مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات
لوكارنو.. مُتابعة عن كثب!

مخرج جزائري شاب يُلفت الأنظار إليه في لوكارنو

حسان فرحاني يحمل في يده جائزة
حسان فرحاني بعد أمسية تسليم الجوائز في مهرجان لوكارنو السينمائي، يوم السبت 17 أغسطس 2019. Locarno Festival Massimo Pedrazzini

انتهت يوم السبت 17 أغسطس فعاليات الدورة الثانية والسبعين لمهرجان لوكارنو السينمائي، ولكن في اليوم التالي أعيد عرض الأفلام التي حازت على بعض جوائز المهرجان ومن بينها فيلم "طريق الصحراء 143" لمخرجه الجزائري حسان فرحاني. swissinfo.ch قابلت المخرج وتحدثت معه عن سيرته السينمائية وأعماله وانطباعاته عن تجربته في لوكارنو.

عرض فيلم “طريق الصحراء 143” لأوّل مرة في لوكارنو، وذلك في إطار مسابقة “سينمائيو الحاضر” وفاز بأحد جوائز هذه المسابقة. كما تلقى قبولاً كبيراً بين جماهير المهرجان. يعرض الفيلم حكاية سيدة تقطن الصحراء الجزائرية، في بيت صغير وبسيط جدّاً يبعد على أقل تقدير 70 كيلومترا عن أقرب بلدة حضرية هناك، حيث تستقبل “ملكة” عابري السبيل وسائقي الشاحنات والمهاجرين وكل المسافرين عبر الصحراء وتقدم لهم الماء وكأساً من الشاي وكذلك أطباقا بسيطة من الطعام مقابل بعض الدراهم.

من خلال “ملكة” وزوارها في قهوتها البسيطة في صحراء الجزائر ومن خلال الصور والموسيقى المرافقة لها، وكذلك عبر حواراته، يُعرّف الشريط بالحياة في الجزائر بمختلف جوانبها: جمالية الصحراء وقساوتها أيضاً، ظروف العمل في البلد وأحوال سائقي الشاحنات، لكنه لا يخلو أيضا من جانب إنساني وآخر فلسفي، يتناول أساليب المعيشة ومعانى الحياة والحرية والوحدة.

لم تكن مشاركة فرحاني في مهرجان لوكارنو هذا العام الأولى من نوعها، ولكنها أول مشاركة كبيرة له في التظاهرة السينمائية الدولية. فقد سبق له أن شارك في عام 2015 ضمن قسم “الأبواب المفتوحة” (Open Doors) الذي اهتم آنذاك بالمغرب العربي، بفيلمه القصير “طرزان ودنقي شوط ونحن”، ولكن خارج المسابقة, 

swissinfo.ch: ماذا تعرف عن السينما السويسرية؟

حسان فرحاني: أعرف القليل. أعرف فقط صديقي كريم صياد، وهو مخرج جزائري سويسري، ولكن بشكل عام ليس لدي اطلاع على السينما السويسرية ولا أستطيع الحديث عنها.

swissinfo.ch: هل شاهدت بعض الأفلام هنا في لوكارنو؟

حسان فرحاني: لا، في الحقيقة لم يكن لدي الوقت للقيام بذلك، فقد كان لدي الكثير من المقابلات والمواعيد من أجل فيلمي، ولكني شاهدت فيلم المحطة الجنوبية “Terminal Sudرابط خارجي” للمخرج الجزائري الفرنسي رابح عامر زعيمش المشارك في المسابقة الدولية.

محتويات خارجية

swissinfo.ch: تدور أحداث فيلمك المشارك في هذه الدورة “طريق الصحراء 143” في بيت صغير وبسيط وفي منتصف الصحراء، يقتصر الأثاث فيه على كرسيين وطاولة صغيرة. كيف اخترت هذا المكان؟

حسان فرحاني: في الحقيقة، كنت أتجول في طرق الصحراء في الجزائر لوقت طويل، وذلك مع صديق لي اسمه شوقي عماري وهو كاتب وصحفي معروف في الجزائر وفي كتاب له يتحدّث عماري عن “ملكة”، صاحبة القهوة الواقعة على أحد طرق الصحراء. قلت له مرة أثناء تجوالنا في الصحراء، لما لا نذهب لزيارة ملكة، قال لي، لم لا، فهي ليست بعيدة من هنا، فقط 300 كم. عندما وصلنا إلى المكان، ذهلت به، وذهلت بالمرأة التي تعمل هناك، وبأجوائه، فقلت لنفسي، هنا سأصور فيلمي وليس في أي مكان آخر.

swissinfo.ch: في الفيلم يزور العديد من الناس من جنسيات ومهن وخلفيات ثقافية مختلفة قهوة ملكة، ويدخلون في حوار معها يتناول مواضيع بسيطة جداً، كالحديث عن طبق الطعام أمامهم، ولكن هناك أخرى عميقة، كالحديث عن الوضع الاقتصادي في الجزائر، كيف قمت باختيار الشخصيات وبالتالي الحوارات في فيلمك؟ هل تم ذلك بشكل عشوائي؟

حسان فرحاني: جلسنا وانتظرنا وراقبنا وصورنا من زار المكان وسجلنا الحوارات، وفي المونتاج وقع اختيارنا عل الشخصيات المعروضة في الفيلم كما هو الآن.

swissinfo.ch: ما هي المدة التي قضيتها على عين المكان؟ وهل أمضيت بعض الليالي هناك؟

حسان فرحاني: بقيت حوالي ثلاثة أشهر، ولم أقضي أي ليلة في القهوة، حيث لم تكن مزودة بالتيار الكهربائي. كنت أبيت في بلدة قريبة اسمها “المنيعة”، وهي على بعد 70 كيلومترا من قهوة ملكة وموقع تصوير فيلمي وأعود في الصباح لمتابعة التصوير.

swissinfo.ch: هل واجهتك صعوبة في تمويل هذا الفيلم؟

حسان فرحاني: هناك دائماً صعوبة في تأمين التمويل اللازم لإنتاج فيلم سينمائي ما، ولكن نحن لدينا طريقة مختلفة كثيراً عن الطرق التقليدية، نحن نقوم بتصوير الفيلم أحياناً بدون تمويل، نذهب ونبدأ بالتصوير، ونصور أفلامنا بطريقة “عائلية”، حيث يقوم شخصان فقط بتصوير الفيلم.

swissinfo.ch: هل حصلت على دعم من شركة وطنية جزائرية من أجل إنتاج فيلمك هذا؟

حسان فرحاني: أجل، حصلت على دعم من وزارة الثقافة الجزائرية، وأيضاً من “المركز الجزائري للسينما”.

swissinfo.ch: هل حصل وأن تدخل المنتجون في إخراج الفيلم والسيناريو؟

حسان فرحاني: إطلاقاً، أنا أعمل مع منتجة واحدة عملياً ونعمل باستقلالية تامّة. من أراد أن يقدم الدعم المالي لنا، أهلاً وسهلاً، ومن لم يرد، فلا بأس أيضاً.

swissinfo.ch: هل سيشارك فيلمك في مهرجانات أخرى؟

حسان فرحاني: أجل، في سبتمبر سيعرض الفيلم في تورونتو، كندا، وأيضاً في سيول، ولكن الأمر غير مؤكد بعد. هناك الكثير من ممثلي المهرجانات ممن اهتموا بالفيلم وربما نشارك في المهرجانات التي يمثلونها.

swissinfo.ch: دعنا نتحدث عن البدايات. كيف وصلت إلى عالم السينما؟

حسان فرحاني: سبب وصولي إلى العمل السينمائي غاية في البساطة. في الحي الذي كنت أعيش فيه في الجزائر كان هناك متجر يبيع ويؤجر الأشرطة السينمائية، وكنت أرتاده مع شباب آخرين من الحي. كنا نستأجر الأشرطة السينمائية، نشاهدها ونعيدها. وكان صاحب المتجر هو “شيخ السينما” بالنسبة لنا، يعطينا النصائح: شاهدوا هذا الفيلم أو ذاك. هكذا أُغرمت بالسينما.

وفي أحد الأيام عندما كنت في موقع تصوير أحد الأفلام، كان اسم الفيلم “بنت الخال” للمخرج الياس سالم في 2005. كنت أراقب عملية التصوير فقط، ومندهش من هذا العالم الغريب عليّ آنذاك. حينها جاء المخرج وسألني عمّا كنت أفعل، قلت له: أنا أشاهد فقط، فسألني إن كنت أرغب في المشاركة كممثل زائد (كومبارس)، ووافقت. وهكذا بدأت في العمل في مجال السينما، وعملت بعدها كمساعد في الإخراج لمدة عشر سنوات.

بالإضافة إلى ذلك، فقد تعرفت على جمعية في الجزائر، تهتم في بثّ أفلام قصيرة وتنسيق امسيات سينمائية، فزرتها ودخلت إلى قاعة العرض مع أصدقاء لي، ثمّ غادر أصدقائي القاعة بسرعة، حيث لم يعجبهم ما عرض من أفلام. تلك كانت أفلام تجريبية، أما أنا فبقيت جالساً. تعرفت على الناس المسؤولين في هذه الجمعية المسماة “الشرنقة”، وأصبحت فيها ناشطاً، وتخرج منها العديد من المخرجين الجزائريين مثل كريم موساوي وجمال كركار، مخرجون يتنقلون الآن في العالم بين مهرجانات الفيلم ككان ولوكارنو وغيرها. وأنا أيضاً انطلقت بفيلمي القصير الأول بعنوان “نوافذ الجزائر” من هناك.

فرحاني يستلم جائزته أمام شاشة عرض البياتسا غراندة
أثناء احتفالية تسليم الجوائز، يوم 17 أغسطس 2019. Locarno Festival Massimo Pedrazzini

swissinfo.ch: ما هي الأفلام الأخرى التي قمت بإخراجها؟

حسان فرحاني: في 2009 أخرجت فيلم “فندق أفريكرابط خارجي“، وبعد ذلك فيلم “طرزان ودنقي شوط ونحنرابط خارجي“، وبعد ذلك أخرجت فيملي الوثائقي الأول بعنوان “في راسي رومبوان“، والذي تجري أحداثه في أحد المسالخ في الجزائر وبعد ذلك فيلمي هذا، الذي يعرض اليوم في لوكارنو “شارع الصحراء 143”.

swissinfo.ch: ما رأيك في السينما المغاربية اليوم؟

حسان فرحاني: منذ سنوات عدّة، هناك شباب كثر في المغرب العربي يخرجون أفلاماً ممتازة جدّاً، منها من يشارك في مهرجانات دولية كبيرة. مثلاً من تونس علاء الدين سليم، الذي تشارك مع بعض أصدقائه وأخرج فيلم “آخر واحد فينا” في عام 2016. وفي الجزائر أيضاً هناك الكثير من المخرجين الذين يعملون بطرق إنتاج مختلفة، منها الكلاسيكية، حيث يقوم بالمشاركة مع شركات الإنتاج في بلدان مختلفة، مثل كريم موساوي وإلياس سالم.

swissinfo.ch: من الملاحظ أنّ هناك غالباً انتاج مشترك مع منتجين من دول أوروبية، وكأن هناك مشكلة في تمويل الأعمال السينمائية في البلدان العربية، هل هذا صحيح؟ ماذا عن فيلمك أنت، كيف قمت بتمويله؟

حسان فرحاني: بشكل عام عند انتاج مثل هذه الأفلام البسيطة، أقصد من الناحية الإنتاجية، ينبغي عليك أن تبحث في كل مكان من أجل جمع ما تيسر لك لتغطية انتاج فيلمك. نحن حصلنا على بعض المال من هولندا، مبالغ بسيطة فقط، مثلاً خمسة ألاف يورو، هي عبارة عن عملية تجميع في نهاية المطاف، من مؤسسة الدوحة للإنتاج السينمائي أيضاً، من الجزائر أيضاً وفرنسا. اليوم، لا تستطيع ان تخرج فيلم إلا بإنتاج من هذا النوع، حتى الدول الأخرى تحتاج إلى هذا التشارك الدولي.

swissinfo.ch: ما هي مشاريعك المستقبلية؟

حسان فرحاني: ليس هناك بعد مشروع بعينه، المشروع الذي سأنطلق به سيبدأ من استيقاظي صباح يوم ما، وليس في ذهني إلّا فكرة واحدة، وهي ما ستكون فكرة فيلمي الجديد.

swissinfo.ch: ختاماً، ما رأيك بالحراك الشعبي في بلدك وفيما يحدث هناك على الصعيد السياسي؟

حسان فرحاني: ما أستطيع قوله من طرفي عمّا يجري الآن في البلاد هو أنّه في هذا الحراك ستقدّم الحريات وتسلب من جديد، بحيث يكون الأمر أشبه بعدسة الكامرة، تفتح ومن ثم تغلق وهكذا. في الحقيقة أنا متحمّس جدّاً لما يحدث، فالحراك سلمي، ليس هناك سلاح، السلاح القوي الوحيد هو السلمية في الحراك، وهو شعار الناس الآن. لا أعرف ما سيحدث بالمستقبل، ولكن الأمور لن تكون فيما بعد الحراك ما كانت عليه قبله.

المزيد

المزيد

عندما تُنْسـِي الشاعريةُ مشاهد الدّم في مسلخ جزائري

تم نشر هذا المحتوى على تصوير فيلم وثائقي داخل مسلخ وجعل الحوارات تدور عن كلّ شيء تقريبا ما عدا اللحوم، ذلك هو التحدي الذي رفعه بنجاح المخرج الجزائري الشاب حسان فرحاني في شريطه المطول الأول “في راسي رونبوان”، أو “في رأسي دوّار مروري”، والذي رُشّح لجائزة النظرة الذهبية للدورة الثلاثين لمهرجان فريبورغ السينمائي الدولي.

طالع المزيدعندما تُنْسـِي الشاعريةُ مشاهد الدّم في مسلخ جزائري

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية