مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الصادرات السويسرية تواصل نموها وتبحث عن أسواق جديدة

شركة غارافينتا، المتخصصة في صناعة المصاعد بمحطات التزلّج بالمنتجعات الجبلية، والتي تصنّع العديد من الآلات الأخرى الموجهة للتصدير يوم 14 ديسمبر 2010 Keystone

اتجهت الصادرات السويسرية شرقا للحد من الأخطار، ولغزو أسواق استهلاكية جديدة، لكن الشركات والمؤسسات السويسرية حافظت كذلك على حضورها المتواصل في الأسواق التقليدية المستقرة نسبيا.

ويُعزى هذا التوجّه إلى حد كبير إلى الفرص الجديدة التي يتيحها التوسع السريع للإقتصاديات الناشئة، وإلى أسعار الصرف غير المواتية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

وكشفت الأرقام الصادرة عن دائرة الجمارك الصادرة في شهر فبراير الجاري عن إرتفاع في حجم الصادرات السويسرية إلى كل من الصين وهونغ كونغ في العام الماضي بنسبة 19%، في حين زاد الإقبال على البضائع والخدمات السويسرية في السوق الهندية بنسبة 15% وفي السوق الروسية بنسبة 13%.

في الوقت نفسه، تراجعت حصة الإتحاد الأوروبي من الصادرات السويسرية من الثلثيْن إلى 60% في غضون بضع سنوات، في حين سجل ارتفاع تلك النسبة في مجموعة بلدان Brics (تضم كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) من 7.6% سنة 2010 إلى 8.4% خلال السنة المنقضية.

وقد تسبب الفرنك القوي في إضعاف حجم الصادرات السويسرية إلى أوروبا، كما ألقت الشركات باللائمة عليه على مدى الشهور الماضية، وهو ما اضطرها إلى خفض أسعار منتجاتها وخدماتها بمعدّل 5.5% للحفاظ على استقرار معدلات الطلب الخارجي.

أما هذه فلا دواء لها!

في هذا السياق، لم يكن الفرنك القوي وتدهور الأوضاع الإقتصادية في بلدان القارة الأوروبية السبب الوحيد لإقدام شركة Baumot السويسرية المتخصصة في صناعة مرشحات السيارات على دخول السوق الصينية لأوّل مرة قبل 18 شهرا.

إذ ترى هذه الشركة أن التلوّث يمثّل أكبر تحدّ يواجه أسرع الإقتصاديات نموا وأكبرها في العالم، ويتوقّع المسؤولون فيها أن تستقبل السوق الصينية ثلث صادرات الشركة في المستقبل بعد أن قرر هذا العملاق الآسيوي الحد من انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون. مع ذلك، يُحذر ماركوس هوسّر، المدير التنفيذي لشركة Baumot من النظر إلى الصين كما لو أنها “علاج سحري” لمشكلات المصدّرين السويسريين.

وقال هوسّر في حديث إلى swissinfo.ch: “تظل أوروبا أكبر سوق لصادراتنا لأن كل الإتجاهات التي تتحكم في صناعاتنا متوجهة إليها”، وأضاف “الصين بلد كبير، ومن المهمّ أن تكون دائما ضمن اهتمامنا. لكن الشركات التي تكتفي بالإعتماد على السوق الصينية بالنسبة لدخلها المستقبلي، فإنها ربّما تواجه مشاكل خطيرة إذا حدثت زوبعة اقتصادية”.

سدّ فجوة الثقة

رغم اعترافه بأن الإرتفاع المبالغ فيه في قيمة صرف الفرنك السويسري في الآونة الأخيرة، مقابل اليورو والدولار قد تسبب في صداع كبير، يؤكد هوسّر أن الشركات السويسرية تعوّدت على التنافس الحاد رغم معضلة العملة المحلية القوية.

ويقول هوسّر الذي يشبّه المصاعب الحالية التي تواجهها الشركات السويسرية بالتدريب والإستعداد عبر صعود المرتفعات خلال التحضير للسباقات: “إذا كانت الميزة الوحيدة لمنتجاتك هو أنك تبيعها خارج منطقتك، وبأسعار عملة ضعيفة، فإنه عليك أن تراجع استراتيجيتك، وأن تفكّر مليا في ما أنت بصدد فعله”.

من جهتها، ترى شركة “هوشدورف”، التي تحمل إسم القرية التي يوجد فيها مقرّها بكانتون لوتسرن، أن هناك فرصا كبيرة غير مستغلة لترويج منتجاتها. وتعتقد هذه المجموعة التي تُصنع المنتجات الغذائية الضرورية لغذاء الأطفال من حليب وحبوب، أنه بإمكانها أن توفّر للمستهلك الصيني منتجات موثوقا فيها وبديلة عن المنتجات المحلية المخلوطة بمادة الميلامين التي أثارت فضيحة العام الماضي.

وفي حديث إلى swissinfo.ch، أوضح إديث كوخ، مدير فرع هوشدورف لمنطقة آسيا أن “العائلات هناك لا تثق في المنتجات المحلية من مادة الحليب. في المقابل، تتمتع المنتجات السويسرية بسمعة جيّدة لما هي عليه من جودة عالية، ونحن نحترم في منتجاتنا معايير الجودة العالية. هذا الوضع ييسّر لنا الوصول إلى هذه السوق”. وبعد دخولها لهذا البلد في عام 2009، تصّدّر هوشدورف حاليا إلى الصين حوالي ثلث إجمالي إنتاجها من مسحوق حليب الأطفال”.

نسب نمو ضعيفة

رغم كل ما يتردد، فإن أبواب آسيا ليست مُشرعة بوجه كل من هبّ ودبّ من المصدرين السويسريين. فقد طغى على أخبار ارتفاع حجم الصادرات السويسرية إلى الصين وآسيا عامة، الزيادة الكبيرة في مبيعات الساعات في تلك المنطقة. 

في مقابل ذلك، تراجعت الصادرات بشكل يثير الدهشة في معظم البلدان الأوروبية الأكثر تضررا من أزمة الديون (اليونان والبرتغال على وجه الخصوص)، ولكن أيضا في بلدان تتمتع باقتصاديات قوية مثل بريطانيا وهولندا.

لكن ألمانيا، التي تعتبر تقليديا أكبر الأسواق الخارجية بالنسبة للشركات السويسرية، استقبلت صادرات سويسرية إضافية بزيادة قدرها 6% في عام 2011، كما يعود إليها نصف القيمة المالية المضافة والبالغة 4 مليار فرنك سويسري.

في الوقت نفسه، ازدهرت الصادرات الألمانية الخاصة العام الماضي لتصل إلى 1.2 ترليون فرنك سويسري، وذلك للمرة الأولى، متجاوزة بذلك حجم الصادرات السويسرية البالغ 197.6 بليون فرنك.

ويمكن القول أن النجاح الإقتصادي لجارة سويسرا الكبرى ساعد من ناحية أخرى في تحسين حظوظ الشركات السويسرية. وباعتبار أن الشركات التصنيعية الألمانية قد انتجت حجما قياسيا من السلع، استفادت منها الشركات السويسرية من خلال توريد معدّات جديدة ودعم الإبتكار.

التنويع.. ثم التنويع.. ثم التنويع!

السوق الأمريكية، كانت من الأسواق الأخرى التي دار حولها الحديث في الآونة الأخيرة، حيث وفّرت للمُصدّرين السويسريين مستوى مستقرّا من المبادلات التجارية التي ارتفع حجمها بنسبة 2.4% سنة 2011، ما عزّز موقعها كثاني أكبر سوق بالنسبة للصادرات السويسرية.

وفي الفترة الأخيرة، توجّه باتريك دجيسميجيان، المسؤول في الشبكة السويسرية لدعم التجارة الخارجية OSEC الحكومية المتخصصة في مساعدة الشركات السويسرية على اقتحام الأسواق الأجنبية في أحدث نصيحة له للشركات السويسرية بدعوتها إلى تنويع المخاطر، والإتجاه نحو أسواق جديدة وتوزيع صادراتهم على أسواق متعددة، لكنه حذّر من خطورة الإنصراف كليا عن الأسواق التقليدية المهمة.

وفي تصريح لـ swissinfo.ch، قال دجيسميجيان: “من بين المعايير الضرورية لإقامة استراتيجية تصدير مستدامة، وجوب عدم الإرتباط بشكل كبير بمنطقة الدولار أو اليورو”. وأضاف “هناك إمكانيات تجارية كثيرة متاحة أمام المؤسسات السويسرية في البلدان ذات الإقتصاد الصاعد، وبالأخص في آسيا. ففي منطقة السوق الآسيوية المشتركة (ASEAN) لوحدها، يوجد أكثر من 600 مليون مستهلك. وستظل بلدان مثل اندونيسيا، والفيتنام، وتايلاندا، والفيليبين، مهمة بالنسبة لشركات التصدير السويسرية. ولكي تكون استراتيجية التصدير ناجحة، يجب أن تكون لفترة ما بين متوسطة وبعيدة. فعلى سبيل المثال، لو كانت صادرات مؤسسة موجهة بنسبة 80% لمنطقة اليورو، قد يكون من الصعب، بدون شك، بالنسبة لها تعميم تلك الإستراتيجية في بضعة اشهر إلى أسواق أخرى مثل اسواق دول الإقتصادات الصاعدة”.

في العام الماضي، ارتفعت الصادرات السويسرية بنسبة 2.1% لتصل قيمتها إلى 197.6 بليون، ومع ذلك تظل دون ما بلغته هذه الصادرات في عام 2008.

هذه الزيادة الطفيفة في الصادرات جاءت بعد أن اضطرت العديد من الشركات خلال عام 2011 إلى خفض أسعارها بنسبة 5.5%، وهو أكبر انخفاض سنوي في الأسعار منذ أن بدأ تسجيل هذا المعطى الإقتصادي.

لم تتأثّر صادرات قطاع الساعات والمجوهرات بحالة الإضطراب التي شهدها الإقتصاد العالمي لتبلغ الزيادة خلال العام الماضي 19% في عموما صادرات الساعات، و48% على مستوى الصين فقط.

أما القطاع الآخر الوحيد الذي سجّل زيادة في حجم الصادرات هو قطاع صناعة المعادن، بنسبة 2.2%، والآلات والهندسة الإلكترونية بنسبة 1.2%، والأغذية والمشروبات والتبغ بنسبة 0.6%.

أما الصادرات من الورق فقد تراجعت بنسبة 12.5%، والمنسوجات بنسبة 6.5%، والملابس بنسبة 3.8%، وهذه القطاعات سجلت اكبر نسب للتراجع.

ارتفعت الصادرات إلى البلدان الآسيوية بنسبة 9.6% ، وتحتل المرتبة الأولى الصين، (19.2%)، تليها هونغ كونغ (18.8%) والهند (15.2%).

شهدت الصناعات السويسرية أكبر تقلص لها في البلدان الأوروبية التي تعيش أزمة ديون كبرى مثل اليونان والبرتغال، ولكنها سجلت تراجعا كذلك بنسبة 9% في بريطانيا، و10.7% في هولندا، و0.7% على مستوى بلدان الإتحاد الأوروبي عامة.

رغم ذلك ازدادت الصادرات السويسرية إلى كل من ألمانيا بنسبة 5.5%،  وهي نسبة تمثل نصف نمو الصادرات السويسرية في العالم، وفي الولايات المتحدة بنسبة 2.4%.

(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية