مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“نحتاج مئات المراكز وآلاف المسلمين لمكافحة الرسائل الدعائية لتنظيم داعش”

صورة غير مؤرخة بثتها مجموعة معارضة سورية يوم 20 يونيو 2014، وتظهر مقاتلين تابعين لتنظيم "الدولة الإسلامية" خلال استعراض لهم بشوارع مدينة الرقة. Keystone

رغم مشاركة حوالي ستين دولة في تحالف دولي ضد "الدولة الإسلامية"، يواصل التنظيم السيطرة على مساحات كبيرة من أراضي العراق وسوريا وتمكَّن من اجتذاب المزيد من المتطوِّعين من شباب المسلمين، بفضل آلة دِعائية جهنّمية عجزت الولايات المتحدة وحلفاؤها عن مجابهتها، بسبب جيش من المساندين والمروِّجين لهذا الفكر الموصوف بـ "الداعشي" على شبكات التواصل الإجتماعي.

التقت swissinfo.ch السفير ألبرتو فرنانديز، وهو الرجل الذي أسْـندت إليه وزارة الخارجية الأمريكيةرابط خارجي مهمّة الإشراف على المركز الإستراتيجي لمكافحة الإعلام الإرهابيرابط خارجي لمناقشة دعاية داعش، وكيف نجحت رسائله الدعائية في غسيل مخّ شباب المسلمين في الشرق والغرب، وما يلزم لاحتواء هذا الفِكر المنحرف من تعاون رسمي وشعبي وإصلاح لعلل النظام العربي.

swissinfo.ch: كنتَ الرجل الأول المسؤول في الخارجية الأمريكية عن جهود التصدّي للحملات الدعائية لداعش، فلِمَ لم تكلّل تلك الجهود بالنجاح؟

السفير ألبرتو فرنانديز: نجحت الجهود في استثارة رد قوي من تنظيم داعش وحسابات التواصل الإجتماعي لأنصار التنظيم، ولكن التحدي الرئيسي الذي واجه الجهود الأمريكية، كان العدد. فبينما شارك فريق مكوَّن من أكثر من عشرة أمريكيين في التصدّي لدعايات داعش من خلال ستة حسابات تويتر بأربع لغات، هي العربية والأوردو والصومالية والإنجليزية في المركز التابع للخارجية الأمريكية، وساهمت وكالات حكومية أمريكية أخرى بجهود مماثلة، تراوحت أعداد حسابات أنصار داعش بين أربعين إلى تسعين ألفا، من بينهم حوالي ثلاثة آلاف حساب اتّسموا بالجدية والمهارة الدعائية.

swissinfo.ch: وبماذا تفسِّر قدرة داعش على التأثير في شباب المسلمين وتجنيد المزيد منهم والمستعدّين للتضحية بأرواحهم؟

السفير فرنانديز: اعتمد التنظيم على مستوى بالغ التقدم من الناحية التقنية في إخراج الرسائل الدِّعائية عبر كمٍّ هائل من حسابات التواصل الإجتماعي، واعتمد في البداية على دعوة الشباب لنُصرة إخوانهم المُستضعَفين في سوريا، الذين يتعرّضون لمذابح على أيدي قوات نظام بشار الأسد خلال عامي 2012 و2013. وبحلول منتصف عام 2014، تغيّر الخطاب الدِّعائي من الدعوة للجهاد في سوريا إلى الدعوة للقدوم للحياة في دولة الخلافة الإسلامية، التي تحوطها الرعاية الإلهية، وهي دعوة اجتذبت شبابا من مسلمي الشرق والغرب يحلمون بالإنتماء إلى دولة إسلامية تماثل عهود الإسلام الأولى في ظل الخلفاء الراشدين، بعيدا عن فساد النُّـظم الحالية.

swissinfo.ch: ولكن كيف تمكّنت داعش من اجتذاب شباب مسلمين حتى من مجتمعات غربية، رغم ارتكابها جرائم وحشية كقطع الرؤوس وحرق الأسْرى واغتصاب الفتيات؟

السفير ألبرتو فرنانديز: بالنسبة لشاب مسلم ليس متأكدا من هويته أو شاب تحوّل لاعتناق الإسلام دون التعمق في فهْم العقيدة أو الإلمام بالخلفية التاريخية للعالم الإسلامي، يتم خداع شباب سذِج وضمّهم لتنظيم داعش من خلال دعاية قوية تستغلّ أوجه القصور في أنظمة الحُكم الحالية وتدّعي أن التنظيم أكثر إسلاما وأصولية من أي جهة أخرى وأكثر نقاء وحزْما، وبذلك تصبح ممارسة العنف أمرا يدعو إلى الإعجاب بدلا من أن يكون مدعاة للنفور، خاصة عندما يتم تبريره بأنه للدفاع عن الإسلام في إطار السّعي لبناء دولة خلافة تقيم مجتمعا إسلاميا مثاليا يتيح لهؤلاء الشباب تحقيق حُلمهم في العيش كمسلمين حقيقيين.

swissinfo.ch: إذن، ما هو المطلوب لمجابهة دِعايات تنظيم الدولة الإسلامية؟

السفير ألبرتو فرنانديز: لتفكيك أوصال الرسائل الدعائية لتنظيم داعش، يتعيّن تقديم معلومات دقيقة وحقيقية، وفي وقتها المناسب. فعلى سبيل المثال، تتوالى الإدانة للأعمال الوحشية التي يقوم بها التنظيم ضدّ غيْر المسلمين، مثل اليزيديين أو المسيحيين، وهي إدانة واجبة. ولكن أضعف نقطة في الخطاب الدعائي لداعش، هي الادِّعاء بأن التنظيم جاء للدِّفاع عن المسلمين المستضعفين، بينما يمضي مقاتلو التنظيم مُعظم وقتهم في قتل المسلمين، فيجب توضيح ذلك. وهناك أدلّة واضحة يمكن استخدامها كواقعة قتْل داعش لحوالي ألف من المسلمين السُنّة في دير الزوربحجة لتمردهم على الدولة الإسلامية، وبذلك أصبحوا في نظر الفِكر الجهادي السّلفي التكفيري، غير مسلمين ويُباح قتلهم. وبما أن التحدّي الأساسي الذي يُواجه التصدي لدعايات داعش هو الأعداد، فإن الحاجة تقتضي تضافُـر الجهود وانضِمام مئات من المراكز المتخصّصة وعشرات الآلاف من المسلمين لحملة مكثّفة على شبكات التواصل الإجتماعي، بهدف فضح زيْف تلك الإدِّعاءات ودحْضِها بالحقائق والمعلومات.

swissinfo.ch: وكيف يمكن لعلماء الدّين الإسلامي المشاركة في ذلك؟

السفير ألبرتو فرنانديز: دعاية داعش تتلاعب بألفاظ، مثل المشركين والكفّار والولاء والبراء، وتستخدم تلك الكلمات كترخيص لممارسة أعمال تتنافى أساسا مع الإسلام، كالقتل والسرقة والإغتصاب، وبالتالي، فليس كافيا أن يُـدين علماء المسلمين تلك الممارسات أو يصِفون مقاتلي الدولة الإسلامية بأنهم خوارج أو متطرِّفون لا يمثلون الدّين الإسلامي، بل يجب على علماء المسلمين توضيح المعاني الحقيقية لتلك الكلمات وتقديم الأدلّة الشرعية التي تدْحَض جواز قتْل غير المسلمين، وكذلك استخدام حُجج قوية من تاريخ السَّلف الصالح، لمواجهة إقدام مقاتلي التنظيم على هدم كنائس أثرية، مثل كنيسة بالقرب من حمْص، حافظ على بقائها خالد بن الوليد بعد فتح الشام وظلّت باقية في عهْد الخلفاء الرّاشدين ثم صمدت لأكثر من ألف عام بعدهم، ليهدِمها تنظيم داعش.

swissinfo.ch: ولكن، ما هي العوامل التي أسهمت بدوْر كبير في ظهور وصعود تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق؟

السفير ألبرتو فرنانديز: تضافَرت عوامِل عديدة في ذلك، بدءً بالغزْو الأمريكي للعراق، ثم التردد الأمريكي في الردّ على قمع نظام الأسد للمظاهرات السِّلمية في بداية ما يُسمّى بالربيع العربي، بالإضافة إلى مظالِم كامِنة في النظام العربي، مثل الظلم الاقتصادي والاجتماعي وعدم تمكين الشباب وغِياب الحُكم الرشيد وشيوع الفساد وممارسات الإقصاء السياسي، للمعارضة وقمع الإسلام السياسي. ومع ضعف هيبة الدولة في غِمار ثورات الربيع العربي، سُنِحَـت الفرصة للفِكر الجهادي السلفي التكفيري المستند إلى العنف، وفرض الإرادة على الآخرين في استغلال الفراغ الهائل لسلطة الدولة في سوريا، والفشل الذي عكسته حكومة نوري المالكي الطائفية في العراق، في التمدد داخل مساحات لا تخضع لسيْطرة الدولة في البلديْن ووضع أفكارهم التكفيرية الجهادية موضِع التنفيذ.

swissinfo.ch: هل لعب ما يُوصف بـ “التحيّز” الأمريكي لإسرائيل، ومساندة واشنطن لحكّام مستبدّين دورا في انتِشار فِكر داعش؟

السفير ألبرتو فرنانديز: مَن يدقِّق في أولويات التنظيم، لن يجد بينها مناصرة القضية الفلسطينية، حيث أن الهدف الرئيسي المُعلن، هو إقامة دولة للخلافة تحكُم العالم الإسلامي. أما القول بأن مساندة واشنطن للحكّام المستبدّين في العالم العربي، كانت من بين أسباب انتِشار الفِكر الداعشي فمردود عليه، حيث أن ساحة القتال الرئيسية للتنظيم، هي سوريا وهي دولة لا تُسانِد الولايات المتحدة نِظام الحُكم فيها، بل إن الخصم الرئيسي للتنظيم هو نظام الأسد، بل إن نظرية المؤامرة الرائجة في العالم العربي تُـروِّج لفكرة أن داعش صِناعة أمريكية لتفكيك أوصال العالم العربي ويتناسى مُـروِّجو هذه النظرية أن التنظيم أعلن عداءه للولايات المتحدة وأنه تنظيم نشأ في العالم العربي، نتيجة مناخ من القمع والظلم وغياب الحُكم الرشيد وشيوع الفِكر الجهادي التكفيري العنيف.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية