مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السر المصرفي على المحك.. بين برن وواشنطن

Keystone/IMF

تنطلق في برن يوم الثلاثاء 28 أبريل المحادثات بشأن التوصل إلى اتفاق جديد حول الازدواج الضريبي مع الولايات المتحدة يسمح للسلطات الضريبية الأمريكية بتحسين مراقبة المصارف السويسرية. وهي مناسبة ستوضع فيها على المحك النظرية السويسرية الجديدة حول السر المصرفي.

هذه هي المرة الأولى، منذ زمن طويل، التي يثير فيها التفاوض بشأن معاهدة ضريبية مع دولة أجنبية هذا القدر من الاهتمام في سويسرا.

صحيح أن الأمر يتعلق بالولايات المتحدة، أول مستثمر أجنبي في سويسرا (120000 موطن عمل) وثاني أكبر مـُستورد للمنتجات السويسرية. لكن العلاقات بين البلدين اضطربت منذ قضايا الغش الضريبي التي هزت اتحاد المصارف السويسرية “يو بي إس” في الولايات المتحدة. وقد يـُساهم إبرام اتفاق ضريبي مُرض في إعادة خلق مناخ جيـّد بين الطرفين.

تحقيـقُ وعـد تاريـخي

لكن هذا الأمر لا يُمثل الرهان الرئيسي، إذ أن أهم جانب في هذه المفاوضات هو تحقيق سويسرا، لأول مرة، للوعد التاريخي الذي قطعته على نفسها يوم 13 مارس 2009 بخصوص تخفيف سريتها المصرفية.

ويعني تعهدها هذا، على أرض الواقع، السـّماح للدول (التي تتقدم بطلب) بالحصول من سويسرا – على أساس اتفاقيات ضريبية يُتفاوض بشأنها – على معلومات حول دافعي الضرائب المُشتبهين، ليس فقط بالإحتيال الضريبي (مثل تزوير الوثائق)، بل أيضا بتهرب بسيط من الواجب الجبائي (أي عندما “ينسى” دافع الضرائب الإعلان عن مداخيل أو أصول).

ولن يكون من السهل تحديد طبيعة المعلومات، وخاصة المصرفية منها، التي قد تُسلم في المستقبل للأمريكيين – علما أن مبدأ التعامل بالمثل مضمون بالطبع – إذ ستطالب سويسرا بالحصول على ضمانات إضافية. لكن هامش المناورة لديها سيكون محدودا بما أنها تعهدت يوم 13 مارس الماضي أيضا باعتماد كافة معايير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في مجال تبادل المعلومات الضريبية.

“لعبة” الــقوائم السوداء

وتقتضي هذه المعايير اعتماد شفافية أوسع، لكن الجميع يـعلم الآن أن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ترصد هذه الأمور عن كثب، ولن تتردد في رفع صوتها إذا ما لم تــُبدِ سويسرا القدر الكافي من التعاون أو إذا ما بالغت في الإجراءات لتقديم التعاون المنشود. ولعل لعبة “القوائم السوداء” (انظر المواضيع المرافقة) ستظل راسخة في كافة الأذهان، وستُثني السويسريين عن القيام بما يُغضب المنظمة.

غير أن سويسرا عازمة على عدم تقديم التنازلات فحسب. وقد أعرب مارتين نافيل، مدير الغرفة التجارية السويسرية-الأمريكية، عن أمله في أن تحصل برن على “إلغاء ضريبة مُسبقة خاصة بنسبة 5% التي تدفعها فروع الشركات السويسرية في الولايات المتحدة على أرباحها، والتي تُعفى منها شركات الاتحاد الأوروبي”.

تحـذير سويسري

ونوه مارتين نافيل إلى أن برن تريد أيضا ضمانات تؤكد لها أن البنود التي تم التفاوض بشأنها لن تتعرض – كما حدث سابقا في بعض الأحيان – “للمحو أو التهميش جراء قرارات أمريكية أحادية الجانب أو قضائية أو غيرها”.

وستبذل سويسرا كل ما في وسعها أيضا لكي يرتبط هذا التفاوض بسحب سريع للشكوى المدنية المُذهلة التي رفعتها إدارة الضرائب الأمريكية ضد “يو بي إس”، أكبر مصرف سويسري.

وكان رئيس الكنفدرالية ووزير المالية هانس-رودولف ميرتس قد حذر نظيره الأمريكي تيموتي غايتنر خلال زيارته لواشنطن في نهاية الأسبوع الماضي من خطر تصويت الشعب السويسري بـ “لا” في حال خضوع الإتفاق المقبل للاستفتاء.

ويعتقد السيد ميرتس أن تصديق الناخبين السويسريين على الاتفاق قد يُعرَّض للخطر إذا ما لم تُسحب الشكوى المرفوعة ضد “يو بي إس”. ويُذكر أن هذه الدعوى تهدف إلى الحصول من المصرف على أسماء 52000 من الحرفاء الأمريكيين المُشتهين بالاحتيال الضريبي.

صمت في برن وواشنطن

ويحيط قدرٌ كبير من السرية بالمفاوضات التي تنطلق بعد ظهر الثلاثاء في العاصمة السويسرية، إذ أن المعلومة الملموسة الوحيدة التي تمكنا من الحصول عليها من الإدارة الفدرالية للضرائب تتمثل في تأكيد إسم رئيس الوفد السويسري: يورغ غيرودي، رئيس قسم الشؤون الدولية في نفس الإدارة.

نفس الصمت يطغى على الجانب الأمريكي. وكان تيموتي غايتنر قد شدد في بداية هذا الشهر على الأهمية التي يوليها لإبرام اتفاقٍ مستقبلي مع سويسرا – على مستوى مكافحة الغش.

وصرح في واشنطن بهذا الشأن: “من شأن هذا الاتفاق أن يصلح نموذجا لساحات مالية هامة أخرى في العالم، وسأواصل، باسم دافعي الضرائب الأمريكيين، مطالبة كافة البلدان بأقصى قدر من الشفافية” (في تلميح لتبادل المعلومات الضريبية).

في الختام، يجدر التذكير بأن التفاوض بشأن الإتفاقية الحالية التي دخلت حيز التطبيق عام 1998 استغرق.. 17 عاما بالتمام والكمال. وإذا كانت هناك نقطة واحدة تحظى بإجماع المتفاوضين على المعاهدة الجديدة، الذين استجوبناهم، فهي تتلخص في وجوب الإسراع الشديد هذه المرة.

سويس انفو – ميشيل فالتـير

المادة 26: باتخاذها للقرار التاريخي يوم 13 مارس 2009 بتخفيف السرية المصرفية في المسائل الضريبيـة في إطار علاقاتها مع البلدان الأجنبية، سحبت سويسرا أيضا التحفظ الهام الذي كانت قد عبرت عنه قبل عدة سنوات إزاء المادة 26 من نموذج الاتفاقية الضريبية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

تنص هذه المادة على أنه في مصلحة مكافحة الـغش، لا يمكن لدولة ما “في أي حال من الأحوال” رفض تسليم معلومات عن دافعي الضرائب لإدارة أجنبية بذريعة أن تلك المعلومات “في حوزة مصرف ما (…).”

لكن سويسرا لا تسلم حاليا مثل هذه المعلومات إلا في حال الإشتباه في وجود حالة “احتيال ضريبي” (وليس مُجرد “تهرب” ضريبي بسيط).

بموجب المادة 26 التي قبلتها برن الآن، يجب أن تكون المعلومات التي سيتم تسليمها “ذات صلة على الأرجح” بما يتعلق بارتكاب جريمة غش محتملة.

وتتمثل المشكلة الآن في وضع معايير لتفسير هذا المفهوم، وتريد سويسرا، في هذا الإطار، تجنب مطالبة دولة أجنبية بشكل تعسفي لمعلومات حول عدد كبير من دافعي الضرائب دون وجود شكوك ملموسة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية