مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحزب “الأكثر محافظة” نظم الحملة “الأكثر حداثة”

Keystone

لا زالت تداعيات نتائج الانتخابات البرلمانية، التي شهدتها سويسرا يوم 21 أكتوبر الماضي، مثار جدل ومتابعة على الساحة السياسية وفي أوساط الخبراء.

وفيما استعمل حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) الكثير من الأموال وأثار القضايا ذات الطابع الشعبوي للفوز بالانتخابات، إلا أن أسباب نجاحه ترتبط خصوصا بأدائه الناجع والعصري في الحملة الانتخابية.

من المفارقات التي كشفت عنها الانتخابات الأخيرة في سويسرا، أن التشكيلة السياسية التي يقودها كريستوف بلوخر، كانت الحزب الوحيد الذي يستعمل وسائل حديثة وناجعة للتسويق السياسي.

ولا شك أن تصريحات كلود ألان فوابلي، منسِّـق الحملة الانتخابية لحزب الشعب في سويسرا الروماندية (الناطقة بالفرنسية)، التي قال فيها “إن منافسينا تحدثوا باستمرار عن حملتنا الانتخابية، عِـوضا عن تطوير محاور اهتمامهم، وفي النهاية، سلّـطوا أضواء ساطعة على حملتنا، لذلك، لا يمكن لنا اليوم إلا أن نتوجّـه إليهم بالشكر”، ستدفع بقية الأطراف السياسية إلى التأمّـل واستخلاص العِـبر.

صحيح أن أكبر حزب سويسري أنفق في هذه الحملة الانتخابية ميزانية ضخمة مقارنة ببقية الأحزاب المشاركة في الإئتلاف الحكومي، كما أنه ركّـز على إثارة قضايا ذات بُـعد شعبوي أو لها علاقة بكراهية الأجانب، لكن هذه المعطيات لا تكفي لوحدها لتفسير نجاحه الانتخابي الملفت (حصل على 29% من أصوات الناخبين).

ويلاحظ جورج لوتس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة برن، أن “حزب الشعب السويسري قاد حملة انتخابية تمّ تصورها بصفة مبكِّـرة جدا مقارنة بالأحزاب الأخرى، وأعِـدّت بطريقة أكثر حِـرفية. لقد تم تخطيط ودراسة الوسائل والوتائر والتدخلات والرسائل الاستفزازية بعناية فائقة، بهدف الحصول على التأثير الأقصى”.

3 قضايا وألف أسلوب

بكلمة أخرى، أدار الحزب الأكثر محافظة في البلاد، الحملة الانتخابية الأكثر عصرية وحداثة. فالمنافسون الذين لم ينجحوا في لفت الأنظار إلى محاور حملاتهم لفترة تزيد عن يوم واحد، لا زالوا يشتغلون بوسائل دعائية، يبدو أنها تعود إلى أكثر من 20 سنة خلت، مثل البرامج الانتخابية المعقّـدة جدا، التي لم تعُـد قادرة على إثارة اهتمام أو جلب انتباه الناخبين.

ويؤكّـد جورج لوتس أنه “لم يعد بإمكان حزب سياسي اليوم أن يتقدّم لخوض حملة انتخابية بطرح 15 موضوعا مختلفا، سعيا منه لإقامة الدليل على أنه خبير في جميع الميادين. إن الطريقة الأكثر نجاعة، تتمثل في تمرير رسالة أو رسالتين فحسب، ولكن بأسلوب واضح، وهذا هو ما قام به حزب الشعب، الذي يكتفي منذ 15 عاما بالتركيز على مسألتين أو ثلاث، لكنه يعرضها بألف طريقة مختلفة”.

ويوضح مارك بالسيغر، المستشار السياسي ومؤلف كتاب حول الحملات الانتخابية في سويسرا، أن “الاتصال السياسي أصبح يشتغل الآن مثل الإشهار التقليدي. فمن أجل بيع بضاعة ما، يجب التركيز باستمرار على نفس الإيجابيات وعلى نفس الرسالة الأساسية”.

ويضيف بالسيغر أن “حزب الشعب السويسري يركّـز اهتمامه على ثلاث قضايا، وهي المسألة الأوروبية والأجانب وتخفيض الضرائب، وهو يقوم بذلك بطريقة واعية ومنهجية، بل في كل جملة تصدر عن الساسة المنتمين إليه. قد يبدو هذا تكررا لنفس الخطاب، لكن النتيجة تتمثل في أنه أصبح اليوم بإمكان تلاميذ المدارس الثانوية أن يربطوا بين حزب الشعب وهذه القضايا الثلاث”.

تنظيم شبيه بالمؤسسات الاقتصادية

وحسب رأي الخبير في الاتصال السياسي، فإن هذه القدرة على ترديد نفس الرسائل في جميع المناسبات وفي كافة أرجاء البلاد، ترتبط بهيكلية حزب الشعب السويسري، وهو الحزب الوحيد “المنظم بطريقة تراتبية تُـشبه إلى حد بعيد مؤسسة اقتصادية”.

ويشرح مارك بالسيغر قائلا “على المستوى الوطني، يتمتع حزب الشعب بقيادة واضحة مقارنة بفروعه في الكانتونات، وهي التي تقرر ما الذي يُـفعل والكيفية التي يتم بها. هذا التنظيم يعود في جزء كبير منه إلى أن الحزب لم يتطور في العديد من الكانتونات إلا خلال السنوات القليلة الماضية، لذلك، اعتمدت الفروع المحلية في إدارة نموها السريع على معارف وإرشادات السكرتارية المركزية”.

في المقابل، لا زالت الأحزاب السياسية الأخرى تحتفظ – لأسباب تاريخية – بهيكلية أشبه ما تكون بالفدرالية، وهو وضع يمثل “عقبة حقيقية” بوجه تسويق سياسي ناجع، حسب رأي مارك بالسيغر، الذي يشير إلى أنه عمل مستشارا لفائدة بعض فروع الأحزاب في الكانتونات واستمع في العديد من المرات إلى مسؤولين محليين يقولون إن ما يقوم به الحزب الوطني، لا يعنينا، فنحن سنتدبّـر أمورنا بمفردنا، وهو تصرّف مُـدمِّـر، لأنه يؤدّي إلى حدوث فوضى كبيرة. “فاليوم، ومن أجل النجاح، يجب أن يتوفر أي حزب على (رؤية موحدة) على المستوى النظري، وأن يقود حملات على المستوى الوطني”، على حد قول بالسيغر.

لا مفرّ من إعادة النظر

ويُـجمع الخبراء والمراقبون على أن الأحزاب الرئيسية الأخرى (الحزب الاشتراكي والحزب الراديكالي والحزب الديمقراطي المسيحي) تحتاج إلى إعادة النظر في أسلوب إدارتها لحملاتها الانتخابية وفي طريقة تنظيم شؤونها الداخلية، إذا ما رغبت في عدم تِـكرار نفس الأخطاء بعد أربعة أعوام.

ويذهب مارك بالسيغر إلى أن “ضعف الاتصال السياسي في سويسرا، يرتبط أيضا بنظام الميليشيات (أي أنه لا وجود لمحترفين للعمل السياسي في القيادات الوطنية والمحلية للأحزاب، حيث أن الجميع متطوع ويمارس مهامه السياسة إلى جانب مهنته أو وظيفته الأساسية)، المعتمد في قيادات الأحزاب. ففي السكرتارية المركزية لهذه الأحزاب، يتراوح عدد الأشخاص العاملين كامل الوقت بين 10 و15 شخصا، وهو عدد قليل جدا لتسيير حملات انتخابية ناجعة وعصرية”، في بلد متقدم مثل سويسرا.

من جهة أخرى، يعتقد بالسيغر أنه يجب على منافسي حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) أن يتعلموا هم أيضا كيفية استعمال سلاح الاستفزاز، ويقول “لا يجب أن يكون الاستفزاز سلبيا بالضرورة، فقد أقام الاشتراكيون الدليل على ذلك في فترة رئاسة بيتر بودنمان، الذي كانت تصريحاته تملأ صفحات الجرائد بصفة دورية”.

أخيرا، ينصح مارك بالسيغر الاشتراكيين والراديكاليين والديمقراطيين المسيحيين بأن “يبدؤوا منذ الآن في تحديد الخطوط الكبرى لحملاتهم الانتخابية لعام 2011 وهوية الأشخاص الذين سيقودونها”، ويشدد على أن “مبدأ الحملة الانتخابية المستمرة، أضحى أمرا واقعا في سويسرا أيضا”.

سويس انفو – أرماندو مومبيلي

(ترجمه من الإيطالية وعالجه كمال الضيف)

نتائج مجلس النواب لأعوام 1995، 1999، 2003، 2007:

حزب الشعب السويسري: 14،9%، 22،5%، 26،7%، 29،0%.

الحزب الاشتراكي: 21،8%، 22،5%، 23،3%،19،5%.

الحزب الراديكالي: 20،2%، 19،9%، 17،3%، 15،6%.

الحزب الديمقراطي المسيحي: 17،0%، 15،8%، 14،4%، 14،6%.

حزب الخُـضر: 5،0%، 5،0%، 7،4%، 9،6%.

بلغت نسبة المشاركة في التصويت 48،8% في انتخابات 2007 بزيادة 3،6 نقطة مقارنة بعام 2003.

كشفت دراسة أنجِـزت في إطار برنامج وطني للبحث العلمي في سويسرا وأعلن عن نتائجها يوم 30 أكتوبر 2007 في برن، أن حزب الشعب السويسري “استعاد” لفائدته قضية الهجرة منذ بداية التسعينات.

وتوصلت الدراسة، التي أصدرها الصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي، إلى أن حزب الشعب تمكّـن – عن طريق الوسائل التي اتّـبعها – من أخذ المشعل (وافتكاك المبادرة) من التشكيلات السياسية، التي فرضت منذ ستينيات القرن الماضي قضية الهجرة على الساحة السياسية السويسرية.

الدراسة التي أعِـدت في إطار برنامج بحث علمي انطلق في عام 2003 بمبادرة من الحكومة الفدرالية ويهتم بمعرفة أسباب نموّ تيارات أقصى اليمين وبلورة إجراءات وسياسات للتصدي لها، اعتبرت أن تنظيمات مثل “العمل القومي” و”اليقظة” و”الحركة الجمهورية السويسرية” و”الاتحاد الديمقراطي الفدرالي” (1961 – 1979) ثم “حزب أصحاب السيارات” و”رابطة كانتون تيتشينو” (1979-1991)، كانت سبّـاقة في هذا المجال وأكّـدت أن التيار الشعبوي اليميني تمكّـن من الحصول عبر حزب الشعب السويسري على وضع قوة سياسية لا يُـمكن تجاوزها.

وأشارت الدراسة أيضا إلى أن التنظيم الجيّـد والموارد المالية المتاحة والانسجام الداخلي في صفوف الحزب، كانت عوامل حاسمة في هذا التطور، كما أن الحِـرفية التي تمّ إضفاؤها على الهياكل وتوحيد الحملات الانتخابية والقيادة الملتفة حول زعيم واحد (كريستوف بلوخر)، سمحت لحزب الشعب السويسري بالوصول إلى “انسجام وطني استثنائي، بالنسبة لسويسرا”، حسب ما ورد في الدراسة.

كما كشف المؤرخ دامير إسكندر إسكندروفيتش والخبير السياسي جانّـي داماتو اللذان أعدا الدراسة، أن حزب الشعب السويسري استغل إشكالية “التجاوزات المرتكبة من طرف بعض الأجانب” ونجح في فرض صورة نمطية تصم طالب اللجوء بالتمعش على حساب دافع الضرائب.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية