مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الماء في دارفور.. من مُـفـجـر للنزاع إلى عامل لإحلال السلام في الإقليم؟

في مخيم "ابو شوك" بإقليم دارفور، أطفال ينتظرون دورهم في الطابور في أحد أيام شهر أبريل 2011 من أجل الظفر بكمية ضئيلة من الماء. Keystone

تعتزم الأمم المتحدة عقد مؤتمر دولي في العاصمة السودانية في موفى شهر يونيو الجاري حول "الماء والسلام المستدام في دارفور"، فيما يمكن اعتباره محاولة للتخفيف من أسباب النزاع المزمن في الإقليم.

كما يسعى المؤتمر الذي تشارك فيه المنظمات الأممية المختصة والدول المانحة والحكومة السودانية إلى تطوير مشاريع تقوم على إشراك السكان المحليين في حل معضلة تقاسم المياه بين القبائل.

وفي الوقت الحاضر تستكمل الأمم المتحدة الإستعدادات لعقد المؤتمر في الخرطوم يومي 27 و 28 يونيو 2011. وسيلتئم تحت شعار “الماء في خدمة السلام المستدام في دارفور”، بمشاركة بعثة الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة بدارفور، ومكاتب منظمات أممية عاملة في السودان من بينها برنامج الأمم المتحدة للبيئة، واليونيسيف، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرها.

الماء أحد أسباب الصراع

الحديث عن تقاسم المياه في ولايات إقليم دارفور الثلاثة، يعني التطرق إلى موضوع حساس في منطقة تزيد مساحتها عن 500 الف كيلومتر مربع، متاخمة للصحراء، وتتعرض لتأثيرات مناخية متعددة من أهمها الجفاف. كما تشهد نموا ديمغرافيا متسارعا فاق الستة أضعاف خلال الخمسين عاما الماضية حيث وصل إجمالي عدد السكان حاليا إلى 7،8 مليون نسمة. أما العنصر الأكثر تأثيرا في موضوع تقاسم المياه (أو ما كان الصراع على تقاسم المياه أحد عناصره الرئيسية)، فهو الصراع المسلح الدائر في المنطقة منذ أكثر من عقدين.

من أجل ذلك، محمد يونس، ممثل النائب الخاص المشترك لبعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في تصريح أدلى به إلى swissinfo.ch: “نحن نعتقد أن مشكلة المياه في دارفور صعبة.. كما أن الماء في دارفور أصبح أحد المشاكل التي تسببت في الحرب”، وإذا ما تم العثور على حل لمشكلة المياه في دارفور “فإن هذا سيساعد في إحلال السلام”، على حد قوله.

في السياق نفسه، يقول نيلس كاستربيرغ، ممثل صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف): “ما نريد القيام به هو تحويل الماء إلى وسيلة لدعم السلام بدل أن يكون عنصر صراع”. ويشرح ذلك بقوله: “لكي يتحول الماء إلى وسيلة سلام هناك عدد من الشروط التي يجب توفرها والتي نحاول التوصل إليها مع الحكومة السودانية: أولا حرية التنقل التي تسمح لنا بالتحرك في مختلف مناطق دارفور بأقل عراقيل بيروقراطية ، والقدرة على الوصول على مختلف أطراف  الصراع”.

ويعود تشديد كاستتربيرغ على مسألة الوصول إلى “جميع الأطراف” المنخرطة في الصراع إلى الحرص على تفادي تهم الإنحياز أو المحاباة لأي كان ويقول: “لو ندعم مجموعة محددة من أجل الوصول الى الماء معنى ذلك أننا نشارك في الصراع، لذلك نرغب في تحويل الدعم من أجل الوصول الى الماء إلى وسيلة لفتح الحوار بين مختلف المجموعات ومن خلال ذلك حل مشكلة الوصول الى المياه وفي نفس الوقت تعزيز قواعد السلام على أساس حوار منطلق من المنطقة ذاتها..”.

في المقابل، يرى روبين بافي، مدير عمليات برنامج الأمم المتحدة للبيئة في السودان أن نجاعة هذا التحرك يكمن في أنها عبارة عن “عملية مشتركة ، بادرت بها الأمم المتحدة، وانظمت إليها الحكومة السودانية وتشارك فيها المنظمات غير الحكومية”. ويضيف “سوف لن نتوقف عند هذا الحد بل، سنطلب من الحكومة نقل الموضوع الى دارفور وإجراء مشاورات مع سلطات الولايات الثلاث ومع الشركاء الآخرين والسكان في المنطقة”.

1،5 مليارا، من أجل 56 مشروعا

المؤتمر الذي سينكب على معالجة ملف المياه في دارفور سيركز اهتمامه على ضمان توفير مبلغ 1،5 مليار دولار من أجل تمويل حوالي 56 مشروعا في شتى ميادين إنتاج وتوزيع وإدارة المياه بطريقة مستدامة في الإقليم الذي يقع غرب السودان.

من بين هذه المشاريع يذكر روبين بافي، مدير عمليات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في السودان تلك التي تهمّ منظمته مثل “تكوين  الإطارات المشرفة على إدارة المياه  في ولايات دارفور الثلاثة بميزانية 12 مليون دولار” ومشاريع أخرى “لها علاقة  بالتكيف مع ظاهرة التغيرات المناخية  وهي عنصر هام في منطقة مثل الساحل التي تعاني من نقص في المياه. وهناك بالطبع كل ما له علاقة  بإدارة قدرات حجز المياه بالخصوص في المناطق التي تعرف تساقطا للأمطار في شمال وجنوب دارفور لتكون بمثابة أنموذج تتبعه الحكومة فيما بعدُ حول طرق حجز المياه” والإستفادة منها.

من جهته، يضيف نيلس كاستربيرغ، مدير مكتب اليونيسف في السودان أنه توجد “هناك مشاريع لتعزيز قدرات حفر الآبار لتوفير مزيد من المياه الصالحة للشرب وليس الإعتماد فقط على ما تقوم به الحكومة، وتشجيع لجان أو مؤسسات محلية على إدارة عملية الحفر وصيانة المضخات المستعملة”.

مسئولية الحكومة، والتزامات المجموعة الدولية

في الواقع، يتطلب تمويل هذه المشاريع على مدى السنوات الست القادمة، جمع 1،5 مليار دولار، وهو اختبار حقيقي لمسؤوليات الدول المانحة التي لا تتوانى عن ترديد رغبتها في إحلال السلام في إقليم دارفور ووضع حد للنزاعات القائمة فيه منذ عدة سنوات.

في المقابل، تقع المسئولية الكبرى على عاتق الحكومة السودانية التي تعتبر مسؤولة عن تأمين ظروف العيش الكريم لكل مواطنيها ويأتي في مقدمة ذلك “توفير المياه الصالحة للشرب بدون تمييز”.

وفي هذا الصدد، قال السيد محمد يونس، ممثل النائب الخاص المشترك لبعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي: “طبعا، الحكومة السودانية من واجبها المساهمة في هذه القضية وأن تخصص أموالا كافية لتأمين المياه الصالحة للشرب والتنمية في أقاليم دارفور كلها”.

وفيما يتعلق بإشراك السلطات المحلية والسكان في المسار برمته، يقول السيد محمد يونس: “لقد أجرينا حوارا مع السلطات المحلية في دارفور ومع السكان، ونريد أن يفهم الجميع عُمق مشكلة المياه ومدى إسهامها في حل قضية السلام لأننا نعتقد بأن حلها يمكن أن يصبح  بمثابة وسيلة لإحلال السلام”.                 

تمتد مساحة إقليم دافور غرب السودان بولاياته الثلاث على أكثر من 500 الف كيلومتر مربع.

يقطن الإقليم حوالي 7،8 مليون نسمة، ويتميز بنمو ديموغرافي قوي حيث تضاعف العدد الإجمالي لسكانه ست مرات خلال الخمسين عاما الماضية.

في المتوسط، لا يحصل سكان دارفور إلا على 9 لترات من الماء في اليوم الواحد، أما في المناطق الحضرية التي تؤوي نصف عدد سكان الإقليم، فقد يصل المعدل إلى حوالي 25 لتر في اليوم.

يُـعـدّ هذا النقص في الوصول الى المياه الصالحة للشرب أحد أهم أسباب الصراع الدائر في المنطقة منذ نحو عقدين.

من أجل الإسهام في حل هذه المشكلة، تعتزم الأمم المتحدة تنظيم مؤتمر حول القضية يومي 27 و 28 يونيو 2011 بالخرطوم بالإشتراك مع السلطات الوطنية والإقليمية.

يهدف المؤتمر إلى جلب انتباه المجموعة الدولية  وحثها على تمويل عشرات المشاريع التي تساعد على التحكم في الموارد المائية وتوزيعها بالعدل بين السكان.

من المنتظر أن يطالب المؤتمر الجهات المانحة بتوفير 1،5 مليار دولار من أجل تمويل حوالي 56 مشروع تتراوح ما بين تحسين وسائل جمع مياه الأمطار وحسن إدارة معالجتها وتوزيعها وصولا إلى تعزيز إمكانيات حفر الآبار وإدارتها.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية