مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المعارضة السورية: لماذا تتعثّر.. وإلى أين تسير؟

صورة التقطت يوم 20 مارس 2012 لمجموعة من ضباط وجنود كتيبتين تابعتين للجيش السوري الحر في الرستان قرب مدينة حمص وسط سوريا. swissinfo.ch

يبدو الأمر في سوريا هذه الأيام أشبه بالمأساة التي تُولد من رحم مأساة.

ففي الوقت الذي يشهد فيه البلد أخطر أزمة وجودية، وإنسانية، وأخلاقية، في تاريخه الحديث، تعيش المعارضة السورية القديمة والجديدة أزمة لاتقل خطورة، تتمثّل في الشقاقات والإنشقاقات والنزاعات التي تذكّر بالصيادين الذين يبيعون جلد الدب قبل اصطياده، أو بالبيزنطيين الذين تناحروا حول جنس الملائكة فيما الأعداء يطوّقونهم من كل حدب وصوب.

لماذا هذه المأساة الثانية، التي لم يبق طرف إقليمي ودولي لم يتدخل وعلى أعلى المستويات مُطالباً بوضع حد لها، (وكان آخرها مؤتمرات اسطنبول وباقي العواصم الأوروبية)، تتواصل فصولا؟ ما أسبابها؟ ما دوافعها؟ وإلى أين من هنا؟

سنأتي إلى كل هذه الأسئلة بعد قليل. لكن قبل ذلك، لا بد من وقفة سريعة أمام تاريخ هذه المعارضة منذ العام 2000.

ولادات واخفاقات

في أعقاب الانتقال السريع للسلطة إلى الرئيس بشار الأسد العام 2000، بادر مفكرون ورجال أعمال بقيادة رجل الأعمال الدمشقي وعضو مجلس الشعب رياض سيف، إلى عقد لقاءات أسبوعية في منزل هذا الأخير بمنطقة صحنايا في دمشق. أطلق على هذا التجمع اسم “منتدى الحوار الديمقراطي” الذي تحوّل لاحقاً إلى “حزب السلم الديمقراطي”. وبعدها كرّت سبحة المنتديات، فوصل عددها العام 2001 إلى 21 منتدى في أنحاء سورية كافة.

وفي سبتمبر 2000، أصدر 99 مثقفاً سورياً بياناً طالبوا فيه بإطلاق كل السجناء السياسيين وسجناء الضمير وإعادة المنفيين، وإرساء دولة القانون، وإطلاق الحريات، والإعتراف بالتعددية السياسية والفكرية وحرية التنظيم والصحافة والتعبير. ثم أصدر ناشطون في لجان إحياء المجتمع المدني “بيان الألف” الداعي هو أيضاً إلى إطلاق الحريات، وتلاه العام 2003 وثيقة معارضة تدعو إلى مؤتمر وطني عام لدرإ أخطار الغزو الأمريكي للعراق على سوريا. هذا فضلاً عن دعوات ومبادرات ووثائق كثيفة أخرى كان منها محاضرة بعنوان “نحو عقد وطني جديد” قدّمها برهان غليون في شهر سبتمبر 2001.

هذه الطفرة، التي عرفت بـ”ربيع دمشق، كانت اليقظة الأولى لمعارضة المجتمع المدني الذي ثابر على سبات شتوي مقيم منذ فرض قانون الطواريء العام 1963. بيد أن هذا الربيع كان في عمر الورود، حيث تحرّكت أجهزة الأمن الـ15 أو الـ17 القابضة على زمام السلطة الفعلية في البلاد (بكونها “شبه طبقة” حاكمة وفق المفهوم الغرامشي) والتي لم تكن موافقة أصلاً على السماح بنشوء المنتديات، لقمع هذه الظاهرة، فتم اعتقال كوادر ربيع دمشق وزُجّ بهم في السجون أو أبعدوا إلى المنافي.

المرحلة الثانية انطلقت بعد “إعلان دمشق” الذي صدر في 16 أكتوبر 2005، وشكّل آنذاك إطار إجماع واسع لحركة المعارضة السورية. شارك في هذا الإعلان العديد من التيارات السياسية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، وأكراد، ومثقفين وناشطين ومعتقلين سياسيين سابقين. وقد شكّل هذا التجمع نقلة نوعية مقارنة بربيع المنتديات، من حيث أنه انتقل من المطالبة بالحريات والتعددية والديمقراطية، إلى طرح مبادرات سياسية محددة للمرة الأولى.

فأعضاء الإعلان أعربوا بجلاء عن خشيتهم من أن يتكرر سيناريو الغزو الأميركي للعراق في سوريا، ودعا  رئيس الأمانة العامة لإئتلاف إعلان دمشق رياض سيف إلى توفير “شبكة أمان” للبلاد تفادياً للأسوأ. هذا فيما كان الزعيم المعارض رياض الترك يقترح استقالة رئيس الجمهورية على أن يحل مكانه رئيس مجلس الشعب، وأن يتولى الجيش ضبط الأمن في البلاد، وأن تتعاون الحكومة الجديدة مع المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري. لكن، ومرة أخرى، أنقضت أجهزة الأمن على أركان “إعلان دمشق”، فتحوّل هذا الربيع الجديد إلى خريف آخر، وعادت حركة المعارضة إلى التبعثر والشتات.

أما المرحلة الثالثة، التي نعيش الآن، فقد كانت متميزة للغاية. إذ هي لم تنطلق من منابر النخب المثقفة ولا من حناجر المعارضين السياسيين، بل هي وُلدت على يد حركات شعبية بدأت في درعا وانتشرت كالنار في الهشيم في معظم أنحاء البلاد. وقد تطلّب الأمر وقتاً غير قصير (بمعايير زمن الثورات) قبل أن تستلحق المعارضات الداخلية والخارجية نفسها للإنضمام إلى هذه الإنتفاضة ولتعلن العمل من أجلها أو النطق باسمها.

لكن، وعلى عكس ما جرى في المرحلتين الأولى والثانية من يقظة المعارضة، حيث ساد شبه إجماع على نقاط عامة بين المعارضين، ابلتيت معارضة المرحلة الثالثة منذ لحظة ولادتها بأمراض الشيخوخة: الترهّل، الفوضى، والصراعات الفردية والإديولوجية والمصلحية. وهذا ضرب حتى المجلس الوطني السوري الذي كان يفترض به أن يكون مظلة فضفاضة قادرة على أن تلم في ثناياها كل أطياف وألوان المعارضة.

لماذا حدث ما حدث؟

الأسباب تبدو وفيرة. أولاً، هناك لعنة الجغرافيا. فالمعارضة الخارجية التي تم لم شعثها بصعوبة، جاءت من أصقاع أوروبية وأميركية وخليجية متباينة ترعرعت في أحضانها طيلة نيف وأربعة عقود بحماية (أو بشروط) الدولة المُضيفة. وهذا أمر طبيعي عاينته قبل المعارضة السورية حركات المقاومة الفلسطينية، التي وجدت نفسها هي الأخرى مضطرة للتأقلم مع شروط أو مطالب البيئات الجغرافية الحاضنة التي كانت في الغالب متصارعة أو متناقضة.

الخارج هنا يخترق الداخل (مع استثناءات بالطبع)، مالياً ومصلحياً وحتى فكرياً، الأمر الذي ترك، ولايزال يترك، بصمات واضحة على فصائل المعارضة التي قيل أن عددها بات يناهز المائة فصيل بين صغير الحجم وكبيره.

قد يقال هنا أن قادة الحزب البلشفي الروسي، وفي مقدمهم فلاديمير لينين، كانوا هم أيضاً في الخارج، لكنهم لم يتأثروا بهذا الخارج. وهذا صحيح. بيد أن الفرق أن رأس حزب البلاشفة كان في أوروبا، لكن جسمه كان في الداخل الروسي. وهذا شرط لم يتحقق للمعارضة السورية في الخارج التي يفتقر معظمها (باستثناء الأخوان المسلمين) إلى جسم في الداخل.

ثانياً: هناك التباينات الفكرية والاستراتيجية بين قوى المعارضة. فبالإضافة إلى الخلافات التاريخية بين العلمانيين والإسلاميين، طال الشقاق مفهوم الهوية الوطنية السورية نفسها. فقسم من المعارضين لم يعد، بعد تردد، يمانع في حدوث تدخل عسكري أجنبي لإسقاط النظام على النمط الليبي، معتبراً أن الغاية الديمقراطية الداخلية تبرر الوسيلة العنفية الخارجية. هذا في حين أن القسم الآخر يصف هذا التوجّه بأنه يشكّل خطراً موصوفاً على الهوية الوطنية السورية وحتى على مصير الوطن السوري نفسه. ومن هذا الشقاق الكبير، نبع شقاق آخر مرتبط به يتعلّق بمسألة عسكرة الإنتفاضة، أدى إلى قسمة المعارضين في الخارج كما في الداخل.

ثالثاً، وهنا ربما العامل الأهم، الدور الخطير الذي لعبه النظام طيلة نيف و40 سنة في تصحير المجتمع المدني السوري، وتذريره (من ذرة)، وإحلال مفاهيم العنف والخوف وسحق الهوية الشخصية مكان حكم القانون والتضامن الإجتماعي وكرامة الإنسان والإعلاء من شأن قيمة الفرد. في إطار هذا السلوك، تحوّل الإنسان السوري (وفق تعبير المفكر السوري الراحل ياسين الحافظ ) إلى دودة، فيما هو في الغرب صقر.

وقد انعكس هذا على الحياة العامة، فتبخرّت السياسة، بما هي وسيلة حضارية لتسوية تناقضات المجتمع، وسقطت معها كل أدوات عملها: من الأحزاب والهيئات الطبقية والمهنية المستقلة، إلى مؤسسات وتنظيمات المجتمع المدني. وهذا طال حتى حزب البعث نفسه، الذي حوّلته أجهزة الأمن من حزب حاكم إلى هيكل عظمي (ماعدا كوادره المستفيدة من عطايا النظام وصفقاته الاقتصادية) لايُكسى حفنات من اللحم إلا خلال الأزمات المصيرية (كما الآن).

هل كان في الإمكان، في مثل هذه الظروف الطاحنة، أن تولد معارضة سويّة تقدّم حلولاً متسقة لأزمة الوطن السوري؟ هذا أمر صعب، إن لم يكن مستحيلا. إذ يتطلب الأمر أن تقوم المعارضة أولاً ببناء نفسها قبل أن يكون في مستطاعها بناء الوطن. ولكي تفعل، سيتعيّن عليها بداية أن تعيد الإعتبار للسياسة كمفهوم، ومنهج، وسيرورة حياة.

وكما قال مسؤول تركي عن حق مؤخرا (انظر “فاينانشال تايمز” بتاريخ 26 مارس 2012): “لم يكن هناك في سورية أي نوع من المعارضة الحقيقية طيلة السنوات الثمانين الماضية، ولذا أعتقد أن جميع المعارضين السوريين هم الآن في حالة تعلُّم”.

إلى أين؟

هل تعني كل هذه المعطيات أن سقطات المعارضة السورية الراهنة مُبررة؟ بالطبع لا، خاصة إذا ماوضعنا في الإعتبار أن سورية تقترب من دخول مرحلة تاريخية حاسمة: فإما أن يحدث فيها انقلاب عسكري يقوم هو بالإشراف على المرحلة الإنتقالية (برعاية روسية – أمريكية مشتركة هذه المرة) أو أنها ستنزلق إلى حالة فوضى قد تكون أخطر حتى من الحرب الأهلية.

وفي كلا الحالين، فإن استمرار تشرذم المعارضة وصراعاتها على النحو الراهن، لن يكون بعد الآن مجرد “حالة مؤسفة”، بل سيصبح هو مسؤولاً هو أيضاً عن انفجار الصراعات الطائفية والعشائرية والإثنية في البلاد؛ تلك الصراعات التي ترقص الآن بجنون على إيقاع التدخلات الإقليمية والدولية وفق الطراز اللبناني.

لقد قال الرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي لجمال عبد الناصر وهو يسلِّمه مقاليد السلطة السورية العام 1958: “إني لاأحسدك على تسلُّم الحكم في بلد يعتبر كل مواطن فيه أنه رئيس جمهورية”. والآن، إذا ما كانت هذه الروحية الأنوية لاتزال سائدة في أوساط المعارضة السورية، فإن المأساة الراهنة للشعب السوري ستستولد ليس فقط مأساة واحدة، بل سلسلة مـآس.

اسطنبول (رويترز) – اتفق زعماء المعارضة السورية يوم الاربعاء 28 مارس 2012 على توسيع واعادة تنظيم المجلس الوطني السوري وهو جماعة المعارضة الرئيسية التي تحظى بتأييد دولي في الانتفاضة ضد الرئيس السوري بشار الاسد في خطوة قد تقلل نفوذ الاسلاميين في المجلس.

والتقت المعارضة في اسطنبول يوم الثلاثاء 27 مارس  في اجتماع سيطرت عليه الخلافات استجابة لدعوة من تركيا وقطر التي ترأس جامعة الدول العربية لتشكيل جبهة مشتركة في انتفاضتهم ضد الاسد.

وقالت مصادر من المعارضة ان الاخوان المسلمين وافقوا بضغط من تركيا على تشكيل لجنة من عشرة أشخاص لاعادة هيكلة المجلس الوطني السوري المؤلف من 350 عضوا يشكل الاسلاميون نحو 270 من أعضائه.

وأصدر المجلس الوطني السوري اإعلانا يوم الاربعاء 28 مارس وعد فيه ببناء دولة ديمقراطية والسعي الي المصالحة بمجرد الاطاحة بالاسد.

وقال نجاتي طيارة عضو اللجنة “سنعقد الاجتماع الاول الليلة. نحن مجرد لجنة تمهيدية والهدف هو الوصول خلال ثلاثة اسابيع الي منظمة أكثر شمولا – على غرار مؤتمر وطني – قد تحل محل المجلس الوطني السوري”.

والهدف من هذا الاعلان هو أن تظهر المعارضة السورية للعالم أنها قادرة على تشكيل بديل حقيقي للحكومة الحالية قبل اجتماع وزراء خارجية مجموعة “أصدقاء سوريا” في اسطنبول يوم الأحد أول أبريل.

وقوّضت الإنقسامات داخل المعارضة السورية الانتفاضة. وعلى الرغم من تشكيل لجنة لاعادة هيكلة المجلس الوطني السوري الا أن الليبراليين يتشككون في استعداد الاخوان المسلمين لتخفيف قبضتهم.

وقال كمال اللبواني وهو زعيم معارض بارز قضى سنوات كسجين سياسي في سوريا انه اذا ترك المجلس الوطني السوري لحاله مرة أخرى فانه سيتفكك مشيرا الى أنه تم التوصل لاتفاق لاعطاء أساس لمجموعة “أصدقاء سوريا” لدعم الإنتفاضة.

واستقال اللبواني – وهو طبيب – من المجلس الوطني السوري في وقت سابق هذا الشهر مشتكيا من أن المجلس هو واجهة للاخوان المسلمين.

وتضم اللجنة أربعة أعضاء من المجلس الوطني منهم برهان غليون رئيس المجلس الوطني وهو أكاديمي يقيم في باريس يتهم بأنه رئيس شكلي في حين يمسك الاخوان المسلمون بمقاليد السلطة الحقيقية في المجلس.

وانتقد الزعيمان المعارضان وجيل جديد من النشطاء الشبان المجلس قائلين انه لا يضم سوى القليل ممن يمثلون الشارع السوري وحركة المعارضة.

ورفض طيارة – الذي غادر سوريا بعد أن قضى تسعة أشهر في السجن أثناء الإنتفاضة – الإنضمام للمجلس الا بعد اعادة هيكلته.

وقال ناشط سوري بارز آخر “إذا سُمح للجنة بأن تؤدي عملها سيخسر الاخوان المسلمون نفوذهم على مركز صنع القرار في المجلس وسيتم إبعاد من يعيشون في المنفى ولا تربطهم صلة قوية بسوريا.”

لكن عضوا في الاخوان المسلمين قال “إن هناك حاجة لتوسيع اللجنة”، مضيفا أن خصوم الاخوان “يخطئون إذا ظنوا أن قلة من الأفراد ليس لهم وزن سياسي كبير يستطيعون الإنقلاب على إرادة الأغلبية”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 28 مارس 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية