مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الجزائر.. إلى أين؟

آلاف المتظاهرين يرفعون الأعلام الجزائرية وسط العاصمة
منذ يوم 22 فبراير 2019، واظب مئات الآلاف من الجزائريين في النزول إلى الشوارع الرئيسية في العاصمة وفي مختلف مدن البلاد للمطالبة بـ "رحيل النظام". Keystone / Mohamed Messara

استمرت الصحف السويسرية هذا الأسبوع في متابعة تطورات الأزمة السياسية في الجزائر وانكبت على تحليل احتمالات تطور الوضع في أعقاب استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رسميا من منصبه مساء 2 أبريل الجاري.

صحيفة “لوتون”، تصدر بالفرنسية في لوزان، 3 أبريل 2019

خيارات المستقبل ثلاثة..

بعد ساعات من إعلان الرئيس بوتفليقة عن استقالته، كتب لويس ليما افتتاحيةرابط خارجي بعنوان “في الجزائر دقت ساعة الإختيار” اعتبر فيها أن “انتصار هؤلاء الملايين من الجزائريين السلميين والجذلين وغير المتهورين تفرض الإعجاب، ولكن – بالنسبة لهم كما هو الحال بالنسبة لبلادهم – فإن المرحلة الأكثر صعوبة لم تُنجز بعد بالضرورة”.

تقول الإفتتاحية: “ما من شك في أن “النظام” الذي وقفت بوجهه القوى الحية للبلاد قد تراجع لكنه يظل في موقعه. فالجيش الذي أصبح يُناور فعليا ليس أحد مكونات هذا النظام فحسب بل يمثل عمليا القلب الذي سمح بإطالة أمد هذه اللعبة طالما كان يحصل على نصيبه من الفوائد. لكن مخالب “النظام” الذي يُدير البلد منذ استقلاله تمتد إلى ما هو أبعد بكثير من العسكريين”.

وفي حديثه عن الخيارات المستقبلية، حث لويس ليما الجزائريين على “النظر حولهم والإختيار من بين الطرق التي تنفتح أمامهم”، إذ يُمكنهم النظر شمالا واستلهام التجربة الإسبانية التي اقترنت العملية الإنتقالية فيها بعد رحيل الجنرال فرانكو بمعطى أساسي تمثل في أن “الجيش ظل في الثكنات وترك العملية تدور بدونه”. كما يُمكن للجزائر أن تنظر إلى تونس شرقا “فعلى الرغم من النقائص العديدة التي لم يتمّ تجاوزها بعد، إلا أنها اعتمدت سياسة التوافق وأطلقت “حوارا وطنيا” تحصل الفاعلون فيه على جائزة نوبل، ولا زالت تواصل مسيرتها المتعثرة على طريق التجديد”.

في المقابل، هناك أيضا، النموذج المصري. “ففي هذه الحالة، وتحت غطاء استعادة النظام (العام)، انتظر الجيش بتأنّ حلول دوره قبل أن يستعيد وسط الدماء المكانة المحورية التي لم يكن مستعدا للتخلي عنها”.

خلاصة القول: “في الجزائر، أصبح بوتفليقة جزءا من الماضي لكن المستقبل لم يُكتب بعدُ”.  

 صحيفة لا ليبرتي، تصدر بالفرنسية في فريبورغ، 4 أبريل 2019

رفض شعبي لأي تحكم فوقي في العملية الإنتقالية

ما هي الخيارات المتاحة أمام الجيش الجزائري كي يظل في موقع الحَكَم في العملية الإنتقالية التي انطلقت إثر استقالة بوتفليقة؟ في حوار أجرته معها الصحيفةرابط خارجي، أجابت كريمة ديراش، وهي خبيرة جزائرية فرنسية متخصصة في شؤون المغرب العربي وباحثة في معهد الأبحاث والدراسات حوال العالمين العربي والإسلاميرابط خارجي التابع لجامعة آكس أون بروفانس (جنوب فرنسا) قائلة: “يجد الجيش نفسه أمام فرضيّتين. إما أن تقرر هيئة الأركان أن الوضع يقتضي عملية انتقالية سياسية حقيقية، يقوم الجيش بمُرافقتها مع تخفيف القبضة شيئا فشيئا من أجل إقامة نظام مدني يكون ممثلا لكل التنوع الكامن في المجتمع. وإما أن يعتمد الجيش ببساطة خيار استخدام النصوص الدستورية من أجل تعزيز سلطته..”.

كريمة ديراش شككت في مصداقية “المنعرج الديمقراطي للجيش” معتبرة أن هدف المؤسسة العسكرية “يتمثل فيالإيهام باحترام الشرعية من خلال الإستناد إلى بنود دستورية، وعلى الفصل 102 بوجه خاص الذي يتعلق بتنظيم خلافة رئاسية مستقبلية. لكن، من الناحية العملية، نجد أنفسنا عمليا في خضم “تلاعب غير دستوري”. فبالإضافة إلى الفوضى المحيطة بكيفية سير العملية الإنتقالية، بدأ ينشأ الشعور بأن انقلابا خفيا بصدد الحدوث”.

في السياق، اعتبرت الباحثة الجزائرية أن “الإنسحاب النهائي لبوتفليقة لم يُسفر عن تهدئة الأجواء”، وأضافت أن “يوم الجمعة هذا (5 أبريل – التحرير) سيكون حاسما لجهة تطور ميزان القوة بين الجيش والحراك الشعبي الإحتجاجي. أما ما فهمه الجيش جيدا فهو أن الجموع لا تريد بتاتا حصول عملية انتقالية مُسيطر عليها من فوق”.

صحيفة “24 ساعة”، تصدر بالفرنسية في لوزان، 4 أبريل 2019

نحو عملية انتقالية سلسة؟

في مراسلة بعث بها من الجزائر العاصمةرابط خارجي، أوضح آدم عرّوج أن أصحاب القرار في المؤسسة العسكرية “يُسابقون الزمن من أجل إعطاء ضمانات للسكان من أجل التحكم في العملية الإنتقالية”. وأشار إلى أنهم ينتهجون “استراتيجية مزدوجة تشمل الرمي بالشخصيات البارزة القريبة من عشيرة بوتفليقة المتهمة بنهب البلد إلى موجة الإنتقام الشعبي من جهة، وإزالة الألغام من الأرضية المؤسساتية المليئة بالأوفياء للرئيس السابق”.

وفي انتظار أن يقرر البرلمان الآن تعيين رئيس مجلس الأمة لشغل منصب رئيس الدولة بالنيابة وتنظيم انتخابات رئاسية (لا يحق له الترشح لها) في فترة لا تتجاوز 90 يوما، أشار المُراسل إلى أنه “لا يُوجد إجماع حول شخصية رئيس مجلس الأمة. ذلك أن عبد القادر بن صالح (76 عاما) الذي يترأس الغرفة العليا للبرلمان منذ سبعة عشر عاما يُعتبر من وجوه حقبة بوتفليقة. فهو الذي دعا رسميا باسم أعضاء مجلس الشيوخ في يوليو 2018 رئيس الدولة للترشح لعهدة خامسة. كما أنه عضو مؤسس للتجمع الوطني الديمقراطي الذي يترأسه رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، أقل الشخصيات السياسية شعبية في الجزائر”.

في هذا الصدد، نقلت الصحيفة عن مصدر رسمي لم تذكر اسمه القول بأن “الرجل (أي بن صالح) لا يصلح للجيش. فهذا الأخير يُريد أن تسير العملية الإنتقالية بسلاسة دون أن يكون هناك رفض شعبي مكثف لها”. كما أوردت على لسان علي بن فليس، المعارض حاليا والرئيس الأسبق للحكومة التأكيد على أنه “لا زالت هناك العديد من القنابل الموقوتة التي اجتهد النظام السابق في الإكثار منها. والآن، يتطلب الأمر تفكيكها الواحدة تلو الأخرى”، وذكر منها على سبيل المثال – بالإضافة إلى رئيس مجلس الأمة – رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، أحد الأوفياء للدائرة الرئاسية ونور الدين البدوي، آخر رئيس وزراء تم تعيينه قبل أيام من طرف بوتفليقة.

أخيرا، يدور الحديث في الشارع الجزائري عن حملة التطهير التي مست عددا من كبار الشخصيات وخاصة علي حداد، رئيس اتحاد أرباب العمل الذي تم إيقافه على الحدود التونسية في الليلة الفاصلة بين 30 و31 مارس الماضي ثم أودع المعتقل منذ ذلك الحين. وفي هذا السياق، يرى مقران آيت العربي، المحامي والناشط الحقوقي أنه يُفترض أن تتوسع الهجمة القضائية لتشمل “رؤساء الحكومات والوزراء والولاة (محافظين) ورؤساء الأحزاب والقضاء وأجهزة الأمن والجمارك وكبار الموظفين”. في المقابل، لاحظ إطار رفيع المستوى للصحيفة أن “مُحاسبة أصحاب القرار الذين سمحوا بظهور هذه الإمبراطوريات (المالية) هو عربون الصدق الوحيد الذي يُمكن تقديمه للشارع. إنها فرصة تاريخية”.     

صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ”، تصدر بالألمانية في زيورخ، 5 أبريل 2019

وجه الشبه مع الربيع العربي

الحرب الأهلية التي لم يُعايشها جيل الشباب الذي ينزل إلى الشوارع اليوم في الجزائر، هي سبب سلمية المظاهرات إلى الآن هناك، وأيضاً سبب تأخر ظهور الحراك الشعبي عمّا يسمى بالربيع العربي، الذي يشترك بدوره مع ما يجري في الجزائر في نقطة واحدة وهي أنّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يشغل مركز الإحتجاجات، فالشعب طالب برحيله، كما جاء في تحليل لإيزابيل فيغينفيلزرابط خارجي الخبيرة بالمغرب العربي والباحثة في السياسة من برلين، نشرته الصحيفة.

الصدامات مع الإسلاميين المسلحين بدأت قبل تسلّم بوتفليقة السلطة عام 1999، وسادت آنذاك سياسة تفريق الإسلاميين، والسماح ببعض الأحزاب الإسلامية ومن ثم ربطها بالنظام الجديد، ما فعله بوتفليقة عند تقلده زمام الأمر هو مجرد متابعة لتلك السياسة وبنجاح، بحسب فيغينفيلز، التي ترى بأنّ النظام قد نجح في شق صفوف الإسلاميين وجعلهم يقفون في وجه بعضهم البعض. بالإضافة إلى حلّ حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ ومنعه في الجزائر.

بالنسبة لقادة الحزب وأتباعه فقد تمّ نفيهم إلى الخارج، إلى ألمانيا وبريطانيا وأمريكا وإلى الدول الخليجية، وما تبقى انتهى أمره في السجن أو في الحجز المنزلي، بحسب الباحثة، ومنذ الحرب الأهلية لا يُسمح لقيادات الحزب بلعب أيّ دور سياسي، ومع ذلك نرى بعضهم يخرج للعلن أو في تظاهرة كما حدث في تظاهرات 2011 وفي احتجاجات المعارضة.

ترى هذه الخبيرة في الشأن السياسي للمنطقة المغاربية أنّ الكثير من أولئك الذين انتخبوا في 1991 حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ كان اختيارهم ردّة فعل أكثر منه اقتناعا بأيديولوجية الحزب في ذلك الوقت، ومع ذلك فقد تطرّف قسم صغير من أتباع الحزب خلال الحرب الأهلية، “أمّا القسم الأكبر فقد ابتعد عن مسار الإسلاميين آنذاك”. فقد شعر الناس في الجزائر بالعنف القادم من التفجيرات التي قام بها الإسلاميون أكثر من العنف القادم من النظام. وهذا ما جعل مهمة الأحزاب الإسلامية صعبة، فلم ينتخب أتباع الحزب سياسيين آخرين وإنما توقفوا بكل بساطة عن الإدلاء بأصواتهم.

هل سيصل الإسلاميون إلى السلطة؟

اليوم تحاول الأحزاب الإسلامية أن تصبح معتدلة، وخاصة بعد مشاهدتها لما حدث من إطاحة بمرسي في مصر، فأصبحوا ينضمون إلى صفوف العلمانيين في كل أطروحة سياسية يتم النقاش حولها. ولكن لا يمكن مقارنة الجزائر بمصر أو تونس فالوضع هناك مختلف، كما ترى إيزابيل فيغينفيلز، ففي الجزائر أربعة أحزاب ذات توجهات إسلامية وأحزاب عديدة أخرى ذات اتجاه إسلامي اشتراكي، وجميعها ليس لها الوزن السياسي الكافي الذي يمكن مقارنته بالأحزاب الإسلامية في كل من المغرب وتونس ومصر.

من ناحية أولى، هناك بين جيل الشباب والطلاب بعض التنظيمات ذات النزعات السلفية، ولكن هناك من ناحية أخرى رفض من قبل هذا الجيل للتطرّف بحد ذاته. ما يحتاجه الإسلاميون للعودة إلى مركز قوة سياسية في الجزائر هو قائد رمزي يوحّد صفوفهم وإلى أزمة اجتماعية اقتصادية تعمّ البلاد. في المرة الماضية، عندما أصبح حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ قوة سياسية مهمة كان سبب ذلك غياب الدولة الريعية، بحسب الباحثة. أما الوضع اليوم في الجزائر فهو جيّد نسبيّاً، على الرغم من هبوط أسعار النفط والغاز، فقد ازدادت القوة الشرائية، وارتفع الدخل الفردي.

نتيجة لكلّ ذلك يظهر للباحثة أن “تولّي الإسلاميين لمقاليد الحكم في الجزائر أمرٌ غير وارد على المدى القريب”، كما يبدو أنّ الشعب من خلال الحرب الأهلية قد طُعِّم ضدّ كل شيء متطرّف، كما أنّ الجيش المُسيطر سيحاول منع محاولات كهذه، ولكن وبنفس الوقت، “قد تؤدّي انتخابات برلمانية حرّة إلى ظهور قوى إسلامية قوية على الساحة السياسة”، على حد قولها.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية