الخُـطوة مع مشاريع وُلدت ميِّـتة، ثم طوت رياح الصحراء الرملية أوراق الوحدة وبعثرتها، بعد خروج زروال من الحكم في ربيع عام 1999، ومن هذه الزاوية، يمكن اعتبار نتائج الدورة الأخيرة للجنة المشتركة، البرنامج التنفيذي لقرارات قمة عين أم الناس، أما العلامة الأخرى على تدفق مياه جديدة في العلاقات الثنائية، فتتمثل في المناخ الإقليمي الدافع إلى التقارب على رغم الشلل المزمن الذي تعاني منه مؤسسات الإتحاد المغاربي.

وقد تزامنت الخطوة الجزائرية – الليبية مع اجتماعات وزراء النقل المغاربيين، الذين بحثوا في تحرير النقل الجوي خلال السنة المقبلة، مدفوعين برياح العولمة السريعة التي تهبّ على المنطقة.

كذلك، ناقش الوزراء خُـطط مدَ الطريق السيارة المغاربية، التي باتت أجزاء كبيرة منها جاهزة داخل البلدان المعنية، بالإضافة إلى مشروع القطار السريع المغاربي، والذي تُقدر كلفة دراسته الفنية فقط بـ 4 ملايين يورو، طبقا لتقديرات خبراء الأمانة العامة للإتحاد المغاربي.

ومن شأن هذا المناخ الدولي معطوفا على الأجواء الإقليمية المواتية، أن يجعل مشاريع التكامل في هذه المجالات الحيوية قابلة للتنفيذ، أقله في الأمد المتوسط، والأرجح، أن الجهود المشتركة في مكافحة الإرهاب ستُعزِّز من مسار التقارب الثنائي.

فالتفجيرات الأخيرة التي هزت العاصمة الجزائرية يوم 11 أبريل الجاري ستحمِـلهما على تطوير التنسيق بين الأجهزة الأمنية، الذي يعود إلى فترة بعيدة والذي أعطى ثماره في تبادل المعلومات وتسليم المُشتبه فيهم. ومعروف أن إعلان “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” الجزائرية ولاءها لشبكة “القاعدة” وتشكيل تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، أعطى منذ الخريف الماضي دفعة قوية للتنسيق الأمني المغاربي.

تونس – رشيد خشانة

تم الإعلان عن تأسيس اتحاد المغرب العربي في مراكش في 17 فبراير 1989 لكن مجلس رئاسة الاتحاد لم يلتئم منذ اجتماع عقده في العاصمة التونسية عام 1994.

وقعت ثلاثة بلدان مغاربية على اتفاقات شراكة مع الإتحاد الأوروبي، وهي تونس (عام 1995، دخل حيّز التنفيذ عام 1998)، والمغرب (عام 1998)، والجزائر (عام 2005).

يوليو 1998: أطلق ستيوارت ايزينستات، نائب وزير التجارة الأميركي الأسبق، مبادرة عرفت باسمه لإقامة شراكة اقتصادية بين الولايات المتحدة وبلدان الإتحاد المغاربي.

يتراوح حجم المبادلات البينية بين دول اتحاد المغرب العربي الخمس ما بين 3 و5 في المائة من مجمل مبادلاتها الخارجية والبالغة نحو 200 مليار دولار.

تتم أكثر من 70 في المائة من مبادلات البلدان المغاربية الخارجية مع الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع إقامة منطقة للتبادل التجاري الحر بين الطرفين بحلول عام 2010.

في 17 فبراير 2007، تأسس “اتحاد رجال أعمال المغرب العربي” في مدينة مراكش ويضم في عضويته جميع هيئات رجال الأعمال في دول الإتحاد الخمس.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية