مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الشفافية السويسرية محل تساؤل

بعدما كان السويسريون يرون بلادهم تتمتع بمصداقية عالية في عالم السياسة والمال، اصبحوا يرون أن الرشوة دخلت إليهما من أوسع الأبواب swissinfo.ch

نشرت مؤخرا منظمة الشفافية الدولية المعنية بمراقبة الرشوة والفساد تقريرها السنوي، الذي تضمن ترتيب الدول الأكثر شفافية في تعاملاتها، والمجالات التي تنتشر فيها.

وقد أعرب الفرع السويسري للمنظمة الدولية عن دهشته لما تضمنه التقرير عن الشفافية في الكونفدرالية.

تضمن التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية استطلاعا للرأي أجراه معهد غالوب، حول رؤية السويسريين للرشوة في الحياة العامة، فبينما اعترف 72.90% من المشاركين أن الرشوة لا تشكل أية أهمية سواء في الحياة الشخصية أو العائلية، أقر 86% بأن عالم المال والأعمال في سويسرا لا يخلوا من تلك الظاهرة، بينما يرى 80% أن الحياة السياسة في الداخل ترتبط بها بشكل أو بآخر.

وبقراءة متأنية لنتيجة سبر الآراء هذا، نجد أن السويسريين يعتقدون أن الرشوة متشعبة بشكل كبير في مختلف القطاعات، حيث حمَّلَ 23% من المشاركين في استطلاع الرأي الأحزاب مسؤولية العلاقة بين الرشوة والعمل السياسي، بينما يرى 13.6% أن قطاع الصحة والعلاج لا يخلو من تلك الظاهرة، التي لم ينج منها جهاز التعامل مع الأجانب ومصلحة الجوازات التي أشار إليها 11.5%.

والمفاجأة التي حملها استطلاع الرأي كانت أن أربعة أخماس المشاركين فيه على ثقة بأن معدلات الرشوة في سويسرا ستبقى على ما هي الآن لمدة لا تقل عن 3 سنوات، بل ربما ترتفع.

تغيير كامل خلال عقد واحد

هذه النتيجة شكلت صدمة ودهشة لدى الفرع السويسري للمنظمة الدولية لمراقبة الشفافية، حيث صرح رئيسها فيليب ليفي في حديثه إلى سويس انفو بأن هذه النتيجة لم تكن متوقعة على الإطلاق، لا سيما وأن قرابة ربع المشاركين في استطلاع الرأي ربطوا بين الرشوة والعمل السياسي، وهو أمر لا يمكن أن يتوقعه أحد في دولة مثل سويسرا تتمتع بمساحة كبيرة من الديموقراطية.

وكرد فعل سريع على تلك النتيجة، سيقوم الفرع السويسري بدراستها بعناية فائقة، وبصفة خاصة ما أثارته عن ما يرونه من خلل في تغلغل الرشوة في العمل السياسي.

ويأتي رد الفعل هذا نتيجة طبيعية، بعدما كان السويسريون قبل 10 سنوات فقط على قناعة تامة بأن بلادهم لا تعرف الرشوة، وهو ما يشير إلى أن العقد الماضي وما صحبه من تغيرات كبيرة على الساحة السياسية والاقتصادية دوليا كان له أثرا كبيرا على سويسرا.

ويمكن رؤية انعكاس ذلك التأثر من خلال تعامل وسائل الإعلام السويسرية مع الأحداث الدولية سواء في النشرات الإخبارية أو تحليلات الصحف، وما تزامن مع تغيير كبير في الحياة الاقتصادية، التي ارتبطت بما يحدث وراء جبال الألب بشكل كبير، لا سيما مع اجتياح العولمة لكل الحواجز والعوائق.

الرشوة في دنيا السياسة وعالم المال

في المقابل يرى الألماني بيتر ايغن رئيس ومؤسس المنظمة الدولية للشفافية، أن بارومتر الشفافية والرشوة في التقرير الأخير هو بمثابة رسالة واضحة إلى القيادات السياسية في 102 دولة شملهم التقرير، تتقدمهم فنلندا والدانمارك ونيوزيلاندا وايسلاندا وسنغافورة، كأول خمس دول تتمتع بشفافية عالية، بينما تقف سويسرا مع النرويج في المرتبة 12 بعد بريطانيا واستراليا، وقبل هونغ كونج والنمسا.

فقد أظهر التقرير السنوي اهتزاز ثقة الرأي العام بالساسة ورجال الأعمال على حد سواء، وبات واضحا أن المال هو الذي يمسك بالخيوط الخفية في الكثير من الملفات.

وفي ملحق التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية نجد ترتيبا لأكثر الدول التي تعتمد شركاتها على الرشوة لتسهيل الصفقات التجارية، على رأسها شركات من روسيا والصين وتايوان وجنوب كوريا وإيطاليا، في مقابل شفافية عالية تتمتع بها الشركات الأسترالية والسويسرية والسويدية.

أما أكثر المجالات التجارية التي تستقطب الرشاوى فكانت – حسب التقرير- الزراعة والصناعات الخفيفة وصناعة الأسماك وتقنيات المعلومات والأخشاب وصناعات الطيران المدني، إلى جانب قطاع البنوك وشركات استثمار الأموال.

دول عربية “غير شفافة”

ولم يذكر التقرير الكثير من الدول العربية، إذ لم يتضمن سوى تونس والأردن والمغرب ومصر في المرتبة 36 و40 و 52 و 62 على الترتيب، في المقابل احتلت إسرائيل المرتبة الثامنة عشرة. كما نشر نتيجة استطلاع للرأي أجراه في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، اشار إلى أن الرشوة تنتشر بشكل كبير في قطاعات الشرطة والتعليم والجهاز القضائي.

ولا شك في أن التقرير الذي يستند إلى بيانات رسمية مدعومة بإستطلاعات الرأي له دلالات كبيرة، مما سيعمل على تحرك المعنيين بالأمر في الكثير من الدول التي ترى أن شفافيتها أمام مواطنيها هي مفتاح صورتها الايجابية في مرآة المجتمع الدولي.

تامر أبوالعينين – سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية