مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحرب على غزّة قصفت مستقبل “الإتحاد من أجل المتوسط”

Keystone

سدّدت الغارات الإسرائيلية على غزّة التي امتدت من أواخر شهر ديسمبر 2008 إلى أوائل يناير الماضي، ضربة قوية لـ "الإتحاد من أجل المتوسط"، الذي أنشئ في باريس في منتصف يوليو الماضي، في حضور زعماء البلدان الأعضاء في الإتحاد الأوروبي ونظرائهم في الضفّـتين الجنوبية والغربية للمتوسط.

ومع التِّـباين الذي كرّسته المواقِـف المتباعدة بين دُول الشمال ودُول الجنوب من الحرب على غزّة، بدت المثل والمبادِئ التي نُسِـج منها البيان التأسيسي للإتحاد في قطيعة مع الواقع السياسي أو ما يُعرف عند الغربيين بـ “الريال بوليتيك”.

وبلغت الصّدمة التي شعُـر بها الجنوبيون من انحياز دُول الضفة الشمالية إلى إسرائيل، درجة جعلت الحكومة المصرية، التي وجدت كثيرا من الأعذار للحملة الإسرائيلية على قطاع غزّة، تُبادِر إلى تجميد جميع اللقاءات والاجتماعات التي كانت مقرّرة في إطار “الإتحاد من أجل المتوسط”، بصفتها شريكا في رئاسته مع فرنسا.

وأكد السفير التشيكي في تونس جارومير بريفراتسكي، الذي ترأس بلاده الإتحاد الأوروبي حاليا لسويس أنفو، أن مصر طلبت تعليق كل الاجتماعات المتوسطية “بالنظر إلى استحالة عقد اجتماعات بمشاركة وفود إسرائيلية في الوقت الراهن”، على حد قوله.

ودخل الزعيم الليبي معمر القذافي على الخط، فاستثمر أزمة الثقة بين الأوروبيين والعرب، كي يدفع في اتجاه دفن “الإتحاد من أجل المتوسط” نهائيا، وأشار على وزير خارجيته عبد الرحمان شلقم بدعوة وزراء خارجية الإتحاد المغاربي إلى الاجتماع، من أجل بحث الموقف من الإتحاد المتوسطي.

وحث شلقم الذي ترأَس بلاده حاليا الإتحاد المغاربي (الذي يضمّ إلى جانبها كُـلا من المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا) نظراءه على إعلان الانسحاب من المسار المتوسطي، الذي ترى فيه ليبيا إطارا لتجديد التبعية للاستعمار القديم.

ثلاثة أسباب

غير أن الغالبية لم تتحمّـس للفكرة، عدا الجزائر التي كانت أبدَت تحفّـظات علنِـية على الإتحاد المتوسطي منذ خطواته الأولى، وحذرت من أن يكون ذريعة للتطبيع مع إسرائيل. وأفاد مصدر ليبي، رفض الكشف عن هويته، أن الوفود الحاضرة برّرت عدم تجاوُبها مع الاقتراح الليبي بثلاثة أسباب رئيسية، هي:

أولا، أن لِـجان الإتحاد المتوسطي السِـتّ، باتت في حُـكم المُجمّـدة بقرار عربي بعد حرب غزّة.

وثانيا، أن غلْـق الباب ليس منهَـجا واقعيا، بحُـكم احتمال مُـراجعة أوروبا مواقِـفها من الصِّـراع العربي الإسرائيلي في المستقبل، مما سيفتح آفاقا لاستئناف المسار المتوسطي على أسُـس جديدة.

أما السبب الثالث، فهو أن دُول الجنوب المتوسطي هي التي ستكون المُـستفيدة من الإتحاد اليافع، لو تعافى، لأنها لن تستطيع بإمكاناتها المحدودة تحقيق المشاريع الضّخمة الموضوعة على أجندة الإتحاد والتي تحتاج إلى استثمارات من الوَزْن الثقيل.

وأكّـد المصدر الليبي أن وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي أعطى الحق لليبيين في طرح موضوع الانسحاب من الإتحاد المتوسطي، إلا أنه “انسل من الورطة على أطراف الأصابِـع وبلباقة الدبلوماسي، ممّا جعل الاجتماع ينفض من دون قرار”، على حد تعبيره.

اتحاد معلّـق

والثابت، أن الصّـدمة التي شعُـر بها العرب من المواقف الأوروبية أثناء العدوان على غزة، جعلت الحكومات تطوي مؤقّـتا هذه الصفحة، سواء بناءً على قناعتها السياسية أم خوفاً من شعوبِـها. غير أن الأوروبيين لا يُـشاطرون طبعا هذا المنحى ويدافعون في المقابل عن تفعيل الإتحاد وتطوير أدائه.

وفي هذا الإطار، قال السفير جارومير بريفراتسكي لسويس إنفو: “إن مستقبل الإتحاد من أجل المتوسط مُعلّـق للأسف منذ انطلاق العمليات الإسرائيلية على غزّة”، لكنه أفاد أن هناك اجتماعا ما زال مُبرمَـجا للرّابع من شهر مارس المُـقبل على مستوى كبار الموظفين، واجتماعا آخر ليومي 25 و26 من الشهر نفسه، على مستوى وزاري لمُـناقشة موضوع التنمية المستدامة، وأكّـد أن الرئاسة التشيكية للإتحاد الأوروبي “ما انفكّـت تشجِّـع الرئاسة الفرنسية المصرية للإتحاد على العمل معا من أجل إعادته إلى السكة”، وأضاف أن تشيكيا “مُوقنة من أن الإتحاد من أجل المتوسط مشروع جيِّـد وطموح يستحق التشجيع”.

وأشار السفير التشيكي إلى أن بلده، الذي هو بعيد عن المتوسط، توصّـل إلى اتفاق مع فرنسا على رئاسة مشتركة للإتحاد المتوسطي خلال تولّي براغ رئاسة الإتحاد الأوروبي في النصف الأول من السنة الجارية، “مما يعني وجود رئاسة ثُـلاثية، مصرية – فرنسية – تشيكية، من أجل ضمان استمرارية فعّـالة وناجعة” على حد تعبيره.

وحاولت سويس إنفو استطلاع رأي رئيس بعثة الإتحاد الأوروبي في تونس وليبيا من خلال سؤال كتابي عن الانعكاسات المحتملة لحرب غزّة على مستقبل الإتحاد من أجل المتوسط، فلم يُبد أي اهتمام بالموضوع ولم يرُدّ على السؤال أصلا.

شروط نجاح الإتحاد

في المقابل، شاطر وزير خارجية مالطا طونيو بورغ Tonio Borg رأي السفير بريفراتسكي، الذي شدّد في اتصال هاتفي مع سويس إنفو على ضرورة منح فُـرصة للإتحاد المتوسطي، بوصفه ينبني على هندسة مختلفة عن هندسة مسار برشلونة، مُستدِلاًّ على ذلك بكون العرب مشاركين في صُـنع القرار من الداخل، من خلال تمثيلهم في الأمانة العامة، وأكّـد أن هذا الإتحاد وضع المتوسط مجدّدا على الخارطة وجعلها بندا دائما في جدول أعمال الإتحاد الأوروبي، مُشيرا بشكل خاص إلى وجود الجامعة العربية في هذا الإطار الجديد، واعتبر أن الإتحاد سيوضَـع على المِـحكّ من خلال القُـدرة على تحقيق المشاريع الكبرى الستة المبرمجة أو الإخفاق في إنجازها.

غير أن رئيس الوزراء الجزائري الأسبق سيد أحمد غزالي ربط نجاح الإتحاد من أجل المتوسط في المستقبل بشرطين أساسيين: “أولهما، إنعاش الإتحاد المغاربي وتسوية الصِّراع العربي الإسرائيلي”، ودافع السيد عمر قبّاج، مستشار الملك محمد السادس والرئيس السابق للبنك الإفريقي للتّنمية على الرأي نفسه في تصريح لسويس انفو، مؤكِّـدا أن “تجاوز الخلافات الداخلية المغاربية خُـطوة ضرورية للعب دور فعّـال في الإتحاد المتوسطي”.

وأيّـاً كانت آليات التنشيط والتفعيل المقترحة، فالأرجح أن حرب غزّة ستترك آثارا بعيدة على الإتحاد الوليد، وليس مُستبعَـدا أن تعصِـف الخلافات بين بُـلدان الضفتين، الجنوبية والشمالية، بأركان الخيمة المتوسطية التي أقامها الرئيس الفرنسي ساركوزي بعد جهود مُضنية… وتقتلع أوتادها.

رشيد خشانة – تونس

طرابلس (رويترز) – قالت ليبيا يوم الاحد 25 يناير، إن الاتحاد من اجل المتوسط الذي أنشئ في العام الماضي للمساعدة في اعادة استقرار المنطقة وتنميتها، قد مات بسبب الهجوم الاسرائيلي على قطاع غزة.

وكان العرب والاسرائيليون قد اتفقوا في نوفمبر 2008 على المساعدة في ادارة الاتحاد الذي يضم 43 دولة الذي اقترحته فرنسا في البداية، ويهدف الى تعزيز العلاقات بين اوروبا الغنية وبين الجنوب الفقير.

ويقول المؤيدون، إن المجموعة يمكن ان تقود مشروعات ملموسة من اجل دفع التنمية الاقتصادية والامن الغذائي والمائي والطاقة وحماية البيئة في البحر المتوسط، لكن الرئاسة الليبية لاتحاد المغرب العربي لدول شمال افريقيا قالت، ان الهجوم الاسرائيلي على غزة كان المشروع الوحيد “المنظور” منذ تشكيل الاتحاد.

وقال مكتب رئاسة الاتحاد في طرابلس في بيان ارسل عبر وكالة الجماهيرية للانباء “انه مشروع منظور ومسموع دوي قنابله ولهيبها ودخّانها وضحاياه ملموسة تدُفن بالالاف”.

وكان المكتب يرد على تعليقات مساعد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية فريدريك دايزانيو، ان الاتحاد من أجل المتوسط يقوم على مشروعات ملموسة ذات طابع اقليمي وان هذه المشروعات من شأنها تعزيز التعاون الاقليمي وخلق ديناميكية استقرار وتنمية اقتصادية وتضامن فعال بين دول المنطقة.

وقال البيان، ان الاتحاد “قتلته قنابل الاسرائيليين، وله أن يضيف اليها صواريخ الفلسطينيين، وها هو الاتحاد من أجل المتوسط يُقتل واحترق وأصبح جثة هامدة”. وقال ان اتحاد المغرب العربي سيستمر في العمل مع الجيران الشماليين من خلال ما يسمى بحوار (5 زائد 5)، وهو الحوار بين 10 دول متوسطية، لكن الاتحاد من اجل المتوسط ينبغي ان يلغى. واضاف “ويجب الكف عن تضييع الوقت والمسرحيات الهزلية واستعراضات المسخرة”.

ويضم اتحاد المغرب العربي ليبيا والجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا، وأنشئ في عام 1989 على امل إقامة منطقة للتجارة الحرة وتعاون اوثق، لكن احرز تقدما بطيئا. ورفضت ليبيا الانضمام للاتحاد من أجل المتوسط منذ بدايته، لكن تونس والمغرب، الحليفين القويين لفرنسا دعما المشروع.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 25 يناير 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية