مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السودان والمجتمع الدولي.. ضعف الحوافز رغم الاتفاق

وزير الخارجية الفرنسي بيرنار كوشنير يُنصت إلى نظيرته الأمريكية كوندوليزا رايس في مؤتمر باريس حول دارفور يوم 25 يونيو 2007 Keystone

في الثامن عشر من يونيو الجاري، قبِـل السودان، بلا شروط، اتفاقا مع الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، تقضي بنشر قوات هجين ـ أي مختلطة إفريقيا وأمميا ـ في دارفور.

وفي 25 يونيو، عقد لمدة ست ساعات اجتماع لمجموعة الاتصال الدولية بدعوة من باريس، انتهى فيه الأمر إلى لا بيان، وإنما تصريحات، بعضها يشمل تهديدا والآخر يشمل توضيحا، لاسيما من قِـبل وزير الخارجية الفرنسي كوشنير، بأن حل الأزمة هو أمر سياسي جنبا إلى جنب، لأنه إنساني.

رحّـبت الخرطوم، مع بعض التحفظ، بنتائج مؤتمر باريس المتواضعة، خاصة في شقها الذي تضمن وعدا فرنسيا بتقديم مبلغ عشرة ملايين يورو للمشاركة في تمويل القوات الهجين، وهو ترحيب جاء بعد رفض لمؤتمر باريس ذاته، الذي بدا وكأنه غير معنى بأطراف الأزمة المباشرين أنفسهم، وهم الحكومة السودانية والاتحاد الإفريقي وحركات التمرد، وهو رفض بُـني مبكّـرا على أساس أن المؤتمر قد يطرح مبادرة جديدة تُـربك الأمور كلها وتعيد القضية إلى المربع رقم واحد، في حين أن الجهود الدولية انتهت بعد مُـعاناة في المفاوضات، طالت لمدة تقرب من نصف عام، وترتّـب عليها اتفاق شبه تفصيلي في كل شيء تقريبا، وإن بقي موضوع التمويل، باعتباره مهمة المنظمة الدولية بالدرجة الأولى، والتي تشهد أروقتها حركة بريطانية أوغندية مشتركة، طرح صيغة قرار دولي بشأن التمويل المنتظر على أن يصدر في يوليو القادم، بعد أن تُـوافق عليه الجمعية العامة.

تفاصيل في الاتفاق

ومن بين تفاصيل الاتفاق، الذي قبلته الخرطوم دون تحفّـظ، أن تكون قيادة القوات الهجينة أو المختلطة، التي يتوقّـع أن يصل عددها إلى 20 ألف جندي لقائد إفريقي وأن يكون التمويل والسيطرة والإشراف بوجه عام للأمم المتحدة، فضلا عن الدخول في عملية سياسية من ثلاث مراحل.

أولها، تجميع المبادرات السياسية المطروحة والهادفة إلى إعادة أطراف النزاع إلى مائدة المفاوضات، وهدف هذه المرحلة، أن تكون هناك مبادرة واحدة متّـفق عليها، إقليميا ودوليا، وتنتهي بذلك مرحلة تعدد المبادرات والوسطاء، والتي ساهمت بدرجة كبيرة في تعطيل التوصّـل إلى اتفاقية سلام ذات مصداقية وقابلية للتطبيق ومدعومة من المجتمع الدولي بكل أطرافه.

أما المرحلة الثانية، فتعنى بتجميع حركات التمرد “الدارفورية” تحت مظلة واحدة ورؤية متقاربة، قبل العودة إلى مائدة التفاوض، وبما يؤدي إلى مفاوضات جدية ويغلق الباب بأن تتمسك حركة ما بمطالب تعجيزية، تعوق التوصل إلى اتفاق سلام متماسك.

والمرحلة الثالثة، فهي المفاوضات نفسها تحت رعاية إفريقية أممية، وصولا إلى اتفاق سلام توقِّـع عليه كل الأطراف وتضمنه الأمم المتحدة بالدرجة الأولى.

شقان مترابطان

هذان الشقان، الأمني والسياسي من حيث الواقع، مترابطان، ويفترض في أحسن الأحوال أن يتما في الأشهر الستة المقبلة، بحيث يتم التوصل إلى اتفاق سلام مع نهاية العام الجاري، وفي الآن نفسه، إتمام الترتيبات الفنية والمالية الخاصة بالقوات الهجين، على أن يتم البدء في نشرها في بداية عام 2008 بعد التوصل إلى اتفاق سلام.

والمفترض هنا، أن انخراط الأطراف المعنية بقدر من حسن النوايا والالتزام في هذه العملية المزدوجة، يمنع التلويح بفرض عقوبات، كما حدث بالفعل في مؤتمر باريس المشار إليه، حين أشار الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى ضرورة فرض عقوبات إذا امتنعت الخرطوم عن التعاون غير المشروط أو ما أسماه بـ “الحزم” تجاه الخرطوم، وهي إشارة لم تكن لها ضرورتها، باعتبار أن الخرطوم بالفعل قبلت الخطة الأممية الإفريقية، دون تحفظات، وكذلك فعلت وزيرة الخارجية الأمريكية، حين ركّـزت على فرض عقوبات على السودان، دون الخوض تفصيلا في كيفية تطبيق الالتزامات الدولية الخاصة بتمويل القوات الهجين وتوفير المعدات والأجهزة اللازمة فضلا عن القوات.

رسائل فرنسية

وفي الواقع، يفهم هنا ثلاثة أمور، أولها، أن مؤتمر باريس عكَـس اهتمام فرنسا، ليس فقط بالقضايا العربية والإفريقية وفق نمط جديد غير الذي تبعه الرئيس السابق جاك شيراك، وإنما إعلان رسمي بأن سياسة فرنسا الجديدة في عهد ساركوزي، هي متقاربة تماما مع السياسة الأمريكية، بل ومتعاونة معها.

الأمر الثاني، أن مؤتمر باريس حاول أن يشكِّـل ضغطا معنويا على الحكومة السودانية بأن تسرع من تعاونها مع الأمم المتحدة، دون اعتراضات أو تحفظات، وأن ذلك سيُـساعد الغرب على مساعدة السودان في قضايا أخرى لاحقا.
الأمر الثالث، هو أن فرنسا ساركوزي تبعث برسالة إلى أصدقائها في إفريقيا بأن يستعدّوا لنمط جديد من السياسة الخارجية الفرنسية، يعتمد الحركية والضغط عند الضرورة.

وتبدو تشاد معنية بمثل هذه الرسالة، لاسيما في ظل اتفاقها مع الخرطوم أخيرا بوساطتين، ليبية وسعودية، لإنهاء حالة عدم الثقة المتبادلة بينهما وتعزيز التعاون الأمني والفني على الحدود المشتركة، بهدف ضبط حركتها ومنع حركات المعارضة في عبورها من طرف إلى آخر.

ويُـذكر هنا، أن ثمة فكرة يجري البحث فيها على استحياء حتى اللحظة، وقِـوامها نشر قوات على الجانب التشادي من الحدود، لمنع تسلل أي عناصر من السودان إلى الداخل التشادي، في حين تطرح الخرطوم فكرة أخرى، وهي تشكيل قوات مشتركة تشادية سودانية تقوم بضبط الحدود، وربما تأخذ نوعا من الدعم من قبل الاتحاد الإفريقي.

وإذا ما دخلت فرنسا على هذا الخط، فقد يتم إحياء فكرة القوات الدولية وإجهاض الفكرة السودانية، بيد أن الأولوية تبدو الآن لنشر قوات هجين في دارفور، والتي من شأنها، إن نُـشرت بعد اتفاق سلام، أن تتغير معادلات الحدود التشادية السودانية على نحو جذري.

ضعف الحوافز

سودانيا، وما يخص دارفور، فإن المسألة برمّـتها مزيد من الحوافز والضغوط، وبيد أن شق الحوافز لا زال ضعيفا، فمساهمة فرنسا التي أعلنها ساركوزي بقيمة 10 ملايين يورو فقط لمساعدة القوات الهجين، ليست شأنا ذي بال، كما أن الغموض لا زال كبيرا بشأن ما الذي يُـمكن أن تقدمه فرنسا أو غيرها من دول مجموعة الاتصال بشأن دارفور أولا للضغط على حركات التمرد للوصول إلى اتفاق سلام، والتي لم تذكر قط في اجتماع الساعات الست، ثم ماذا ستقدم من مساعدات تنموية بعد السلام.

وإلى حين تتضح مثل هذه الأمور وتخف لغة التهديدات على النمط الأمريكي إلى أن تختفي تماما، ستظل العقبة الأكبر هي في تجميع حركات التمرد، التي وصل عددها إلى ما يقارب عشرين فصيلا، كل منها له رؤيته الضيقة بشأن المفاوضات والسلام والعلاقة مع القوات الجديدة، حين تنشر على الأرض.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

الأمم المتحدة (رويترز) – قال مسؤول بالأمم المتحدة يوم الأربعاء 27 يونيو، إن قوة حفظ سلام معززة لوقف العنف في منطقة دارفور بالسودان، قد يستغرق نشرها ستة أشهر بعد إجازة قرار في مجلس الأمن.

وفي وقت سابق في الخرطوم، قالت الأمم المتحدة إن القتل والاغتصاب والاختطاف في تزايد في ولاية غرب دارفور، ولاحظت بقلق أن العنف المتزايد في المنطقة السودانية، الخارجة عن سيطرة القانون، دفعت بالمزيد من الناس إلى المخيمات.

وقال السفير البريطاني ايمري جونز باري، الذي يشارك في صوغ قرار يعهد بالعملية المشتركة إلى قوات لحفظ السلام من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي يوم الأربعاء، إنه يتوقع أن يكمل مسودة القرار هذا الأسبوع وقد يعرض للتصويت بعد ذلك بأسبوع.

وقال هيدي عنابي، مساعد الأمين العام لعمليات حفظ السلام للصحفيين، بعد إفادة مجلس الأمن، إنه سيكون هناك اجتماع للمساهمين بقوات يوم الجمعة 29 يونيو، وأضاف أن هناك حاجة للكثير من العمل الأساسي قبل أن يتسنى نشر القوة وأنه من الصعب تحديد حد زمني دقيق.

وقال عنابي “نأمل أن نتمكن من بدء نشر هذه العملية خلال ستة أشهر من يوم تبني قرار وتفويض من قبل مجلس الأمن”، وأضاف “الأمر يستغرق وقتا”.

ووافق السودان في ظل ضغوط دولية مكثفة في 12 يونيو على قوة حفظ سلام مشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي من أكثر من 20 ألف جندي وشرطي، ولكن دبلوماسيين يشكّـون في أن تلتزم الخرطوم بكلمتها.

وهدف القوة، هو وقف العنف في دارفور، حيث يقدر خبراء دوليون أن نحو 200 ألف شخص قتلوا كما طرد 2.5 مليون من ديارهم خلال أكثر من أربع سنوات من الصراع، ويقول السودان إن تسعة آلاف شخص فقط قتلوا.

وأرسل السودان بإشارات مختلطة حول القوة المختلطة قائلا، إنها يجب أن تكون تحت قيادة وسيطرة الاتحاد الإفريقي لا الأمم المتحدة، كما أشار إلى أنها يجب أن تكون إفريقية بصفة رئيسية.

وعندما سُـئل عن تعليقات الرئيس السوداني عمر حسن البشير بأن القوة يجب ألا تشمل قوات غربية، قال عنابي “إن البشير أكد لمجلس الأمن هذا الشهر، أنه يقبل القوة بدون شروط”.

وقال عنابي “ما يجب أن نركز عليه الآن، هو التنفيذ والأفعال لا الكلمات، علينا جميعا أن نختار أن نستمع للمشاكل، لأن رد الفعل على هذا أو ذاك قد لا يفيد”، وأضاف “لدينا كجزء من التفاهم، التزام بأن ننظر من ناحية الأولوية للقوات الإفريقية. سنبذل كل جهد للاحتفاظ بالطبيعة الإفريقية للعملية”.

وقال السفير البلجيكي جون فيربك، الذي يتولى رئاسة مجلس الأمن إنه أمر حيوي أن يكون القرار الذي يفوض القوة واضحا لا لُـبس فيه، ولاسيما في تحديد هيكل القيادة والسيطرة للقوة، التي تعد غير عادية لأنها عملية مشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وقال إنه أيضا يريد أن يرى جدولا زمنيا واضحا لنشر القوات.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 يونيو 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية