مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المجلس الأوروبي ينتقـد.. وبرن تعترض

من اليمين، وزير الداخلية باسكال كوشبان ومفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي ألفارو خيل-روبليس لدى زيارته لبرن العام الماضي. (الصورة التقطت يوم 29 نوفمبر 2004) Keystone

اعترضت الحكومة السويسرية يوم الأربعاء على بعض النقاط الواردة في تقرير مفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي الذي انتقد معاملة طالبي اللجوء في الكنفدرالية.

وبينما أكدت برن أنها “أخذت علما” بمضمون التقرير وأنها ستحوله إلى البرلمان والكانتونات، حذر الحزب الاشتراكي وعدد من المنظمات غير الحكومية من عواقب تشديد قانون اللجوء في سويسرا.

بات واضحا أن سياسة اللجوء السويسرية أضحت من أبرز نقاط ضعف الكنفدرالية في مجال حقوق الإنسان. فهي أثارت بعدُ انتقادات صريحة ومتكررة من منظمات دولية حكومية أو غير حكومية، من الأمم المتحدة إلى منظمة العفو الدولية. وهاهي الآن تُطعم تقرير مفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، الإسباني ألفارو خيل-روبليس، الذي لجأ والده إلى سويسرا أثناء فترة حكم فرانكو لإسبانيا..

التقرير الذي أُعلن عن مضمونه يوم الأربعاء 8 الجاري في ستراسبورغ -والذي جاء في 52 صفحة- استعرض استنتاجات الزيارة القصيرة التي قام بها المفوض الأوروبي إلى سويسرا بين 29 نوفمبر و3 ديسمبر 2004.

وكان قد التقى خلال تلك الزيارة بوزيرة الخارجية ميشلين كالمي راي ووزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر ووزير الداخلية باسكال كوشبان، بالإضافة إلى عدد من النواب البرلمانين وممثلي المنظمات غير الحكومية. وقادته جولته في الكنفدرالية إلى كانتونات فو وجنيف وزيورخ وتيشينو.

ملاحظات المفوض خيل-روبلس لم تكن سلبية في مجملها إذ أكد أن حقوق الإنسان تُحترم في سويسرا “على مستوى عال جدا”. في المقابل، أدان في تقريره بعض الممارسات في مجال اللجوء وبعض الأعمال العنصرية، إضافة إلى ظاهرة الاكتظاظ التي باتت تعاني منها بعض المؤسسات السجنية.

انتقادات مفوض المجلس الأوروبي

فيما يخص سياسة اللجوء، انتقد المفوض الأوروبي ترحيل بعض طالبي اللجوء فور نزولهم من الطائرة التي أقلتهم إلى سويسرا، معربا عن اعتقاده أن تلك الممارسة تحرم الشخص المعني من تقديم طلب اللجوء وتتعارض بالتالي مع القانون الدولي.

ويوصي المفوض خيل-روبلس بهذا الشأن أن يتوفر شاهد يتولى التحقق من أن الشخص تمكن من التقدم فعلا بطلب اللجوء لدى وصوله إلى المطار قبل اعتباره طالب لجوء “غير مقبول” في الأراضي السويسرية.

ويذكر أنه منذ عام 1997، لا تنظر سلطات اللجوء السويسرية أصلا فيما بين 5000 إلى 8000 طلب سنويا باعتبارها “غير مُبررة”. لذلك، يطالب المفوض الأوروبي بتوفير مساعدة قانونية واجتماعية للأجانب الذين تقرر السلطات عدم النظر في طلباتهم، وبتمديد الأجل المتاح لهم للطعن في مثل هذا القرار.

وكانت سويسرا قد قررت اعتبارا من فاتح أبريل 2004 إقصاء تلك الفئة من طالبي اللجوء (ممن يُقرر عدم النظر في طلباتهم أو طردهم من الكنفدرالية) من نظام المساعدات الاجتماعية. وبدأت السلطات بالفعل في تطبيق القرار على الذين قدّموا طلبات غير مُبررة أو الذين يتصرفون بأسلوب مُخالف للقانون أثناء فترة طلب اللجوء.

وعدا سياسة اللجوء، شدد التقرير على ظاهرة الاكتظاظ في بعض السجون السويسرية مثل “شون-دولون” في جنيف الذي يسجل نسبة امتلاء تصل إلى 150%. كما أعرب المفوض خيل-روبليس عن استياءه من الافتقار لحراس أكفاء في مجال التعامل مع المساجين القُصر، موضحا أنه استنتج ذلك النقص لدى زيارته لسجن “لاستامبا” بمدينة لوغانو في كانتون تيشينو الجنوبي.

وحول هاتين النقطتين، أوصى مفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي بإنشاء منصب وسيط فدرالي ووسطاء على مستوى الكانتونات والمدن. كما أعرب عن أمله في إنشاء مؤسسة وطنية مستقلة تُعنى بحقوق الإنسان.

أما على صعيد الممارسات العنصرية، فقد أوضح المفوض في تقريره أنه “صُدم” ببعض الشهادات عن تجاوزات الشرطة السويسرية. وشدد في هذا السياق على ضرورة تكوين قوات ضبط الأمن لتفادي ارتكاب أعمال عنصرية ومعادية للأجانب. كما دعا إلى إنشاء هيئة تُكلف في التحقيق في الشهادات التي تتهم الشرطة السويسرية بسوء المعاملة.

ومن المقترحات التي وردت أيضا في تقرير المفوض الأوروبي، متابعة تطبيق إجراءات الحبس على مدى الحياة للمجرمين الخطرين ومحاربة العنف العائلي. كما انتقد مشروع المراقبة المشددة التي فرضتها وزارة العدل والشرطة على مكتب المدعي العام الفدرالي.

ردود وتعليقات برن

وقد سارعت برن يوم الأربعاء بالرد والتعليق على ملاحظات مفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي. وجاء في بيان صدر عن وزارة العدل والشرطة أن الحكومة السويسرية “أخذت علما” بتقرير المفوض ألفارو خيل-روبليس وأنها ستنقله إلى البرلمان والإدارة الفدرالية والكانتونات.

وأوضح البيان أن برن “تأخذ مأخذ الجد” الملاحظات الواردة في التقرير رغم وجود “نقط خلاف فيما يتعلق ببعض المجالات”.

ففي مجال اللجوء، شددت الحكومة السويسرية على أنه يُـفتتح ملفّ لكل طلب لجوء حتى في حال عدم توفر الشخص المعني على أوراق تثبت هويته. كما نوهت برن إلى أن الكانتونات مُجبرة، وفقا لما ينص عليه الدستور الفدرالي، على تقديم المساعدات الأساسية للأشخاص الذين يفتقرون لأدنى وسائل العيش.

وفيما يتعلق بمقترح إنشاء مؤسسة وطنية معنية بحقوق الإنسان، ذكرت برن بأن البرلمان الفدرالي يبحث حاليا فكرة إنشاء لجنة فدرالية لحقوق الإنسان. ويشار في هذا السياق إلى أن الحزب الاشتراكي السويسري انتهز الفرصة بعد صدور تقرير المفوض خيل-روبليس يوم الأربعاء لمطالبة البرلمان بالإسراع بأعماله لإنشاء اللجنة.

وعلى مستوى اتهامات سوء المعاملة الموجهة للشرطة السويسرية، شددت الحكومة السويسرية على أن المرشحين في مدارس الشرطة يتابعون بعدُ دروسا في أخلاقيات المهنة. كما أشار إلى أنه يبحث إمكانية توقيع معاهدة المجلس الأوروبي حول المتاجرة بالبشر، مثلما يرغب في ذلك المفوض خيل-روبليس. في المقابل، نوهت برن إلى أن القانون السويسري نظّم بعد شروط إقامة ضحايا تلك الظاهرة وأنه يتطابق مع متطلبات معاهدة المجلس الأوروبي.

وفيما يخص الرقابة المشددة على مكتب المدعي العام الفدرالي، أشارت الحكومة الفدرالية إلى وجود ما وصفته بـ”سوء تفاهم”، إذ أوضحت أن الأمر يتعلق تحديدا بنقل مراقبة المحكمة الجنائية الفدرالية إلى وزارة العدل والشرطة لتفادي اتهامات الانحياز خلال المحاكمات.

تقرير “غير مُلزم” لكنه “دامغ”

من جانبه، حرص كلود ألترمات، رئيس قسم المجلس الأوروبي في وزارة الخارجية السويسرية على التنويه إلى أن تقرير المفوض خيل-روبليس ليس مُلزما لسويسرا بل هو مجرد نص يتضمن جملة من التوصيات. وقال في هذا الصدد: “إن العلاقات بين سويسرا والمجلس الأوروبي لن تتغير”.

أما النائب في حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد هانس فير، عضو لجنة المؤسسات السياسية في مجلس النواب (الذي سينكب على ملف اللجوء يومي 23 و24 يونيو الجاري)، فقد اعتبر انتقادات مفوض حقوق الإنسان “في غير محلها ومثيرة للسخرية وغير عادلة”.

وأكد في تصريح لصحيفة لوتون الصادرة بجنيف (نسخة 9 يونيو 2005) أن “الانتقادات المتعلقة باللجوء سخيفة لأن إجراءات التشدد تهدف فقط إلى محاربة الانتهاكات وليس اللاجئين الحقيقيين”.

رأي لا يشاطره الحزب الاشتراكي السويسري ومنظمات غير حكومية أعربت يوم الأربعاء عن تأييدها لمضمون تقرير المفوض خيل-روبليس محذرة من تشديد قانون اللجوء في الكنفدرالية.

وأعرب التحالف السويسري لمنظمات التنمية في هذا السياق عن اعتقاده بأن تشديد القانون ينتهك حقوق الإنسان والقوانين الأساسية في سويسرا “إلى مدى لم يُـعرف بعد أبدا” في البلاد.

أما الحزب الاشتراكي فأعرب في بيان عن اعتقاده بأن حقوق الأشخاص الأجانب في وضعية صعبة “ستتدهور” إثر المراجعة المرتقبة للقانون. وأعلن الحزب أنه مستعد للجوء إلى تنظيم استفتاء شعبي للتصدي لإجراءات تشديد اللجوء إذا اقتضى الأمر ذلك.

من جهتها، دعت منظمة العفو الدولية سويسرا إلى المصادقة على معاهدة المجلس الأوروبي حول المتاجرة بالبشر. كما اعتبرت قرار المفوض خيل-روبلس “قرارا دامغا” ويتطابق مع الانتقادات التي سبقت وأن وجهتها المنظمة إلى سويسرا.

أما المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين، فقد ذكرت بأن لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة انتقدت قبل شهر سياسة سويسرا في مجال اللجوء، داعية البرلمان الفدرالي إلى الأخذ بعين الاعتبار توصيات المفوض خيل-روبليس.

إصلاح بخات – سويس انفو

في تقريره، أعرب مفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي ألفارو خيل-روبليس عن اعتقاده أن حقوق الإنسان في سويسرا تُحترم على “مستوى عال جدا”.
في المقابل، انتقد المفوض الأوروبي أٍساليب استجواب طالبي اللجوء والإجراءات السريعة والترحيل الفوري لبعض طالبي اللجوء في سويسرا.
كما انتقد ظروف الاعتقال السيئة في سجني شون دولون في جنيف ولاستامبا بلوغانو.
وكان المفوض الأوروبي قد زار سويسرا ما بين 29 و3 ديسمبر 2004.
وقد نُشر تقريره يوم الأربعاء 8 يونيو الجاري.
يذكر أن والد المفوض خيل-روبليس كان قد لجأ إلى سويسرا أثناء فترة حكم فرانكو لإسبانيا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية