مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الفزّاعة الإسلامية.. والمسيرة الديمقراطية

الدكتور ناثان براون، كبير الباحثين في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي والمشارك في برنامج المؤسسة لدراسة التحول الديمقراطي في العالم العربي swissinfo.ch

نجح الحكام العرب في إقناع الولايات المتحدة بأن ضغوطها عليهم من أجل إجراء انتخابات حرة، أتت بالإسلاميين بدرجات متفاوتة من القوة السياسية وأن عليها أن تتريّـث في الدفع باتجاه الديمقراطية في العالم العربي..

فهل تبطئ “الفزّاعة الإسلامية” مسيرة التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي؟

في حوار أجرته سويس انفو مع الدكتور ناثان براون، كبير الباحثين في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي والمشارك في برنامج المؤسسة لدراسة التحول الديمقراطي في العالم العربي، كشف الخبير الأمريكي النقاب عن جوانب متعددة للفزّاعة الإسلامية.

سويس انفو: نلاحظ أن أمريكا فقدت شهيتها لدفع مسيرة الديمقراطية في العالم العربي في أعقاب تعزيز الانتخابات العراقية لقوة الأحزاب الإسلامية ونجاح الإخوان المسلمين في مصر ثم فوز حماس بالانتخابات الفلسطينية، فهل سنرى تراجعا أمريكيا عن دفع المسيرة الديمقراطية؟

ناثان براون: أعتقد أن حماس إدارة بوش لدفع التحول الديمقراطي في العالم العربي قد خفّ بدرجة ملحوظة، ولكن لن يتلاشى تماما، وقد مر فتور الحماس الأمريكي بمرحلتين: مرحلة من التردد في أعقاب تعزيز المكانة السياسية للأحزاب الإسلامية من خلال صناديق الاقتراع في العراق، ثم النجاح غير المسبوق لجماعة الإخوان المسلمين في الوصول إلى 88 مقعدا في مجلس الشعب المصري، وجاءت المرحلة الثانية بعد فوز حماس بالأغلبية في الانتخابات الفلسطينية لتغير ترتيب أولويات السياسة الخارجية لإدارة بوش وتتوارى مسألة دعم الديمقراطية في العالم العربي بعيدا عن مركز الصدارة، مما يعني أن هناك تراجعا أمريكيا عن فكرة وضع التحول الديمقراطي في العالم العربي على رأس قائمة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية.

سويس إنفو: يبدو أن ذلك قد شجع الزعماء العرب على التلكؤ في خطى الإصلاح إلى أن يطوي التاريخ سجلات فترة الرئيس بوش الثانية بعد عامين، فهل سيتمكنون من ذلك؟

ناثان براون: ستحاول الأنظمة العربية الحالية بدون أي شك الاستفادة من التراجع الأمريكي عن الدفع بقوة باتجاه الإصلاح والتحول الديمقراطي في العالم العربي، والانتظار إلى أن تمر عاصفة بوش لنشر الحرية والديمقراطية، خاصة وأنها استطاعت بالفعل احتواء الضغوط الأولية لإدارة بوش، وهناك أمثلة عديدة على انتهاز الحكام العرب لفرصة التردد والتراجع الأمريكي. ففي مصر تأجلت الانتخابات البلدية لمدة عامين، وتباطأ تنفيذ وعود الإصلاح، وفي العراق لم يعد زعماء التكتلات السياسية يستجيبون للضغوط الأمريكية لتشكيل حكومة جديدة، والسعودية ترفض إجراء انتخابات لمجلس الشورى فيها، والحكومة اليمنية تمارس التضييق على الإعلام قبيل انتخابات الرئاسة، وتونس تشهد جمودا واضحا في جهود الإصلاح، والسبب الأساسي في كل تلك المظاهر هو شعور الحكام العرب بأن عاصفة الضغط الأمريكي من أجل التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي قد مرت بسلام!

سويس إنفو: هل كان نجاح الإسلاميين في الانتخابات في عدد من الدول العربية الفزاعة التي أخافت الولايات المتحدة؟

ناثان براون: أعتقد أن الإدارة الأمريكية بدأت تشعر بخوف حقيقي إزاء ما أسفرت عنه الانتخابات الديمقراطية من صعود للإسلاميين، خاصة في مصر، بل وفي أي انتخابات قد يتم إجراؤها في بلاد عربية أخرى إذا واصلت واشنطن دفع مسيرة التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي، لذلك، قررت الحكومة الأمريكية أن تغمض أعينها عن قرار الحكومة المصرية تأجيل الانتخابات البلدية لمدة عامين، وكذلك لم نسمع ردا أمريكيا على المجابهة الحالية مع القضاة المصريين، ولاحظنا أن انتقادات ومآخذ واشنطن على التصرفات غير الديمقراطية للنظام المصري لم تعد تأخذ الشكل العلني، ولم تعد تحتل العناوين الهامة وإنما تجرى مناقشتها بهدوء في محادثات واتصالات بين الحكومتين.

سويس إنفو: هل يعني ذلك أن الولايات المتحدة ستغمض عينيها إذا واصل الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر إعداد المسرح السياسي لتوريث الحكم من مبارك الكبير إلى ابنه جمال؟

ناثان براون: يجب ألا نبالغ في تقدير مدى التأثير والنفوذ الذي تحظى به الولايات المتحدة لدى نظام الحكم في مصر، فليس بوسع واشنطن أن تشارك في تحديد من الذي سيحكم مصر بعد حسني مبارك، ولكنني أعتقد أن الإشارات الصادرة عن الإدارة الأمريكية حاليا تشير إلى أن واشنطن لن تكون في وضع من يرفض بشدة عملية نقل السلطة في مصر من الرئيس مبارك إلى ابنه جمال.

سويس إنفو: بالتالي، فلن تعترض الولايات المتحدة على استمرار احتكار الحزب الوطني للحياة السياسية في مصر، رغم تشجيع إدارة الرئيس بوش، لأن تقود مصر حركة التحول الديمقراطي والتعددية السياسية في العالم العربي؟

ناثان براون: بدون شك تخشى الولايات المتحدة من أن يقود الدفع بقوة وبسرعة نحو التحول الديمقراطي في مصر إلى تولي الإسلاميين السلطة، وإذا بدأ ذلك في مصر، فسوف يحدث في عواصم عربية أخرى، لذلك لم نجد انتقادا أمريكيا لاذعا للمخالفات الجسيمة التي انطوت عليهما المرحلتان، الثانية والثالثة، من الانتخابات البرلمانية في مصر، حيث تدخلت الحكومة بشكل سافر للحيلولة دون حصول الإخوان المسلمين على المزيد من أصوات الناخبين ومقاعد مجلس الشعب المصري، ويجب ألا ننسى كذلك أن للولايات المتحدة قائمة طويلة من المصالح الأخرى مع النظام المصري، لذلك لم تمارس واشنطن ضغوطا تذكر على الرئيس مبارك فيما يتعلق بخطوات الإصلاح.

سويس إنفو: ولكن هناك تصاعد في الضغط الأمريكي لإسقاط حكومة حماس التي أتت بها انتخابات فلسطينية، وصفتها الإدارة الأمريكية بأنها من أكثر الانتخابات حرية ونزاهة في العالم العربي، ألا يعد ذلك تناقضا بين القول والفعل؟

ناثان براون: إذا وجهت هذا السؤال إلى أي مسؤول في إدارة الرئيس بوش فسيقول لك: “إن الناخبين أحرار في انتخاب من يحبونه، وللولايات المتحدة مطلق الحرية في التعامل أو عدم التعامل مع من تم انتخابهم”، ولكنني لست مقتنعا بذلك النوع من الإجابة لأن الرسالة التي ينطوي عليها ذلك الموقف الأمريكي هي أنها تقول للإسلاميين في العالم العربي، إذا فزتم في أي انتخابات مهما كانت حرة ونزيهة، فإن الولايات المتحدة لن تتعامل معكم، وهذه رسالة في منتهى الخطورة، والأخطر منها أن الولايات المتحدة تقول من خلال أفعالها للعالم العربي: إذا فازت حماس بالانتخابات الفلسطينية فإن الولايات المتحدة لن تقف لتنتظر سقوط حكومة حماس، ولكنها ستحاول دفعها للسقوط. والنتيجة المنطقية الوحيدة لتلك الرسالة ستكون إلحاق أبلغ الضرر بمصداقية الولايات المتحدة في المنطقة. وأنا شخصيا أعتقد أن حكومة حماس تواجه صعوبات جمة وسيتعيّـن عليها في نهاية المطاف التعامل مع الواقع، ولذلك يجب ألا تكون الولايات المتحدة في وضع من سيصبح المسؤول عن إسقاط حكومة حماس المنتخبة.

سويس إنفو: هل يعني هذا أن الولايات المتحدة ليست مستعدة للتعامل مع أي حكومة يشكلها الإسلاميون إذا نجحوا في الانتخابات في أي دولة أم أنها ستتعامل فقط مع الإسلاميين الذين لا يستخدمون العنف؟

ناثان براون: من الناحية النظرية، أعتقد أن الولايات المتحدة ستكون راغبة في التعامل مع الإسلاميين المعتدلين، ولكن من الناحية العملية تأمل الولايات المتحدة في أن يتمكن الإصلاحيون الليبراليون العلمانيون من الوصول إلى السلطة في العالم العربي، أو أن يذهب الإسلاميون المعتدلون، في حال وصولهم إلى السلطة، إلى حدود ليسوا مستعدين عادة لقبولها، وربما سيكون أفضل اختبار لنوايا واشنطن إزاء الإسلاميين هو رد فعلها على الانتخابات القادمة في المغرب ودور حزب العدالة والتنمية الإسلامية في تلك الانتخابات.

ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن ذلك الحزب هو أكثر الأحزاب الإسلامية اعتدالا في العالم العربي، وربما يكونون أكثر استعدادا للتعامل معه إذا فاز في انتخابات المغرب من استعداد واشنطن للتعامل مع الإخوان المسلمين في مصر أو جبهة العمل الإسلامي في الأردن.

فإذا فاز حزب العدالة والتنمية في المغرب وأقبلت الإدارة الأمريكية على التعامل مع الحكومة التي قد يشكلها، فسيعني ذلك ظهور صورة أفضل للتعامل الأمريكي مع الحركات الإسلامية التي قد يأتي بها التحول الديمقراطي في العالم العربي.

سويس إنفو: ولكن، ألا تعتقد أن للحكومات العربية ضغوطها على واشنطن لتفادي الاتصال أو التعاون مع الإسلاميين حتى إذا نجحوا في الانتخابات البرلمانية؟

ناثان براون: هذا صحيح، وعلى سبيل المثال فإن الحكومة المصرية تعاني من إفراط في الحساسية عندما تبدأ دول أجنبية كالولايات المتحدة في الحديث أو الحوار مع المعارضة المصرية، وخاصة مع الإخوان المسلمين، ولذلك، يظل هناك فضول لدى الإدارة الأمريكية لم تشبعه إجابة شافية فيما يتعلق بالأجندة الحقيقية لجماعة الإخوان المسلمين وحقيقة التزامهم بالعملية الديمقراطية، وقواعد اللعبة السياسية، وتداول السلطة. والمشكلة، أن أي محاولة أمريكية للاقتراب من الأخوان المسلمين وتفهمهم، ستسفر عن نتائج بالغة السوء في العلاقات الثنائية مع مصر.

سويس إنفو: ما هو في رأيك التحدي الأكبر الذي تواجهه حاليا عملية التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي؟

ناثان براون: إن التحدي الكبير الحقيقي بالنسبة لعملية التحول الديمقراطي في العالم العربي هو: هل يمكن إقامة نظام سياسي يستطيع استيعاب الحركات الإسلامية السياسية؟ والسبب في أن هذا يشكل تحديا هو أن المستقبل القريب سيشهد نجاحا واضحا لمرشحي الحركات الإسلامية في كل انتخابات يتم إجراؤها، وطالما بقيت النظم السياسية الحالية والأطراف الأجنبية مثل الولايات المتحدة رافضة للتعامل معهم، وطالما واصلت تلك الحركات الإسلامية رفضها تقديم ضمانات تؤكد التزامها بقواعد اللعبة الديمقراطية، فلن يكون هناك تحول نحو الديمقراطية في العالم العربي.

محمد ماضي – واشنطن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية