مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الخلافات المغاربية تُفشل القمة

الرئيس الفرنسي جاك شيراك يلقي خطابه في افتتاح القمة الأولى لمجموعة 5+5 في تونس Keystone

حققت قمة بلدان الحوض الغربي للمتوسط 5 زائد 5 التي عقدت في تونس يومي 5 و6 ديسمبر الجاري نصف نجاح لكنها كانت أيضا نصف فشل.

فقد تمكن رؤساء الدول العشر من عقد اجتماع ظل مؤجلا منذ سنة 1991 واتفقوا على مبادئ عامة ضمنوها في الإعلان الصادر عن القمة، إلا أنهم لم يضعوا آلية لإرساء شراكة جديدة بين الضفتين.

وكانت آمال كبيرة علقت على استئناف مسار 5+5 الذي يضم كلا من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا من الجانب العربي وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال ومالطا من الجانب الأوروبي والذي انطلق من اجتماع لوزراء الخارجية في روما سنة 1990 أعقبه اجتماع في الجزائر العام الموالي للتمهيد للقمة الأولى التي كان مقررا أن تعقد في العاصمة التونسية في السنة نفسها، غير أن اندلاع أزمة “لوكربي” بين ليبيا والدول الغربية أدى إلى تأجيلها… إثني عشر عاما.

ويعتبر المحللون أن تعطل مسار برشلونة الأورومتوسطي الذي يجمع أعضاء الإتحاد الأوروبي الخمسة عشر مع إثني عشر بلدا متوسطيا، بسبب تداعيات الصراع العربي-الإسرائيلي، هو الذي أوحى لبلدان الحوض الغربي للمتوسط بفكرة الإلتفاف على أزمة الشرق الأوسط وإحياء قمة 5+5.

وتجسدت الفكرة في اجتماع أول عقده وزراء خارجية البلدان العشرة في لشبونة مطلع العام الماضي ثم في طرابلس الغرب بعد ستة أشهر، واتفقوا خلالهما على استبعاد أي تضارب بين مساري 5+5 وبرشلونة مع التركيز على قضايا الأمن والإستقرار الإقليميين ومكافحة الهجرة غير المشروعة.

وحدد تاريخ القمة وجدول أعمالها في الإجتماع الخامس لوزراء الخارجية الذي استضافته سانت ماكسيم في فرنسا في الربيع الماضي والذي أظهر خلافا بين بلدان الضفتين في شأن أولوية إنشاء مصرف إقليمي للتنمية والإستثمار في بلدان الحوض الغربي للمتوسط، وهي الخلافات التي تكررت في قمة تونس.

ففيما رأى المغاربيون أن مثل هذا المصرف سيساعد على إنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم في الضفة الجنوبية تساعد على إنقاذ المؤسسات المهددة بالإفلاس نتيجة إلغاء الحواجز الجمركية مع أوروبا، لم يسايرهم الأوروبيون في الفكرة وتمسكوا بأن “بنك الإستثمار الأوروبي” يستطيع القيام بهذا الدور واعتبروا أن المصرف الأورومتوسطي المدرج على جدول أهداف مسار برشلونة يمكن أن يعززه عندما يستكمل إنشاؤه.

“لسنا شرطة سواحل “

وفي ضوء المسار التحضيري الذي استمر سنتين حددت القضايا التي بحثتها القمة بأربعة ملفات رئيسية جاءت مترجمة عن مشاغل الشماليين أكثر من هموم الجنوبيين، وهي الأمن والهجرة غير المشروعة والتكامل الإقتصادي وحوار الحضارات. وكان من الطبيعي في الظروف الراهنة أن يسيطر موضوع “الإرهاب” على البند الأول نظرا للمخاوف التي تبديها البلدان الأوروبية المشاركة، خصوصا إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، من تنفيذ جماعات مسلحة عمليات على أراضيها.

وحاول المغاربيون توسيع مظلة الموضوع ليشمل الأمن الإقليمي بمفهومه الواسع، إلا أنهم لم يتوصلوا إلى صياغة رؤية مشتركة بهذا الشأن فانفرد الليبيون بعرض مشروع “ميثاق السلم والإستقرار في الحوض الغربي للمتوسط” على القمة من دون أن تناقشه إذ اكتفى البيان الختامي بأخذ العلم بوجوده.

أما في بند مكافحة الهجرة غير المشروعة فدافع المغاربيون على كونهم ليسوا شرطة تحرس سواحل أوروبا الجنوبية وربطوا ظاهرة الهجرة باختلال التوازن التنموي بين الضفتين الشمالية والجنوبية للمتوسط. وهنا أيضا تجلى تباعد المواقف في الجلسة المغلقة للقمة، إلا أن البيان الختامي لطفها وأخرجها في صيغة وفاقية من دون إلغائها.

وأثار البند الثالث جدلا عميقا بين الطرفين في شأن مدى تقصير أوروبا في تقديم القروض والمساعدات المالية للبلدان الجنوبية حتى تستكمل تحديث جهازها الإنتاجي استعدادا لإقامة منطقة التجارة الحرة الأورومتوسطية المقررة لسنة 2010.

غير أن الأوروبيين اعتبروا أن ما قدم للبلدان المتوسطية في إطار برنامجي “ميدا 1″ و”ميدا 2” كافيا وشددوا على ضرورة الإلتزام بالشفافية والإدارة الرشيدة لدى استخدام تلك المساعدات. ومن هذه الزاوية يعتبر حوار 5 زائد 5 حوارا غير متكافئ بسبب الفجوة التنموية الكبيرة بين الضفتين، إذ يقدر الفارق في متوسط الدخل الفردي بين الشمال والجنوب باثني عشرة (12) مرة!.

وشكل البند المتعلق بحوار الحضارات النقطة التي أثارت أقل قدر من الجدل بين الجانبين، لكن القمة لم تحدد خطوات ملموسة على هذا الصعيد واكتفت بدعم المبادرة الرامية لإنشاء مؤسسة للحوار بين الثقافات المتوسطية في إطار مسار برشلونة.

وهكذا يبدو واضحا أن الجانبين لم يعدلا أوتارهما قبل القمة لبلورة رؤى متقاربة تتجسد في مبادرات سياسية واقتصادية وثقافية تنبثق عنها.

وفيما اقترح رئيس الحكومة الإيطالية سيلفيو برلوسكوني الإتفاق على قمة دورية قياسا على قمم بلدان وسط أوروبا التي تضم رؤساء النمسا وإيطاليا ودول البلقان مرة في السنة ووزراء خارجيتهم مرتين في السنة، أبدى البعض تحفظا على الإقتراح وجاء “بيان تونس” غامضا في هذه النقطة إذ أقر مبدأ القمة الدورية لكنه لم يحدد توقيت القمة المقبلة ولامكانها مع أن وزير الخارجية التونسي الحبيب بن يحيى أكد أنها ستعقد بعد سنة ولمح إلى أن بلدا أوروبيا سيستضيفها في إطار التناوب بين الضفتين.

تدهــور..

وبالعودة إلى الآمال التي علقت على القمة والتوقعات التي رافقتها بشأن حلحلة الخلافات الثنائية بين البلدان المغاربية وكذلك بينها وبين بعض الدول الأوروبية، لوحظ أن الكثير من تلك الآمال تبخر وأساسا بين الجزائر والمغرب بعد أن كثر الحديث عن لقاء قمة بين الملك محمد السادس والرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على هامش القمة الرسمية لإيجاد مخرج سياسي لقضية الصحراء الغربية برعاية شيراك، يكمل اللقاء السابق الذي جمع الثلاثة في نيويورك في سبتمبر الماضي.

ومع أن الزعيمين التقيا في القاعات الخلفية لإجتماع تونس، غير أن الكلمات المتبادلة بينهمالم تتجاوز السلام والسؤال التقليدي عن الصحة. أكثر من ذلك لوحظ أن العاهل المغربي تغيب عن الجلسة الختامية على رغم بقائه في تونس وأناب عنه وزير خارجيته، مما حمل المراقبين على ربط ذلك بتدهور العلاقات المغربية-الجزائرية.

كذلك الشأن على صعيد العلاقات الليبية – الفرنسية إذ أعلن شيراك قبل القمة أنه يعتزم الإجتماع مع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي في تونس، لكن الإجتماع لم يتم إلا وقوفا لبعض دقائق بحضور الرئيس التونسي. ومع أن موظفين سامين من الجانبين التقوا على هامش القمة واتفقوا على استئناف المفاوضات بين عائلات ضحايا طائرة “يوتا”، التي تفجرت فوق صحراء النيجر في 1989 ، و”مؤسسة القذافي” التي يرأسها سيف الإسلام نجل الزعيم الليبي، فإن لهجة شيراك في المؤتمر الصحفي الذي عقده قبل مغادرة العاصمة التونسية اتسمت بالتهديد والتحذير الموجهين للجانب الليبي من تعطل المفاوضات مجددا.

هذه الخلافات التي لم تجد الجلسة المغلقة سبيلا لحلها ألقت ظلالا على الحصاد النهائي للقمة وبخاصة على صعيد العلاقات المغاربية – المغاربية التي لم تشهد تحسنا مثلما كان مؤملا مما جعل رئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي يطلب في مؤتمر صحفي عقده بعد انتهاء أعمال القمة، أن تترجم بلدان الضفة الجنوبية “النتائج الإيجابية التي تحققت إلى تقدم سياسي حقيقي على الصعيد المغاربي”.

وعلى هذا الأساس تبدو دعوة الجزائر إلى عقد القمة المغاربية المؤجلة يومي 23 و24 ديسمبر الجاري محفوفة بمخاطر تأجيل آخر بسبب تسمم الأجواء بينها وبين المغرب أو ربما، في أفضل الأحوال، لن يحضرها المغرب في مستوى الملك.

رشيد خشانة – تونس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية