مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السيناريوهات الرّمادية لمُـستقبل قِـطاع غزة

AFP

في بداية التسعينات، لم يكُـن لدى أحد تقييمٌ محدّد لما قاله الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عندما دخل غزة، من أن القطاع سوف يتحوّل إلى "سنغافورة الشرق الأوسط"، فقد كانت فترة مليئة بآمال في أن تقود أوضاع ما بعد أوسلو (2003) إلى قيام دولة ومخاوف من أن يتحوّل الأمر كله في النهاية إلى كارثة. وبدون حاجة إلى إعادة تقييم، فإنه من الواضح أن سيناريو الكابوس هو الذي يُـسيطر اليوم على مستقبل غزة.

أحد السياسيين الفلسطينيين الذين عايشوا تلك المرحلة، يقول إن الحديث عن “نموذج سنغافورة” لم يكُـن مجرّد تعبير مرسل، فقد كان قد تمّ الحديث عنه مِـرارا خلال المفاوضات مع الجانب الأمريكي، باعتباره حلاّ مُـمكنا لقطاع كان كل من يُـشير إليه، يذكر أنه قُـنبلة موقوتة أو سِـجن مفتوح، وفي وقت ما بدا حسب قوله، أنها على الأقل يُـمكن أن تكون “ربع دبي”، لكن هناك تقرير صحفي شهير يُـمكن العثور عليه بسهولة شديدة على الإنترنت، يقول فيه مواطن فلسطيني، إن غزة أصبحت “تُـورا بُـورا”.

لماذا؟ إن هناك سؤالا نظريا يُـمكن أن يمثل بداية محاولة لفهم ما جرى للقطاع، وهو لماذا لم تقترب غزة، ولو في الأحلام من “حالة سنغافورة”؟ والإجابة البسيطة هي: أنه لم تكن هناك أبدا رُؤية مُـنضبطة حول مستقبل غزة، عِـلما بأن كلمة “رُؤية” يُـمكن أن تثير سخرية أبناء القطاع. فسنغافورة قامت على أسُـس أبعد بكثير، ممّـا طبقته حركة فتح قبل 2006 وممّـا تقوم بفعله حركة حماس في الوقت الحالي.

وبدون إغراق في تفاصيل حالة سنغافورة، التي كانت في يوم ما، مُـجرّد قرية فقيرة للصيّـادين المعدمين، فإن هذا النموذج ارتبط بتعبيرات، مثل القيادة الواعية والإدارة الراقية والنزاهة الحقيقية وحُـكم القانون والتسهيلات الإستثمارية واقتصاد السوق والاستثمارات الخارجية وحل المشكلات مع الجوار، إضافة إلى ملامح أخرى، كلّـما سيتِـم ذِكرها، قد يتضح أن غزة لم تكن لتتحوّل أبدا إلى سنغافورة بالطريقة التي أدارها بها الجميع.

إن السلطة الفلسطينية لم تفعَـل الكثير طِـوال سنوات في قطاع غزة، فقد ظلّ اقتصاد القطاع يقوم على العلاقة التقليدية مع إسرائيل وبروتوكول باريس والدعم الخارجي وبعض النشاطات الاقتصادية المحدودة، ويُـمكن أن يتم رصْـد قائمة طويلة من الوقائِـع التي تشير إلى عدم مسؤولية حقيقية، ترتبط بفساد مالي وسوء إدارة وشلل سياسي، مع عدم قيام حماس أو إسرائيل بتسهيل أي شيء أمام السلطة الوطنية أيضا.

لكن على الأقل، وِفق تقديرات مُـوازية، كان هناك مطار وميناء ومعابِـر مفتوحة ونشاط تجاري وعلاقات خارجية ومشروعات على الورق وقُـدرة على النقد وأمل في أن يتمكّـن القطاع من الخروج من النّـفق المُـظلم حتى عام 2000، عندما انهار كل شيء، ليشهد القطاع واحدة من حالات انعدام الوزن طوال خمس سنوات تالية.

حلم تبدد

عادت أحلام سنغافورة إلى قِـطاع غزة مرّة أخرى عام 2005، عندما قرّرت الحكومة الإسرائيلية سحْـب قواتها من جانب واحد من قطاع غزة. ففي منتصف ذلك العام، شهد القطاع حُـمّـى حقيقية من الإهتمامات الاقتصادية بمستقبل القطاع، حتى من جانب مُـغامرين، وتَـم عقد ما لا يقِـل عن ست ندوات حول مستقبل اقتصاد غزة وعلاقاتها الاقتصادية الخارجية، بعد الإنسحاب الإسرائيلي منها، وتحرّك بعض المستثمرين فِـعلا إلى هناك.

كان من الممكن أن يسمع الكثير في غزة، في ذلك الوقت، حول المشروعات التي يتم التفكير فيها لاستغلال الأرض التي سيتِـم الانسحاب منها، وعن اللقاءات التي تُـجرى مع مستثمرين من مصر والإمارات وتركيا، يتنافسون للعمل في شمال القطاع، لكن كان هناك سؤال دائم حول ما إذا كانت “الظروف السياسية والأمنية” ستسمح بمثل تلك الاستثمارات، إذ كانت طلقات الرصاص قد بدأت تُـدوّي بين الفرقاء داخل القطاع؟

كان التنافس على غنائِـم الإنسحاب قد بدأ يتّـسع بصورة لا تليق بمُـناضلين أو مقاومين، وبدأت رُؤى تظهر بين مَـن يريدونها منطقة تنمية على طريقتهم، وبين من يرونها أرضا للتنمية والمقاومة معا، وحسب أحد المشاركين في لِـجان ترتيبات الإنسحاب الإسرائيلي، لم تسهل إسرائيل أيضا أي شيء. وبعد شهرين فقط من الانسحاب، كان “حُـلم سنغافورة”، الذي لم يعُـد أحد يتذكّـره في الواقع، قد تبدّد، وجاءت انتخابات 2006.

أرض حماس

إن كثيرين في فتح يعتبِـرون أن إجراء انتخابات يناير 2006، واحدة من الأخطاء الكُـبرى في تاريخ السلطة الفلسطينية، التي أصبح يتولاّها الرئيس محمود عباس، وسوف يتّـضح قريبا ما إذا كانت حماس ستقبَـل بإجراء مثل تلك الإنتخابات في يناير 2010 أيضا أم لا. فنفس التّـقديرات التي كانت قائمة داخل فتح وقتَـها، هي نفس التقديرات القائمة داخل حماس حاليا، وهي أنها ستفقِـد السلطة.

على أي حال، فإن القطاع قد دخل بعد تلك الانتخابات، واحدة من أسوإ فترات تاريخه، إذ كان ثمّـة صراع سلطة مكشوف في الداخل وحِـصار حادّ مفروض على القطاع من الخارج، وانتهى الأمر عام 2007 بكابوس آخر، لا يعتبره البعض هكذا بالطّـبع، لكن لا يوجد إسم آخر.

فقد نشبت حرب أهلية فلسطينية، انتهت بسيطرة حماس على القطاع وخروج هياكل السلطة إلى الضفة الغربية. وبعدها بعامين، نشبت حرب أخرى فلسطينية – إسرائيلية، ذات أبعادٍ إقليمية مُـؤذية.

إن السؤال الذي لم يتمكّـن أحد من تقديم إجابة له منذ ذلك الحين، هو: هل يُـمكن أن يعود قطاع غزّة مرّة أخرى إلى الدولة الفلسطينية الإفتراضية أم لا؟ والمشكلة هي، أن مُـعظم الإجابات حتى الآن تأتي بالنفي.

فرغم كل ما يقال عمّـا تم إحراز تقدّم بشأنه في حوارات القاهرة المُـتتالية، لا يبدو للقريبين من “الملفّـات الخمس”، أن هناك مؤشِّـرات مؤكّـدة حول إمكانية العودة، والكارثة الحقيقية، أن أصوات مكتُـومة في الضفة الغربية، تبدو وكأنها غير راغِـبة في عودة القطاع أيضا، فيما يُـشبه مقدِّمات سيناريو باكستان وبنغلاديش (مع الفارق).

احتمالات رمادية

دخلت مسألة مُـستقبل قطاع غزّة إلى منطقة الدّراما. فالسيناريوهات الحالية تُـشير إلى حلّ الدولتين “الفلسطينيتيْـن”، التي تعني انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية، وهناك ما يُـشير إلى أن حماس ترغَـب في ذلك، وإلى أن أطرافا في السلطة قد شاركت في مؤتمرات حول ربط اقتصاد الضفّـة باقتصاد الأردن، وقد اتّـسع نطاق الأحاديث، التي تقارن أوضاع الضفة بأوضاع غزّة حاليا، خاصة في ظل انتشار التنظيمات الدِّينية المتطرِّفة في غزة.

الأهم، أن القطاع المنفصِـل سوف يتسم – في ظل هذا السيناريو – بأنه سيتحوّل إلى إمارة إسلامية، ومَـهما قال قادة حماس بهذا الشأن، فإن هناك 10 مؤشِّـرات على الأقل ترتبط بتوجهات رسمية أو قرارات عشْـوائية وقِـصص لا أول لها ولا آخر، بأن هناك من يدفع القطاع في هذا الإتجاه، قانونيا وتعليميا وثقافيا وسياسيا، وليس لدى حماس أصلا ما تفعله سوى ذلك، حتى لو أرادت.

لكن حماس تقوم بعملية تجريب اقتصادية أيضا، تتصور أنها ستؤدي إلى خلق نموذج تنموي جديد. فقد قامت بافتتاح بنك محلّـي وشركة تأمين، تعتمِـدان على المعاملات الإسلامية، وتبَـعا لتقييمات اقتصادية مُـستقلة، فإن تلك المؤسسات – يُـضاف إلى ذلك كل نشاطات حماس الاقتصادية الخاصة بالتجارة والأنفاق والتهريب – يُـمكن أن تخفِّـف قليلا من ضغوط الحصار وتسيير الأمور، كبيوت مال وأعمال، لكنها لن تمثِّـل أساسا لاقتصاد حقيقي، ناهيك عن “سنغافورة”!

في النهاية، فإنه ليس لدى أحد إجابة محدّدة حول مستقبل غزة. ففتح قد جرّبت نفسها وفشلت، وحماس تجرّب نفسها الآن، ووسط تلك التجارب، ليس أمام سكّـان القطاع إلا النظر إلى السماء طالبين من الله اللطف في القضاء.

د. محمد عبد السلام – القاهرة – swissinfo.ch

رام الله (الضفة الغربية) (رويترز) – قالت حركة فتح بعد اجتماع لجنتها المركزية برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، انها توافق على المقترح المصري باجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في النصف الأول من العام القادم.

وقال عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح خلافا لتصريحات سابقة صدرت عن قيادات في الحرك،ة “فيما يتعلق بالانتخابات نوافق (فتح) ان تجري كما يقترح الاخوة المصريين، ولكن بما لا يتجاوز النصف الاول من العام القادم”، واضاف زكي في تصريحات لرويترز بعد اجتماع للجنة المركزية لحركة فتح برئاسة عباس في رام الله “لدينا في حركة فتح ملاحظات على الورقة المصرية (المبادرة، ولكننا بالنهاية نرحب بها”. وتابع زكي قائلا “لا نريد لاي اتفاق يتم ان يعيد فرض الحصار على اهلنا في قطاع غزة”.

وسلمت منظمة التحرير الفلسطينية يوم الاحد 13 سبتمبر مصر ردا على مقترحاتها لانهاء الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني بعد يومين على تسلم الرئيس الفلسطيني محمود عباس هذه المقترحات.

وقال احمد مجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لرويترز “تم تسليم الرد الايجابي لمنظمة التحرير الفلسطينية على المبادرة المصرية، ونأمل ان تقبلها حماس”.

وترأس عباس ليل الاحد اجتماعا للجنة المركزية لحركة فتح، لصياغة رد حركة فتح على المبادرة المصرية، التي ابدى عدد من قياداتها ملاحظات عليها وخصوصا فيما يتعلق بموضوع تأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية الى وقت يتم التفاهم عليه في النصف الاول من العام القادم.

وقال مسؤول فلسطيني، فضل عدم ذكر اسمه، ان هناك مجموعة من الملاحظات على المبادرة المصرية التي تعيد فتح ملفات تم التوصل فيها الى تفاهمات بين حركتي فتح وحماس خلال جلسات الحوار الماضية. وقالت حركة حماس إن الحركة ستسلم ردها على المبادرة المصرية بعد عيد الفطر.

ويرى محللون فلسطينيون ان المبادرة المصرية لا تقدم حلولا للامور العالقة، بل تدعو الى الحوار حول العديد من المواضيع التي لم ينجح الطرفان في جسر هوة الخلافات حولها بعد ست جلسات من الحوار.

واعلن عباس في اكثر من مناسبة انه متمسك باجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها الدستوري في 25 من يناير القادم، ولكنه قال انه لن يجريها في الضفة دون غزة، الامر الذي يعني ان اجراءها بحاجة الى التوصل الى اتفاق مع حماس لتجرى في قطاع غزة والضفة الغربية معا.

وينص القانون الاساسي الفلسطيني على ضرورة اصدار الرئيس الفلسطيني مرسوما يدعو فيه لجنة الانتخابات المركزية للتحضير لاجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية قبل مائة يوم من موعدها على الاقل.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 13 سبتمبر 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية