مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المدونات.. وسيلة ترفيه أم أداة تغيير؟

اعتبر خبراء مصريون متخصّـصون في مجال حقوق الإنسان وتكنولوجيا والإعلام، أن انتشار المدونات في بعض الدول العربية، ظاهرة صحية ودليلاً على حالة الحراك السياسي، وأقروا بأهمية مراقبة المدونات.

غير أنهم استنكروا حالات الحظر التي تفرضها بعض الدول على مستخدمي الإنترنت ورفضوا انتهاك حق المدوّنين في التعبير عن آرائهم التي كفلها الإعلان العالمي لقانون الإنسان.

تُـعتبر المدونات في الوطن العربي – رغم حداثتها – مُـتنفسا للكثير من الشباب الذي يريد أن يعبّـر عن رأيه، كما أنها تجذب الشباب وتؤثر في آرائهم وتفكيرهم، إضافة إلى أنها طريقة لتفادي العوائق التي تضعها الحكومات أمام الصحافة الحرة وحرية التعبير، ولذا، يمكن للشباب بسهولة وبتكاليف بسيطة، الكتابة والتعبير عن آرائهم بكل حرية، وكذلك التعبير عن انتقاداتهم تُـجاه الوضع السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، فضلاً عن كونها حلقة تواصل بين الشباب.

وقد أثار ظهور وانتشار المدوّنات في مختلف دول العالم، ومن بينها مصر، إشكالات قانونية عديدة‏،‏ بعضها يتعلّـق بجوانب سياسية‏،‏ والبعض الآخر يرتبط بقضايا الحساسية الدينية، والبعض يتعلق بقوانين حماية الملكية الفكرية‏.

‏وقال بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان: “الدستور المصري الموجود الحالي، يعود تاريخه إلى عام 1971، أي ما قبل اكتشاف الإنترنت، ومن ثم، فلا يوجد في الدستور أي نص صريح ومباشر يتناول الإنترنت أو الصحافة الإلكترونية أو المدونات.

غير أن الدستور وضع عددا من الضوابط أو القيود فيما يتعلّـق بإدارة وسائل الإعلام الثلاث، المقروء والمسموع والمرئي، لعلّ أهمها اشتراط الحصول على ترخيص قانوني.

وأضاف بهي الدين أن “المدونين يستفيدون – حتى الآن – من عدم وجود نصّ صريح ومباشر في الدستور يخاطبهم على وجه الخصوص، غير أن الحكومات والنظم لن تعدم حيلة، حيث إننا نجدهم قد بدأوا – على أرض الواقع – في شن حملة على المدوّنين المعارضين بإشهار سلاح بعض المواد القانونية ذات الصلة بأمور الصحافة والنشر، فقد تم اعتقال عدد من المدوّنين بتُـهم ترتبط بإبداء الرأي على الإنترنت”.

نظام يضيق بمعارضيه

وأوضح بهي الدين أن “المنظمات والجمعيات والمؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان في مصر، أدانت هذه الممارسات الأمنية، معتبرة أنها انتهاك صريح لأبسط حقوق الإنسان، ألا وهي حرية التعبير عن الرأي، وأصدرت العديد من البيانات التي تستنكر هذه الطريقة في التعامل مع المعارضين، وتعتبر أنها دليل على ضيق صدر النظام بمعارضيه، وأيضاً عدم صدقه في الحديث – ليل نهار – عن تعزيز الحريات ودفع عجلة الإصلاح في البلاد”.

وحول موقف المجلس القومي لحقوق الإنسان من انتهاك حقوق المدونين، قال بهي الدين، أحد أعضاء المجلس إنه “على مدى قرابة 3 سنوات، عمر المجلس، لم يتم تناول هذا الموضوع مُـطلقاً، وليس هذا الموضوع وحسب، بل إن هناك العديد من القضايا ذات الأهمية والحيوية تم تجاهلها ولم يتعرض لها المجلس من قريب أو بعيد”، مشيراً إلى أن “المجلس قصر في أداء الدور المنوط به في مجال المحافظة على حقوق الإنسان”.

وبيّـن بهي الدين، الناشط في مجال حقوق الإنسان أن “أعضاء المجلس يعيّـنهم مجلس الشورى لمدة 3 سنوات، وفي منتصف يناير القادم ستنتهي الدورة الأولى للمجلس”، مُـعلناً رفضه التجديد لعضويته، لأن “التجربة كانت سلبية، ولم تثمر شيئاً مفيداً. فرغم أن أول مهام المجلس وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن ضعف الإرادة السياسية للدولة وعدم رغبتها في احترام حقوق الإنسان، حالا دون ذلك”!

إعلام موازي مجاني

ومن جهته، أوضح الدكتور شريف درويش اللبان، أستاذ تكنولوجيا الاتصال بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، والأستاذ بالأكاديمية الدولية لعلوم الإعلام والأستاذ بكلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا: “أهمية المدونات، تنبع من حالة الحراك السياسي، والمطالبة بالتعجيل بعملية الإصلاح السياسي في المنطقة العربية، في الوقت الراهن، وأيضاً من مشكلة أساسية تتعلق بحرية إصدار الصحف، حيث أن هناك مشكلة حقيقية في العديد من الدول العربية تتعلق بعدم السماح للأفراد بإصدار صحف، فيما تضع قيودا معجزة على الشركات المساهمة”.

وفي ظل الصحافة الحكومية أو الرسمية (أحادية الرأي)، التي لا تستطيع أغلبية الجماهير الوصول إليها للتعبير عن رأيها، فقد اتجه الأفراد إلى الفضاء الإلكتروني الرحب (الإنترنت)، بحثاً عن وسيلة مفتوحة للتعبير عن رأيهم، فكانت المدونات، التي أعتبرها إعلاماً موازيا أو بديلاً، هي الوسيلة الأكثر جاذبية وغير المكلفة، والتي لا تضع أي قيود مهنية على أصحابها، وهو ما يفسر زيادة إقبال الشباب المعارض في العالم العربي على المدونات”.

المدونات التي بدت أول الأمر هزلية وضعيفة وغير ذات بال، أتاحت آفاقاً رحبة لحرية التعبير عن الرأي واكتسبت بمرور الوقت أهمية وشهرة وتأثيراً.

العدوى من مصر

ويشير الدكتور اللبان أن مصر دولة رائدة ولها ثقلها في المنطقة العربية، ومن ثم، فإن أي شيء يُـراد له أن ينتشر في الدول العربية، لابد أن يبدأ من مصر، وإذا كانت اتجاه المدونات – منذ ثلاث سنوات – للحديث في السياسة، وإدارة نقاش حول التغيير والإصلاح نتيجة عدم الرضا عن هامش الحرية المتاح في دولة كبيرة كمصر، تزامن مع حالة الحراك السياسي في الشارع المصري.

وتنبأ اللبان بأن “هذه الموجة من تسييس المدونات ستمتد – لا محالة – إلى بقية الدول العربية، وخاصة تلك التي يسودها النظام الأوتوقراطي (الانتقال الوراثي للسلطة)، في غضون السنوات القليلة القادمة، وأنه في حال تغيير الأوضاع السياسية بهذه البلدان، فستصبح المدونات أداة فاعلة ومؤثرة في الشارع السياسي.

وكشف اللبان عن أن “حالة القمع والتضييق على حرية التعبير عن الرأي في العديد من الدول العربية، مثل سوريا وتونس وليبيا والسعودية، و….، هي سبب ضعف المدونات في هذه البلدان، وابتعادها عن الحديث في السياسة، فيما تزدهر المدونات في بعض البلدان والأوقات في مراحل الأزمات والحروب، وأصدق مثال على ذلك الحرب الأمريكية على العراق، والحرب الإسرائيلية على لبنان، والعدوان المستمر على فلسطين.

إيجابيات وسلبيات

وبيّـن اللبان أن المدونات، كوسيلة إعلامية إلكترونية حديثة، امتازت بعدد من الخصائص، منها: أنها تتمتع بدرجة عالية من حرية التعبير عن الرأي، تربو بكثير عن نظيرتها في النظم والمؤسسات الإعلامية القائمة، وأنها عديمة أو قليلة التكاليف. فغالب المواقع تسمح للزوار بخدمة إطلاق صفحة تدوين خاصة بلا مقابل!

ويضيف اللبان: “كما أنها تمثل نوعاً من الإعلام الموازي أو البديل للإعلام الرسمي، وتتمتع بدرجة عالية من المرونة، حيث تتخلص من قيود القوالب الإعلامية (المقروءة والمسموعة والمرئية)، كما تمثل انعكاساً أو مؤشراً، يستنبط أو يقيس الرأي العام لجمهور المثقفين، فضلاً عن أنها تتوجه إلى جمهور عريض وشريحة واسعة من الناس، تقدر بالملايين”.

ويستدرك اللبان قائلاً: “الحديث عن مزايا وخصائص وإيجابيات المدونات، لا يعني أنها خالية من السلبيات. فهناك العديد من العيوب والمآخذ التي يأخذها خبراء الإعلام والاجتماع على المدونات ومنها: أن أغلبية المدونين ليسوا مؤهلين للكتابة الإعلامية، ومن ثم يقعون في أخطاء مهنية، سواء في صياغة المواد أو عن طريق نشر مواد تتعارض مع الدّين بطرح آراء تناقض ما هو معلوم من الدّين بالضرورة أو ضوابط الأخلاق بطرح آراء حول قضايا الإباحية والشذوذ الجنسي، مشيراً إلى “ضرورة عقد دورات تدريبية للمدونين لتدريبهم على أصول وقواعد وفنون وضوابط التحرير الصحفي، على أن تشرف عليها نقابة الصحفيين أو المجلس الأعلى للصحافة أو أقسام الصحافة بكليات الإعلام”.

حرية.. بلا قانون

ويكشف اللبان عن أن “المدونات ليس لها قوانين تحكمها أو قواعد تلزم من يخرج من المدونين عن أصول وقواعد الأخلاق، وإذا كانت هناك بعض المواقع (العربية) تضع بعض الضوابط، فإن غالب المواقع – وخاصة الغربية منها – لا تفعل، سواء عن قصد أو عن غير قصد”، مضيفاً أنها “لا تخضع لأي مواثيق شرف إعلامية أو أخلاقية”.

ويستطرد اللبان في بيان سلبيات المدونات فيقول: “عدم قدرة المدون على التوثق والتأكد من صحة وصدقية الأخبار والمعلومات التي ينشرها، ينذر بانتشار الإشاعات التي تهدد أمن وسلامة الوطن والمواطنين، وتثير البلبلة وعدم الاستقرار، فضلاً عن عدم وجود تنظيم نقابي أو اتحاد مؤسسي، مثلا : “الاتحاد العربي – المحلي أو القُـطري أو الدولي – للمدونين”، ليرعى مصالحهم ويتبنى مشكلاتهم ويحاسب المسيء ويكرم المحسن ويدير شؤون المدونين”.

وهكذا، فالمدونات يمكن استعمالها، حسبما يريد المدوّن، وهي أكثر الوسائل غير المكلفة حرية في التعبير عن الرأي وأعظمها سهولة ونجاحا في نشر والتلاعب بالأفكار، علاوة على استخدامها في التسويق للإيديولوجيات ومصادرة الأفكار بالتجسس على الأفراد في الوقت ذاته.

فهل يمكن أن تتحوّل المدونات يوماً ما من وسيلة ترفيه إلى أداة تغيير؟ السنوات القليلة القادمة ستتكفّـل بالإجابة على هذا السؤال.

القاهرة – همام سرحان

لكل إنسان اعتناق ما يؤمن به من أفكار وإبداء ما يراه من آراء، هذا ما أكد عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي يعد الأصل والمرجع الأساسي لمواثيق حقوق الإنسان، في مادتيه (18 و19)، واللتين تنصان على:

– (المادة 18): لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حده.

– (المادة 19): لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود.

* مصطلح blog هو اختصار لعبارة web log، التي تعني مدونة الكترونية، وقد برزت ظاهرة المدونات blogs في في17 ديسمبر 1997 على يد “جورن بارغر” الذي كان أول من صاغ مصطلح blog.

* بدأت الظاهرة كمذكرات أو مفكرات شخصية إلكترونية يستعملها أصحابها لتدوين الأحداث الهامة في حياتهم، ويكون ذلك بترتيب زمني محدد.

* وتحتوي المدونات الالكترونية على نصوص وصور، وبعض الروابط الإلكترونية الأخرى من صفحات الكترونية مختلفة.

* في البداية اهتمت المدونات بموضوعات حياتية بسيطة كالغذاء والأخبار المحلية والتجارب الشخصية، بعد ذلك لاقت رواجا وشعبية كبيرة في صفوف المراهقين والشباب الذين كانوا يدونون تجاربهم وقصصهم، بهدف تبادلها مع أصدقائهم.

* ولم تلبث أن تطورت المدونات لتصبح وسيلة إعلامية يستخدمها المواطنون للتعبير عن آرائهم بحرية، كما يستعملها السياسيون للدعاية لأفكارهم وبرامجهم كجزء من حملاتهم الانتخابية.

* وفيما يقدر موقع “بلوغ هيرالد” عدد المدونات في العالم بـ 100 مليون مدونة، منها 700 ألف مدونة إيرانية، و 520 ألف مدونة بالفرنسية، تشير نشرة أصدرتها خدمة‏ ” تكنوكاراتي”‏ البحثية المختصة بالمدونات إلى أن عدد المدونات حول العالم قد وصل إلي‏41.6‏ مليون مدونة‏.‏

* أرقام الشرق الأوسط تتضاءل بالمقارنة مع بقية العالم، ففي الولايات المتحدة بين 30 مليون بلوغ و50 مليوناً، وفي بريطانيا 2.5 مليون بلوغ، وفي الصين ستة ملايين، وفي اليابان 5.5 مليون بلوغ، وفي فرنسا 3.5 مليون بلوغ، مع رقم مذهل لكوريا الجنوبية هو 20 مليون بلوغ.

* وسط هذه الملايين يظل الوجود العربي محدوداً، ومع ذلك فدول عربية عدة يقلقها انتشار المدونات، وتحاول تقييد نشاطها وملاحقة المدونين، وأحياناً معاقبتهم.

* وتتكون المدونة من: عنوان، وموضوع، وتعليقات (من قراء المدونة و ردود الكاتب عليها)، و رابط للموضوع فى حالة ظهور الموضوع جزئياً، و تاريخ النشر.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية