مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العراق والجامعة العربية.. المقعد الشاغر

رغم أن العراق دولة مؤسسة لجامعة الدول العربية... فإن مقعده سيظل شاغرا إلى حين Keystone

جاءت قرارات لجنة المتابعة العربية المكلفة بتنفيذ قرارات قمة شرم الشيخ حول الشأن العراقي، لتنهي جدلا وتفتح آخر.

وقد أعرب وزير الخارجية الأمريكي كولن باول عن خيبة أمل واشنطن لعدم اعتراف الجامعة العربية بمجلس الحكم في العراق.

الجدل الذي انتهى، ولو إلى حين، له شقان. الأول، عدم الاعتراف بطابع سيادي لمجلس الحكم، ومن ثم إبقاء المقعد العراقي شاغرا حتى يتم اختيار حكومة شرعية منتخبة تمثل العراقيين في الداخل وفى الخارج.

والثاني، عدم إرسال قوات عربية إلى العراق في الوقت الراهن طالما أن هناك شروطا غائبة، أهمها عدم وجود أفق محدد لإنهاء الاحتلال كجدول زمني واضح، وسلسلة إجراءات معلنة تفضي إلى خروج قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية، وتسليم السلطة إلى العراقيين أنفسهم، ناهيك عن اختلاف الرؤى العراقية إزاء قدوم أي قوة عربية في ظل الظروف الراهنة، ويمكن أن نضيف غياب قرار دولي من مجلس الأمن يوفر شرعية دولية لمثل هذا الأمر.

الشقان معا يوضحان أن الموقف العربي الجماعي ما زال ثابتا بشأن عدم إضفاء أي قدر من الشرعية العربية أو الإقليمية على الاحتلال الأمريكي للعراق، وهو موقف قام على توافق الرأي بعد جدل حاد شهدته اجتماعات لجنة المتابعة، وهو الجدل الذي جاء على خلفية توفر رغبات مكتومة لدى بعض الدول العربية للتعاطي الإيجابي مع التلميحات والمطالب الأمريكية.

التكيف السلبي

في واقع الحال، إن عدم الإضفاء هذا، وإن كان يمثل موقفا إيجابيا من حيث دلالاته العامة رغم الضغوط الأمريكية المستترة والظاهرة معا، ورغم وجود ميل لدى بعض الدول العربية الصغيرة لإرسال قوات إلى العراق والتعامل مع مجلس الحكم العراقي كمجلس تمثيلي سيادي، فهو، أي عدم إضفاء الشرعية والامتناع عن إرسال القوات، لم يتجاوز طريقة التكيف السلبي مع واقع الاحتلال دون أن يخطو خطوة أخرى على طريق المناهضة الإيجابية، والتي تعنى باتخاذ إجراءات فعلية للتعجيل بإنهاء الاحتلال، سواء بالتنسيق مع ممثلي القوى العراقية المختلفة أو من حيث مساندة قوى المقاومة العراقية.

وبالطبع، يمكن إيراد أسباب عديدة لعدم التحول هذا بداية من سطوة السياسة الأمريكية على السياسات العربية بصفة عامة، ونهاية بعدم الاتفاق على ماهية المقاومة العراقية التي يجب دعمها، خاصة في ضوء عدم التوافق العراقي نفسه على مبدأ المقاومة المسلحة، ومرورا بتفضيل اتباع الأساليب السلمية لإنهاء الاحتلال بدلا من الأساليب التي تنضوي على معاني القوة، ولا نقول العنف.

سياسة الأبواب المفتوحة

الصحيح هنا، أن أبواب الجامعة، حسب تصريحات سكرتيرها العام عمرو موسى، ستظل مفتوحة أمام العراقيين جميعا، وهنا يصير التساؤل أي عراقيين؟

الاستبصار في الأمر ينتهي إلى أنه لا يعدو أن يكون نوعا من العلاقات العامة من الجانبين معا، إذ من الذي سيخول هذا الطرف العراقي أو ذاك السلطة المعنوية والسياسية للحوار مع الجامعة حول مستقبل العراق ككل دون أن يكون مدعوما بتفويض شعبي ودستوري واضح، وهما أمران غائبان تماما، حتى بالنسبة لمجلس الحكم الذي تعد شرعية وجوده من شرعية الحاكم المدني الأمريكي نفسه، وليس من الشعب العراقي المغلوب على أمره.

وفى المقابل، فإن الجامعة ممثلة في جهازها الإداري وأمانتها العامة تظل غير مخولة، حسب الميثاق، اتخاذ قرار ما بشأن قضية تمثيل العراق أو تقرير من يشغل المقعد العراقي في الجامعة ومؤسساتها المختلفة.

وفى كواليس ما قبل الاجتماعات الأخيرة للجنة المتابعة، ظهر نوع من الغموض المقصود حول وجود أو عدم وجود طلب عراقي أو أمريكي لقبول أو لنقل اعتماد الصفة التمثيلية والسيادية لمجلس الحكم.

وكان الرد، رغم إثارة الغموض على وجود أو عدم وجود الطلب المذكور، مقرونا بأن الأمانة العامة غير مُـخولة البت في هكذا قرار كبير، وأن الأمر مرهون باجتماعات وزراء الخارجية العرب.

وظاهر الأمر لم يكن أكثر من بالون اختبار طرحته دول عربية معينة بصورة غامضة لمعرفة رد فعل دول عربية أخرى أساسية. أما جوهره فكان يعبر عن انقسام عربي، رأت الأمانة العامة للجامعة أن تخرج منه بتأكيد عدم صلاحية سلطاتها في التعامل مع قضية هي من صلب القرارات السيادية للدول العربية منفردة.

لكن لماذا لم تعلن دول عربية أنها في وارد الاعتراف الكامل بالمجلس وبدوره السيادي؟ هنا تأتى صعوبة اتخاذ قرار كبير كهذا من دول عربية صغيرة أو حتى متوسطة دون أن تكون مدعومة بشرعية عربية جماعية تخفف عنها أي ضغوط شعبية متوقعة، أو تجعلها في خانة الدول الداعمة لاحتلال بلد عربي آخر.

آلية عربية.. ضرورة غائبة

ثمة حدود وقيود لأي سياسة تقوم فقط على الامتناع فحسب، أو مجرد المطالبة بحدوث شيء في المستقبل أو الاكتفاء بتحديد معايير، رغم أهميتها القصوى في حالتنا الراهنة.

وفي حالة العراق، ستظل هناك إشكالية كبرى تتعلق بالدور الذي يمكن أن تلعبه الجامعة العربية في مساعدة “الشعب العراقي” لكي يتخلص من الاحتلال ويستعيد حريته. ولعل مفهوم الآلية الذي تحدّث عنه وزير الخارجية السوري ويجب التفكير فيه يبرز هذا المأزق.

فأية آلية تنطوي على صلاحيات معينة تكون موجهة في اتجاه محدد بما في ذلك التحرك الإيجابي والالتزام والقدرة على دفع ثمن معين نتيجة هذا الموقف العملي.

والواضح أن الدول العربية ووراءها الجامعة، وإن أرادت مساعدة الشعب العراقي لنيل حريته في أقصر مدى زمني ممكن، فإنها تتضارب في معنى تلك المساعدة، وهل تقتصر على مناشدة القوة المحتلة بالرحيل سريعا، أم تتبع أسلوبا آخر لإرغام القوة المحتلة على الرحيل؟

تاريخيا، كانت ظاهرة الاستعمار أكثر وضوحا مما هي عليه في الحالة العراقية الراهنة، كما كانت العيون والقلوب قادرة على تمييز قوى التحرير الوطنية من قوى التواطؤ مع المحتل، وهو ما يبدو عسيرا في الحالة العراقية.

فهناك على الأقل أربعة اتجاهات أو بالأحرى قوى. أولها، المتعاونون مع “قوات الاحتلال” التي يسمونها قوات التحالف، وهم بدورهم تيارات شتى نالت نصيبها الوافر من استبداد وقمع النظام السابق، وكما في هؤلاء المتعاونين من ينطبق عليهم صفة العملاء الأشرار، فيهم أيضا الوطنيون وحاملو لواء بناء عراق مختلف، والمضطرون للتعامل مع الاحتلال كأمر واقع ينتهجون بدورهم الأساليب السلمية.

وثانيها الرافضون للاحتلال وغير المتعاونين معه، لكنهم يرونه حقيقة قائمة، وجل هؤلاء من شيعة العراق الذين لم تصدر لهم بعد فتوى من مرجعية دينية معتبرة تبيح التحول من حالة الترقب الراهنة إلى حالة الهجوم، وهؤلاء بدورهم لديهم تطلع لعراق جديد، لكن تفاصيله ليست محل توافق عراقي عام.

الثالث، بقايا النظام السابق التي تتبع العنف بأشكاله المختلفة، والنصيب الأكبر منه للأمريكيين حتى الآن، على أمل أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء.

الرابع، قوى مناهضة للاحتلال والنظام السابق معا، وترى أن القوة هي السبيل الوحيد لرد الاحتلال.

الواقع العراقي على النحو المشار إليه، من شأنه أن يجعل تحديد وجهة الآلية العربية المرتقبة لدعم الشعب العراقي مسألة محفوفة بالمخاطر.

فمن من هؤلاء، وبعد طرح بقايا النظام السابق من المعادلة، سيكون الأولى بالدعم العربي المطلوب وكيف؟ تلك هي المعضلة التي لا يتحدث عنها أحد بالوضوح المناسب، ولكنها قطعا تفتح بابا آخر للجدل العربي سيفرض نفسه في المرحلة المقبلة، طالما أن الحالة العراقية مرشحة لمزيد من التوتر تصاحبها ورطة أمريكية تزداد تعقيدا مع سقوط كل جندي أمريكي على الأرض العراقية.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية