مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السودان في مواجهة التهديد والوعيد

المفوض السامي لحقوق اللاجئين أنطونيو غوتيريس في أحد مخيمات لاجئي دارفور Keystone

لم تتوقَّـف الضغوط يوما على السودان، ولكنها هذه المرة تأخذ منحى خطرا.

فالعقوبات والمصادرات وفرض المحكمة الجنائية الدولية والتبشير بإرسال قوات أممية، سواء رضت الخرطوم أم لم ترض، باتت من حقائق الحياة اليومية السودانية.

زادت أخيرا ضغوط معلنة وأخرى سرية، حسب تعبير علي عثمان طه نائب الرئيس، فى إشارة إلى أن الخرطوم تتحمل الكثير فى سبيل التمسك بوجهة نظرها القائلة، بأن قبول قوات أممية فى حدود العشرين ألف جندي ووفقا للقرار الدولي 1706، هو غزو أجنبي، يجب مقاومته.

وتحمل مقولة علي عثمان طه أيضا، نوعا من الوصف غير المباشر لبعض ما تقوم به دول عربية وإفريقية مهمّـة، في سبيل إقناع الخرطوم التجاوب مع خطة الأمم المتحدة، ذات المراحل الثلاث بشأن دارفور، وهو وصف يعني بأن الضغوط باتت تأتي من كل حدب وصوب ومن القريب والبعيد، على السواء.

كانت الخرطوم قد وافقت على مرحلتين من ثلاث مراحل توصل إليها الاتحاد الإفريقي مع الأمم المتحدة في أديس أبابا في نوفمبر 2006، الأولى، باسم الدعم الخفيف، والثانية، باسم الدعم الثقيل، والتي تتيح بدورها نشر قوة في حدود 3500 جندي أممي، مزوّدين بأسلحة ثقيلة وطائرات هليكوبتر، ذات طابع هجومي، ولكنها رفضت المرحلة الثالثة، التي تقضي بنشر قوات أممية تحت مظلة القرار رقم 1706.

انصياع وعقوبات

موقف الرفض هذا لا يرضي أمريكا وبريطانيا، حيث تُـصران على نشر القوات الأممية بأي شكل كان، ويَـريان أن الخرطوم عليها فقط الانصياع لإرادة مجلس الأمن، بل والخضوع لعقوبات يتم الإعداد لها بالفعل، لكي تصدر في صورة قرار دولي، في حين تعترض حتى اللّـحظة دول مهمّـة في مجلس الأمن الدولي، مثل روسيا والصين وجنوب إفريقيا على محاولات فرض قرار دولي جديد، يمزج بين عدة عناصر لا رابط بينها، ومن شأنه أن يعقِّـد الأمور أكثر مما هي معقَّدة بالفعل، لاسيما وأن نشر قوات، يُـفترض أنها لحفظ السلام قبل التوصُّـل إلى هذا السلام أصلا، فيه مغالطة كبرى.

حين يكون القرار الأمريكي البريطاني هو نشر القوات الدولية وحسب، وتأمين منظمات الإغاثة الدولية للعمل في الإقليم بكل حرية ودون أن يُـصاحب ذلك أدنى اهتمام باتفاق أبوجا، الذي وقَّـعته الحكومة مع فصيل أركو مناوى قبل حوالي عام، وأيضا عدم الاهتمام بالقيام بأي جهد نحو حركات المعارضة المسلحة الأخرى، التي ترفُـض الاتفاق وترفُـض الحلول السِّـلمية وتقوم بعمليات مسلحة فى الإقليم ضد القوات الحكومية وضد معسكرات اللاجئين، بل وتوظيف هذه الهجمات العسكرية ضد المدنيين في قلب الطاولة على الحكومة وعلى السودان ككل، يصبح في الأمر سِـرّ كبير غير معروف بعد.

ولن نذكر هنا الحديث عن ثروات إقليم دارفور ولا عن خطط لجعل السودان عدّة دول وليس دولة موحَّـدة، كما هو الآن، فهذه لم تعد مجرد تكهنات، بل حقائق تدعمها معلومات من مصادر عدة.

السر المكشوف

ومع ذلك، يظل هناك سرّ كبير في رغبة الولايات المتحدة ومعها حليفتها بريطانيا في الإسراع بفرض عقوبات دولية، في الوقت الذي تبذل فيه جِـهات عدّة جهودا حثيثة من أجل احتواء الوضع سياسيا والانطلاق من موقف السودان، المتجاوب جُـزئيا، مع الرغبات الدولية، بل وحتى دعوة بان جي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، بإعطاء السودان والوسطاء الأفارقة والعرب مُـهلة زمنية أخرى، حتى يتم الوصول إلى صيغة مقبولة من الجميع.

هذا السر المعلن هو الذي يجعل بلدانا عربية، كمصر وليبيا، وإفريقية مثل إريتريا، تعمل معا من أجل الإسراع لجمع شمل حركات التمرد في دارفور والحكومة، من أجل إحياء اتفاق أبوجا، بعد استجابته لمطالب معقولة لحركات التمرد.

حسابات مصرية وقلق

والمؤكَّـد، أن القاهرة باتت تستشعر بقوة المخاطر المتضمِّـنة في المساعي الأمريكية والبريطانية لفرض عقوبات على السودان، والتي ستُـصبح في الآن نفسه عقوبات على مصر نفسها، ولو بطريق غير مباشر.

ففي هذه اللّـحظة الزمنية تحديدا، ثمة اتجاه مصري سوداني لبناء نوع من التكامل الاقتصادي، يكون مدخله اتفاقية الحريات الأربعة، التي تتيح لمواطني البلدين حرية التنقل والإقامة والعمل والاستثمار، وإذا ما فُـرضت عقوبات دولية على السودان، سيصبح من العسير تطبيق هذه الاتفاقية جُـملة وتفصيلا، ولعل هذا ما يُـفسِّـر توجُّـه وزير الخارجية المصرى ومعه الوزير عمر سليمان، المُمسك بملفات خارجية عدّة للخرطوم ولقائهما مع الرئيس البشير، من أجل توضيح الموقف المصري واحتمالات تحرّكه المقبلة في سياق يُـعطي للقاهرة دورا في حل الأزمة ومنع الصِّـدام المرجَّـح.

هذا التحرك الدبلوماسي يأتي في ظل توجُّـه نحو التكامل العملي، والقائم على تشابكات يقوم بها المواطنون أنفسهم من كِـلا البلدين، مع جهد حكومي يسهِّـل هذه التشابكات على الصعيدين، القانوني والإجرائي، إضافة إلى البُـعد الاستراتيجي التقليدي، الذي يلعبه السودان في الأمن المصري كخاصرة جنوبية تاريخية، لا يجوز أن تخضع لأهواء دولية، يفسِّـران جُـهد مصر الأخير في السعي المباشر لدى كل من الخرطوم وعواصم القرار الكبرى، لمنع فرض عقوبات على السودان من جهة، وان تبدى الخرطوم مرونة اكبر مع مطالب الأمم المتحدة من جهة أخرى، مع تعديل الأساس القانوني، الذي ستقوم عليه أية عملية مشتركة إفريقية أممية في دارفور، وبحيث يتضمَّـن التعديل مراجعة لبعض المفاهيم، التي يستند إليها القرار رقم 1706، والتي يعتبرها السودان عن حقّ، تدخلا مُـباشرا في قضائه الوطني وفي ترتيبات الأمن الداخلى وفي سيادته.

جهد عربي آخر

الجهد المصري يُـصاحبه جُـهد عربي آخر، في شق منه، امتداد لمساعي جرت في الرياض على هامش القمة العربية، التي عقدت نهاية شهر مارس الماضي لتخفيف حالة الاحتقان بين الأمم المتحدة والحكومة السودانية، وفي شق آخر، امتداد لمساعي ليبية إريترية سابقة، لم يقدَّر لها النَّـجاح، حاولت أن تجذب فصائل التمرد في دارفور ناحية التجمّـع فيما بينها، والحديث بصوت واحد والعودة إلى طاولة المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، وهي مساعي اصطدمت من قبل، برغبة فصائل التمرد، ليس فقط لإجراء تعديلات جِـذرية في اتفاق أبوجا، بل أيضا وجلب قوات دولية تحت حجَّـة أن مأساة وسلام إقليم دارفور أكبر من أن تقوم به قوات إفريقية وحدها أو يظل تحت سِـيادة السودانيين وحدهم.

وإذا كانت دوافع ليبيا تعود إلى ما تعتبره أولوية الفضاء الإفريقي في سياستها الخارجية، ودوافع أسمرة إلى أولوية بناء السلام بجهود أبناء البلد أنفسهم، فإن القاسم المشترك بينهما يكمُـن في العواقب المُـحتملة من جلب قوات أممية إلى دارفور بصورة قَـسرية مصحوبة بعقوبات دولية، مَّـا سيُـدخِـل المنطقة في دوامة لا نهائية من الحروب، خاصة فى ضوء ما يجري الآن في الصومال، والفشل الذي بات يلاحق القوات الإثيوبية وقوات الحكومة الانتقالية، التي تبدو عاجزة عن مواجهة المسلحين القبليين من الهوية ومن التابعين السابقين لميليشيا المحاكم الإسلامية.

تنافس بين رؤيتين

بعبارة أخرى، هناك تنافس وسباق بين رؤيتين لما سيجري في غرب السودان، الأولى، من أهل المنطقة، وتعمل على توفيق الأوضاع بما يحُـول دون فرض عقوبات على السودان وعلى جيرانه في الآن نفسه، وتنحو إلى تسوية داخلية بالأساس، مع دعم دولي وفق صيغة تؤمن تعاونا سودانيا مع الأمم المتحدة، بما يمنع أي احتمال للمواجهة، وهو ما سيجسِّـده اجتماع طرابلس الوزاري لعدد من الدول المحيطة بالسودان يوم 28 أبريل الجاري، وإن كانت ستغيب عنه الجامعة العربية في إشارة لا تبدو طيبة.

أما الرؤية الثانية، فهي من خارج القارّة ولها حساباتها الكونية وحساباتها المحلية المعنية أساسا بسطوة منظمات الإغاثة الأوروبية والأمريكية، وهي تُـجاهد من أجل إخضاع السودان وعِـقابه، ونزع دارفور من سيادة السودان والتعامل مع هذا الإقليم باعتباره إقليما ذا وضع خاص، ومن ثم، تقديم سابقة في القارة الإفريقية لتقسيم الدول على مراحل، بعد أن يتم وضعها تحت أشد أنواع الوِصاية الدولية.

السِّـباق بين هاتين الرؤيتين في جوهره، سِـباق بين بناء الاستقرار بواسطة أصحابه وأهله وبين إشاعة الفوضى بواسطة القوى الكونية، التي لا يهمُّـها سوى مصالحها الذاتية، والتي تعمل دائما على تغليفها، ظاهريا، بحقوق الإنسان وحماية السلام، والأمران منهما براء.

د. حسن أبو طالب – القاهرة

جنيف (رويترز) – قال وليام سبيندلر المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة يوم الجمعة ان المفوضية تعتزم تعزيز عملياتها في غرب دارفور حيث طرد أكثر من 700 ألف شخص من ديارهم.

ووافق المفوض السامي لشؤون اللاجئين التابع للامم المتحدة انطونيو غوتيريس خلال زيارة الى السودان هذا الاسبوع على تعزيز تواجد المفوضية في الاقليم الذي تمزقه الحرب في مقابل وعد من الحكومة السودانية بتوفير مزيد من الحماية لموظفي المفوضية.

وقال سبيندلر للصحفيين “اذا أمكن الحصول على الحد الادنى من الضمانات بشأن سلامة موظفينا فسوف نقوم بمزيد من المهام على الارض”.

وأضاف أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين سوف “تعزز الحماية وادارة المخيمات” لمساعدة الذين نزحوا بسبب أربع سنوات من القتال الا أنه لم يقدم المزيد من التفاصيل.

ونزح نحو مليوني شخص من ديارهم في ولايات دارفور الثلاث منذ أن حمل المتمردون السلاح ضد الحكومة في فبراير شباط عام 2003 قائلين إن الخرطوم تمارس التمييز ضد المزارعين غير العرب هناك.

وتسبب القتال مع ميليشيات مدعومة من الحكومة في إحراق منازل وتدمير قرى وقتل مدنيين فيما تصفه الامم المتحدة بأنه أحد أسوإ الازمات الانسانية في العالم.

وتقول واشنطن ان العنف في دارفور يرقى لان يكون جريمة ابادة. وترفض الخرطوم هذا التعبير وتصف الميليشيات بأنهم خارجون على القانون.

ووعد غوتيريس خلال زيارته التي استغرقت أربعة أيام الى السودان وانتهت يوم الخميس 26 أبريل بتقديم مزيد من الاموال الى حوالي 136 ألف لاجئ من اريتريا واثيوبيا موجودون في شرق السودان منذ عقود.

وأقيم أول مخيم لاجئين تابع للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين في شرق السودان في عام 1968 ولا يزال اريتريون يصلون بأعداد صغيرة الى المخيمات بشكل منتظم وسط استمرار عدم الاستقرار بسبب خلاف حدودي لم يحل بين اثيوبيا واريتريا.

وقال المتحدث باسم المفوضية ان غوتيريس أعرب عن “قلقه العميق” بشأن من يعيشون في المخيمات.

وقال سبيندلر “شعر بالصدمة بسبب الظروف السيئة التي يعيشون فيها دون وجود إمدادات مياه كافية وضآلة فرص الحصول على خدمات صحية ورداءة الصرف الصحي وسوء التغذية ومشاكل أخرى”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 أبريل 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية