مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العرب واضطرابات إيران.. رُؤى مختلفة وجَـوهر واحِـد

Reuters

العربُ شأن الآخرين، يتابعون ما يجري في إيران بشغَـف وترقّـب، وتمُـوج بينهم تحليلات ورُؤىً عن مصير النِّـظام فى طهران، وتمتدّ إلى التكهّـن بما سيكون عليه الوضع إن تصاعدت الثورة الشعبية واستمرت المواجهات بين الشباب الإيرانيين وميليشيات النظام على أنواعها.

هذا أمرٌ طبيعي لا خِـلاف عليه. فإيران بالنِّـسبة للعرب أكثر من جارٍ جغرافي وأكبر من مجرّد بلد كبير تؤثِّـر سياساته في مسار العديد من الملّـفات العربية. فهي نموْذج رِجال الدِّين الذين يستخدِمون تفسِـيراتٍ للإسلام على وجهٍ يوفِّـر تأييدا عقيديا وشعوريا للنِّـظام ككل ولأشخاصه الحاكمة.

إيران وأحداثها الدمويّـة مهمّـة للعرب جميعا، وإن اختلفت درجات الاهتِـمام والترقّـب بما يجري في شوارع طهران، وهو اختلاف في الدّرجة تابِـع للإختلاف في مسافة القُـرب أو البُـعد بين هذا الطرف العربي أو ذاك مع إيران، سياسيا وجغرافيا ومذهبيا، ممّـا يوفِّـر حالة عربية تعدُّدية في تحليل ما يجري، جنبا إلى مؤازَرة النِّـظام أو التشفي فيه، حسب الحالة.

مهنِّـئون محْـدودون

لقد كان المهنِّـئون العرب بنتيجة الانتخابات الإيرانية محدودي العدد، أما الصّـامتون والحذِرون، فكانوا الأكثر عددا. فالعراق على لسان رئيسه جلال طالباني، رحّـب بفوز الرئيس نجاد وتطلّـع إلى مزيد من التعاون معه في ظل عهدته الثانية، وكذلك فَـعل رئيس الوزراء المالكي، وكذلك فعلت سوريا، التي هنّـأت إيران بالإنتخابات وبفوز الرئيس نجاد، معتبِـرة إيّـاه “فوْزا غالِـيا وردّا على ضغوط الغرب وفاتحة خيرٍ للإستمرار في التعاون الاستراتيجي بين البلدين”.

دولتان عربيتان فقط رحّـبتا بالنتائج، وقبل أن يستمرّ الإيرانيون في احتجاجاتهم الدّموية، وكذلك فعلت حركتان عربيتان، الأولى، حماس التي رحّـبت وفرِحت واعتبرت فوز الرئيس نجاد رسالة من الشعب الإيراني موجّـهة إلى الغرب والولايات المتحدة، قِـوامها رفض الضغوط والتمسّـك بمُـقاومتها. والثانية، حزب الله اللبناني، الذي أفاض في التعبير عن الدّلالات الكُـبرى لهذا الانتصار في رسالتيْـن رسميتيْـن وجهّـتهما قيادة الحِـزب لكل من المُـرشد الأعلى علي خامنئي، والرئيس نجاد المُعاد انتخابه.

فالانتخابات “ملحمة” وِفقا لحزب الله، و”من بركات القيادة الحكيمة والإرشادات الأبوية للمُـرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وأدخلت الفرحة إلى قلوب جميع المستضعَـفين والمُـجاهدين، وأحيَـت الأمل من جديد في قوّة وصلابة هذه الجمهورية العزيزة”.

وفي الرسالة الموجّـهة للرئيس، شدّد حزب الله اللّـبناني على أن “إعادة الانتخاب تُـعدّ استمرارا لروحِ الثِّـقة بالمستقبل والإيمان بالقُـدرة على الصُّـمود ومُـواجهة الطُّـغاة”.

علاقات خاصة ومواقِـف خاصة

تفسير هذه المواقِـف لا يحمل جديدا، فكلّ هذه الأطراف لها علاقة خاصة وقوية مع حكومة نجاد والدولة الإيرانية، وربّـما فيما عَـدا العراق، فالأطراف الثلاثة الأخرى، ترى في استمرارية الصِّـيغة الإيرانية القائمة، مسألة حيوية بالنِّـسبة لمصالِـحها المباشرة، فهي السّـند المادي والسياسي والمعنوي في مواجهة الأعداء والخُـصوم.

ولعلّ تصريح وزير الخارجية السوري وليد المعلم، يعطي وجها آخر يستحِـق التأمُّـل، إذ قال “إن الرِّهان على سقوط النظام في طهران، هو رهان خاسر”، وهو أبلغ تعبير عربي في رفض أية انتِـقادات خارجية، أوروبية أو أمريكية للعملية الانتخابية الإيرانية، ويُـمثل تأييدا صريحا لخِـيارات المؤسسات الإيرانية النّـافذة، التي رفضت إعادة الانتخابات أو التّـشكيك في شرعية نجاد، المُـنتخب ثانية، ويجسِّـد رِهان سوريا على استمرار العلاقة الخاصّـة مع إيران، دون النّـظر إلى ما يجري داخلها من احتجاجات أو تطلُّـعات لتغيير سلوك النظام، ولو جُـزئيا.

أما العراق، فموقِـفه يُـمثِّـل خليطا يمزج بين الذَّرائع البراغماتية والدّوافع المعنوية والمصالِـح المتوقّـعة أو المشكلات المُـنتظرة، وهو ما عبَّـر عنه تصريح وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أثناء زيارته إلى طوكيو، وبعد مُـرور أسبوعٍ من الاضطِـرابات والمواجهات في شوارع طهران والتّـشكيك الشعبي في نتائج الانتخابات وشرعية نجاد، حيث أكد على أن “العراق قلِـق بشأن زعزعة الاستِـقرار في إيران المُـجاورة”، التي تشهد اضطرابات في أعقاب انتخاباتٍ رئاسية مُـتنازعٍ عليها، ومؤكِّـدا على أن “العراقيين يحترِمون إرادة الشعب الإيراني ويحترِمون النِّـظام السياسي، وليْـسوا في موقِـف لإصْـدار حُـكم على خياراتهم”.

الحذِرون العرب.. هُـم الأكثر

المؤيِّـدون العرب رسميا، ليسوا بكَـثرة. فالكثرة هي إلى جانب الحَـذر في التّـعليق على ما يجري في إيران، ولعلّ ما جرى في مملكة البحرين يوضِّـح المعنى. فقد أغلَـقت السلطات صحيفة “أخبار الخليج”، وهي أقدم صُـحف البلاد، قبل أن يصدُر قرار آخر بعودتها للصُّـدور بعد يوم من الإغلاق، بعد أن نشرت مقالا للكاتِـبة الصحفية سميرة رجَـب وعضوة مجلس الشورى، بعنوان “الجمهورية الإسلامية.. الغضب الشعبي العارم”، حلّـلت فيه ما يجري في إيران، واعتبرت أن خطبة المُـرشد الإيراني خامنئي، التي تضمّـنت الوعِـيد والتّـهديد لِـمَـن يرفُـض نجاح نجاد بأنها عِـبارة عن “فصل من البُـكائيات”.

سلطات البحرين من جانِـبها، والتي تعتبر الصحيفة قريبة منها وتعكس توجُّـهاتها المُـحافظة بوجه عام، رأت في المقال المذكور خُـروجا عن سياسة المنامة الراسخة في التعامل الكَيّس والحَـذر مع الجارة إيران، وهو خروج يهدِّد علاقات المملكة الصغيرة بدولة جارة كبيرة، فكان قرار الإغلاق المفاجِـئ للصحيفة، عِـبارة عن رسالة سريعة لكلّ من يهمُّـه الأمر، بأن البحرين الرّسمية لا شأن لها بما يجري هناك ولا تتماشى مع أي توجُّـهات دولية أو إقليمية تنتقد سلُـوك المُـرشد أو تشكِّـك في شرعية الرئيس نجاد المُـنتخَـب، وهي رسالة مفهومة ومحكومة بواقع البحرين الجغرافي والمذهبي، وبكون النَّـظرة الإيرانية التقليدية للبحرين، لا تخلو من مخاطِـر حقيقية.

تَـمثَّـل الحَـذر أيضا في الموقف المصري الذي عبَّـر عنه وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، الذي تجاهَـل ما يحدُث في إيران وأشار إلى أنه كان هناك حوار مصري – إيراني ما بين 2005 إلى نهاية 2007، وأنه لم يحقِّـق نتائج إيجابية في حينه، ولكن الرُّؤية المصرية تبقى واضِـحة، وتتمثل في أن مصر ترغَـب في “حدوث تغيِـير في الأداء الإيراني تُـجاه مُـشكلات الإقليم، حتى يمكِـن لمصر أن تنطلِـق في حوار مفتوح مع الإخوة في إيران”.

والمعنى واضح، فما يهُـمّ مصر، ليس الأشخاص الذين يُـديرون الوضْـع في إيران أو مدى شرعِـيتهم الانتخابية، كما لا يهمُّـها طبيعة النظام هناك، فهذا شأن إيراني محْـض، بل يهمُّـها أن يتغيّـر الأداء الإيراني، وإن حدث، فسيكون احتمال الحِـوار مع الإخوة الإيرانيين أوقع وأكثر قابلية للنَّـجاح.

الإعلام العربي.. الأكثر سُـخونة وتنوّعا

أما إعلاميا وصحفيا، فالوضع مختلِـف تماما. فالكثرة العربية، ليست حذِرة كحال إعلام سوريا والعراق والبحرين، بل تبْـدو موزَّعة بين الانتشاء بما يجري في شوارع طهران وثورة أبنائها ضدّ تزوير الانتخابات، وبين اعتبار ما يجري في إيران نوعاً من الفشل في تجربة حُـكم رجال الدِّين وتجسيدا لانقِـسامٍ شديد بين عناصر النُّـخبة الحاكمة الإيرانية (أو أبناء الثورة)، رغم التزامهم جميعا بأسُـس النظام الإسلامي الحاكِـم ومبادِئ ولاية الفَـقيه، وتعبيرا عن صِـدام بين جيل جديد صاعِـد راغِـب ومتطلّـع إلى التغيير الجِـذري، وإن بتدرّج، والانفتاح على العالم الخارجي دون فقدان لهويته الذّاتية.

ثمّـة محلِّـلون عرب يروْن أن النظام الإسلامي خُدِش بقوّة وأن مصيره المحتُـوم يقع بين أمرين: إما عسكرة شامِـلة بدَت ملامِـحها في نزول البوليس وعناصر التعبئة (الباسيج) والحَـرس الثوري (وهناك مَـن يزعم أن ميليشيات عربية نزلت الشارع أيضا لضرْب المُـتظاهرين ولِـحساب النظام الذي يدرِّبهم ويُـؤويهم، فجاء الدّور عليهم ليردّوا الجميل)، وإما انقِـسام حاد بين النّـخبة، بدأت ملامِـحه في اعتقال ابنة رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رافسنجاني وذهاب الأخير إلى قُـم ليُـثير رجال الدِّين على المرشِـد وأدائه، وفي كثرة الحديث عن تفاهُـم بين خاتمي ورافسنجاني وكروبي وآخرين، للعمل على تجديد النظام ودفعه نحو بعض الانفتاح الداخلي والخارجي، الذي لا يتناقَـض مع أسُـس الجمهورية الإسلامية نفسها، كما حدّدها الدستور الذي صادق عليه الشعب عام 1980.

في هذا السياق الإعلامي العربي العام، يرى محلِّـلون عرب بأن ديمقراطية إيران، ليست أفضل حالا من ديمقراطية بعض العرب الذين يقُـيمون الإنتخابات البرلمانية، ولكنهم يزوِّرونها، غير مُـعتدّين بإرادة الناس. ويرى آخرون أن إيران، بما فعله المرشد وحكومة نجاد ثمّ الحرس الثوري وقوات الباسيج في مواجهة الطلاب والشباب، هو تجسيد لثقافة شرقِـية ترفض احترام إرادة الأمّـة وتفرض بدلا منها إرادة نُـخبة حاكمة تحت شِـعار: “إما ولاية الفقيه أو ولاية الرّئيس”، بمعنى آخر أنه لا فرق بين رجال يوظّـفون الدِّين وآخرون مدنِـيون يستغلّـون الشِّـعارات الأيديولوجية المدنية من أجل تحقيق هدف وحيد: الإحتفاظ بالسلطة والتشبث بها!

د. حسن أبوطالب – القاهرة – swissinfo.ch

دعت وزيرة الخارجية السويسرية، إيران إلى ضبط النفس في استعمال القوّة ضدّ المتظاهرين السِّـلميين. وفي ندوة صحفية عقدتها في برن يوم 23 يونيو 2009، جدّدت ميشلين كالمي – ري التأكيد على وجوب الإبقاء على حرية التعبير، وحثّـت طهران على التحقيق في الشكاوى المتعلِّـقة بتجاوزات مزعومة شابت انتخابات 12 يونيو الرئاسية.

وأشارت كالمي – ري إلى أن سويسرا أبلغت السلطات الإيرانية بموقفها عبْـر القنوات الدبلوماسية، لكن وزارة الخارجية تعاملت بدقّـة مع الملف، نظرا للأوضاع القائمة، وقالت الوزيرة: “إننا لا نريد إلحاق الضرر بالمعارضة، إضافة إلى ذلك، يجب علينا الإبقاء على حوار مفتوح مع إيران، نظرا لأننا نُـمثِّـل مصالح واشنطن في طهران”.

وأضافت وزيرة الخارجية أن السيدة ليفيا لوي أغوستي، سفيرة سويسرا لدى إيران، على اتِّـصال مع وزارة الخارجية الإيرانية، وتقوم بإطلاع الحكومة الفدرالية على التطورات في إيران.

وكانت السلطات الإيرانية قد استدعت الأسبوع الماضي السفيرة السويسرية، للإحتجاج على ما تعتبره طهران تدخّـلا من طرف الولايات المتحدة في شأن داخلي.

وقالت الوزيرة: “إن السفارة السويسرية في طهران لم تتلقّ أي طلبات لإيواء متظاهرين مجروحين”، وكانت سويسرا قد عرضت، على غِـرار إيطاليا، إمكانية استقبال مصابين.

وفيما يتعلق بالحوار القائم بين برن وطهران حول حقوق الإنسان منذ عام 2003، أشارت الوزيرة إلى أنه مُـستمرّ، لكن تتِـم مراجعته حاليا مُـنوِّهة إلى أن الأمر يتعلّـق بمجرد إجراء روتيني.

أخيرا، قالت كالمي – ري، التي تُـمثِّـل بلادها مصالح الولايات المتحدة في إيران منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، “إن الأوضاع في إيران خطيرة، ونظرا لأهمية إيران، فهي تؤثِّـر على بقية العالم”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية