مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المغرب: أوضاع اجتماعية قلقة واحتجاجات عمالية متصاعدة

نوبير الأموي زعيم الكنفدرالية الديمقراطية للشغل يخاطب حشدا من العمال المضربين في الدار البيضاء يوم 21 مايو 2008 Keystone

لم تكن الارقام ونسب المشاركة محل اهتمام المعنيين بالاضراب العام الذي دُعي له في المغرب الأقصى يوم 21 مايو 2008، فالاهتمام كان مشدودا نحو التعاطي مع الدعوة للاضراب وكيفية تدبيرها.

وبدا أن جميع الأطراف كانت حريصة على عدم تكرار ما حدث في إضرابات سابقة عرفتها البلاد في العقود السابقة وأسفرت عن مواجهات دامية بقتلاها وجرحاها ومعتقليها ونشوب أزمات سياسية على إثرها كادت تعصف بالتعايش الهش القائم بين مكونات المشهد السياسي المغربي.

الاضراب العام، الذي شهده المغرب يوم الاربعاء الماضي، دعت له الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، إحدى أقوى النقابات العمالية والتي تركت بصماتها في المشهد الإجتماعي وحددت سلسلة من نشاطاتها مسارا سياسيا للبلاد.

وعلى غرار جميع الإضرابات السابقة لم تخل “خلطة” الدعوة للاضراب من مُكوّن سياسي إلى جانب مكونات مطلبية اجتماعية، إلا أن العنصر السياسي فيه، لم يحظ بالاهتمام لأنه جاء خارج السياق السياسي الذي تعيشه البلاد، كما أن المكونات الاجتماعية لـ “خلطة” الاضراب لم تكن مطلبا للكنفدرالية وحدها دون النقابات العمالية الفاعلة الأخرى، لذلك مر الاضراب والدعوة له دون أن يترك، على الاقل في المدى المنظور، بصمات كتلك التي تركتها الاضرابات العامة السابقة.

وجاءت الدعوة للإضراب بعد الوصول (في نهاية أبريل الماضي وعلى أبواب الاحتفالات بيوم العمال العالمي) إلى طريق مسدود في الحوار الاجتماعي القائم بين الحكومة والنقابات حول تحسين أوضاع العمال والموظفين في ظل ارتفاع صاروخي للاسعار، وخاصة في المواد الغذائية والاستهلاكية.

فالحكومة التي يترأسها عباس الفاسي، كغيرها من الحكومات تنظر للمطالب العمالية من زاوية الأرقام وما تتحمله ميزانية الدولة من أعباء لدعم المواد الاستهلاكية وتغطية الفارق القائم بين الاسعار المحلية والاسعار العالمية فيما يتركز اهتمام النقابات العمالية بالتدهور المسجل في القدرة الشرائية للمواطنين وهي تتقلص رويدا رويدا لتصل إلى حد لم يعد يطاق.

“ريبة” بين النقابات

وكالعادة غادرت النقابات التي لا تبدي تأييدا لمقاربة الحكومة طاولة الحوار مع السلطات دون اتفاق مع بقية الأطراف الإجتماعية على الخطوة التالية، لكنها لمست أن الكنفدرالية تذهب في طريق لا تشاطرها السير به.

فقد أعلنت الكنفدرالية منذ منتصف أبريل عن سحب منتخبيها من مجلس المستشارين (الغرفة التشريعية الثانية) “نظرا لقصوره (أي المجلس) في القيام بمهامه وأدواره في التشريع ومراقبة الحكومة، وما يطبع أشغاله من بؤس في التعاطي مع القضايا الوطنية التي تحكم مستقبل المغرب، فضلا عن غياب التصور في معالجة الملفات المختلفة”، حسب ما جاء في قرار المجلس الوطني للكنفدرالية.

والنقابات، ومن بينها الاتحاد العام للشغالين (الجناح العمالي لحزب الاستقلال، الحزب الرئيسي بالحكومة) والفيدرالية الديمقراطية للشغل (المقربة من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المشارك بالحكومة)، وجدت في هذا القرار اشارة لتكتيك سياسي ونقابي لم يتم التشاور معها بشأنه، فتحفظت عليه ولم تشارك فيه ولم تعلن عن دعمها له، وهو ما خفف كثيرا من الأثر السياسي والنقابي المأمول به، لكنه لم يقطع فيما بينها بشأن الحوار الاجتماعي وإن أدخل بين أطرافه “الريبة” التي تجسدت فيما بعد ليس فقط في عدم دعم الاضراب العام الذي دعت له الكنفدرالية بل في التحرك ضده والدعوة إلى جعل يوم الاضراب “يوما وطنيا للعمل”، وهو الشعار الذي رفعه الاتحاد العام للشغالين.

دعم سياسي ضئيل

الاساس النقابي والمطلبي للإضراب العام كان المطالبة بزيادة عامة في الأجور بـخمسمائة (500) درهم (42 أورو) في الشهر ابتداء من شهر يوليو القادم وتخفيض نسب الضرائب المطبقة علي المداخيل وهي مطالب ترى بقية النقابات أنه يمكن أن تتحقق من خلال تكثيف الحوار الاجتماعي مع الحكومة الذي يُفترض أن يستكمل في شهر سبتمبر القادم، كما تشير إلى أن الاضراب العام يبقى الملجأ الاخير للحركة العمالية خاصة وأن الحكومة أعلنت عن الترفيع في الأجور بنسبة تتراوح ما بين 10 و20 في المائة والزيادة في الحد الأدني للأجور من 150 اورو الى 170 اورو شهريا والرفع من أجور المتقاعدين والفلاحين.

وبخلاف الاضرابات (التاريخية) السابقة التي جرت في أبريل 1979 ويونيو 1981 وديسمبر 1990، خاضت الكنفدرالية اضرابها العام بدون غطاء أو دعم أحزاب سياسية فاعلة ومؤثرة، اذ بعد ان اعلنت جماعة العدل والاحسان أقوى الجماعات الاصولية المغربية عدم تبنيها الاضراب (وان كانت لم تدع لعدم تلبيته)، اقتصر الدعم الحزبي على احزاب اليسار المغربي الراديكالي وهي أحزاب ذات تأثير محدود في أوساط المواطنين، فيما كانت الاضرابات السابقة قد حظيت بدعم وتغطية سياسية من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حبن كان أقوى الاحزاب تأثيرا في الشارع المغربي ويقود المعارضة في السنوات التي سبقت توليه تدبير الشأن العام 1998 وأدت دائما إضرابات الكنفدرالية الى انعكاسات سياسية للحزب أو على الحزب في علاقاته مع السلطة أو تأثيره.

ونتيجة لهذه المواقف من الاضراب لم تلق الارقام التي أدلت بها الحكومة حول نسبة المشاركة اعتراضا واسعا. فالأرقام الصادرة عن وزارة تحديث القطاعات العامة أشارت الى أن نسبة المشاركة في الإضراب لم تتجاوز 2.5 بالمئة في الادارات المركزية و40 بالمئة في الادارات الجهوية وإن كانت ارقام الكنفدرالية قد أكدت أن نسبة نجاح الإضراب تتراوح ما بين 80 و100 بالمائة حسب القطاعات والجهات.

أوضاع قابلة للإنفجار

التباين في الارقام لم يُلغ ارتياح الأطراف المعنية بالاضراب لمساره العام. فقد ارتاحت الدولة من جانبها لأن مشاهد المواجهات الدموية التي طبعت الاضرابات السابقة لم تتكرر وإن كانت اتخذت من الاجراءات الامنية ما يكفي لمواجهة كل الاحتمالات. أما بالنسبة للكنفدرالية فقد كان يكفيها أن لا تتعرض لضغوطات الدولة وأجهزتها وألا يتعرض قادتها إلى تحرشات تؤدي الى كوارث بل إن زعيمها نوبير الاموي قال: “إن مسار الإضراب وتعاطي الدولة معه أكد أن المغرب أصبح دولة حضارية وديمقراطية”. أما النقابات الأخرى فقد أكدت عبر غيابها عن دعوة الاضراب حضورها ولكن بطريقة أخرى.

وإذا كان إضراب 21 مايو قد مر في ظروف هادئة ودون مواجهات، فإن اضرابا آخر جرى قبله باسبوع (يوم الثلاثاء 13 مايو) كان له في حسابات الدولة مقاربة مختلفة، حيث شاركت في الدعوة للاضراب على نفس المطالب كل من الفيدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد المغربي للشغل والمنظمة الديمقراطية للشغل والاتحاد الوطني للشغل بقطاع الوظيفة العمومية والجماعات المحلية، والمؤسسات شبه العمومية، حقق نجاحا ملفتا حيث تراوحت نسبة المشاركة فيه ما بين 85 و90% في العديد من القطاعات الحيوية والاستراتيجية مثل التعليم والصحة والفلاحة.

ولعل نجاح هذا الاضراب يكمن في محورته حول القضايا الاجتماعية وحرص الداعين إليه على تشذيبه من أي بعد سياسي وهو الأمر الذي لقي استجابة من منظمات المجتمع المدني وخاصة من “التنسيقيات المناهضة لارتفاع الاسعار وضرب القدرة الشرائية للمواطنين” المكونة من ناشطين يساريين والمنتشرة في مختلف المدن المغربية في ظاهرة تؤشر على أن القضايا الاجتماعية باتت تشغل مختلف الاوساط المغربية وتشكل نقطة فابلة للانفجار في أي وقت.

وقد يسرّع في حدوث هذا الانفجار إقدام الحكومة على تطبيق قرار باقتطاع أجرة يوم الاضراب من مرتبات المضربين بعد أن هددت جميع النقابات بشن إضراب منتصف يونيو القادم إذا ما نفذت الحكومة قرارها. ويخشى مراقبون من أن يُعيد هذا الاضراب مشاهد مواجهات النصف الثاني من القرن الماضي نظرا لأنه يمس بشكل مباشر لقمة عيش من يعتقدون أنهم مارسوا حقا في التعبير عن احتجاجهم على اوضاعهم وهو حق ينص عليه الدستور المغربي.

إنها أوضاع اجتماعية قلقة في مغرب لا زال يتلمس طريقه نحو ترسيخ بنياته وتكوين مشهده السياسي والاجتماعي في محيط إقليمي غير مستقر وعالم يتحول بسرعة فائقة لا تترك له المجال ليأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة لكل مجتمع وخاصة في الميدان الاقتصادي والاجتماعي.

محمود معروف – الرباط

الدار البيضاء (رويترز) – نظم أقوى اتحاد لنقابات العمال في المغرب أول اضراب شامل منذ جلوس الملك محمد السادس على العرش يوم الاربعاء 21 مايو 2008 لحث الحكومة على زيادة الاجور وخفض الضرائب لتخفيف المعاناة الناتجة عن زيادات حادة في اسعار السلع الغذائية.

ويعيد الاضراب الذي دعا اليه الاتحاد الديمقراطي للشغل الي الذاكرة اضرابات واسعة في العقود السابقة انتهت احيانا بأحداث شغب وحملات قمع قاسية لكن الحكومة قالت ان اناسا قليلين استجابوا لاحدث دعوة الي الاضراب.

وقتل مئات الاشخاص أو القي بهم في السجن في الدار البيضاء اكبر مدينة بالمغرب في عام 1981 بعد أحداث شغب حاشدة في اعقاب زيادة اسعار الخبز. ولم ترد تقارير عن عنف مماثل في المدينة يوم الأربعاء.

وقال الاتحاد الديمقراطي للشغل ان 60 في المئة من العمال شاركوا في الاضراب بمن فيهم العاملون بشركة الطيران الوطنية (الخطوط الملكية المغربية) والعاملون في صناعات بينها السيارات والمعادن ومصفاة سامير شركة تكرير النفط الوحيدة في المملكة.

وقال مصطفى براهمة عضو المكتب التنفيذي بالاتحاد “اضرابنا العام تحذير للحكومة التي لم ترد بشكل ايجابي على مظالمنا بعد اربع سنوات من المفاوضات.”

وقدرت الحكومة حجم المشاركة في الاضراب على مستوى البلاد باثنين في المئة فقط في القطاع الخاص وحوالي 2.5 في المئة من موظفي الدولة. وأفادت سامير بان النشاط سار بشكل عادي في مصفاتها الرئيسية.

ودفعت زيادات اسعار السلع الغذائية مؤشر اسعار المستهلكين في المغرب للصعود بنسبة 3.7 في المئة الشهر الماضي من 3.2 في المئة في مارس اذار وفقا لارقام رسمية نشرت هذا الاسبوع. والقى القلق من الغلاء بظلاله على محادثات الاجور بين ارباب العمل والنقابات والحكومة التي عرضت زيادة الحد الادنى للاجور بنسبة 10 في المئة على مدى عامين.

وتذهب شريحة متزايدة من ميزانية الدولة في المغرب الى دعم اسعار الوقود وبعض السلع الغذائية الاساسية للتخفيف عن كاهل الفقراء لكن اسعار الفاكهة الطازجة واللحوم والمساكن وغيرها من الضروريات تشهد زيادات سريعة. ويقول مسؤولون نقابيون ان تكلفة المعيشة قفزت بنسبة 15 في المئة منذ التسوية السابقة للحد الادنى للاجور في 2003.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 مايو 2008)

الرباط (رويترز) – قالت أربعة اتحادات نقابية مغربية يوم الثلاثاء 13 مايو 2008 ان اضرابا عاما دعت اليه يوم الثلاثاء حقق نسبة نجاح فاقت 90 في المئة في عدد من القطاعات على رأسها التعليم.

وقال عبدالالاه الحلوطي نائب الكاتب العام للاتحاد الوطني للشغل ذي التوجه الاسلامي لرويترز “حسب النتائج الاولية التي توصلنا بها من مختلف الاقاليم معدلات نجاح الاضراب تراوحت ما بين 80 و90 في المئة وفاقت في بعض القطاعات كالتعليم 90 في المئة.”

وجاء الاضراب الذي دعا اليه بالاضافة الى الاتحاد الوطني للشغل كل من الاتحاد المغربي للشغل (شبه مستقل عن الاحزاب) والفدرالية الديمقراطية للشغل (يسار) والمنظمة الديمقراطية للشغل (يسار) للاحتجاج على ارتفاع أسعار بعض المواد الاولية في المغرب وضعف القدرة الشرائية للمغاربة.

وكانت الحكومة المغربية قد خاضت مؤخرا أربع جولات مفاوضات مع النقابات اقترحت من خلالها رفع الاجور بنسبة عشرة في المئة على مرحلتين ابتداء من يوليو تموز المقبل وتخفيض الضريبة على الدخل ورفع التعويضات العائلية. وقالت الحكومة انها قدمت أقصى ما في وسعها لكن معظم النقابات المفاوضة لم تستسغ هذه الاقتراحات وطالبت بمزيد من تحسين الاجور.

وقال الحلوطي لرويترز “عندما تقارن الحكومة الحالية عرضها بالحكومات السابقة لا يبدو الامر منطقيا لان الاسعار لم تعرف مستويات قياسية كما هو الشأن في الوقت الراهن”. واضاف “نعرف أن موجة الغلاء عالمية لكن الحكومات في العالم تبذل مجهودات للزيادة في الاجور ودعم القدرة الشرائية لمواطنيها.”

وقال خالد الناصري وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة لرويترز “لا نتوفر على معطيات كافية الى حدود الساعة على نسبة المشاركة في االاضراب وان كان سياسيا ليس هناك ما يبرر هذا الاضراب. واضاف “الحكومة بذلت مجهودات ضخمة في الحوار الاجتماعي للتوصل الى حلول.”

وفي بعض المدارس الثانوية والمستشفيات بدت نتائج الاضراب واضحة حيث ظل عدد من التلاميذ خارج الفصول ولم يدرسوا وقالوا ان عدد الفصول التي درست في الصباح يعد على الاصابع كما لم يعمل في مستشفى وسط العاصمة سوى قسم الحالات المستعجلة.

وقال عبد الرحمان العزوزي الكاتب العام للفدرالية (الاتحاد) الديمقراطية للشغل لرويترز “ان المعدل العام للاضراب تراوح ما بين 85 و90 في المئة بينما تجاوز في بعض القطاعات كالتعليم 90 في المئة.”

وتعمل الحكومة المغربية على دعم أسعار المواد الاساسية كالدقيق والزيت وغاز البوتان والسكر عن طريق ما يعرف بصندوق المقاصة الذي خصصت له هذه السنة نحو 30 مليار درهم (أربعة مليارات دولار) ارتفاعا من 14 مليار درهم العام الماضي. ومن المنتظر أن تخوض الكونفدرالية الديموقراطية للشغل (يسار) في 21 من الشهر الحالي هي الاخرى اضرابا عاما.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 13 مايو 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية