مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الــــمــــأزق!

بعد حسم رئاسة الحزبين الكبيرين، العمل والليكود، تستعد إسرائيل لحملة انتخابية ساخنة swissinfo.ch

تسير إسرائيل نحو الانتخابات العامة المقبلة في نهاية يناير وهي تحمل إلى صناديق الاقتراع ما يتجاوز شعارات المرشحين إلى ما هو أكثر يقينا على أرض الواقع المشتعل نيرانا.

ولعل في عملية مومباسا في كينيا، وهجوم بيسان في شمال الأغوار ما ينطق بتفسير هذا الأمر.

إن لم يحن بعد الموعد الرسمي لانطلاق الحملة الانتخابية في إسرائيل، فان الرصاصات التي عاجلت جموعا من ناخبي اليمين أمام مركز اقتراع على زعامة الليكود في بيسان، وتفجير الفندق الإسرائيلي في مومباسا، وحادثة إطلاق الصواريخ على طائرة”اركيع” في سماء كينيا في نفس اليوم من آخر نوفمبر الماضي، كلها تداعيات من شأنها أن تسبق الناخبين إلى صناديق الاقتراع.

ولمثل هذه التداعيات، أن تصب في سياق عام متوتر أصلا، ولها، استنادا إلى ما يؤكده معلقو إسرائيل، أن تجر المرشحين والناخبين معا إلى قرار لا تشكله المبادئ الحزبية فحسب، وإنما الحالة التي تولدها التراكمات الميدانية أيضا.

وقد ذهبت معلقة الشؤون الحزبية في صحيفة “يديعوت احرونوت”، كبرى الصحف في إسرائيل إلى القول، إن انتخابات الليكود جرت تحت وابل من النيران، وأن الناخبين قالوا “نعم” لِما يقوله شارون في الآونة الأخيرة “نعم لدولة فلسطينية، وانسحابات وتنازلات مؤلمة”.

وفي حين لا يجري تفسير هذا التوجه على أنه انتقال مفاجئ من حالة التطرف اليميني التي يعيشها الشارع الإسرائيلي، فإن المراقبين يرون في ذلك تصويتا ضد مواقف بنيامين نتانياهو، الذي “تتهمه” صفوف اليمين بالسعي، من خلال الوقوف على يمين اليمين، إلى قلب الأمور رأسا على عقب.

ولا يستثنى من الحديث كذلك، الآثار التي ولدتها عملية مومباسا وحادثة إطلاق الصواريخ على الطائرة الإسرائيلية في سماء كينيا. فهي تصب في ذات السياق، وإن كان لا يمكن التأكد من تأثيراتها المستقبلية على الشارع الإسرائيلي، فإن نتائجها المباشرة ستؤثر بلا ريب على توجهات الناخب الإسرائيلي.

وليس أدل على ذلك من التوصيفات التي حازتها العملية من وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي راحت تقدمها على أنها تستحق لقب “استراتيجية” وأنها، كما كتب معلق الشؤون الاستراتيجية في صحيفة هأرتس، “معدة لصياغة واقع آخر لزعزعة المنظومة الإسرائيلية، لدرجة أن تكون مضطرة لتغيير الاتجاه”.

المفارقة، أن العمليات هذه مست واحدة من أهم عناصر القوة الأساسية التي تتباهى بها إسرائيل، ويستخدمها زعمائها دوما أمام ناخبيهم، ألا وهي قوة الردع، ومع كبر حجم المفارقة عند التذكير بتزامن العمليات الأخيرة مع الخطاب السياسي الإسرائيلي المتكرر، الذي لا يخلو من الحديث عن قوة الردع الفائقة في حال وقوع هجوم عراقي مفترض.

الخروج من اليمين إلى اليمين

وإذا كانت خارطة الانتخابات الإسرائيلية قد اتضحت أكثر بعد تكريس ارييل شارون زعيما لحزب الليكود مقابل “الحمائمي” الجديد عمرام متسناع على رأس حزب العمل، فإن صورة اليمين والوسط واليسار ما زالت غامضة، ولعل العمليات الأخيرة تلعب دورا إضافيا في ذلك.

فعلى مدار أكثر من عام، ساهم الائتلاف الوطني بين الليكود والعمل في تضييق الفجوة بين التيارين الرئيسيين في إسرائيل، والتي انتقل شارعها الانتخابي إلى جهة اليمين، في الوقت الذي ساعدت فيه سياسة بنيامين بن اليعازر، رئيس حزب العمل السابق، في ضياع كثير من أصوات تيار يسار الوسط.

وفي إسرائيل، يكثر الحديث عن اليمين، إذ لا آثار قوية لوجود تيار الوسط، باستثناء حركة “شينوي” التي لا يتقوع لها أن تتقدم أكثر في الانتخابات المقبلة في ظل تعاظم سلطة اليمين الذي يبدو وأنه مركز الجذب.

ويرى معلقون في تصريحات “الحمائمي” عمرام متسناع المتشددة الأخيرة، خصوصا تلك التي أوغل فيها بوصف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بالإرهاب، مؤشرا على أن زعيم حزب العمل الجديد سيضطر أيضا للجوء إلى الخطاب اليميني المتشدد للاستمرار في حملته الانتخابية.

وتبدو الصورة أكثر غموضا عند الرجوع إلى استطلاعات الرأي التي تشير أن حوالي 60% من أعضاء الليكود يؤيدون إقامة دولة فلسطينية، والتفاوض مع السلطة الفلسطينية، تاركين الفجوة بين اليمين ويسار الوسط وكأنها انعدمت.

وصحيح القول، ان حزب العمل وخلال الانتخابات الداخلية الأخيرة التي أخرجت متنساع إلى الصدارة، قد استطاع وقف التدهور الذي أصابه. لكن الفجوة بينه وبين الليكود لا زالت كبيرة، ولا يمكن التغاضي عنها.

الاختناق

لم يكن لحديث الشارع الإسرائيلي في الأيام الأخيرة سوى الانتخابات والتأمل في عمليات بيسان ومومباسا وطائرة اركيع إلى درجة اختلاط الأمرين معا إلى حد يصعب فيه الفصل. وتقول وسائل الإعلام الإسرائيلية، إن تصريحات شارون ووزير دفاعه شاؤول موفاز حول ضرب الإرهاب في كل مكان، لم تُجدِ نفعا.

وكتب المعلق السياسي في صحيفة معاريف اليمينية غداة هذه الهجمات يقول “إن الشعور الرئيسي الذي بات يلازمنا بعد هاتين العمليتين، هو شعور شديد الوطأة بالاختناق. طريق مسدود دون مخرج، وما من مناص”.

لم يكن هذا كل ما في الأمر، بل أن المعلق في الصحيفة المقربة من شارون استطرد يقول عن نتائج العمليتين “إن شارون يستعد الآن للفوز بولاية حكومة ثانية، وهي لن تكون سهلة. فعليه أن يجتاز الحرب على العراق بسلام، ويتعين عليه أن يضع حدا للإرهاب الفلسطيني، وهو يعد بان يجلب السلام. كما يتعين عليه أن يهدى حزب الله وينقذ الاقتصاد، وها هو الآن يضيف إلى القائمة اسم بن لادن، الشخص الذي قلب ظهر المجن لأمريكا وبقي حيا يرزق”.

أما معلق صحيفة هارتس، صحيفة النخبة المعتدلة، فإنه كتب عن نفس الموضوع قائلا، “إن الشعور الرئيسي الذي يلازمنا بعد تلك العمليات، هو الشعور الشديد الوطأة بالاختناق. نحن أمام طريق موصدة بلا مخرج، وما من ملاذ”.

هشام عبدالله – رام الله

تجرى الانتخابات العامة الاسرائيلية يوم 28 يناير 2003
يضم الكنيست 120 مقعدا
انتخب حزب العمل رئيس بلدية حيفا عمرام متسناع زعيما له خلفا لبنيامين بن اليعازر
حافظ تحالف الليكود على أرييل شارون زعيما له لخوض الانتخابات

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية