مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السياسة الخارجية الأوروبية بين تغيبها عن افغانستان وعجزها في الشرق الأوسط

هل سيتمكن وزراء خارجية الاتحاد الاوربي من تسوية خلافاتهم حول ملفي افغانستان والشرق الاوسط؟ swissinfo.ch

يعقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، اجتماعات يوم الاثنين في لوكسمبورغ تطغى فيها الحرب الأمريكية المتواصلة ضد افغانستان وانسداد آفاق الحل السياسي أمام التحالف الدولي القائم من حول الولايات المتحدة والمعارضة الأفغانية.

كما يبحث وزراء خارجية البلدان الخمسة عشر مشكلة انهيار الاتفاقات الفلسطينية الاسرائيلية ومحاولات ترقيعها ولكن من دون لجوء الاتحاد لاستخدام آليات الضغط الاقتصادي على حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون.

تتميز أزمة الحرب المتواصلة ضد افغانستان، على الصعيد الدبلوماسي الأوروبي، بانعدام تأثير الاتحاد ككل في المشاورات الجارية مع مختلف فصائل المعارضة الأفغانية وبافتقاده قنوات الاتصال الضرورية مع الجهات المعتدلة او التي يفترض فيها الاعتدال ضمن حركة طالبان.

الخارجية الاوروبية في مأزق

ويبدو ان منسق السياسة الخارجية للاتحاد، خافيير سولانا، وكذلك الرئاسة البلجيكية للاتحاد، في موقف الحيرة والانتظار. الحيرة أمام افتقاد وسائل التاثير الفعلي في عمليات إدارة الأزمة، خاصة على الصعيدين العسكري والسياسي والانتظار تبعا لذلك، الى حين نضج الوضع وحسم المعركة في الميدان بما قد يفسح بعض مجالات التدخل الأوروبي والمساهمة في صوغ خيارات التوسط والحل السياسي بين الفصائل الأفغانية.

ولازم كل من منسق السياسية الخارجية خافيير سولانا ووزير الخارجية البلجيكي، رئيس المجلس الوزاري الأوروبي لويس ميشيل، موقف خفت الجناح خلال أسابيع الأزمة بعد أن كانا سارعا، قبل بدء حملة القصف الأمريكي البريطاني، بزيارة الدول العربية والاسلامية المؤثرة، لإبلاغها بأن الاتحاد يمد يده نحوها ويستنكر محاولات الخلط الخبيث بين الارهاب والعالم العربي الاسلامي.

وينتظر أن تعد المفوضية الأوروبية مقترحات لتعزيز التعاون الاقتصادي مع باكستان وتمكينها تسهيلات تجارية لزيادة صادارت اسلام آباد من المنسوجات، إلا أن سخاء المقترح الأوروبي يظل محدودا في الأمد القريب، لأن حركة المبادلات التجارية مع باكستان تتأثر سلبا في ظل مناخ الحرب الجارية.

كما أن البرتغال، أهم منتج للمنسوجات في السوق الأوروبية، تحاول تقييد آثار العروض الأوروبية لفائدة باكستان. وتعد المفوضية الأوروبية من جهة ثانية مقترحات للتفاوض مع ايران حول اتفاق للتعاون الاقتصادي، سيكون الأول في تاريخ العلاقات بين ايران والاتحاد الأوروبي، منذ انهيار حكم الشاه.

وستخضع مفاوضات هذا الاتفاق الى شروط سياسية يضعها الاتحاد الأوروبي وتتصل بمسائل احترام حقوق الانسان في ايران وتعاونها مع البلدان الأعضاء في مجالات مكافحة الارهاب وحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل.

ويفسر خبراء في بروكسل غياب الدور الجماعي الأوروبي في ازمة افغانستان بانعدام آليات السياسة الدفاعية والقدرات العسكرية الضرورية لفرض حلول السياسية الخارجية. فلا يمتلك الاتحاد هيئة أركان او قوات مشتركة بين البلدان الأعضاء، وانما لجان محدودة للتخطيط الأمني والعسكري.

وتضم هذه اللجان كبار ضباط الجيوش الأورويية، كما يفتقد الاتحاد الأوروبي، من الناحية السياسية والقانونية، لصلاحيات إعلان الحرب ضد بلد معادي. وتقع مثل هذه الصلاحيات ضمن السيادة الضيقة لكل من البلدان الأعضاء.

ويلاحظ مصدر مسؤول في المجلس الوزاري للاتحاد بأن طبيعة النزاع المتواصل في افغانستان، لا يسمح بدور جماعي اوروبي حيث تنص المعاهدة الأوروبية على القيام بمهام حفظ السلام والفصل بين الأطراف المتحاربة، كما هو الشأن في البلقان.

وعلى افتراض توفر القدرات العسكرية الاستراتيجية التي تمكن الاتحاد القيام بعمليات عسكرية في مناطق بعيدة، مثل افغانستان، فان الإجماع قد يستحيل بين البلدان الخمسة عشر لأسباب وجود بلدان محايدة ضمن أعضاء الاتحاد، فلا تقبل كل من النمسا والسويد وايرلندا المشاركة في أي عمل عسكري خارج نطاق حفظ السلام.

ويؤكد الاتحاد الأوروبي في كل مناسبة تضامنه المطلق مع الولايات المتحدة في الحملة التي تقودها منذ ثلاثة أسابيع ضد افغانستان ويعتبرها “عملا مشروعا ودفاعا عن النفس”، مثلما كان حلف شمال الأطلسي أعلن مرارا التزامه بتنفيذ مبدا الدفاع الجماعي والتضامن مع الولايات المتحدة في الحرب الجارية.

واستجابت كل من البلدان الأوروبية للطلبات الخاصة التي قدمتها الولايات المتحدة، وهي تظل الطرف الوحيد الذي يحتكر التخطيط والقرار العسكري وموعد تنفيذه.

وانفردت بريطانيا بشكل خاص بحماسة مشاركتها الى جانب القوات الأمريكية في عمليات القصف ونشر الوحدات الخاصة بينما أعلنت فرنسا استعدادا لمساهمة عسكرية ستبقى محدودة النطاق ورمزية المغزى. ولا يستجيب الموقف السياسي الجماعي لاستحقاقات إدارة الأزمة و التحديات الاقليمية.

خلاف حول طالبان

فاختلفت البلدان الأعضاء الخمسة عشر حول مستقبل حركة طالبان والدور الذي يمكن ان تضطلعه بعض الأجنحة التي حافظت داخلها، على علاقات مع باكستان وابدت استعدادها في مؤتمر قبائل الباشتون للتعاون مع فصائل المعارضة في الشمال.


وكانت كل من فرنسا والمانيا وبريطانيا شددت في اجتماعات القمة الأوروبية، على ضرورة الإطاحة بنظام طالبان بالاضافة الى تفكيك شبكة القاعدة، لكن غالبية الدول عارضت توجه البلدان الأوروبية الكبرى الثلاث.

وقد تكون خطة الاطاحة من الخارج بنظام طالبان سابقة تثير حذر البلدان الأخرى خاصة في الجنوب والتي لا تزال تغار على سيادتها ولا تقبل التدخل في شؤونها الداخلية.

واقترن ضعف دور الاتحاد الأوروبي في أزمة افغانستان، بالحدود الضيقة لدائرة أنصار الملك السابق ظاهر شاه، الذي عاد الى واجهة الأحداث من مقره في العاصمة الايطالية. ويتصل الضعف ايضا بانعدام العلاقات المؤثرة ازاء فصائل المعارضة في شمال افغانستان.

لذلك فان الاتحاد يفضل الآن دعم الجهود التي تعد الأمم المتحدة لبذلها من أجل وضع حكومة انتقالية تمثل كافة قبائل ومناطق افغانستان. وسيزداد رصيد الاتحاد عندما يبدأ الحديث عن سيناريو إعادة الإعمار، وهو أمر مستبعد مع استمرار الحملة الع سكرية وغياب الأفق السياسي لحلها.

عجز اوروبي تجاه الشرق الاوسط

وإذا كان الاتحاد يفتقد آليات التاثير في إدارة أزمة افغانستان لأسباب مرتبطة بافتقاد الآليات الاستراتيجية والقانونية وبالبعد الجغرافي وانعدام علاقات التعاون مع حركة طالبان او الحوار مع فصائل المعارضة على مدى السنوات الماضية، فانه يبدو عاجزا من جهة أخرى عن التحرك المؤثر في الشرق الأوسط رغم امتلاكه آليات التأثير الاقتصادي والسياسي.

فهو تحفظ طوال عام الانتفاضة، عن كل مبادرة حقيقية من شأنها الضغط على حكومة اسرائيل وجعل الراي العام الاسرائيلي يتفهم اسباب عزلتها على الصعيد الدولي وعواقب سياساتها في الأراضي الفلسطينية.

وتبرر الجهات الرسمية استبعاد خيار العقوبات ضد اسرائيل، برغبة الاتحاد الحفاظ على قنوات الاتصال والوساطة بين الاسرائيليين والفلسطينيين. ويمثل الاتحاد الشريك الرئيسي لاسرائيل التي تنتهك قواعد القانون الدولي ولا تحترم مقتضيات اتفاقيات الشراكة التي تربطها بالاتحاد ولا تتقيد بالاتفاقات الثنائية التي ترعاها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول المنطقة.

وقد اكتفت الدبلوماسيه الأوروبية على مدى أشهر الانتفاضة بمحاولات التوسط بين سلطة وطنية فلسطينية متآكلة من ناحية، ورئيس الوزراء الاسرائيلي شارون، المستقوي بموازين عسكرية رهيبة.

وقد أدت سياسة جر الخطوات الأوروبية والبحث عن وهم الاجماع بين البلدان الأعضاء الخمسة عشر واستبعاد خيارات الضغط الحقيقي على اسرائيل من اجل ضمان دور سياسي هزيل، أدت الى تيقن الجانب القوي في المعادلة، اي حكومة اسرائيل، بمحدودية جدوى الموقف الجماعي الأوروبي وافتقاد البلدان الأوروبية، العزيمة السياسية الجماعية للتحرك والـتأثير في الأزمات الاقليمية.

نورالدين الفريضي – بروكسل

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية