مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العراق: تحالفات انتخابية وعُـقدة “تدوير” الولاءات!

Keystone

ما من شكّ أن كل التحالفات التي يُعلن عن تأسيسها الآن في العراق، هي في الأساس إصطفافات للتّـحضير للانتخابات النيابية الحاسمة، التي ستجرى مطلع العام المقبل، مع إعلان المفوضية العليا المستقلة عن أن بدءَ تسجيل الائتلافات والكِـيانات السياسية للمشاركة في الانتخابات القادمة، سيكون ابتداءً من التاسع من الشهر الجاري، مستندة بذلك إلى قانون الانتخابات السابق لعام 2005، ما دام قانون الانتخابات الجديد لم يشرع بعدُ.

وفي هذه الأيام، حيث البازار الانتخابي المبكّـر يشهد “كما هو المتوقّـع كل مرة”، إطلاق شعارات عن الوِحدة الوطنية ورفض الطائفية والمحاصصة، إلا أن الجميع لم يتخلّـص بعدُ من عُـقدة الولاء الطائفي في التّـعبئة الانتخابية..

وعلى رغم أن الجميع يتحدّث عن “المواطنة ” وسيادة القانون، وما يقال نأي المرجِـعية الدِّينية الشيعية بنفسها عن دعْـم طرف محدّد في الانتخابات الجديدة ووضع نفسها على بُـعد مسافة مُـتساوية من الجميع، إلا أن استغلال المرجِـعية وعموم الرّموز الدِّينية لم يغِـب عن “المشهد الانتخابي المبكّـر”، من خلال اجتماعات دينية مهمّـة أقيمت خلال شهر رمضان وستقام في مناسبات أخرى قادمة، خصوصا على أعتاب الانتخابات، يجعَـل من الّـصعب تطبيق هذه الشِّـعارات أو الالتزام بها، على الأقل من قِـبل الجماعات المُـسيطرة على التحالفات… دينيا.

إذن، فهذه التحالفات “المُـستعجلة”، ليست إلاّ عودة جديدة للمُـواطن العراقي المغلُـوب على أمره في كل شيء والذي يسمَـع هذه الأيام وعودا جديدة بغَـدٍ آمن مستقِـر وزاهر أكثر إشراقا، وكأن اليوم في العراق تسطَـع عليه شمس مُـشرقة، والعراق ينعَـم بالأمن والاستقرار.

المحاصصة الطائفية والعرقية بين “مزدوجين”

صحيح أن العراق في عهد رئيس الوزراء نوري المالكي، بات أفضل من الحِـقب السابقة التي أعقبت سقوط نظام صدّام (هكذا يقول الكثيرون داخل العراق)، وصحيح أيضا أن تحالفات المالكي، يمكِـن أن يُرى في آخرها نُـور يبدِّد ظلام المُـحاصصة الطائفية و”العرقية”، واضع العِـرقية بين “مزدوجين”، لأن الأكراد في شمال العراق حسَـموا أمرهم وهم خارج معادلة المركز بامتياز ونظام محاصصة من طِـراز فريد، وإن كان الائتلاف الذي أعلَـن عنه المالكي باسم إئتلاف دولة القانون، لم يتجاوز عُـقدة “تدوير السلطة” وضمّ فئات أو شخصيات، هي المسؤولة عن الكثير ممّـا يجري في العراق الجديد، على الأقل من ناحية العجْـز في الأداء وفقدان الكفاءة..

نفس الشيء ينطبِـق على الإئتلاف العراقي الموحّـد، الذي لم يسلَـم من عُـقدة “تدوير” الرّموز والشخصيات، ومن معايير الولاء الطائفي، والأخطر منه، الولاء الأسَـري، عندما يتعلق الأمر بالمجلس الإسلامي الأعلى “مع كل الاحترام لأسرة الحكيم” وتاريخها والتّـضحيات التي قدّمتها على مذبح “تحرير” العراق من نظام البعث السابق.

فهذا الائتلاف تمّ الإعلان عنه على عجَـل قُـبيل وفاة المرحوم السيد عبد العزيز الحكيم، واستثنى حِـزب الدعوة الإسلامية، الذي كان يرجِّـح تأخير الإعلان لأسباب، ربّـما لها صِـلة بطريقة استثمار مرحلة ما بعد السيد الحكيم، الذي كان له دور فاعل وقوي جدّا في المرحلة السابقة، من خلال قيادته للائتلاف العراقي المُـوحد في نُـسختيْـه، الأولى قبل عام 2005 والثانية بعد ذلك التاريخ، موعد الانتخابات البرلمانية السابقة.

“ولادات قيصرية”

وفيما يتعلّـق بتحالُـف يقُـوده المجلس وآخر يتزعّـمه أو يشكّـل حزب الدعوة الإسلامية عموده الفقري، الأكثر تأثيرا في العراق الجديد، فإن التيار الصّـدري، الذي يُـراد له أن يرجِّـح المعادلة الانتخابية، كما حصل في المرّات السابقة.. والتيار الصّـدري اختار الانضمام إلى الائتلاف العِـراقي، لأنه محكوم أيضا بعُـقدة “التدوير”، وهذه المرّة تدوير التّـحالُـف من الدّعوة وأمينها العام نوري المالكي على وجه التحديد، إلى المجلس الإسلامي، خصمه اللّـدود على مدى السنوات الماضية، قبل وبعد سقوط نظام صدّام.

بالنسبة للائتلاف الوطني العراقي المنافس لائتلاف المالكي، فقد ضمّ بعض المكوِّنات الأساسية في الائتلاف الموحد السابق، كالتيار الصدري، الذي شكّـل كُـتلة جماهيرية واضحة في المشهد السابق، وحزب الفضيلة، الذي كان له نفوذه الواضح في المحافظات الجنوبية، إلى جانب تيار الإصلاح الوطني، الذي يتزعّـمه أمين عام حزب الدّعوة سابقا ورئيس الوزراء سابقا أيضا ابراهيم الجعفري، إلى جانب المكوِّنات السياسية الأخرى، ومن بينها بعض المكوِّنات أو الشخصيات السياسية السُّـنية، كمجلس إنقاذ الأنبار برئاسة حميد الهايس وجماعة عُـلماء العراق، برئاسة الشيخ خالد الملا، وهي لا تملك نفوذا يُـوازي أو يُـضاهي نفوذ الصَّـدريين والمجلس الإسلامي الأعلى، ما يجعل الهيْـمنة “للصّـديقيْـن اللَّـدوديْـن”..

وحتى مع الإعلان أن ائتلاف دولة القانون يضُـم 40 حزبا وحركة سياسية، فإن مُـعظم هذه الأحزاب ليست إلا “ولادات” قيْـصرية لتجمُّـعات تقوم في الأساس على أسُـس عِـرقية وطائفية، حتى حزب الدعوة الإسلامية “جناح المالكي” وحزب الدعوة الإسلامية تنظيم العراق “جناح سيد هاشم الموسوي”، فهما لم يتمكّـنا من تجاوز عُـقدة الطائفية وأيضا المحلية، من خلال تركّـز أعضاء الدّعوة من كربلاء ومحيطها في طويريج”، مسقط رأس المالكي، على الانجذاب إلى جناحه وبقيادته، فيما تتوزّع غالبية الدّعاة البصريِّـين وأهالي العمارة “ميسان” بشكل خاص، حتى وإن كانوا من سَـكَـنة بغداد، على تنظيم “جناح سيد هاشم الموسوي، المعروف بأبي عُـقيل أو زين العابدين الدّعوة”.

“ائتلاف فضفاض”

عِـرقيا، فإن الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق، الذي يمزِج بين الطائِـفة والعرق في الولاء، هو أيضا مِـثال على أن إئتلاف دولة القانون لا يبحث عن الكفاءات والأمانة، بقدر ما يهمّـه أن يقول إنه “ليس طائفيا”، مثلما كان يفعل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، بعد انسحاب الدعوة ومنظمة العمل منه، في مرحلة ما قبل سقوط نظام صدّام، وانضمام “أحزاب” له، ليس لها من الحزبية إلا الاسم.. وهذا الأمر يُـمكن أن يَـسري على ما يسمّـى: كُـتلة مستقلين والحركة الاشتراكية الناصرية والائتلاف الوطني الديمقراطي وتجمع أحفاد ثورة العشرين وكتلة الانتفاضة الشعبانية والتيار العربي المستقل والحركة الدستورية والحزب الوطني الديمقراطي الأول، أي جانب مسمَّـيات لحركات وأحزاب وتجمّـعات “عِـرقية”، مثل القائمة الوطنية كُـتلة الشبك أو كتلة الكرد الفيليين أو تمثيلات عشائرية، مثل الائتلاف الوطني لديوان بني تميم أو تجمّـعات مثلّـت محافظات معيّـنة، أمثال حركة الوفاء للنجف والتجمع من أجل المثنى وتجمع الفُـرات الأوسط وغيرها.

ورغم أن هذا الائتلاف “فضفاض” ولا ينسجِـم تماما مع خِـطاب المالكي أو على الأقل تمنِّـياته أن يشكِّـل ائتلافه الجديد “منعطَـفا تاريخيا وتطوّرا نوعـِيا في عملية بناء الدّولة العراقية الحديثة، على أسُـس وطنية سليمة، قائمة على المشاركة الفاعِـلة في اتِّـخاذ القرار، بعيدا عن سياسات التّـهميش والتمييز والإقصاء والاستبداد، التي عانى منها العراق في ظلّ الحِـقبة الدكتاتورية، واعتماد الكفاءة والنّـزاهة والمِـهنية، بدلا عن المحاصصة الطائفية والعِـرقية”، خصوصا وأن الكثيرين من النَّـزيهين ممّـن قارع نظام صدّام عقودا وقدّم تضحيات، لم يُدْع إلى الائتلاف الجديد، إن لم نَـقُـل استُـبعد بالفعل لأسباب تتعلّـق بالمزاج الشخصي لبعض المُـحيطين بالمالكي أو لأنه “بعيد عن العين”، وكأنك يا مالكي ما غزيت، لكن يمكِـن أن نسجِّـل بالفعل أنها محاولة من المالكي للابتعاد عن المحاصصة الطائفية!

تعاون مفصلي بين الحكومة وتنظيم القاعدة

وما بين الائتلافيْـن الرئيسييْـن، تبرُز تحالفات يتمحوَر مُـعظمها طائفيا، “سواء كان شيعيا أو سُـنيا”، وأيضا حول عُـقدة “السلطة” نفسها، وليس فقط “تدوير” الموقِـف منها.

ولِـنقُـل بصراحة، فإن ما كان يُعرف بالقائمة العراقية الوطنية، بزعامة إياد علاوي، انفرط عقدها وما عادت قائمة واحدة، وأن علاوي المحكوم بعُـقدة “تدوير” الانتماء حول حِـزب البعث، كعَـبتِـه الأولى والأخيرة، يبحَـث له عن مكان حول الطاولة من خلال التحالف مع شخصيات وجماعات، تنسجِـم معه في شأن “تدوير” الولاء “الحزبي”، وإن جاء ذلك بمُـسميات وعناوين مُـختلفة.

فالعراق الجديد، بعد سقوط نظام صَـدّام، لم يكن يوما خالِـيا من نفوذ “البعث” السابق، وهذه حقيقة لا ينكرها “أعداء” البعث الموجودين في السلطة من برلمان وحكومة وجيش وشركة ومخابرات ووو… وتؤكِّـد مصادر من داخل الائتلافات، الجديدة والقديمة، أنه تمّ الكشف مؤخّـرا عن مسؤولين في السلطة، لديهم علاقات تعاوُن عُـضوية مُـباشرة مع تنظيم القاعدة وتفرّعاته من “دولة العراق الإسلامية” وغيرها من الفصائل، التي تحمل بصَـمات بعثيين ومخابراتيين وعسكريين سابقين، ما تزال عقدة “تدوير” الولاءات تُـسيطر عليهم.

وقيل في هذا الصعيد، أن المخابرات الحكومية سجّـلت مكالمات بين زعيم القاعدة “أبو حمزة المصري” ومسؤولين كِـبار في الحكومة العراقية، أكّـد وجود تعاوُن مفصلي بين الطّـرفين، سمح بمُـوجبه الطرف الأول للثاني الانخِـراط في العملية السياسية، مقابِـل تزويد الطّـرف الأول بمعلومات تمكِّـنه من تنفيذ اغتيالات وتفجيرات، تستهدِف السياسيين الجُـدد والعملية السياسية برمّـتها..

وإذا كانت هذه التحالفات رسمت صورة أولية عمّـا ستكون عليه الانتخابات القادمة، فإنها بالتأكيد، صورة متحرّكة تمِـيل إلى التلوّن بألوان شتّـى على صعيد ما يجري من مُـفاوضات واستقطابات، والتوقّـع بأن يلجَـأ السياسيون مرّة أخرى إلى الشّـحن الطائفي، إذا فشل خطابهم “الوطني” في تعبِـئة الأنصار والمؤيِّـدين وأخفقوا في التحالف مع الآخرين على أساس “العراقية”.

نجاح محمد علي – دُبَـي – swissinfo.ch

سيطرت التحالفات الطائفية والعِـرقية على انتخابات عام 2005 وأسفرت عن هيْـمنة ثلاث كُـتل أساسية على البرلمان “الحالي” وهي: الكتلة الشيعية مُـمثلة بالائتلاف العِـراقي الموحّـد والكُـتلة السُّـنية، التي مثلتها جبهة التوافق والحزب الإسلامي العراقي والتحالف الكردستاني، الذي ضمّ الحزبيْـن الرئيسييْن، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراططي الكردستاني، والأحزاب الكردية الصغيرة، إلى جانب تمثيل نِـسبي للقائمة الوطنية العراقية، وهي تنسجِـم في الغالب مع جبهة التّـوافق، فيما يتعلّـق بالولاء للبعث.

وتوزّعت حِـصة الائتلاف العراقي الموحّـد في انتخابات عام 2005 على 128 مقعدا من بين مقاعد البرلمان الـ 275، كانت حصّـة حزب الدّعوة الإسلامية بشقَّـيْـه، 25 مقعدا و30 مقعدا للمجلس الأعلى و28 مقعدا للمستقلِّـين والمكوِّنات الأخرى، فيما حصل كل من التيار الصَّـدري على 30 مقعدا وحزب الفضيلة 15 مقعدا، لكنهما انسحبا من الائتلاف أواسط عام 2008، بعد انتقاده بوصفِـه “ائتلاف طائفي”.

وشهِـدت الكُـتل في الفترة الماضية انشقاقات، كما خرج إبراهيم الجعفري من حزب الدّعوة وشكّـل تيار الاصلاح وانشقّ الحزب الإسلامي وجبهة التوافق والقائمة العراقية، التي انسحب منها بعض نوابها، الأمر الذي رآه بعض المراقبين إيذانا بمشهد سياسي عراقي جديد، قد تفرزه الانتخابات القادمة وقد تغيب عنه الكثير من الوجوه البارزة، التي أفرزتها انتخابات عام 2005.

وكانت نتائج الانتخابات المحلية السابقة، التي جرت في يناير الماضي، والتي دخل فيها حزب الدعوة الإسلامية بقيادة المالكي بشعار قائمة “ائتلاف دولة القانون“، عزّزت دوْر المالكي كرجُـل دولة، ونجح من حصاد مُـعظم المقاعد المحلية في تِـسع محافظات عراقية من أصل 14.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية