مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الغارة الأمريكية على سوريا: أهداف تكتيكية وأخرى إستراتيجية

Keystone

ربما كان أدقّ تحليل للغارة والإنزال الأمريكيين في عُـمق الأراضي السورية الأسبوع الماضي هو ذاك الذي أدلى به السفير السوري عماد مصطفى في واشنطن.

قال مصطفى: “ثمة ثلاثة احتمالات للدوافع، كل منها أسوأ من الآخر. الاحتمال الأول هو، تبديد أي فرصة لتحسين العلاقات بين سوريا والإدارة المقبلة، والثاني، تصعيد الضغوط على الحكومة العراقية للمُوافقة على الاتفاق الأمني مع واشنطن، من خلال التظاهر بالخطر الذي يتهدّد العراق من الحدود السورية. والثالث، هو خِـدمة الحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري من خلال التأكيد أن الوضع في العراق لا يزال خطيرا ومِـن ثمّ ينبغي البقاء هناك”.

إستراتجية جديدة

سنأتي إلى هذه الاحتمالات بعد قليل، لكن قبل ذلك، إشارة إلى فرَضية واقعية رابعة: الغارة على سوريا جزء من إستراتيجية عسكرية أمريكية جديدة أكثر جِـذرية، حتى من شقيقاتها “الحرب الاستباقية” و”الحرب الوقائية” و”مِـحور الشر”.

وكان روبرت غيتش، وزير الدفاع الأمريكي، كشف يوم الثلاثاء 28 أكتوبر عن هذه الاستراتيجية، حين أصدر بياناً أعلَـن فيه أن الولايات المتحدة ستُحمـّل أي دولة أو مجموعة “المسؤولية الكاملة” عن مساعدة الإرهابيين على حيازة الأسلحة النووية أو الكيماوية أو البيولوجية.

ثم تَـلاه مسؤولون أمريكيون آخرون ليوضِّـحوا أن الغارة الأمريكية على سوريا جاءت وِفق هذا المبدإ الجديد نفسه الذي أشار إليه غيتس، والذي يمكن أن يُطلق عليه “مبدأ الدفاع الاستباقي عن النفس”. وأضاف المسؤولون أن هذا المبدأ يبرّر توجيه ضربات تقليدية إلى أهداف عسكرية داخل دولة ذات سيادة، من دون موافقتها، إذا لم تكن هذه الدولة قادرة على وقف التهديدات الإرهابية بنفسها.

باكستان شهِـدت قبل شهرين التطبيقات الأولى لهذه الإستراتيجية الجديدة، حين باشرت القوات الأمريكية القيام بغارات جوية كثيفة وعمليات إنزال كوماندوس في المناطق الحدودية القبلية الباكستانية، من دون استئذان سلطات إسلام أباد. والآن، جاء دور سوريا وقد يأتي بعدها دور إيران أو أي دولة تعتبر أمريكا أنها لا تقوم بما تطلبه منها من “مكافحة الإرهاب”.

العديد من المحلِّـلين يعتقدون أن إدارة بوش الجمهورية أرادت من هذه الإستراتيجية العنيفة الجديدة إلزام الإدارة الديمقراطية الجديدة (في حال فوز باراك أوباما بالرئاسة يوم 4 نوفمبر المقبل) بتبنِّـيها بالكامل، طالما أنها تحظى بدعم البنتاغون والأجهزة الأمنية المختصة، وهذا من شأنه تمكين الجمهوريين في الكونغرس من إحباط أي تغييرات ديمقراطية جِـذرية في السياسة الخارجية قد يقوم أوباما بها.

باكستان سبق لها أن هدّدت بأنها لن تتحمّـل هذه الخروقات لسيادتها. وسوريا فعلت الأمر نفسه، ولن تلبث دول أخرى عُـرضة لهذا الخطر أن تحذو حِـذوهما، الأمر الذي قد يحوّل العالم برمّـته بعد حين إلى ساحة قتال شاملة، فهل هذا ما تريد إدارة بوش أن تراه قبل رحيلها؟

حتماً، إذ يجب أن لا ننسى هنا أن بوش نفسه أعلن في 15 أكتوبر 2006 أنه سيحمِّـل أي دولة أو مجموعة “المسؤولية الكاملة” عن دعم الإرهاب أو مساعدته على الحصول على أسلحة غير تقليدية، وهذا يتطابق حرفاً بحرف مع ما قاله غيتس ومع ما فعلته القوات الأمريكية في سوريا وباكستان وما ستفعله قريباً في دول ومناطق أخرى.

ثلاثة تفـسيرات

نعود الآن إلى التّـفسيرات التي طرحها السفير السوري. التفسير الأول: القوات الأمريكية قامت بعملية الإنزال في منطقة البوكمال على الحدود السورية – العراقية كجزء من خطّـتها العسكرية الشاملة، الخاصة لإغلاق كل منافذ العراق في وجه المقاتلين العرب الراغبين في الانخراط في المعركة ضدّ القوات الأمريكية في بلاد الرافدين، وأيضاً كوسيلة لإرغام العراقيين على توقيع المعاهدة الأمنية مع الولايات المتحدة، الجزء الأول من هذه الخطة، بدأ قبل أشهر على الحدود السعودية – العراقية، التي كانت تشهد بالفعل حِـراكاً ملحوظاً في السابق، ثم تمدّد إلى الحدود الأردنية.

وخلال الأسبوع الماضي، كان جنرال أمريكي يهدّد علناً بضرب سوريا، لأنها “لا تزال البوّابة الوحيدة التي يتسلّـل منها “الإرهابيون” إلى العراق”، على حدّ تعبيره. هذا التفسير تعزّز بما قاله مسؤول أمريكي كبير لـ “نيويورك تايمز” الأسبوع الماضي، من أن الغارة على سوريا “تُـشبه الغارات العسكرية الأمريكية على المناطق الحدودية القبلية في باكستان، إذ في كِـلا الحالتين، الهدف هو ضرب الإرهاب الدولي إذا لم تقم الدولة المعنية بضربه، لا سيادة لأي دولة إذا لم تعمل على فرض سيادتها على أراضيها، وحين لا تفعل الدولة المعنية ذلك، يحق للولايات المتحدة الدّفاع عن نفسها وعن جنودها”.

التفسير الثاني: واشنطن أرادت توجيه رسالة عنيفة إلى كلٍّ من دمشق وطهران، تحذِّرهما فيها من مغبّـة التعرّض إلى قواتها أو مصالحها في لحظة الفراغ الراهنة التي تمرّ فيها السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم بسبب الانتخابات الأمريكية، مضمون الرسالة: الرئيس بوش مستعدّ للقتال حتى آخر قطرة من آخر لحظة له في البيت الأبيض، فحذاري!

أما التفسير الثالث (الإستراتيجي)، فيقوم على الفرضية بأن الجمهوريين يشعرون بقلق شديد من احتمال فشل مرشّـحهم للرئاسة ماكين فشلاً ذريعاً في الانتخابات، الأمر الذي سيشكِّـل نكسة كُـبرى للحزب الجمهوري وللمصالح الاقتصادية الضّـخمة التي يمثّل، ولذا، فإدارة بوش تبحث عن أية ذريعة لتحويل أنظار الأمريكيين إلى المسألة الأمنية بعيداً عن القضايا الاقتصادية التي يتفوّق فيها باراك أوباما تفوُّقاً كاسِـحاً على ماكين، وأي منفذ أمني أهمّ من إعادة تحريك ملف الإرهاب وأسامة بن لادن و”محور الشر” (وسوريا “عضو شرف” فيه)؟

كما يجب أن نتذكّـر هنا أن تل أبيب والعديد من الأطراف في واشنطن، كانت ولا تزال تتوقع أن لا يخرج بوش من البيت الأبيض إلا وهو قد أدخل الولايات المتحدة في حرب جديدة، خاصة ضد إيران وإلى حدٍّ ما سوريا.

أي التفسيرات الأقرب إلى الصحة؟ التفسير الأول وارد، والتفسير الثاني وارد أكثر، أما المقاربة الإستراتيجية، فهي قد تبدو للوهلة الأولى في حاجة إلى المزيد من الأدلّـة والبراهين، لكن من يعرف طبيعة أجهزة السلطة في المؤسسة الحاكمة الأمريكية، سيتذكّـر سريعاً بأن العديد من الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة، كان الصاعق فيها من اختراع أجهزة الاستخبارات الأمريكية: من خليج الخنازير في كوبا إلى خليج تونكين في فيتنام، ومن حرب العراق – إيران إلى (على ذمّـة أصحاب نظرية المؤامرة) 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن.

استهداف سوريا

هذه الحقائق تجعل الافتراضات الإستراتيجية تتساوق، على الأقل، مع الحقائق التكتيكية، وهذا يصحّ على وجه الخصوص بالنسبة لسوريا التي كانت منذ تسعة أشهر ولا تزال الآن، الهدف الأمني والإستخباري المفضّـل لتل أبيب وواشنطن، عِـوضاً عن طهران!

فسوريا كانت، قولاً وفعلاً، مكسّـر عصا لكل من تل أبيب وواشنطن، وأراضيها تحوّلت إلى ساحة فعلية لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وحلّت بذلك مكان لبنان الذي كان “ضيف الشرف” في هذه الوضعية الكارثية طيلة عقود عدة.

فمن الغارة الجوية الإسرائيلية في 16 سبتمبر 2007، على ما زُعم أنه مفاعل نووي صغير داخل الأراضي السورية على بعد 70 كيلومتراً من الحدود العراقية، إلى الغارة الأمريكية في 27 أكتوبر 2008، كانت مناعَـة النظام السوري وقُـدرات ردعه هي الهدف الأمريكي – الإسرائيلي.

كل هذه التطوّرات، مضافاً إليها التفجيرات الأمنية وعمليات الاغتيال التي باتت موسمية على الأرض السورية تشي بأمرين في آن: الأول، الأمن الداخلي السوري مستهدف، والثاني، انكشاف سوريا أمام المخاطر الإقليمية والدولية. والأمران مترابطان بالطبع، لكن الأولوية في الأهمية هي للأمر الثاني، بسبب الخلل في موازين القِـوى لصالح الولايات المتحدة وما يرتبه تغيير المواقف الأمريكية من مخاطر على أنظمة الشرق الأوسط.

كتب روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمؤسسة الدراسات الشرق الأدنى مؤخراً: “القادة الأمريكيون بشطريْـهم، الجمهوري كما الديمقراطي، لم يعودوا قلقين من أيّـة فوضى قد تنشأ في سوريا، لأنهم باتوا يعتبرون الأمر الواقع الرّاهن السوري مرفوضا، وأيضاً لثقتهم بأن الأمور ستؤول في النهاية لصالحهم بسبب عدم وجود مُـنافسين دوليين أو إقليميين لأمريكا يمكن أن يفيدوا من هذه الفوضى”.

ثم أضاف: “لبنان وسوريا هما المكانان الأولان اللّـذان تختبر فيهما واشنطن الآن نظرية اللاإستقرار البناّء. وهنا، يجب الانتباه إلى أن نظام الأسد هو، على الأرجح، الأكثر هشاشة في الشرق الأوسط”، على حدّ تعبير ساتلوف.

وبعد ساتلوف، كان أحد كبار منظّري المحافظين الجدد تشارلز كروثامر ينشر دراسة في “كومينتيري”، يوضح فيها بصريح العِـبارة بأن سوريا (وليس مصر والسعودية ولا حتى إيران)، هي التالية على جدول أعمال واشنطن. لماذا سوريا؟ لأنها برأيه “هشّـة ومهمة إستراتيجياً في آن، وأيضاً لأنها جزيرة مهمة متمرّدة في منطقة تتّـجه نحو “اللبرلة”، تمتدّ من البحر المتوسط إلى الحدود الإيرانية، وبالتالي، الضغط (الأمريكي) الذي لا يرحم على نظام الأسد سيولد فوائد جيوسياسية ضخمة “لدمقرطة” وتهدئة الهلال الخصيب برمّـته”.

.. والديموقراطيون أيضا

قد يعتقد البعض أن هذه التوجّهات قصر على إدارة بوش أو المحافظين الجدد، لكن هذا البعض مخطئ. فتغيير سلوك النظام السوري حِـيال قضايا مثل العراق وإيران وإسرائيل ولبنان، تحظى بإجماع الحزبين، الديمقراطي والجمهوري الأمريكيين.

الأساليب قد تختلف: من العصا بلا جزرة عند الجمهوريين، إلى الجزرة مع العصا عند الديمقراطيين، لكن الهدف واحد ومشترك. وقد تأكد هذا المنحى حين أصدرت مؤسسة بروكينغز النافذة، تقريرها المنتظر عن مستقبل العلاقات السورية – الأمريكية في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة العام المقبل.

فقد حبّذ التقرير (نُشر يوم 28 سبتمبر 2008) ما جاء في مبادرة بيكر – هاميلتون، التي صدرت في 6 ديسمبر 2006، والتي دعت إلى فتح حوار مع دمشق وطهران، لكنه اشترط أن يكون هدف هذا الحوار “نقل سوريا بالتدريج من وضعية الدولة المتشردة (ROGUE STATE) إلى وضعية الدولة العادية التي لا تعارض المصالح الأمريكية”.

التبريران اللذان قدّمتهما بروكينغز لفتح الحوار هما:

· أن حكومة إسرائيل مهتمة بشدة بالانخراط في مفاوضات سلام مباشرة مع سوريا، لكن الرئيس الأسد لن يُقدِم على هذه الخطوة، إلا إذا ما شاركت الولايات المتحدة فيها.

· سوريا هي معبر النفوذ الإيراني إلى لبنان والأراضي الفلسطينية، وبالتالي، فرض القيود على خط الأنابيب هذا، سيشكِّـل نكسة إستراتيجية لإيران، التي أصبحت الآن الخَـصم الإقليمي الرئيسي للولايات المتحدة.

. الحوار السوري – الأمريكي سيزرع بُـذور الشقاق بين دمشق وطهران، وهذا سيقلِـب ميزان القِـوى الإقليمية مجدّداً لصالح واشنطن، بعد أن اختلّ هذا الميزان بعد تعثّـر الغزو الأمريكي للعراق.

كما هو واضح، أي حوار بين الإدارة الأمريكية الجديدة مع سوريا سيتِـم في إطار شروط صارمة، تتعلّـق أساساً بتغيير سلوكِـيات النظام السوري الإقليمية: من مقاومة السياسات الأمريكية إلى الاندراج، وإن بالتدريج، فيها، وهذا يشمل (على الأقل بالنسبة إلى بروكينغز) لبنان.

جاء في التقرير: “يتعيّـن على الولايات المتحدة أن ترهن موافقتها على الاشتراك في المفاوضات المباشرة بين سوريا وإسرائيل، بضرورة حماية استقلال لبنان وتعزيز هذا الاستقلال. والواقع، أن أخطر ما في سياسة إدارة بوش الخاصة بمقاطعة سوريا، هي أن تل أبيب ودمشق قد تمضِـيان قُـدما في المفاوضات من دون واشنطن، الأمر الذي قد يُـسفر عن نسف استقلال لبنان، لأن إسرائيل ليس لديها سوى مصلحة واحدة في لبنان هذه الأيام: نزع سلاح حزب الله، وبالتالي، إذا ما وعدت سوريا بالقيام بذلك، سيكون لدى إسرائيل مبرّر لقَـبول عودة التدخّـل السوري في لبنان عبر جعل دمشق مسؤولة عن لجم حزب الله”.

ثم، ثمة نقطة أخرى أشار إليها مؤخراً أحد مساعدي مرشح الرئاسة الديمقراطي باراك أوباما، حين قال إن مشاركة الولايات المتحدة في المفاوضات المباشرة السورية – الإسرائيلية يجب أن تتضمن، ليس فقط مساندة دمشق للجهود الأمريكية لـ “مكافحة الإرهاب” في العراق، بل أيضا وقْـف تدفّـق الأسلحة عبر سوريا إلى حزب الله ثم العمل على نزع سلاح هذا الحزب.

لكن، ماذا لو فشلت واشنطن في فرض شروطها على دمشق؟

حينها، كما شدّدت بروكينغز، يتعيـّن على الولايات المتحدة “رفض دفع أي ثمن للسِّـلع السورية والانسحاب من المفاوضات مع التاجر الدمشقي”، هذه النقطة الأخيرة ليست تفصيلاً تفاوضياً تكتيكياً، بل هي ناجمة عن قلق أمريكي حقيقي من أن الرئيس السوري بشار الأسد سيرفض أية تنازلات تمَـس الدور العربي الإقليمي السوري.

والحصيلة؟

إنها واضحة أو يُـفترض أنها كذلك: سوريا تمُـر حقاً في مرحلة انتقالية صعبة على كل المستويات تقريباً: وضعها الإستراتيجي العام وغير المحسوم في المنطقة ودورها الإقليمي الرجراج بين المعسكرين الأمريكي – العربي “المعتدل” والإيراني والصراع على السلطة في الداخل وتنامي الحركات الأصولية المتطرفة فيها بفعل دعم تدفق الأموال النفطية إلى الأصوليات السورية وأخيراً، التوتر الشديد الذي تعيشه سوريا هذه الأيام بين رغبتها في الغَـرف من ثدْي العولمة الرأسمالية المُـغرية وبين إرادتها في الحِـفاظ على قطاع عام وسوق اشتراكي على النّـمط الصيني.

والآن، وفوق صَـرْح كل هذه التحديات الكبرى، ينتصب ما قد يكون أخطر: قرار أمريكي – إسرائيلي (وربما عربي “معتدل”) مشترك، بزعزعة الأمن السوري وإضعاف مناعته وقُـدرات ردعه العسكرية. وهنا، كان السفير السوري لدى واشنطن على حق: كل الاحتمالات حول أهداف الاعتداء الأمريكي على سوريا، أسوأ بالفعل من بعضها البعض!

سعد محيو – بيروت

واشنطن (رويترز) – يسلط الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة بطائرات الهليكوبتر على سوريا هذا الاسبوع الضوء على عزم ادارة الرئيس جورج بوش على عبور الحدود حين تستطيع ضرب هدف للعدو وفي الوقت نفسه مواجهة أي رد فعل دولي غاضب.

وصرح مسؤول أمريكي بأن الغارة التي وقعت يوم الاحد 26 أكتوبر، أسفرت عن مقتل ابو الغادية، وهو مهرب بارز يمد تنظيم القاعدة بالعراق بالمقاتلين الاجانب.

ونفت سوريا أن يكون ابو الغادية الهدف، وقالت ان ثمانية مدنيين أبرياء لاقوا حتفهم في الغارة. وأغلقت سوريا مؤسستين أمريكيتين في دمشق، وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم، انه فقَـد الامل في بوش. ونددت فرنسا وروسيا بالغارة.

وقال سفير سوريا لدى الامم المتحدة بشار الجعفري يوم الثلاثاء 28 أكتوبر، انه طلب من مجلس الامن الدولي اتخاذ اجراء لمنع تكرار هذا الهجوم وتحميل واشنطن المسؤولية عن الهجوم. وأدان السفير السوري “العدوان الصارخ” في رسالة بعث بها الى كل من الامين العام بان كي مون والسفير الصيني زانج يوسوي، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية لمجلس الامن.

وأحجمت ادارة بوش عن التعقيب او الاعتراف علنا بشن الغارة، على الرغم من الاحتجاجات، لكن مسؤولا بارزا بالجيش قال “أوضحنا تماما أننا سندافع عن قواتنا وشركائنا في مواجهة التهديدات، سواء الموسعة أو المحددة”. ويقول محللون إن أي خلاف دبلوماسي يمكن التعامل معه. وقال جيمس كارافانو، الاستاذ الزائر بكلية الحرب التابعة للبحرية الأمريكية والباحث في مؤسسة هيريتدج البحثية” “هذه مقايضة تقوم بها… الثمن ليس باهظا”.

وجاءت الغارة بعد أقل من شهرين من شن الولايات المتحدة هجوما بريا ضد متشددين يختبئون على الجانب الاخر من حدود أفغانستان في أراضي باكستان، مما أثار انتقادات لاذعة من قبل الحكومة الباكستانية. ولم ترِد انباء عن تكرار الهجوم البري، لكن غارات بطائرات بدون طيار استمرت دون توقف.

وأشار بعض المحللين الى أنه ربما كان هناك تفاهم بين الولايات المتحدة وسوريا قبل الهجوم، استنادا الى وجود هدف مشترك لوضع حد لزعزعة الاستقرار التي يشعلها نشاط تنظيم القاعدة داخل سوريا. وقال ماثيو ليفيت، مدير قسم مكافحة الارهاب والمخابرات بمعهد (نير ايست بوليسي) في واشنطن “كون سوريا نددت به (الهجوم)، لا يعني أنها لم تكن على علم مسبق به”.

وذكر اخرون أن هذا مستبعد، لكن سوريا وعلى الرغم من احتجاجها العلني، قد تنظر الى الهجوم بارتياح، لانها تعاني مشكلة داخلية متنامية مع المتشددين الاسلاميين وهي مثقلة بعبء اللاجئين العراقيين وتريد اقامة علاقات جيدة مع العراق في نهاية المطاف. وأضاف كارافانو “هذا في مصلحة سوريا”.

ويقول مسؤولون عسكريون أمريكيون، ان سوريا أصبحت اكثر تعاونا مما سبق في التعامل مع مشكلة دخول المقاتلين الاجانب الى العراق وان العدد تراجع على مدار العام المنصرم.

ويرى انطوني كوردسمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن سوريا تتمتع بدعم ضئيل نسبيا بين الدول العربية، مما يهديء من رد الفعل المحتمل لتلك الدول، وأضاف “من المؤكد أنه لم يكن زائدا”. وأوضح مسؤولون أمريكيون أن التحركات السرية ستكون جزءا قابلا للاستمرار لفترة طويلة من حرب الولايات المتحدة ضد الارهاب، التي تنفذها وكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي.اي.ايه) والقوات الخاصة بالجيش الامريكي.

وصرح مايكل فيكرز، مساعد وزير الدفاع الامريكي الاسبوع الماضي، بأن “معظم هذه الحرب حرب في الظل”. وكان يشرح الهدف من مضاعفة أعداد أفراد القوات الخاصة لتصل الى 65 الف فرد عن مستواها قبل هجمات 11 سبتمبر عام 2001. وأضاف “منطقة التحرك السري محورية بلا شك. كانت أداة حاسمة في الحرب الباردة وستظل أداة ضرورية في الحرب ضد الارهاب”.

غير أن محللين استبعدوا أن تعبر الولايات المتحدة الى ايران للاغارة على من تصفهم بأنهم أنصار التمرد في العراق هناك. وأضاف المحللون أنه سواء فاز الجمهوري جون ماكين او الديمقراطي باراك اوباما في الانتخابات الرئاسي، التي تجري يوم الثلاثاء 4 نوفمبر القادم، فانه من المستبعد أن تتخلى الولايات المتحدة عن سياسة شن غارات سرية عبر الحدود حين تتاح لها الفرصة او تظهر الحاجة لها.

وكان اوباما قد صرح بأنه سيرغب في مهاجمة زعيم بارز للقاعدة في باكستان اذا كانت الولايات المتحدة لديها معلومات مخابراتية جيدة ولم تتحرك باكستان ضده. وانتقد ماكين اوباما لقوله ذلك علنا.

وقلل المسؤول البارز بالجيش من أهمية التلميحات بأن التحركات العسكرية الاخيرة مرتبطة بالاجندة السياسية الامريكية. وقال “لا أشعر أن الدافع وراءها هو ساعة الانتخابات على الاطلاق. هذا غير صحيح”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 29 أكتوبر 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية