مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحريات الإعلامية في المغرب… كان صرحا شامخا فهوى؟

Reuters

هيمنت صور محاكمات الصحافيين على المشهد الاعلامي المغربي، وتبددت تلك الصورة التي تقدم البلاد، طوال السنوات العشر الماضية، كرائدة في ميدان الحريات العامة والحريات الصحفية وحرية التعبير.

وفي تصريحات لسويس انفو، أكد وزير الاتصال المغربي خالد الناصري أن “الحديث عن تراجع في ميدان الحريات العامة أو حرية الصحافة هو كلام مهزوز ولا يستند إلى سند معقول”.

طوال الأيام الماضية، كانت المحكمة الابتدائية بالرباط مسرحا لمحاكمات صحافيين، فبعد إدانة صحيفة “المساء” المستقلة بتهمة القذف والحكم عليها لفائدة 4 من أعضاء النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بمدينة القصر الكبير بغرامة مالية قدرها 6 ملايين درهما (حوالي 900 ألف فرنك سويسري) كانت الأضخم في تاريخ الصحافة المغربية، وقفت صحيفة “الجريدة الأولى” أمام نفس المحكمة بدعوى استعجالية رفعها المجلس الاستشاري لحقوق الانسان وقضت المحكمة بوقف نشر شهادات أدلى بها مسؤولون حاليون وسابقون أمام هيئة الانصاف والمصالحة (تأسست 2003 وانتهت مهمتها 2005) حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدتها البلاد من 1956 إلى 1999.

محاكمة قناة الجزيرة القطرية كانت الأكثر إثارة وضجيجا، أولا لانها قناة الجزيرة وما تملكه من حضور في المشهد الاعلامي العربي والدولي، وثانيا لأن القضية التي رفعت ضدها تتعلق بتقرير حول مواجهات دموية شهدتها مدينة سيدي ايفني جنوب المغرب، وما تردد عن هذه المواجهات من انتهاك القوات الامنية لحقوق الانسان بالمدينة، واثناء محاكمة قناة الجزيرة كانت صحيفة “الحياة الجديدة” الأسبوعية أمام دعوى استعجالية مماثلة للدعوى التي رفعها المجلس الاستشاري لحقوق الانسان ضد “الجريدة الأولى”.

تحذيرات من انتكاسة

في كل القضايا التي نظرت فيها المحكمة، كانت الأحكام ضد الصحافيين والصحف، وانتصبت في المشهد محاكمات سابقة، وتذكّر الصحافيون زميلهم مصطفى حرمة الله الذي يقبع في سجن عكاشة بالدار البيضاء بعد إدانته بتهمة نشر وثائق حصل عليها بطريقة غير مشروعة، أو أحكام مشابهة تختلف بغرابتها كالحكم على الصحافي علي لمرابط بـ10 سنوات منع من الكتابة والذي وقف في محاكمة قناة الجزيرة مُنددا بالقاضي محمد العلوي الذي يتولى محاكمة الصحافيين.

وفي كل المحاكمات، وعلى أعمدة الصحف، كانت حرية الصحافة “الضحية” التي “يندب” عليها والعزيز الذي حضر بعد غياب، وبدأ يفتقد شيئا فشيئا، والشمس التي سطعت في المغرب وبدأت تغيب وراء مياه المحيط الاطلسي.

كان دفاع الصحافيين أو عناوين ومقالات الصحف تحذر من عودة لزمن عرفه المغرب وسنوات عاشها يطلق عليها “سنوات الرصاص” من المفترض أن يكون قد مضى ولن يعود، ويحذرون من أن يكون القضاء منهجا جديدا يخدم إسكات الصحف والصحافيين وتقييد الحريات، وهو الهدف القديم الدائم للسلطة بعد خطوات هامة قطعتها البلاد في ميدان القطيعة مع الماضي والمصالحة مع التاريخ، إن كان عبر اتساع واضح لهامش حرية التعبير الذي لم يعد أمامه “مقدسات” أو محرمات أو تعدد الصحف المستقلة، والتي توسع دورُها لتكون هي المعارضة في البلاد بعد غياب معارضة الأحزاب والفاعلين السياسيين، بل إن الصحف والصحافيين أحاطوا أنفسهم بالمقدس الذي لا يمس محميين بالخطاب الجديد للدولة المتضمن حرصها على الحريات وأيضا ما عرفه العالم من تطورات في هذا الميدان، وما أصبح الخارج، إن كان دولا أو منظمات حقوقية، يمثله من قوة حمائية للداخل، لذلك ارتفعت الاصوات تندد بالتراجع وتتخوف على ما تحقق من مكاسب.

الجزيرة والحريات والفوضى

“الحديث عن تراجع في ميدان الحريات العامة أو حرية الصحافة هو كلام مهزوز ولا يستند إلى سند معقول لان التوجه الاستراتيجي للدولة في مجال الحريات وممارسة الحريات توجه ثابت لا يتزحزح قيد أنملة”، يقول خالد الناصري وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية.

ويؤكد الوزير الناصري في تصريحاتـه لـ”سويس انفو” أن المغرب، ككل دولة منظمة، مطالب بأن يحمي خياراته السياسية بما فيها خيار البناء الديمقراطي، وأن يحصن مكتسباته في هذا البناء ويرسخها لأنها إحدى ضمانات استقراره.” ويتساءل “ما هو المطلوب من دولة عندما تتعرض إلى استفزازات واضحة، وهل باسم الحريات تكون الدولة مطالبة بترك الفوضى تستشري بالشارع العام؟”.

ويعتز المسؤولون المغاربة بمظاهر الحريات التي تعيشها البلا، ويشيرون إلى أن المغرب هو الدولة الوحيدة في العالم التي تنظم في شوارعها يوميا وبكل حرية مظاهرات احتجاجية ولا يمس أحد من المشاركين بهذه المظاهرات “حتى عندما تقع تجاوزات، وفي ميدان الإعلام لا تتدخل السلطة إلا عندما تقع استفزازات تكون قد وصلت إلى مستوى لا يطاق.”

ويعتقد المسؤولون المغاربة أن قناة الجزيرة القطرية تعاملت بلا مهنية مع عدد من القضايا المغربية، وكانت تقاريرها متحاملة على المغرب وتتعمد إبراز سلبيات يعيشها كغيره من دول العالم، وكأن القناة كانت تتعمد أن تقدم المغرب كبلد أزمات.

“لا وجود لتراجع!”

وكانت قناة الجزيرة قد بدأت نهاية 2006 بإعداد نشرة خاصة بمنطقة المغرب العربي من مكاتبها بالرباط، وهو ما شكل نقطة إيجابية لصالح الحريات الصحافية بالمغرب، إلا أن السلطات المعنية أبلغت القناة رسميا في بداية مايو الماضي عن توقف تقديم تسهيلات تقنية حتى يكتمل الملف القانوني لاستخدامها لهذه التسهيلات.

واعتـُبر أن هذا القرار يحمل في طياته موقفا سياسيا ويُعمق أزمة الثقة بين المغرب والقناة القطرية، إلا أن الشعرة التي قصمت ظهر البعير تمثلت في تقرير للقناة أفاد بسقوط 8 قتلى خلال المواجهات الدموية بين القوات الأمنية والمواطنين التي عرفتها ميدينة سيدي إيفني يوم 7 يونيو الماضي، وهو ما نفته السلطات وتأكد أيضا عدم صحته، وطلبت السلطات من القناة الاعتذارا رسميا عن الخطأ الذي ارتكبته وهو ما رفضت القناة القيام به واكتفت بنشر نفي السلطات وتوضيح ملابسات تقريرها. وهنا قررت السلطات سحب بطاقة الاعتماد الصحفي من مدير مكتب القناة بالرباط حسن الراشدي وتقديمه للمحاكمة بتهمة نشر خبر زائف حيث أدين يوم الجمعة الماضي (11 يوليو) وحـُكم عليه بغرامة مالية قدرها 50 ألف درهما (7 آلاف فرنك سويسري).

ويقول وزير الاتصال المغربي لسويس انفو إن القضيتين اللتين رفعهما المجلس الاستشاري لحقوق الانسان ضد “الجريدة الأولى” وأسبوعية “الحياة الجديدة” لم تتضمنا طلب إدانة أو وقف أي منهما، وأن ما تردّد حول الموضوع زيف مطلق لأن المجلس طلب فقط وقف النشر للشهادات، والحكمان اللذان صدرا لم يتضمنا أية إدانة، وإنما حكما تحفظيا بعدم النشر لأنها وثائق تحت مسؤولية المجلس بصفته وريثا لهيئة الإنصاف والمصالحة، وهناك التزام من الهيئة بسرية الشهادات.

ويوضح السيد الناصري أن موضوع الشهادات والقضايا التي تطرقت إليها تتعاطى معها الصحافة صباحا مساء بكل حرية دون أن تتعرض لأية مُحاسبة أو مضايقة، أما الحـديث عن التراجع فلا أساس له ولا يتوفر على عنصر واحد يؤكده، وأعرب عن أسفه لأن “بعض الذين يتحدثون عن التراجع يعتمدون أسلوب التحليل السطحي للترويج لهذا النوع من الأقاويل السطحية.”

محمود معروف – الرباط

الرباط (رويترز) – وقعت محكمة مغربية يوم الجمعة 11 يوليو 2008 غرامة مالية على مدير مكتب قناة الجزيرة بالرباط وحقوقي مغربي بشأن احتجاجات شهدتها مدينة سيدي إيفني جنوب المغرب الشهر الماضي.

وأصدر القاضي محمد العلوي حكما على مدير قناة الجزيرة بالرباط حسن الراشدي والحقوقي المغربي إبراهيم سبع الليل، الناشط بالمركز المغربي لحقوق الانسان، بغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم (سبعة آلاف دولار تقريبا) على كل منهما.

كانت الجزيرة قد نقلت عن مصدر سقوط قتلى في هذه الاحتجاجات في حين نفت السلطات ذلك بشدة. واستضافت الجزيرة سبع الليل الذي صرح أيضا بسقوط قتلى في هذه الاحتجاجات.

ووجهت المحكمة لمدير مكتب قناة الجزيرة الراشدي والحقوقي المغربي سبع الليل تهمة “نشر خبر زائف” والمشاركة فيه طبقا لبنود قانون الصحافة المغربي.

وكانت المدينة الواقعة على بعد نحو 700 كيلومتر جنوب العاصمة الرباط قد شهدت تدخل السلطات بالقوة لفض اعتصام لمجموعة من الشبان في الميناء يحتجون على الفقر والبطالة وما يعتبرونه تهميشا من جانب السلطات لمنطقتهم.

وقالت السلطات إن الشبان حاصروا الميناء لمدة أسبوع وعرضوا السمك المعبأ في الشاحنات للتلف مما تسبب في خسائر مادية وبيئية واضطرت السلطات إلى اللجوء الى القوة لانهاء الاعتصام.

ووصف حقوقيون تدخل قوات الامن بأنه “وحشي” وقالوا إنهم داهموا البيوت واستعملوا العنف المفرط، وسرقوا ممتلكات وأمتعة وتعرضت العديد من النساء للتحرش والاغتصاب.

وقال وزير الداخلية المغربي شكيب بنموسى “وزارة الداخلية لم تتوصل لحد الان بأية شكاية رسمية بخصوص ما ادعته بعض الجهات من حصول حالات اغتصاب وسرقات لأمتعة السكان أثناء تدخل القوات الأمنية”.

وأضاف “الأمر يبقى مجرد ادعاءات لا تستند إلى وقائع أو أدلة ملموسة”.

وشكلت لجنة برلمانية لتقصي الحقائق في هذه الاحداث من المنتظر أن تعلن نتائجها قريبا.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 11 يوليو 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية