مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الشارع المصري لمَـن.. لمبارك أم لجمال؟

صورة التقطت مساء الأحد 29 أغسطس 2010 في اجتماع شعبي مؤيد للرئيس مبارك ولنجله جمال مبارك Keystone

جاءت تصريحات صفْـوَت الشريف، أمين عام الحزب الوطني الحاكم، حول لا بديل حتى الآن للرئيس مبارك كمرشّـح للحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي ستُـجرى بعد عام من الآن، لتصبّ ماءً باردا على هؤلاء الذين سعَـوا لإبراز جمال، وهو ابن الرئيس وأمين لجنة السياسات النافذة في الحزب الحاكم، كمرشّـح شِـبه مؤكّـد في الانتخابات الرئاسية وكبديل وحيد لوالده، الذي ما زال يمسِـك بتلابيب السلطة، دستوريا.

هذه التصريحات الحاسمة، وإن أغلقت أبوابا للشائعات والحكايات المُـثيرة، إلا أنها لم تمنَـع من إثارة تساؤلات عديدة حول حقيقة ما يجري، سواء داخل الحزب الحاكم والأكبر أو في الشارع السياسي، لاسيما علاقة بعض الرجال النافذين في الحزب بحملة جمال مبارك وبالتطلّـع نحو مزيد من المكاسب، السياسية والاقتصادية. وأيّـا كان الأمر، فقد بيَّـنت الحملة عدّة مفارقات صارخة، لكل منها دلالة كبيرة ومغزىً عميق.

مفارقات بالجملة

هنا، ثمة مفارقات بالجُـملة. المفارقة الأولى هنا، أن أصحاب حملة تأييد جمال مبارك ليْـسوا من الحزب الحاكم الذي تنصَّـلت قياداته الكبيرة من تأييد الحملة، بل البعض وصفها بأنها تعبير عن حالة عشوائية سياسية تعيشها مصر، واعتبرها بعض آخر بأنها مكِـيدة لجمال الإبن ووراءها جهات مشبوهة تريد إثارة الفِـتنة بين الرئيس وابنه، وتسعى إلى إبراز التأييد الشعبي المحدود لجمال (150 ألف توقيع)، مقارنة بالتأييد الشعبي للبرادعي (850 ألف توقيع).

أما المفارقة الثانية فهي، أن الناشط مجدي الكردي، وهو عامل بسيط بالمعاش، صاحب فِـكرة الائتلاف الشعبي لتأييد جمال، هو عضو في حزب التجمع اليساري المعارض، ولكنه جمَّـد عُـضويته بعْـد أن بدأ حملة تأييد الابن مرشّـحا رئاسيا، حتى لا يُـحْـرِج قيادة الحزب المُـفترض أنه يعارض بقوة أي جُـهد أو تحرّك يشتم منه أنه توريث للسلطة من الأب إلى الابن.

وكان الكردي مشاركا فعَّـالا في حركة كفاية الشعبية، التي تشكّـلت قبل أربعة سنوات، وكان وما زال شعارها الرئيسي هو: كفاية لحُـكم مبارك ولا للتوريث.

والسؤال هنا: ما الذي جعل الكردي ينقلب هكذا من معارض للتوريث إلى مؤيِّـد له؟ إجابة الكردي لها أكثر من جانب. فأولا، أنه ينفي أن يكون الأمر توريثا، لأن جمال، إن اتّـبع الأساليب الدستورية وخاض الانتخابات بيْـن منافسين آخرين، فكيف يكون الأمر توريثا؟ وثانيا، يقول في تبرير حملته أن يعتبِـرها ردّا مباشرا على كل جهود التغيير المدعومة من الخارج، وأبرزها الآن حركة د. البرادعي. وثالثا، يرى الكردي أن المطلوب سدّ فراغ السلطة المُـحتمل، ولا يكون ذلك إلا بأن يكمل الابن مسيرة الأب، ولكن عبْـر الطرق الدستورية.

أما المفارقة الثالثة، فنابعة من أن نشاط هذه الحملة يتطلّـب أموالا كثيرة، والتفسير الذي قاله الكردي بأن الناس أنفسهم هُـم الذين يُـموِّلون هذا النشاط لتأييد جمال مرشّـحا للرئاسة، لا يبدو مقنِـعا لأحد. وفي المقابل، فإن تردّد اسم أحد رجال الأعمال بأنه المموِّل الرئيسي للحملة، يبدو منطِـقيا إلى حدٍّ كبير، رغم أن الرجل نفى الأمر رسميا. كما أن الحزب الوطني اعتبر أنه من غير المعقول أن يشارك أحد قيادات الحزب في عمل غير مؤسسي كهذا.

المفارقة الرابعة، أن جمال مبارك نفسه لا يعرف الكردي ولم يتَّـصل به، بل إنه تساءل عنه وعن خلفياته، فيما كشف حجْـم المفاجأة، سواء حزبيا أو سياسيا.

المفارقة الخامسة، أن حملة الكردي أثارت لدى بعض مرشحي مجلس الشعب، الذين يأملون أن يؤيِّـدهم الحزب الوطني في انتخابات مجلس الشورى المقبلة، نزعة تأليف حملات شعبية أخرى لتأييد جمال، فيما اعتبره مراقبون دليلا على أن أعضاء الحزب الحاكم ليْـسوا ملتفِّـين على قلب رجل واحد.

أما المفارقة السادسة، فهي أن الدولة المصرية ممثلة في أجهزتها الأمنية والمحليات، ليست مع مثل هذه الحملات الفاقدة للشرعية الحزبية، ولذا حدَّثنا الكردي عن مضايقات أمنية للمتطوِّعين في حملته وعن منع المحليات في أكثر من محافظة للمؤتمرات الشعبية التطوُّعِـية لتأييد جمال مبارك، فيما كشف سِـمة تاريخية في البيروقراطية المصرية، وهي أن ولاءها للحاكم الفعلي، وليس للحاكم المُـفترض أو الحاكم المُـحتمل.

هل هناك صراع؟

المفارقات الستّـة، ليست كل شيء في الأمر الذي جذب اهتمام محلِّـلين كُـثر، بُـغية تفسيره ومعرفة دلالاته. بعض التحليلات وصلت إلى القول بأن ما شهدته مصر هو نوع من الصِّـراع في داخل البيت الرئاسي. والبعض الآخر، اعتبره صراعا بين جيليْـن، الأول، القديم الذي وقف مع الرئيس مبارك طِـوال مدّة حُـكمه، ويؤمن بأن الرئيس ما زال قادِرا على العطاء، رغم ما يتردد بشأن عمره وصحته، وأنه لا بديل له ما دام قادر على هذا العطاء ولم يقرر بعدُ الخروج من دائرة مسؤولية إدارة شؤون الوطن.

والثاني، يتطلّـع إلى رئاسة الابن، اليوم قبل الغد، وهـم تحالف رجال الأعمال الذين يعتبرون جمال الإبن راعي طموحاتهم وتطلّـعاتهم في الحصول على مزيد من المزايا. وهؤلاء يشعرون بالقلق من أن وصول جمال إلى الرئاسة، لن يكون مضمونا إذا حلّـت كلمة القَـدر ولم يعُـد ابن الرئيس، ولذا فهم متعجِّـلون يريدون أن يحظى الابن بدعم الأب. بيْـد أن هذه يحُـول بينها أن الرئيس نفسه ليس من النوع الذي يتخلى عن المسؤولية الكُـبرى، حتى ولو لابنِـه ويؤمن بأن الشعب يُـناديه ولن يخذِله. فضلا عن أنه ابن مؤسسة الحُـكم ويعرف جيِّـدا ما فيها وما حولها من توازنات غاية في الحساسية.

كِـلا التفسيرين يبدُوان ناقصيْـن إلى حدٍّ كبير، ذلك أن الناس أنفُـسهم ومؤسسات رئيسية في البلد، تظهر وكأنها ليست موجودة أو أن الأمر لا يعنيها، وهو ما لا يمكن قَـبوله من الذين يُـدركون جيِّـدا توازُنات السلطة في مصر وأن عامل توازن المؤسسات هو الأقوى من بيْـن كل العوامل الأخرى. فلا يُـمكن مثلا تصوّر وجود رئيسٍ دون رِضا المؤسسة العسكرية والأمنية بوجْـه عام. ومعروف أن تاريخ الرئاسات في مصر مرتبِـط بالشخصيات العسكرية، وتغيير ذلك من عسكري محترف إلى مدني لم يعرف معنى الحياة العسكرية، يثير حساسية كبيرة قد لا تمُـر بسهولة أو ربما قد لا تمرّ أبدا.

صحيح هنا أن الحملات التي قامت لتأييد جمال الابن، كما هو الحال في الحملة التي تقودها الجمعية الوطنية للتغيير، التي أسسها د. محمد البرادعي، اعتمدت إلى جمع التوقيعات المباشرة من الناس، سواء لتأييد مطالب البرادعي السبعة حول نزاهة الانتخابات البرلمانية والرئاسية أو لتأييد ترشيح جمال الابن، تعبيرا عن الدّعم الشعبي.

فقد لوحظ أن عملية جمْـع التوقيعات هذه، ركّـزت على أحياءٍ شعبية للغاية وعلى الناس البسطاء، الذين لا يعرفون دهاليز السياسة ولا يُـدركون الفوارق بين البرادعي وجمال، وربما كل ما يعرفونه أن جمال هو ابن الرئيس ومَـن نعرفه ـ حسب المثل الشعبي الشائع مصريا ـ أفضل ممن لا نعرفه.

الحزب الحاكم.. الخروج من دائرة الإرتباك

المؤكّـد هنا، أن حملة الكردي ومَـن سار على دربه لتأييد جمال مبارك، قد أربكت الحزب الوطني الحاكم وبعثت برسالة بأن الحزب حين يفقد التوجيه المناسِـب، قد يجد في الشارع من الظواهر غيْـر المحسوبة، ما يُـعيد رسم الخرائط والتّـوازنات بطريقة غيْـر قابلة للتوقع.

والمؤكّـد أيضا، أن الحزب، في ظل قيادة صفْـوت الشريف كأمين عام الحزب وأحد أقرب الشخصيات القليلة جدّا، ذات القُـرب الشديد من الرئيس مبارك، قد وجد في هذه الحالة سببا كافيا للخروج عن الخط الذي اعتمد سابقا، وتمثل في القول بأنه من السابق لأوانه الحديث عن مرشح للحزب الحاكم وأن الأولوية هي لانتخابات مجلس الشعب المقرّر لها نهاية نوفمبر ومطلع ديسمبر المقبل.

لقد وجد صفْـوت الشريف أن الأمر لم يعُـد يحتمل التأجيل، وأن الإعلان عن تأييد الحزب، بكل قواعده ولِـجانه وأماناته وقياداته من كل الأجيال لترشيح الرئيس مبارك لولاية رئاسية جديدة، هو المَـخرج الوحيد لإغلاق “باب الفِـتنة”، سواء داخل الحزب أو في الشارع السياسي ككل. والمسألة هنا، وإن حُـسِـمت حزبيا، فهل يا تُـرى حُـسِـمت لدى قوى المصالح الكبرى؟ لننتظر ونرى.

د. حسن أبوطالب – القاهرة – swissinfo.ch

القاهرة (رويترز) – قال المعارض المصري البارز سعد الدين ابراهيم انه يؤيد ترشح جمال الابن الاصغر للرئيس حسني مبارك لرئاسة البلاد بشرط أن تجرى انتخابات رئاسة نزيهة تحت إشراف دولي.

وسوف تجرى انتخابات الرئاسة العام المقبل ولم يقل مبارك (82 عاما) إن كان سيرشح نفسه لفترة رئاسة سادسة.

وخلال الاسابيع الماضية أطلق مؤيدون لجمال مبارك (46 عاما) دعوات لترشحه اذا كان والده غير راغب في الترشح.

ونقلت صحيفة المصري اليوم المستقلة يوم الاثنين 30 أغسطس 2010 عن ابراهيم الذي عاد من الخارج قبل أسابيع القول انه وقع على بيان وزعه أنصار جمال مبارك يؤيد ترشحه للرئاسة مضيفا أنه مع حق كل مصري في الترشح لرئاسة الجمهورية وانه لهذا السبب وقع من قبل على بيان الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

والبرادعي (67 عاما) الذي عمل لمدة 12 عاما مديرا لوكالة الطاقة التي تتخذ من فيينا مقرا لها مرشح محتمل للرئاسة. وكان أصدر بعد عودته الى مصر في فبراير شباط بيانا تضمن سبعة مطالب قال انه سيرشح نفسه للمنصب اذا تحققت.

واشتملت المطالب على تعديلات دستورية تلغي قيودا على ترشح المستقلين للمنصب وتتيح رقابة قضائية كاملة على الاقتراع وفرز الاصوات.

ويعارض ابراهيم بشدة “توريث” الحكم لجمال الذي يشغل منصب الامين العام المساعد للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم.

وقالت صحيفة المصري اليوم ان ابراهيم شدد على “حق كل شخص يرغب في الترشح للرئاسة وفقا لانتخابات حرة نزيهة تحت اشراف دولي ومحلي.”

ونقلت قوله “في حال انتخاب جمال مبارك رئيسا للجمهورية في انتخابات نزيهة وحرة لن يكون هذا توريثا.”

ويقول معارضون ومحللون ان الرئيس المصري أجرى تعديلات دستورية عامي 2005 و2007 أتاحت للحزب الوطني الفرصة لشغل منصب رئيس الدولة في الوقت الذي لا يوجد فيه منافسون أقوياء محتملون من الاحزاب الاخرى.

وفرضت التعديلات قيودا تجعل من المستحيل ترشح مستقلين مثل البرادعي وأعضاء جماعة الاخوان المسلمين التي تحظى بشعبية واسعة في مصر.

وعاش ابراهيم الذي يحمل الجنسية الامريكية أيضا في الخارج منذ عام 2007 لتجنب احتمال سجنه في مصر.

وصدر عليه عام 2008 حكم غيابي بالسجن لمدة عامين في قضية أقامها محاميان مؤيدان للحزب الوطني اتهماه فيها بالاضرار بسمعة مصر وهو حكم ألغته محكمة استئنافية قالت ان هذه التهم يمكن أن توجهها النيابة العامة وليس الافراد.

وكانت تلك القضية واحدة من عدة قضايا أقامها ضده ساسة وغيرهم بعضهم مقربون من السلطات المصرية.

وتقول جماعات لحقوق الانسان ان الدعاوى القضائية وسيلة لجأت اليها الحكومة لترهيب ابراهيم دون وضع اسمها في القضايا.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 30 أغسطس 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية