مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العلاقات المصرية السودانية.. بين مـدّ وجـزر!

يوم 3 أغسطس 2010، التقى وزير الخارجية المصري (من الخلف) في القاهرة مع وفد سوداني ضم نافع علي نافع مساعد الرئيس السوداني وباغان أمون، الأمين العام لحركة تحرير شعوب السودان ودار النقاش حول الإستفتاء المقبل لتقرير المصير في جنوب السودان swissinfo.ch

أكد خبراء مصريون متخصصون؛ في السياسة والدبلوماسية والقانون الدولي؛ أهمية السودان بالنسبة للأمن القومي المصري، وأنها تمثل العمق الإستراتيجى الجنوبى لمصر، وأن ما يعانيه السودان من صراعات وأزمات سيؤثر سلبًا على الأمن القومى المصرى، مشددين على أهمية تطوير السياسة المصرية تجاه السودان؛ للحفاظ على وحدته واستقراره وتماسكه.

وأوضح الخبراء في تصريحات خاصة لـswissinfo.ch: أن الأمر يحتاج إلى حوار موسع ومفصل بين البلدين؛ لبحث إنشاء عدد من الكيانات الأهلية على الناحيتين؛ لتدعيم العلاقات، والتوجه إلى تأسيس شراكة استراتيجية بين البلدين؛ تختلف عن التكامل، وتقوم على الندية وسياسة المنافع والمصالح، وتسعى لخلق آليات جديدة لتسهيل تبادل السلع والعمال؛ فإذا حدث هذا “فسيكون كل طرف حريص على استمرار العلاقة، وحماية المصالح الموجودة على الأرض”، على حد قول بعضهم.

وتثور أسئلة كثيرة من قبيل: ماذا يمثل السودان بالنسبة للأمن القومي المصري؟، وكيف تنظر مصر لاستفتاء تقرير مصير جنوب السودان، المقرر في يناير 2011، للاختيار بين الوحدة والاتحاد أم الإنفصال والاستقلال؟، وما أسباب الـ300 مليون دولار المصرية الممنوحة لحكومة الجنوب؟، ولماذا كثر الحديث اليوم عن النزاع الحدودي حول حلايب؟ وما أثر ذلك على مستقبل العلاقة بين البلدين؟، وهل صحيح أن مصر تخلت عن دورها الإفريقي؟ ولماذا؟، وما تقييم الأداء الدبلوماسي المصري في إدار ملف العلاقة مع السودان؟، وماذا عن مستقبل العلاقات المصرية السودانية؟.

وفي محاولة منها لاستجلاء الصورة، طرحت “swissinfo.ch”، هذه الأسئلة على عدد من الخبراء المتخصصين في الشأن السوداني، وهم: الدكتور هانئ رسلان؛ رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، والدكتور عبد الله الأشعل؛ المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري، وأستاذ القانون الدولي (حاليًا) بالجامعة الأمريكية، والدكتور عمار علي حسن؛ رئيس قسم الأبحاث بوكالة أنباء الشرق الأوسط؛ والمدير السابق لمركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط…. فكانت هذه الحصيلة.

العتبة الجنوبية للأمن القومي

في البداية؛ أوضح د. عمار أن “السودان أحد الأركان الرئيسية للأمن القومي المصري؛ أولا لأنها بوابة مصر على القارة الأفريقية، وثانيًا لأنها الدولة التي يجري بها شريان الحياة الرئيسي بالنسبة لمصر عبر العصور وهو نهر النيل، وثالثًا لأن السودان دولة ذات ثقل سكاني، وتمتلك إمكانيات كبيرة في الموارد الطبيعية، ومن ثم فمن المحتمل أن تكون في أي وقت أحد أهم الروافد الرئيسية لمنع أي تضييق اقتصادي على مصر في الحاضر والمستقبل”.

وفي تصريحات خاصة لـswissinfo.ch؛ قال عمار: “هذه هي السودان بالنسبة لمصر، وهذه مسألة أدركها الفراعنة فأبحروا جنوبًا؛ حتى وصلوا إلى منابع النيل وبلاد بنط، وأدركتها الدولة الحديثة في عهد محمد علي (النصف الأول من القرن 19)؛ حيث أرسل جيشًا إلى هناك لاكتشاف منابع النيل، ومنذ ذلك التاريخ والسلطات في مصر عبر العصور المختلفة تدرك أهمية السودان بالنسبة لنا، وبالتالي فإن أي مساس بالأمن القومي السوداني يضر بشكل مباشر بالأمن القومي المصري”.

وأضاف د. عمار حسن أن “أي اضطراب أو توتر هناك يمثل ضررًا بالغًا بأمن مصر، لأن حدوث أي اضطراب سيدفع ملايين المهاجرين السودانيين للهرب نحو الشمال، أي نحو مصر، وهؤلاء سيمثلون عبئًا إضافيًا كبيرًا، على بلد تعاني بالأساس من سوء نمو اقتصادي”.

ويتفق الأشعل مع عمار؛ حول أهمية السودان بالنسبة لمصر، ويقول إن: “السودان تضيف إلي حصتنا من مياه النيل 15%، وتمنحنا 8 مليارات متر مكعب؛ ليصل حجم المياه التي تصل مصر أكثر من الحصة المقررة لنا 55 مليار متر مكعب”؛ معتبرًا أن “السودان يُعتبر بالعرف الجيوسياسي العتبة الجنوبية للأمن القومي المصري”.

حلايب.. أزمة مكتومة أم ورقة ضغط؟!

وبخصوص نزاع حلايب بين القاهرة والخرطوم؛ اعتبر الأشعل أن “الحكومات المصرية فقدت الرؤية والوعي، ولم تضع خطة واضحة أو سياسة محددة لتعاملها مع الدول الافريقية، ودول حوض النيل، ولم تضع سياستها إلا في التعامل مع الولايات المتحدة وإسرائيل فقط.. ودون ذلك ليس هناك تخطيط ولا منهج ولا سياسة واضحة”، مشيدًا في الوقت ذاته بالبيان الصادر من الحكومة المصرية والذي تأسفت فيه لتصريحات الرئيس البشير، وأكدت فيه حق مصر في حلايب، معتبرًا أن “التوقيت غير موفق”.

في مقابل ذلك، نفى هاني رسلان “وجود علاقة بين توقيت إعلان البشير بأن حلايب سودانية، وبين إعلان مصر تقديم 300 مليون دولار كمنحة لا تُـردّ لحكومة الجنوب”؛ معتبرًا أن “قضية حلايب قديمة لكنها تثار في حالات الأزمات التي تحدث بين البلدين، وساعتها كان هناك تحفظ من البشير على استقبال مصر للمعارض خليل إبراهيم قادمًا من الدوحة، كما أرسلت وفدًا من قيادات حزب المؤتمر (الحاكم) ينبه مصر لخطورة استقبال خليل على العلاقات بين البلدين”.

وقال رسلان في تصريحات خاصة لـswissinfo.ch:”مصر أحسنت عندما استجابت لطلب السودان، وطلبت من خليل الرحيل، فولى وجهه قبل ليبيا، ومازال بها حتى الآن”؛ مشيرًا إلى أن “الإعلان السوداني سودانية حلايب هو تعبير عن عدم الرضا عن مستوى العلاقات مع مصر في هذه اللحظة، غير أن الحكومة السودانية هدأت من نبرة الحديث عن حلايب، وأرسلت مبعوثًا خاصًا هو مصطفى عثمان، الذي تحدث عن حلايب بنبرة هادئة، وهو دليل على أن ما حدث كان تعبيرًا عن أزمة مكتومة، وهو استخدام مؤقت لهذه الورقة القديمة”.

ويلتقط عمار طرف الخيط من حديث رسلان؛ مضيفًا أن “أزمة حلايب تكمن في أن كلا البلدين يحاول أن يستخدمها كورقة ضغط من آن لآخر، فلما ساعدت مصر فصائل الجنوب بمبلغ الـ300 مليون دولار خرج البشير ليقول إن حلايب سودانية، كورقة ضغط على النظام المصري، لا أكثر”؛ مشددًا على أن “مصر لديها قرار إستراتيجي بعدم الدخول في نزاع مسلح مع السودان بخصوص حلايب وشلاتين”.

ويستطرد عمار قائلا: “ليس هناك حاجة للتأكيد على مصرية حلايب وشلاتين، خاصة أن مصر لديها هناك بالفعل إدارة مصرية، وقيادة وقوات مسلحة، وهي تتفهم تصريحات البشير بخصوص سودانية حلايب، بأنها مجرد تصريحات للضغط ليس أكثر”.

300 مليون دولار منحة أم رشوة؟!

وفي محاولة لتفسير منح مصر 300 مليون دولار كمنحة لا ترد لحكومة جنوب السودان، قال عمار: “مصر دفعت هذا المبلغ من خلال حرصها على ألا تخسر الدولة الجديدة المحتملة في جنوب السودان” وأضاف بأن “السياسة المصرية حيال السودان أحيانا ما تكون مرتبطة بسياسة دول محددة، فالولايات المتحدة ودول الغرب تؤيد انفصال الجنوب السوداني، وبما أن هذه الدول تنظر إلى مصر كونها دولة صديقة، فلهذا ربما تكون قد طلبت من مصر أن تلعب دورًا ما في تكريس الإنفصال والإنقسام”.

ويستدرك عمار قائلا: “لكن هذا ليس معناه أن مصر تتصرف كأداة في يد غيرها، وإنما تنظر للأمر من خلال مصلحتها، وأنها ليس بوسعها أن تمنع الانفصال إذا أرادته غيرها، فليس مطلوبًا منها أن تكون ملكية أكثر من الملك، ومن الأفضل لها ألا تخسر دولة الجنوب المحتملة”؛ معتبرًا أن “المبلغ الذي دُفِعَ تم على أساس هذا التطور، ومن خلال حرص مصر على ألا تخسر أحدًا، وخاصة من دول الجوار الإفريقي”.

متفقًَا مع عمار؛ أوضح رسلان أن “الـ300 مليون دولار هي تعبير عن تكلفة مشروعات أقامتها مصر في الجنوب مؤخرًا، ومنها إقامة فرع لجامعة الإسكندرية”؛ مشيرًا إلى أن “علاقة مصر بالسودان جيدة منذ زمن طويل، ومما يذكر في هذا السياق قرار الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات في الثمانينيات بتخصيص عدد من المنح لطلاب الجنوب في الجامعات المصرية، وهناك 5 مدن في الجنوب تمت إنارتها بالكامل بمنحة مصرية”.

أما الأشعل فيوضح أن “مصر تسعى لتعزيز علاقاتها مع حكومة الجنوب، فهي الدولة الوحيدة التي أنشأت بعثة قنصلية لها في جوبا (عاصمة الجنوب)، وهي تستبق الإنفصال ببعض المبادرات لتؤمن المصالح المائية لها في الجنوب، وهذا تصور خاطئ، لأن انفصال الجنوب بدولة مستقلة سيدمر المصالح المصرية” حسب رأيه؛ معتبرًا أن “محاولات مصر لتكثيف التواصل بدول الجنوب تنطلق من حقيقة مهمة وهي أن إسرائيل هي التي تقف خلف انفصال الجنوب”.

استفتاء الجنوب.. وحدة أم انفصال؟!

وحذر الأشعل من انفصال الجنوب، واعتبره بداية “تمزيق السودان وإدخاله فى دوامة جديدة من الصراع”، وأضاف: “هذا الانفصال سيشجع حالات انفصال مماثلة فى العالم العربى وإفريقيا، وستكون الآثار أسرع خاصة وأن تفتيت العالم العربى مخطط أمريكى صهيونى نجح حتى الآن فى فلسطين والعراق، ورسم قسماته فى لبنان، ويوشك أن يهدد وحدة اليمن، وغير ذلك كثير مما تم رصده من مؤشرات خطيرة فى كل الدول العربية خلال العقد الأخير وبالأخص منذ الغزو الأمريكى للعراق”. على حد قوله.

وقال الأشعل: “النظام المصري يفتقر للرؤية الإقليمية السليمة، وقراءة التداعيات المحتملة للانتخابات السودانية، وانفصال الجنوب بدولة مستقلة، وقد كنت في السودان منذ أسبوعين بدعوة من الحكومة السودانية للمشاركة في ندوة حول انفصال الجنوب، حضرها معي من مصر الخبير السياسي المتخصص في الشئون السودانية؛ الدكتور إبراهيم نصر الدين، المدير السابق لمركز البحوث والدراسات الإفريقية”.

فيما يرى رسلان أن: “مصر مع وحدة السودان واستقراره؛ وطوال الوقت وهي تتحفظ على منح تقرير المصير للجنوبيين، ولكن عندما تمت الموافقة على حق تقرير المصير في اتفاقية مشاكوس عام 2002م، لم يكن ينبغي لمصر أن تكون ملكية أكثر من الملك؛ ومن ثم فقد أعلنت أنها ستحترم خيار الجنوبيين في الاستفتاء القادم، بغض النظر عن النتيجة اتحاد أم استقلال؟”؛ مشيرًا إلى أن “مصر لا تسطيع نقض هذا الأمر؛ فقد أصبح اتفاقًا ملزمًا، ورغم أنها تدعو لوحدة الشعب السوداني طوال الوقت؛ لكنها لا تسطيع إجبار الشعب السوداني على التصويت في اتجاه الوحدة”.
متفقًا مع الأشعل ورسلان؛ قال عمار: “حاولت مصر كثيرًا أن تمنع حدوث الانقسام، وانفصال الجنوب، وكان لديها تصور يقوم على فكرة أنه: إذا كان الانقسام وانفصال الجنوب أمرًا محتومًا وقادمًا لا محالة فمن العبث أن تقف مصر في طريقه، والأفضل لها أن ترتب لعلاقات جيدة بالدولة السودانية المحتملة في الجنوب، وذلك لأهمية هذه الدولة على الأمن القومي المصري خاصة فيما يخص نهر النيل”.

وأضاف عمار: “لهذا بنت مصر سياستها للحفاظ على تكامل السودان، وإذا حدث الانقسام ووقفت أمامه مصر فإن القوى التي تريد الإنفصال ستعاديها مستقبلا، وبدلا من المعاداة وطدت مصر علاقاتها مع الجميع، ولها وجود بالفعل في دارفور والجنوب السوداني، وتحظى بعلاقات جيدة هناك مع الجميع، وبالتالي فهي تمهد لأن تسير الأمور بالشكل الجيد في كافة الحالات”.

أداء دبلوماسي “باهت”!!

في المقابل، ذهب الأشعل إلى أن “الخارجية المصرية هي جزء من الدولة المصرية، غير أن مصر انسحبت إلى داخل حدودها؛ فلم يعد لها دور إقليمي، وهي تقوم بأدوار لصالح إسرائيل (في تعزيز الحصار على غزة وفي الإبقاء على حالة عدم المصالحة)، كما تقوم بأدورار لصالح الولايات المتحدة (وخاصة في السودان)؛ حيث تريد أمريكا إما إسقاط النظام الحاكم في السودان أو إغماض العين عنه مقابل ممارسة الضغط عليه”.

وتساءل الأشعل؛ في تصريحات خاصة لـswissinfo.ch: “فماذا فعلت مصر؟”؛ وأجاب على الفور “تركت السودان في مواجهة الولايات المتحدة!!”، ثم لخص الصورة بنبرة متشائمة: “أنا غير راض عن الأداء الدبلوماسي المصري لإدارة ملف العلاقة مع السودان؛ وفي تقديري أن الأداء الدبلوماسي يعمل ضد مصلحة مصر؛ فطريقة الحكومة المصرية تتراوح بين الجهل والمؤامرة؛ الجهل لعدم القدرة على إدراك الأشياء، والتآمر ضد مصلحة مصر، وإلا فلماذا سكتت مصر على إسرائيل، طوال هذه المدة، حتى تغلغلت في الجنوب ضد مصالحها المائية؟”.

وأضاف الدكتور الأشعل: “أنا لا أثق في أي علاج تقوم به الحكومة، فالقضية أكبر من وزير الخارجية، والسودان يؤاخذ مصر لأنها تتعاون مع الولايات المتحدة ضد مصالحه،… فمنطلقات النظام كلها غلط، وهو نظام لا يصلح مطلقًا”، مشيرًا إلى أن “غياب الدور المصري عن الساحة السودانية مرتبط بقراءة العلاقات المصرية الأمريكية الإسرائيلية، على خلفية ما يجري من حصار لغزة وبيع للغاز المصري لإسرائيل”.

من ناحيته، أوضح رسلان أن “مصر لديها رؤية استراتيجية ثابتة؛ لم تتغير منذ زمن طويل، تقوم على مبدأ الحفاظ على وحدة واستقرار السودان، والمشكلة تتلخص في أن العلاقات المصرية السودانية غير مستقرة؛ لأن الطرف السوداني ليس لديه وفاق داخلي حول تعريف هذه المصالح مع مصر، ومن هنا فإن الإقبال والإدبار يحدث من الطرف السوداني وليس من الطرف المصري”.

عمار انتقد بدوره الأداء الدبلوماسي المصري مع الملف السوداني؛ معتبرًا أنه “باهت ولا يرقى لدرجة الحفاظ على الأمن القومي” ثم تساءل: هل المعادلة التي تستخدمها مصر مع السودان مغلوطة وغير كافية؟ مجيبا: “في رأيي أن مصر لم تبذل جهدًا مع الملف السوداني بما يتوافق وأهميته بالنسبة للأمن القومي المصري؛ نظرًا لأسباب عديدة أهمها تغيير الأنظمة في السودان وبالتالي انقطاع العلاقات من وقت لآخر ومن نظام لآخر”.

ويستدرك عمار قائلا: “مصر حريصة على أن تحافظ على علاقات جيدة مع الجميع؛ فمن نظام المهدي إلى الميرغني إلى البشير، حافظت مصر على علاقات جيدة معهم جميعًا على الرغم من أن نظام المهدي كان يُعادي مصر، كما حافظت مصر على علاقات جيدة مع غارانغ الذي سبب رحيله لخبطة لمصر في السودان، فمصر تتصرف طوال الوقت على أن وحدة السودان مسألة سودانية بحتة، لا تهمها وتهم السودانيين فقط، مع حفاظها على علاقات جيدة مع الجميع، وبمستويات واحدة؛ وهو تصرف خاطئ بالتأكيد”، على حد قوله.

همام سرحان – القاهرة – swissinfo.ch

يسير السودان أكبر بلد افريقي من حيث المساحة صوب استفتاء في غضون خمسة أشهر يتوقع أن يؤدي الى فصل شماله عن جنوبه مما قد يزعزع استقرار المنطقة اذا لم يحط الامر بالرعاية.

يقع الكثير من الثروة النفطية التي لم يكتشف جزء كبير منها بالقرب من الحدود بين شمال وجنوب السودان والتي لا يزال يتنازع بشأنها الشمال ذو الاغلبية المسلمة مع الجنوب ذي الاغلبية المسيحية والذي يعيش فيه وثنيون أيضا. وتقع اشتباكات متفرقة بين الجانبين منذ 1955 في أطول حرب أهلية في قارة افريقيا.

تشمل أصول السودان ملايين الافدنة من الاراضي الخصبة التي قد تصبح سلة غذاء منطقة الشرق الاوسط القاحلة وذهبا ونفطا ومياه نهر النيل الا أن المستثمرين الذين بدأوا في ضخ الاموال في خضم النشوة التي أعقبت اتفاق سلام بين الشمال والجنوب في 2005 سيكونون حذرين في ضوء الغموض المحيط بالاستفتاء الوشيك.

حصل الحزب الحاكم بقيادة الرئيس السوداني عمر حسن البشير على أغلبية أكبر تتيح له اجراء تعديلات دستورية وقتما شاء بعد انتخابات أجريت في ابريل 2010 وشككت في نتائجها المعارضة في الشمال وكذلك في الجنوب الذي يتمتع بشكل من أشكال الحكم الذاتي.

وبدأ الحزب بالفعل في شن حملة ضد المعارضة وحرية الصحافة مما يشير الى أن الشمال لن يرحب بالتحول الديمقراطي، لكن ضعف المعارضة في الشمال قد يحقق بعض الاستقرار الاقتصادي. فبعد 21 عاما في السلطة أحكم حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان قبضته على الاقتصاد مما سيجعل من الصعب تغيير ذلك. ويمكن للمستثمرين أن يتمنوا مضي الحزب في سياسة تحرير الاقتصاد.

وفي الجنوب فازت الحركة الشعبية لتحرير السودان أيضا بأغلبية كبيرة في انتخابات مماثلة تم التشكيك في نتائجها لكنها تكافح حتى تتحول من حركة ميليشيات الى حزب حاكم. وسيعرقل نقص البنية التحتية في الجنوب أي شركة ترغب في الاستثمار لكن عوائد الإقتصاد البكر لدولة جديدة ستظل جاذبة لاي شركة تريد أن تجازف.

المعارضة في الشمال ضعيفة في الوقت الحالي وعززت الخرطوم علاقاتها مع حكومات دول مجاورة مثل اريتريا وتشاد وليبيا والتي كانت تؤيد في السابق معارضي البشير. واذا تدهورت العلاقات الاقليمية فان المعارضة قد تقوى واذا تمكنت من الاتحاد فانها قد تشكل جبهة قوية. واشتهرت ائتلافات حاكمة للمعارضة في الماضي بعدم قدرتها على اتخاذ قرارات سريعة على الرغم من أنها كانت ديمقراطية.

على الرغم من أن أي انفصال لجنوب السودان سيحرم حزب المؤتمر الوطني (الحاكم) من تولي زمام اتفاق السلام بين الشمال والجنوب فان الحقيقة هي أن دور الحركة الشعبية لتحرير السودان صغير في الشمال. ولعب الحراك الداخلي في الحزب دور المراقب الذاتي حيث تتنافس عناصر تقدمية على السلطة مع أخرى أكثر تشددا. وسيحدد الصراع داخل الحزب الحاكم ما اذا كان الشمال سيمضي بعد الاستفتاء في سياسة اقتصاد مفتوح أم سيتحرك بشكل أكبر صوب العزلة عن الغرب.

ومع تزايد احتمالات انفصال الجنوب فانه لم يتم الاتفاق بعد مع الحركة الشعبية لتحرير السودان على حصص مياه النيل المهمة لمشروعات كبيرة تعتزم الخرطوم تنفيذها وكذلك حصص الناتج النفطي الذي يقدر بنحو 500 ألف برميل في اليوم وغالبيته في الجنوب.

تسيطر الحركة على حكومة الجنوب التي تتمتع بشكل من أشكال الحكم الذاتي. وتساهم عوائد النفط بنحو 45 في المئة من ميزانية الخرطوم لكن مساهمتها في الجنوب تقدر بنحو 98 في المئة.

يرى بعض المحللين أن نهر النيل هذا الشريان الحيوي قد يتسبب في نهاية المطاف في نشوب حرب اقليمية مع دول حوض النيل التي تطالب باعادة كتابة معاهدة أبرمت عام 1929 وأقرت بأحقية مصر والسودان في معظم مياهه.
وترى مصر في النيل أولوية أمنية كبيرة لكن اثيوبيا تعاني بشكل منتظم من الجفاف ويملك السودان المفتاح. وتؤيد الخرطوم مصر في مقابل الدعم السياسي لكن الجنوب المستقل قد ينضم الى حلفاء في شرق افريقيا أو يستغل موقعه للتأثير في النفوذ المصري في الخرطوم. وعلى أية حال فانه يجب على الجنوب تخصيص حصة من مياه النيل للاحتياجات الزراعية وغيرها.

على الرغم من أن الكثير من نفط السودان يقع في الجنوب الذي لا يطل على مسطحات مائية فان حكومة الجنوب رهينة من الناحية الفعلية للخرطوم التي بنت معامل تكرير وخطوط أنابيب في الشمال وتصدر النفط من بورسودان في الشمال الشرقي للبلاد. وقد تكون هذه واحدة من المناسبات القليلة التي يحول فيها النفط دون نشوب حرب في افريقيا.

ويجب أن يظل تقاسم النفط بين الشمال والجنوب قائما لسنوات بعد الإنفصال حتى يصبح الجنوب قادرا على بناء المصافي الخاصة به أو خط أنابيب عبر ميناء كيني على الأرجح.

لكن أي تدخل من الخرطوم في الإستفتاء قد يجبر الجنوب على قطع النفط مما قد يعني الحرب وانعدام الاستقرار في كل من الشمال والجنوب. ويمثل هذا حلا أخيرا قد يصبح تهديدا لكنه لن ينفذ قبل الاستفتاء.

واذا اشتعلت الحرب من جديد بين الشمال والجنوب فسيكون لها تداعيات مزعجة على الدول التسع المجاورة ومن بينها قوى اقتصادية مثل مصر وكينيا. وهناك حاجة لتعاون دولي دائم ورفيع المستوى لتجنب هذا السيناريو الأسوأ.

(المصدر: مقتطفات من تحليل إخباري لوكالة رويترز بتاريخ 4 أغسطس 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية