مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الصحافة العربية: ترحيب وتوجّـس!

مدنيون عراقيون يسحبون تمثال صدام حسين في شوارع بغداد يوم 9 أفريل 2003 Keystone

تراوحت تعليقات الصحف العربية الصادرة يوم الخميس بين الترحيب الشديد بسقوط صدام وبين الدعوة إلى إطلاق المقاومة ضد الإحتلال الأمريكي.

في المقابل، هناك ما يُشبه الإجماع على أن يوم 9 أبريل 2003 سيظل علامة فارقة بل حاسمة في تاريخ العرب الحديث.

الصحافة الكويتية لم تكتم فرحتها الشديدة بدخول القوات الأمريكية إلى بغداد واعتبرت صحيفة السياسة أن ” إقتلاع النظام البعثي هو المهم” مشيرة إلى أن الجيش الذي كان من المفترض أن “يجعل مغول العصر ينتحرون على أسوار بغداد” إنما كان “لحماية السلطة البعثية من شعبها, وليس لحماية الاوطان ومحاربة اعدائها”..

أما صحيفة القبس التي عنونت افتتاحيتها الرئيسية بـ “نهاية طاغية” فقد هنأت الشعب العراقي ودافعت عن انخراط الكويت الكامل في الحرب الأمريكية البريطانية على العراق بالقول “وتدرك الكويت اليوم، كم كان قرارها صائباً بمساعدة الشعب العراقي على التخلص من هذا الطاغية، وهي تقوم بواجبها تجاه شعب شقيق وقريب، دون اي حساب للكلفة او التداعيات، لأنها تدرك ان لا راحة لها ولا امان لشعبها، الا بتحقيق الامن والامان للعراقيين”

واغتنم عبد الله الجار الله الفرصة في صحيفة السياسة لتوجيه تحذير إلى سوريا قال فيه “المطلوب الان, لتجنب النوم بين القبور, والذعر من مجيء الخطوة التالية, ان تأخذ سورية عبرة مما جرى في العراق, فلا تتفلسف على الحقيقة, ولاتدخل في محاضرات , ولاتتميز باللغو وتقعير اللغة, ولاتغرق في الجدل البيزنطي حول جنس الملائكة, وهل هناك فرق بين المقاومة والارهاب, وهل اميركا غزت العراق ام حررته, ذلك ان الاوضاع خطيرة ولا وقت لاحد للاستماع الى التنظيرات, ومفردات الخلايا البعثية المعدة لغسل الادمغة, وتبرير الواقع المرير وفواجعه”.

مخاوف خليجية

الصحف الخليجية الأخرى لم تستعمل نفس النبرة الكويتية وتراوحت بين تكرار المواقف الرسمية الداعية “إلى إشراك العراقيين في اختيار حكمهم” وبين المطالبة باستخلاص الدروس مما حدث.

فقد اختارت صحيفة الرياض السعودية التركيز على مسألة انفلات الأوضاع الأمنية في هذه المرحلة والمخاوف من انتشار عمليات النهب والإنتقام وحذرت من أن ” من يعتقد أن الذاكرة العربية مثقوبة، لا يعرف بالضبط كيف تتضاعف ردود الأفعال، ويمكن لفتوى، أو حتى قصيدة شعبية من عشيرة أو قبيلة أن تقلب موازين الأمن في العراق رأساً على عقب، إذ التطورات اللاحقة تعتمد على سلوك الجيش الأمريكي، فإذا ما اعتقد أنه جاء منتصراً، وبهذه النشوة تعامل مع العراقيين بروح جيش الاحتلال، فبالتأكيد ستنتهي زفّة العرس للفاتحين، بمقاومة تتشكل من طبيعة الواقع القادم.”

صحيفة الوطن السعودية أنحت باللائمة على الأداء “غير العقلاني” والأوهام التي روجتها بعض وسائل الإعلام العربية خلال الفترة السابقة واعتبرت أن المهم في هذه المرحلة هو “مستقبل العراق وشعبه، والسعودية التي سعت دائماً إلى الخير للعراق، ستبحث في سبل التعامل مع النظام الجديد الذي سيحكم العراق، بما يضمن استقراره واستقرار المنطقة القادرة على تجاوز المحن والوصول إلى بر الأمان” على حد قول الصحيفة.

العنوان الرئيسي لصحيفة الأيام البحرينية (شبه الرسمية): ” سقط صدام .. وانتصر العراق” جاء ملخصا للتوجه الرسمي للمملكة لكن صحيفة الوسط (المستقلة) اعتبرت أن “المعركة انتهت لتبدأ الحرب السياسية” في العراق. وأكد وليد نويهض في افتتاحية الصحيفة أن ” المهم في المسألة ألا يسقط العراق سياسيا” لأن “الاخطر من سقوط العراق عسكريا هو سقوطه السياسي. فالسقوط الاول مجرد معركة، أما السقوط الثاني فهو كارثة. السقوط السياسي يعني ان العدوان حقق غاياته البعيدة متخذا من العراق قاعدة انطلاق لتغييرات في الجغرافيا السياسية تستفيد منها “اسرائيل” وتكون الدول العربية “وتحديدا الأنظمة” الخاسر الأكبر.

صحيفة الإتحاد الإماراتية انتهجت خطا وسطا من خلال عنوانها الرئيسي الذي قالت فيه : “العراق يطوي صفحة صدام” وحمّلت في افتتاحيتها القوات الأمريكية والبريطانية المسيطرة على بغداد والعراق الـ “مسؤولية (ال)كاملة عن الحفاظ على وحدة هذا البلد العربي وصيانة وحدته وسيادته الاقليمية وعدم التفريط في اي شبر فيه طالما انه لا توجد قوات نظامية عراقية يمكن ان تقوم بهذه المهمة، كما ان قوات التحالف تتحمل كامل المسؤولية في المحافظة على موجودات وممتلكات الدولة والشعب في العراق، والعمل على وقف أعمال السلب والنهب للممتلكات الخاصة والعامة، ريثما يتم تشكيل سلطة وطنية تتولى إدارة الحياة العامة·”

واعتبرت الصحيفة الإماراتية أن “مستقبل العراق بيد العراقيين لا بيد غيرهم، وهم مطالبون بتجاوز الماضي بكل آلامه، والنظر الى المستقبل بروح الوفاق والتسامح وتعزيز الوحدة الوطنية”.

صحيفة الوطن القطرية اتخذت نفس التمشي ومع اعترافها بأن لدى الولايات المتحدة أجندتها الخاصة المحكومة بمصالحها المستقبلية إلا أنها اعتبرت أنه “يجب على أهل العراق أن تكون لهم أولوياتهم الخاصة ورؤيتهم لمصالح بلادهم ومحيطهم” ودعت على ضرورة “أن يتعالى العراقيون اليوم فوق الجروح‚ وفوق الحسابات الشخصية والحزبية‚ من أجل البدء في إعادة بناء العراق بمشاركة جميع مواطنيه‚ على أساس مصالحة شاملة ومساهمة عامة‚ لا تدع مجالا للإقصاء أو للتهميش”.

مصر وسوريا: حق الشعب في الإختيار!

في مصر ركزت العناوين الرئيسية للصحف على إبراز مطالبة الرئيس مبارك بـ “حق العراقيين في حكم بلادهم والوصول إلي هذا الهدف بأسرع ما يمكن يحقق الاستقرار للشعب العراقي” فيما حذر عدد من المعلقين من انفلات الأوضاع ليس في العراق فقط بل في كل الدول العربية.

وكتب سلامة أحمد سلامة في عموده اليومي بصحيفة الأهرام محذرا “في الشوارع العربية الآن تتكاثف مشاعر غضب عارمة‏,‏ تتجمع عبر مسالك ومسارات غير مرئية في الوجدان العربي‏.‏ وحين تتفجر فإن الخسائر التي تلحقها بالأنظمة العربية والأوضاع العالمية وبالعلاقات “الأنجلو امريكية” – العربية قد تتجاوز حدود المتوقع حاليا وفي الأجيال القادمة‏!‏

أما إبراهيم نافع رئيس تحرير الأهرام فقد اهتم بالتجاذب القائم بين رموز الإدارة الأمريكية واعتبر أن التقارب الحاصل الآن بين القوى الدولية التي عارضت الحرب (أي فرنسا وألمانيا وروسيا) وتلك التي شنت الحرب ” أظهر أنهم كانوا يختلفون حول إدارة الأزمة‏,‏ وليس حول هدفها او مشروعيتها‏,‏ وعادوا الآن إلي تقريب وجهات نظرهم طبقا لمصالحهم في المسرح العربي‏,‏ الذي شاء حظه العاثر أن يكون بداية لتغيير كوني‏,‏ دون أن يشارك فيه‏,‏ علي الرغم من الدمار الذي يلحق بمستقبله” وتساءل نافع “هل يمكن أن نخرج من المحنة الحالية بنظام عربي مختلف لا يعبث به أحد سواء في الداخل أو الخارج؟”

وفي أول رد فعل سوري على سقوط العاصمة العراقية بأيدي القوات الأمريكية ونهاية حكم صدام حسين، دعت صحيفة “البعث” الناطقة باسم حزب البعث الحاكم في دمشق الشعب العراقي إلى إقامة نظام ديمقراطي في البلاد.
واعتبرت “أنه، على الرغم من تعقيد المسألة ووجود قوات احتلال مباشر، يبقى الشعب العراقي هو العامل الأقوى والأكثر حسماً باتجاه بناء مستقبل حر والنهوض من جديد في عراق مستقل فاعل في وسطه العربي..‏

وقالت الصحيفة “أن المبادىء الأساسية التي يجب أن تطبق على «المسألة العراقية» اليوم هي: وحدة وتكامل الأرض العراقية ووحدة العراق كياناً وشعباً، وحق شعبه، شعبه فقط، في اختيار طريق مستقبله ومصيره”

ودعت صحيفة “البعث” في افتتاحيتها جميع العراقيين في مختلف القوى والتيارات والفئات والأحزاب والتنظيمات، إلى ” تجاوز الماضي وبدء العمل ضمن صيغة موحدة، دون تدخل من الخارج، بهدف ترسيخ حكم ديمقراطي تعددي يستوعب كل الأطياف في العراق.”

دعوات إلى مقاومة الإحتلال

الصحافة الفلسطينية وصفت الحدث بالنكبة والكارثة. واعتبرت صحيفة “القدس” الصادرة في مدينة القدس أن “دخول الأجانب الغزاة إلى بغداد حدث جلل يهتز له وجدان الأمة وتتزلزل له ضمائر الشرفاء في العالمين العربي والإسلامي” لكنها عبرت عن الأمل في أن تُحدث “وعيا جديدا وصحوة حقيقية .. فيُدرك الجميع ما هم عليه من تراجع وتخلف حضاري وتشرذم وعجز”. وبدت الصحيفة واثقة من أن ما حدث في بغداد “لن يكون الصفحة الأخيرة من تاريخ هذه المدينة العريقة” وأن فيها “بذورأ ستؤكد للعالم يوما ما بأن لبغداد نهوضا آخر لن يتأخر موعده”.

أما صحيفة “الحياة الجديدة” فقد اعتبرت أن ما حدث كشف عن وجود “قصور في الخيال العسكري – السياسي” لدى النظام العراقي. ورأى حافظ البرغوثي أن الحديث عن الديمقراطية على الطريقة الغربية فقد بدأت تباشيرها بتنصيب شيوخ قبائل حاكمين على البصرة والعمارة أي البدوقراطية لأن ما يريده الأنجلوأمريكان من العراق يقع بعيدا عن المدن .. أي حقول النفط”.

الصحافة الأردنية اختارت التشديد على التضامن الشعبي والرسمي مع الشعب العراقي وحرصت على التذكير بأن “الأردن انطلق منذ البداية لمنع وصول الأمور إلى نقطة اللاعودة” لوعيه التام بأن الكارثة ستقع وأن أحدا لن يهرب من استحقاقاتها وأكلافها الباهظة” مثلما جاء في افتتاحية صحيفة الرأي.

وهو نفس ما ذهبت إليه صحيفة الدستور التي ذكّرت بالخسائر الهائلة التي تعرض لها الإقتصاد الأردني واعتبرت “أن الكارثة تبدو بحاجة لاكبر معونة انسانية دولية عاجلة سواء على صعيد الحماية من العمليات العسكرية، او على صعيد الغذاء والدواء والمستشفيات الميدانية والمستلزمات الطبية وغيرها من المعونات التي يحتاجها العراق فورا ودون ابطاء”

في لبنان اعتبرت صحيفة النهار أن “… بغداد لم تسقط، نظام صدام حسين سقط..” ودعا جبران تويني في افتتاحيته إلى “وضع حد لهذه الحملات السخيفة التي تستهدف المعارضة العراقية، والمعارضين، ونحن نعرف انهم يشكّلون الاكثرية المطلقة من الشعب العراقي، وأن لا ننعتهم بالخونة او عملاء اميركا او بريطانيا او اعداء العرب او الاسلام…”.

وعلى العكس من معظم وسائل الإعلام العربية، رأت النهار أن المرحلة الجديدة “ذات إيجابيات” لكنها تتطلب من العرب سياسة جديدة لوضع خطة واستراتيجيا واضحة دعما لاعادة اعمار العراق واحيائه ودعما لحل القضية الفلسطينية، اضافة الى البحث في العمق من اجل الاجابة عن سؤال اساسي: أي عالم عربي نريد وأي دور له على خريطة العالم؟

على النقيض تماما جاءت افتتاحية صحيفة السفير البيروتية في شكل دعوة للعراقيين إلى المقاومة . وقالت الصحيفة “بعد أن اختار صدام وريثه .. ها هو يفرض على شعب العراق العظيم، وبعد ليل استبداده الطويل، ليل الإذلال بالاحتلال الأميركي (البريطاني)..”

وفي الختام قال طلال سلمان ” .. والآن إلى مقاومة الاحتلال، وجنرالات الديموقراطية الأميركية المحمولة على ظهر الصواريخ، وعملاء المخابرات المركزية الذين يفترضون أن شعب العراق المتعب قد نسيهم أو غفر لهم جرائمهم، في حين أنه يضبطهم اليوم متلبّسين بالجرم المشهود: الخيانة العظمى! ولا يحتاج شعب العراق العظيم إلى من ينبّهه إلى واجبه الوطني والقومي: المقاومة من أجل حماية العراق بوحدته، وتحصيل وحدته بعروبته، ومقاومة الاحتلال بتراث نضاله المجيد!”

عودة الإستعمار والديمقراطية

صحيفة “العلم” المغربية ركزت اهتمامها على عودة الإستعمار وأعتبرت في افتتاحيتها أن “أمريكا تعود اليوم إلى الوراء، وتؤسس من جديد “حضارة”: استعمارية تعتمد على “الغزو والاحتلال”، وتقرر إدارة دفة البلاد التي تحتلها. فعلت ذلك في أفغانستان بعد أن دمرتها ونصبت فيها حكومة عميلة تتلقى ضربات الشعب الأفغاني وغضبه. وستقوم بدور أخطر في العراق بعد أن دمرت كل معالمه، وقتلت عشرات الآلاف من أبنائه وقضت على طاقاته البشرية بالرعب والاحتلال والقتل. سيتولى أمر العراق جنرال أمريكي، وسيدير دفة البلاد بواسطة عراقيين “يتكلمون العربية”…”

أما صحيفة “لوماتان” المغربية فقد تساءلت في نهاية افتتاحية طويلة حول الحدث: “هل كانت هناك ضرورة لمثل هذه الحرب القاتلة والعنيفة ولكل هذه المآسي من أجل الإطاحة بنظام و .. برجل؟”
صحيفة المجاهد الجزائرية اختارت الدعوة إلى استيعاب الدرس مما حدث واعتبرت أن تحصين البلاد من الضغوط الخارجية التي سوف تزداد قوة في المرحلة المقبلة يتطلب “عدم تأجيل إقرار الديمقراطية في بلداننا إلى أجل غير مسمّى لأن الأنظمة القوة فقط قادرة على التجند والدفاع بنجاعة عن جميع مقومات الإستقلال”.

وفي تونس، اقتصر اهتمام صحيفة لابريس الحكومية على نشر آخر البرقيات المتعلقة بتطورات الأوضاع العراقية ولكن دون التعليق عليها.

كمال الضيف – سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية