مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السفير أشباخير: “من مصلحة سويسرا أن تكون ممثلة تمثيلا كاملا في قطر”

الأهمية المتزايدة لقطر وتطورها السريع على المستويين الجيوسياسي والاقتصادي من أبرز العوامل التي شجعت سويسرا على افتتاح سفارة لها في هذا البلد الخليجي Reuters

تستعد سويسرا لافتتاح سفارة جديدة في العاصمة القطرية الدوحة، في خطوة ترمي إلى التأقلم مع المتغيرات السياسية والإقتصادية التي طرأت على المنطقة.

ومع بروز قوى صاعدة في منطقة آسيا – المحيط الهادي، التي باتت تستأثر بثلث المنتوج الاجتماعي العالمي ونصف النمو المسجل في العالم، تحاول الديبلوماسية السويسرية تكثيف حضورها هناك، بتوسيع التمثيل الذي كان يقتصر على الرياض والكويت وأبو ظبي، ليشمل باقي العواصم الخليجية.

واختار السويسريون ديبلوماسيا محنكا وخبيرا في شؤون العالم العربي هو السفير مارتن أشباخير ليتولى فتح السفارة الجديدة في قطر وقيادتها لاحقا. وكان أيشباخر قدم أخيرا نسخة من أوراق اعتماده إلى وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية، ومن المرجح أن يتسلم أمير قطر أوراق الاعتماد الرسمية منه قريبا. swissinfo.ch التقت بالسفير أشباخير قبيل افتتاح السفارة وأجرت معه هذا الحوار:   

swissinfo.ch: لماذا تفتحون سفارة في قطر في هذا الوقت بالذات؟

السفير مارتن أشباخير: تسعى سويسرا إلى أن تكون بلدا شاملا في علاقاتها الديبلوماسية مع عدد كبير من بلدان العالم. ودعني أوضح أنه كانت لدينا علاقات مع قطر منذ استقلالها، لكنها كانت تُدار من خلال سفارتنا في الكويت. اليوم بات هذا البلد (قطر) يلعب دورا مضطرد النشاط في منطقة الخليج. ويتقاطع هذا المتغير مع رغبة قطر نفسها بافتتاح سفارة سويسرية في الدوحة وأخرى قطرية في برن. لكن أنا حاليا سفير بلا سفارة. ولا شك أنه سيكون لنا قريبا سفارة مكتملة.

ما هي الدوافع التي تقف وراء اتخاذ هذا القرار؟

السفير مارتن أشباخير: قطر بلد يكتسب أهمية متزايدة، فهو صغير من حيث المساحة ومن حيث عدد السكان، إلا أن التطور الذي حققه لافت للإنتباه. وهو أيضا بلد غني مثل سويسرا ولديه طموحات كبيرة، ولذا فسيكون من بين مشاغل السفارة الاهتمام بمشروعات تهم شركاتنا، وهي شركات تملك سمعة جيدة هنا. غير أن هذا الجانب الاقتصادي ليس البعد الوحيد الذي يفسر خطوة فتح سفارة جديدة هنا، فعلى الصعيد السياسي أيضا تلعب دولة قطر دورا بارزا ليس فقط في نطاق الخليج، وإنما في دائرة تمتد من السودان إلى لبنان شمالا، ومن اليمن إلى ليبيا غربا. وفي المجال الرياضي أيضا هي تستعد لاستضافة أحداث كبيرة في مقدمتها مباريات كأس العالم لكرة القدم في 2022، بالاضافة لمؤتمرات لا تُحصى في المجالات العلمية والثقافية والتربوية. وعليه فمن مصلحة سويسرا أن تكون ممثلة تمثيلا كاملا في هذا البلد.

هل يمكن القول إن سويسرا تتجه نحو نوع من التخصص الذي يحيل الملفات الاقتصادية لسفارتيها في كل من الكويت وأبو ظبي، فيما تركز سفارتاها في الدوحة والرياض على الملفات السياسية؟

السفير مارتن أشباخير: قطعا لا، فعلاقاتنا مع كل دولة من تلك الدول تشمل جميع المجالات، إذ تهتم كل سفارة بالشأن السياسي وفي الآن نفسه بالملفات الاقتصادية والثقافة والتعاون التربوي والشؤون القنصلية… وهذا لا يعني أننا قد لا نركز أحيانا على جانب من هذه الجوانب بحسب خصوصية البلد. وبهذا المعنى، ربما يكون الجانب السياسي أبرز من جوانب أخرى في قطر. قد يكتسي الجانب السياسي أهمية أكبر في الدوحة، لكن عموما، أعتقد أن علينا أن ندرك أن المحاور التقليدية للقوة في العالم تحركت نحو منطقة آسيا – المحيط الهادي. ونلاحظ أن القوى الجديدة الصاعدة تسعى لأن يكون لها دور سياسي ومشاركة في القرار على قدر وزنها الاقتصادي المتزايد. ولهذا السبب، تعاود سويسرا توجيه ديبلوماسيتها في ضوء هذه التحولات. ومعنى ذلك أن العلاقات مع بلدان الخليج، التي تلعب دورا سياسيا متناميا على الساحة الدولية وتُعتبر شريكا مهما لنا، بالنظر لحجم استثماراتها لدينا، ستزداد متانة وأهمية في المستقبل.  

أظهر القطريون حنكة ومرونة في الوساطات التي قاموا بها للوساطة بين المتصارعين في اليمن والصومال وفلسطين ولبنان، ألا ترون في ذلك قاسما مشتركا مع خصائص سويسرا؟ وهل هناك تفكير للتنسيق أو على الأقل تبادل تجارب بين البلدين في هذا المجال؟

السفير مارتن أشباخير: صحيح أن لدينا خصائص مشتركة كثيرة مع قطر، بما في ذلك الخبرة في الوساطات، فنحن بلدان صغيران وغنيان، مُحاطان بجيران أكبر حجما. نحن الإثنان نقيم علاقات جيدة مع الآخرين ونحن فاعلون ونشطون في الوساطات، وهنا ألحظ وجود تواز بين سويسرا وقطر. وبالتأكيد ستتيح لي إقامتي هنا متابعة المبادرات القطرة عن كثب.

يستعد المعهد الفدرالي التقني العالمي بلوزان لفتح فرع له في أبو ظبي على غرار جامعات امريكية وجامعة السوربون، فهل تدل هذه الخوضة على رغبة في تكثيف الحضور الثقافي والتربوي السويسري في الخليج؟

السفير مارتن أشباخير: سويسرا بلد ليبرالي يلعب فيه القطاع الخاص والقطاع الأهلي دورا محوريا. صُناع القرار عندنا هم في الدرجة الأولى المؤسسات المعنية مباشرة، بما فيها المؤسسات التربوية والصناعية والثقافية، وبالتالي فدور الدولة ليس اتخاذ القرار عوضا عنها، وإنما دعمها ومرافقتها، وربما اقتراح بعض الأفكار والمشاريع عليها.  وبالطبع يتوقف الأمر على حجم الاستثمارات المرصودة لمثل هذه المشاريع وعلى آفاق التعاون المتاحة بين الجانبين. وستتاح لي الفرصة لزيارة المدينة التعليمية في الدوحة، التي تضم حاليا فروعا لأربع جامعات أمريكية معروفة، وأدرس مع المسؤولين عنها إمكانيات التعاون مع سويسرا، وهي إمكانات لا يمكن الاستهانة بها مبدئيا.

ترعى سويسرا المصالح الأميركية في إيران منذ عقود، وهاهي تعزز حضورها الديبلوماسي في الخليج، هل يمكن التكهن بمبادرة سويسرية للتقريب بين الجانبين؟

السفير مارتن أشباخير: لست مكلفا بالملف الإيراني.

كيف تنظرون للمستقبل؟

السفير مارتن أشباخير: أجد متعة في ما أقوم به من عمل، فقد حللت بهذا البلد منذ نحو أسبوعين. وأنا الآن ألاحظ وأستفسر وأتعلم، لكني مفتون بما رأيت من مشاريع ضخمة أنجزت أو مازالت قيد الانجاز. كما أعجبت أيضا بمناخ التعدد الثقافي والهدوء والمناطق الخضراء والحرص على إتقان العمل من أجل أن تكون الحياة أجمل وأيسر.   

كلمة الختام؟

السفير مارتن أشباخير: أنا مسرور بمهمتي الجديدة التي أعتقد أنها ستكون واعدة ومثيرة.

افتتن الشاب مارتن أشباخير بالشرق وهو مازال طالبا في جامعة برن في الثمانينات، فقرر الانضمام إلى المعهد الاسلامي في الجامعة، ولم يكن عدد زملائه يتجاوز آنذاك الستة أفراد. وزاد تعلقه بالشرق فشد الرحال إلى دمشق ليستكمل دراسة اللغة العربية ثم انتقل إلى حلب.

بعد ذلك، اختار امتهان الديبلوماسية فانضم إلى وزارة الخارجية التي أرسلته في دورة تدريبية إلى موسكو قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، ثم عُين فيأول منصب له في العاصمة نفسها بين 1987 و1989، قبل أن ينتقل إلى العالم العربي للعمل في السفارة السويسرية في القاهرة بين 1989 و1992.

ثم تولى تسيير إدارة الشرق الأوسط في الخارجية السويسرية ببرن بين 1992 و1996، وانتقل من هنالك للعمل في براغ ثم في باريس قبل أن يعود إلى الحبيب الأول من بوابة العراق حيث تمت تسميته رئيسا لمكتب الارتباط السويسري في الفترة الدقيقة التي أعقبت حرب 2003.

أمضى أشباخير ثلاث سنوات في العراق رغم أنه اختار أن يسكن خارج المنطقة الخضراء المحصنة، ومن هناك انتقل إلى العمل سفيرا في ليبيا التي كانت ترزح تحت العقوبات الدولية، فكان يُضطر للعبور منها وإليها بواسطة المطارات التونسية. ولعل من حسن حظه أنه غادرها قبيل اندلاع أخطر أزمة سياسية بين سويسرا ونظام معمر القذافي بسبب ما اقترفه نجله هانيبال في مدينة جنيف.

كانت محطته الأخيرة في دمشق التي ظل فيها سفيرا منذ 2007 إلى أن استدعته حكومته للتشاور في أغسطس 2011 بعد تصاعد عمليات القمع في حق المدنيين. ثم اعتُبرت عودته إلى برن نهائية كسفير لدى سوريا، تمهيدا لتعيينه في 21 فبراير 2012 سفيرا لدى قطر.

أعلنت وزارة الخارجية السويسرية يوم الجمعة 9 مارس 2012 أن سويسرا ستفتتح قريبا سفارة لها في قطر، وأن السفير مارتن أيشباخر بدأ بعد أعماله في الدوحة، عاصمة هذا البلد الخليجي الصغير.

ونقلت وكالة الأنباء السويسرية عن المتحدث باسم الوزارة، جورج فاراغو تصريحات أدلى بها إلى الإذاعة السويسرية الناطقة بالألمانية DRS، والتي مفادها أنه “يجري حاليا تشكيل السفارة”.

وكانت الحكومة السويسرية قد قررت فتح سفارة في الدوحة في صيف 2011 بسبب الأهمية المتزايدة لقطر على المستويين الجيوسياسي والاقتصادي.

وبفضل احتياطاتها من البترول والغاز، زاد وزن دولة قطر على المستويين السياسي والاقتصادي.

قطر، التي لا تتجاوز ساكنتها 1,7 مليون نسمة، تدعم الحركات الديمقراطية والأحزاب الإسلامية في العالم العربي.

ومن المقرر أن تحتضن دولة قطر كأس العالم لكرة القدم لعام 2022.

(المصدر: وكالة الأنباء السويسرية بتاريخ 9 مارس 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية