مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العرب والأزمة المالية العالمية.. حُـدود التأثر

Keystone

لم يكُـن غريبا أن تتأثر العديد من البورصات العربية ـ لاسيّما الخليجية والمصرية ـ نزولا وتوتّـرا، كالذي حدث في البورصات الأمريكية والأوروبية وعدد من البورصات الآسيوية منذ بدء وتيرة الأزمة المالية الأمريكية، التي باتت أزمة عالمية.

والمرجع هنا واضح ولا خِـلاف عليه، ويُـكمن في وجود صِـلات عُـضوية بين البورصات العربية من جهة، والبورصات الأجنبية من جهة أخرى، وهي صِـلات تكشِـف عن حالة اندِماج في الاقتصاد العولمي، وحالة تداخُـل بين الأموال الخليجية تحدِيدا، والاستثمار في الأصول الأجنبية في الأسواق الأمريكية والأوروبية.

صلات عضوية

أما عن صِـلات البورصات، فإن أبرزها هو أن مُـستثمرين عَـرب كِـبار وصناديق سيادية عربية، لاسيما الخليجية، يستثمِـرون في الأوراق المالية والأسهم التي تصدرها المؤسسات المالية الدولية، ويتمّ التَّـعامل بها في البورصات الأجنبية.

وفي المقابل، فإن أصحاب رؤوس الأموال الأجنبية هم أيضا عناصر أساسية في التعاملات المالية في البورصات العربية، وبالتالي، فإن أي عمليات بيع وشراء يُـشارك فيها العرب والأجانب، يكون لها تأثيرها غير المباشر على حالة البورصات العربية ككل، وهو ما شهدناه في الحالة المصرية التي خرج منها مستثمرون عرب وأجانب في اليومين الأولين لتعامل البورصة بعد إجازة عيد الفطر، ممّـا خفض من مؤشر “كاس 30″، المعمول به بنسبة 16% ثم 7% على التوالي.

ولم تستعد البورصة المصرية بعضا من خسائرها إلا بعد مرور عدّة أيام، حين استجاب مدّخرون محلِـيُّـون للشِّـراء في أسهم العديد من الشركات، ممّـا قلّـص الخسائر إلى حدود 3.1%.

حالة البورصة المصرية ليست مُـنفردة، فما جرى في بورصات الدُّول العربية الخليجية كان نُـسخة مكرّرة من الهُـبوط الشديد، ثم استعادة جُـزء بسيط من الخسائر التي مُـني بها المستثمِـرون في الأيام الأولى.

ومثل هذه الدّورة، وإن عكست حقيقة أن عددا من الاقتصادات العربية، لاسيما الخليجية ومصر، باتت مُـندمجة عُـضويا في آليات النظام المالي الدولي، وبالتالي، باتت مُـعرّضة للتأثر نتيجة الهزّات التي تحدث في هذه الآليات بصورة تِـلقائية، لكن هذا الأمر لا يمكن أخذه على إطلاقه أو بمعنى آخر، أن طبيعة الأزمة وحدود التأثّـر حتما ستَـختلِـف بين الحالة العربية والحالة الدولية، خاصة الأمريكية والأوروبية، كما أن حجْـم تأثّـر كلّ حالة عربية يختلِـف عن الأخرى.

أزمة هناك غير أزمة هنا

لقد بات معروفا أن الأزمة المالية الأمريكية تعود إلى عدد من السياسات التي طبَّـقتها المؤسسات المالية الأمريكية الكبرى، في إطار مضاربات هائلة على الرّهن العقاري ولعدّة سنوات مضت وبدون رقابة من الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، ونتيجة مُـمارسات لمُـدراء هذه المؤسسات، تجاوزت المعايير المصرَفية المقبولة، ممّـا نتج عنها زيادة هائلة في أسعار العقارات، دون أن يكون ذلك مُـتناسبا مع قِـيمتها الحقيقية، الأمر الذي قاد إلى توقّـف الكثيرين عن سَـداد تلك القروض، ومن ثمّ انخِـفاض أسعار العقارات وتعرّض المؤسسات المالية للإفلاس.

هذه المجموعة من الأسباب تعني أن مشكلة النظام المالي الأمريكي هي مشكلة ملاءة في الأساس، ترتّـبت عليها مُـشكلة سيولة، ونفس الأمر حدث في المؤسسات الأوروبية التي نهجت المَـسار الأمريكي ذاته، ممّـا دفع الحكومات والبنوك المركزية لضخِّ أموال كثيرة في محاولة لتوفير سُـيولة في الأسواق والحفاظ على استمرارية النشاط الاقتصادي واتِّـخاذ جُـملة خطوات تدعَـم رقابة البنوك المركزية على البنوك التجارية ومؤسسات التمويل.

أشكال التأثـر

بهذا المعنى، تبدُو أزمة البورصات العربية مُـغايرة تماما. فالشركات العربية المسجّـلة في هذه البورصات لم تشهَـد تغيّـرات هيكلية أو سوء أداء أو تراجُـع مؤشرات، وهي الأسباب التي تدفع أسعار الأسهم إلى التّـراجع في الظروف العادية، وغالب ما حدَث في هذه البورصات كان نتيجة ذُعر وهَـلع وخَـوف من تأثيرات قد تأتي من الخارج، وهو ما حدث جُـزئيا حين أقدم المستثمرون الأجانب على بَـيع ما لَـديهم من أسهم في شركات عربية، في مُـحاولة لتعويض خسائِـرهم التي تحمَّـلوها في بورصات بُـلدانهم الأمّ.

التأثير الجزئي الآخر جاء نتيجة خسائر مُـنِـيت بها بعض المؤسسات المالية والصناديق السيادية الخليجية التي كانت تستثمر جُـزءا من أموالها في مؤسسات مالية أمريكية وأوروبية تعرّضت للإفلاس أو لخسائر كبيرة، وإن لم تُـعرف تحديدا نِـسبة الخسارة إلى حجم الأصول المستثمرة، وفي بعض التقديرات التي نشرت خليجيا، فقد تعرّضت بعض هذه الاستثمارات إلى خسارة 50% من قيمتها قبل الأزمة. وتشير بعض التقديرات إلى أن الخسارة بلغت 20 مليار دولار أو يزيد قليلا.

وبحسب معهَـد التمويل الدولي، فإن دُول مجلس التعاون الخليجي كانت قد استثمرت في أصول أجنبية في أوروبا وأمريكا، في حدود 530 بليون دولار في السنوات الخمس الماضية، منها 300 بليون في الولايات المتحدة وحدها.

أما الاستثمارات العربية في الأصول المالية، فقد بلغت 322 بليونا، منها 308 بليون دولار تعود للمملكة العربية السعودية ودُول الخليج العربية الأخرى، و11 بليون من مصر، و1.2 بليون من المغرب، أما الـ 12 بليون الأخرى، فجاءت من الأردن ولبنان وتونس، وقد اختلف حجْـم التأثر تَـبعا لنَـوع الاستثمار.

فإن كان في أوراق مالية تضمَـنها الحكومة الأمريكية وسَـنَـدات خزانة، فهي لم تصُـب بسوء، والعكس صحيح إن كان الاستثمار في أوراق مالية تصدرها مؤسسات مالية خاصة، أفلست أو كادت.

ولكن، نظرا لأن الأزمة لم تنتَـه وكل مؤشِّـراتها الظاهرة تؤكِّـد استمرارها حينا آخر من الزّمن، قد يمتدّ عام أو أكثر، فإن مصير استثمارات البنوك الخليجية ما زال معرّضا للخطر، وقد يُـصاب بعضها بالزّوال الكامل، كما حدث مع استثمارات بنك أبو ظبى الوطني قبل الأزمة.

لا أزمة سيولة عربية

وعلى عكس ما جرى في الاقتصاد الأمريكي وعدد من الاقتصادات الأوربية، فكل الدّول العربية لا تعاني من أزمة سيولة وليس لديها أزمة رَهن عقاري، بالطريقة التي جرت وقائعها في الولايات المتحدة وأوروبا، وإن كان يُـمكن استثناء السوق العقاري الإماراتي الذي شهِـد تضخُّـما في السنوات القليلة الماضية، والمرجّـح أن يتأثر بشحّ السيولة الدولية.

أما احتياطيات الدّول العربية، فلم تتأثر بصورة مباشرة، لاسيما التي تحتفظ بالجزء الأكبر من أموالها في مؤسسات مالية لم تتورّط في أزمة الرّهن العقاري الأمريكي والأوروبي، كما هو الحال في الاحتياطي المصري، الذي يستثمر منه 98% في أذون خزانة أمريكية وأوروبية مضمونة، حسب تأكيدات وزير المالية المصري.

كذلك، فقد أكّـدت بيانات وزراء المالية في كل من السعودية والبحرين والإمارات العربية، تعهّـد وضمان حكوماتهم لكامِـل ودائع الأفراد في البنوك المحلية، وأفصحوا عن استعداد حكوماتهم بضخّ أموال، إن ثبت عجز السيولة في الأسواق المحلية، وهو الأمر الذي أسهم في تماسُـك البنوك العربية.

واللافت للنظر هنا، أنه لم يضخّ أي بنك مركزي عربي جزءا من الأموال في الأسواق المحلية، وبما يعكِـس أن التأثر في البورصات المحلية هو نتيجة عارضة، وليست نتيجة تراجُـع أداء اقتصادي أو مالي هيكلي عربي.

ولكن هذا الأمر لم يمنَـع قول بعض المراقبين من أن عدم اتِّـخاذ هذا الإجراء هو نتيجة خوف من أنّ مزيدا من ضخّ الأموال في الأسواق الخليجية قد يؤدّي إلى خفْـض سِـعر العُـملة الخليجية، ممّـا يزيد من الخسائر الفعلية، وبالتالي، فإن عدم الضخّ قُـصِـد به الحفاظ على قيمة العُـملة من جانب، وعدم زيادة حجم الخسائر التي وقعت بالفعل.

والاستثناء الوحيد، هو الحالة الإماراتية التي ضخّ بنكها المركزي 50 مليار درهم، بما يعكِـس حجم التأثّـر الكبير الذي نال من البنوك الإماراتية التي تستثمر في الولايات المتحدة وأوروبا، في حين أن مؤسّـسة النقد في السعودية ما زالت مستمِـرة في زيادة حجم الاحتياطي لدى بنوك، مما يَـعني أن السوق النّـقدي السعودية لا يحتاج لضخّ سيولة إضافية.

نحو ملاذات آمنة أكثر

وبالرغم من هذه الاختلافات المُهمّـة، فإن الخسائر المالية العربية، لاسيما الخليجية، توفر أساسا للبحث الجدّي ودون تأخّـر في تنويع الملاذات المالية وفكّ الارتباط بالدولار، وهو الأمر الغالِـب لدى الدول الخليجية، عدا الكويت التي نوّعت احتياطيها المالي وِفقا لسلّـة عُـملات دولية.

لكن الملاحظ هنا، أن وزراء المالية الخليجيين لم يتحرّكوا بعدُ في إطار جماعي، وما زالت حركة كل بلد مُـنفردة، ربّـما انتظارا لهدوء الأسواق العالمية وحَـصر الخسائر الفِـعلية فيما بعد، ومن ثمّ التفكير جماعيا في سُـبُـل المواجهة مستقبلا.

كما أن الضرورة ـ وكدرس من الأزمة ـ أن تحدّد المصارف المركزية في الخليج نِـسبة الإقراض العقاري مِـن قِـبل البنوك، عند معدّلات لا تزيد عن 25% من ميزانية أي بنك، وأن تقوم المصارف التي أعطَـت قروضا تزيد عن النسبة المُـقترحة بتقليصها إلى 25% في فترة لا تتجاوز ستة أشهر.

ومعروف أن البنك المركزي المصري يضَـع سَـقفا لا يتجاوز 10% من إجمالي ودائع أي بنك لاستثمارها في الرهن العقاري.

لكن مصر تظَـل، ومن على شاكلتها، من الدول العربية التي تنتظر استثمارات خارجية، كالمغرب وتونس واليمن وغيرهم، سيكونون معرّضين لتأثيرات من نوع آخر، أبرزها قِـلة الاستثمارات الأجنبية المُـنتظرة لأغراض التنمية، ومن ثمّ ضرورة اعتماد أكبر على الموارد المحلية من أجل التنمية، التي ستأخذ فَـرضا شكل الاعتماد على الذّات وتشديد دور البنك المركزي في الرّقابة على البنوك المحلية أو الفروع لبنوك أجنبية، ناهيك عن وضع ضوابط أكثر على الرّهن العقاري.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

القاهرة (رويترز) – هبطت المؤشرات الرئيسية للبورصة المصرية بشدة للجلسة الثانية على التوالي يوم الاربعاء بالتوازي مع هبوط الاسواق العالمية، حيث باع المستثمرون الأسهم بكميات كبيرة وبأثمان بخسة مع تزايد المخاوف من ركود اقتصادي عالمي.

لكن مؤشر كيس 30 الرئيسي، والذي هوى أكثر من 16% يوم الثلاثاء، قلص بعض خسائرة قرب نهاية الجلسة بعدما خفضت البنوك المركزية الرئيسية في العالم أسعار الفائدة نصف نقطة مئوية في تحرك منسق يهدف الى تهدئة المخاوف بشأن الازمة المالية.

وانخفص المؤشر في الصباح 11% لكنه أغلق منخفضا 7.09% في آخر تداول له عند 5478.55 نقطة، كما هبط مؤشر هيرميس 7.04% الى 493.86 نقطة وتراجع مؤشر التجاري الدولي الاوسع نطاقا 4.52% الى 297.98 نقطة.

وقال كريم حسني، وهو متعامل في الفراعنة للاوراق المالية، أن تحرك مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الامريكي) والبنك المركزي الاوروبي وبنك انجلترا المركزي من بين آخرين أطلق موجة من الشراء أوقفت التراجع.

وهبط سهم أوراسكوم للانشاء والصناعة كبرى شركات الانشاء المصرية المدرجة في البورصة الى 204 جنيهات (37.05 دولار) قبل أن يصل السعر في آخر تداول له 242 جنيها بانخفاض قدره 4.43% عن جلسة الثلاثاء.

وتراجع كذلك سهم بنك الاستثمار، المجموعة المالية هيرميس القابضة 6.2% ليصل في آخر تداول له 28.69 جنيه. غير أن بعض الاسهم قاومت الاتجاه النزولي وأنهت الجلسة مرتفعة.

وارتفع سهم البنك التجاري الدولي، أكبر بنك مصري خاص 19.39% الى 37.49 جنيه متعافيا من تراجع قدره 40% يوم الثلاثاء..

وقال محمد قطب مدير الاستثمار في الجزيرة لادارة الاصول “الاسعار رخيصة للغاية.. من الطبيعي أن نرى قوة شرائية في البنك التجاري الدولي بعد انخفاض الامس”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 8 أكتوبر 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية