مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الملابس الذكية.. هل ستجعل حياتنا أكثر راحة؟

عالم الفيزياء والفيزيولوجيا رونيه روسّي صحبة دمية الاختبار التي ترافقه في العمل "سام". swissinfo.ch

تقوم المؤسسة الفدرالية السويسرية للأبحاث والفحوصات على المواد، المعروفة اختصارا بـ Empa بإجراء بُـحوثٍ حول وظيفة تنظيم الحرارة في الأقمشة من أجل ابتكار أنسِـجة جديدة تقوم بِتَبريد الجِـسم وتُخفِّـف من آلام المَرضى وتَحفظ الرياضيين من الإنهيار.

حين يفتح عالم الفيزياء والفيزيولوجيا (عِـلم الوظائف) رونيه روسّيRené Rossi باب غُـرفة “سام”، يُمكننا الشعور بالبَرد فوراً، وعملياً، من المُفتَـرض أن يكون “سام” قد أصِـيب الآن بانخِفاض شديد في درجة حرارة الجسم والمسمّـاة علمياً “الهيبوثرميا” (أي حالة انخفاض درجة حرارة الجسم، دون المعدل الطبيعي واللاّزم لعملية الأيض والوظائف البدنية الأخرى. وتحدُث هذه الحالة، حين يفشل الجسم في توليد طاقة كافية للحفاظ على درجة حرارة الجسم الداخلية عند مستوىً معقول، وقد يؤدّي ذلك للإصابة بالفشل القلبي والوفاة).

ويقوم “سام” اليوم باختبار سترة مَطرية، وقد يقوم أحياناً باختبار الملابس الداخلية أو الأكياس المُخَصّـصة للنّـوم.

و”سام”، هو عبارة عن دُمْـية اختبار تحتوي على 125 غُدّة عَرَقية. وإذا ما تحرّك “سام”، فإنه يبدأ بالتعرّق كالإنسان. ويملك الإنسان الملايين من الغُدَد العرقية، وهذه الغُـدد موزّعة بصورة مختلفة عند الرِّجال عنها عند النساء. ويقول الباحث رونيه روسّي عن سام مُعلّقاً: “من ناحية توزيع الغُدَد العرقية، فإن سام رَجُل”.

وتُسمى هذة الدّمية، التي تُـعتبر إنجازا علميا “Sweating Activated Mannequin”، أي دمية اختبار (مانكان) مُنَشطة للتَعرق وتُستَخدَم لاختبار جودة الأنسجة (الأقمشة) في ظروف مَناخية واقعية.

ويُقصَد بالظروف المناخية الواقعية، أن غرفة سام تحتوي على بندقية للثلج، وإذا لزم الأمر، يُمكن مُحاكاة فصل شتاء شديد البرودة في غرفة سام، الواقعة في الطابق الثالث تحت الأرض في المؤسسة الفدرالية السويسرية للأبحاث والفحوصات على المواد Empa.

ويشعر “سام” بالبرد أحياناً خلال هذه التجربة، إذ يشاهد الباحثون ذلك في أجهزة الاستشعار عند “سام”، حين تنخفض درجة الحرارة الداخلية إلى أقل من 36 درجة.

التعرق يُبرّد الجسم

ويوضِّـح الباحث روسّي، رئيس قسم الحماية والفيزيولوجيا قائلاً: “نحن نقوم ببحث التنظيم الحراري للمنسوجات”، ويُقصد بذلك التفاعل بين المواد وبين جلد الإنسان. ويضيف قائلا: “رؤيتنا هي تطوير بَـدلة أو حُلّة تقوم بتبريد الجِـسم أكثر من الجلد البشري المُجرد”.

ويملك الجسم البشري وسيلة لتنظيم درجة حرارته بنفسه من خلال التعرّق، “لكن التعرّق يُبرِّد الجِـسم فقط، إذا كان بإمكان الماء أن يتبخّـر. ولو تشكّـلت قطرة ماء واحدة فقط، فسيفقد التعرّق أثَره التَّـبريدي”، على حد تعبير روسّي. لذلك، فإن أحد الأهداف هو العثور على موادّ لا تقوم بالتِـقاط العَـرق فقط، وإنما تقوم بتوزيعه على أكبر مساحة مُمكنة، ومن ثَـمّ تَركه ليتبخّـر.

وترتفع درجة حرارة الجِـسم فوق معدّلها الطبيعي من خلال الجُـهد الرياضي وبسبب المرض أو عن طريق تأثيرات خارجية أخرى، وتزداد أهمية التّـبريد الكافية بالنسبة للأشخاص الذين يمارسون الألعاب الرياضية القائمة على المنافسة، كالمسابقات، حيث لن يكون باستطاعة الجسم تقديم الأداء اللازم خلال ذلك.

إلا أنّ هذه الأبحاث التّـابعة لقسم الحماية والفيزيولوجيا، ليست مُخصّـصة لِخدمة كبار الرياضيين فقط، بل تشمل أهدافها أيضاً الإستخدامات الموجهة للأغراض الطبِّـية والعسكرية وللإستخدام عند التدخّل في الحالات القصوى. ولتحقيق هذه الأهداف، سيتِـم تطوير التنظيم الحراري وستُدعّـم الملابس بوظائف حسيّة إضافية.

ملابس تَبريد للمَرضى

وكمِـثال على المنتجات الطبية التي ابتكرها القسم الذي يعمل فيه الباحث روسّي مع “سام”، هي الملابس المُبَرِّدة لمرضى تصلّب الأنسجة المتعدّد Multiple Sclerosis، (وهو مرض تحريضي مُزمن يؤثّـر على النظام العصبي المركزي، ويُمكن أن يتسبّب في العديد من الأعراض، من ضمنها تغيّـر في الإحساس ومشاكل بصرية وضعف في العضلات والكآبة وصعوبات بالتنسيق والخطاب وإعياء حادّ وضعف إدراكي ومشاكل بالتوازن وارتفاع درجة الحرارة والألم، كما يسبب تصلّب الأنسجة المتعدّد أيضا، ضُـعف في قابلية حركة وعجز في الحالات الأكثر حدة).

وقد كوفِـئ القسم الذي أنتج هذه الملابس الخاصة منذ ثلاثة أعوام، بمنحه جائزة “سيرونو” Serono (وهي شركة للتكنولوجيا الحيوية، مقرها في جنيف، تقوم بتطوير وتسويق المواد الصيدلانية في مجالات الصحة الإنجابية ومرض تصلّـب الأنسجة المتعدِّد والنمو والأيض والأمراض الجلدية). وتقوم هذه الملابس الخاصة بِخَفض درجة حرارة الجسم بحوالي 4 درجات، ويساعد استخدام هذا النوع من الملابس، مرضى تصلّب الأنسجة المتعدّد، بالشعور بصحةٍ ومزاجٍ أفضل.

ويقف “هنري”، زميل سام مستعِـداً لمجالات أخرى للتطبيق، ويملك “هنري” على غرار “سام”، أجهزة استشعار درجات الحرارة أيضاً، لكن درجة الحرارة في غرفة “هنري” لا تَتّـسم بالبرودة، بل على العكس من ذلك، حيث يقف “هنري” في خزانة مُقاومة للحريق ويَرتدي ملابس مُقاوِمة للحريق كذلك، كما يرتدي رجال الإطفاء عند استدعائهم للقيام بإطفاء حريق ما على سبيل المثال. وتتلخّص مُهمّته في التعرّف على إمكانية تحمل الإنسان لدرجات الحرارة على الجِـلد.

وبفضل هنري، الذي لا يحمل أبدا أي نوع من الأضرار، أصبح باستطاعة الباحثين تحديد المكان الذي كانت ستصبح فيه الحرارة أعلى من المُحتمل لجِـلد الإنسان. ولا تقاس درجة الحرارة فحسب، بل وأيضا الفترة الزمنية لتأثير الحرارة.

ملابس ذكية

وقال روسّي مُضيفاً: “نحن نستخدم مواد صناعية في أبحاثنا”، ذلك أنّ الأقمشة الطبيعية كالقُـطن أو الحرير تقوم بامتصاص السوائل وتجف ببُـطء شديد. ويمتاز البوليستر المَحبوك المُتعدّد الألياف، بأنه الأكثر قابلية على نقل السوائل وبملاءمته لجميع أنواع الوظائف الإضافية. ويفسّر السيد روسّي: “بفضل البوليستر، تصبح الملابس ذكية”.

من الناحية النظرية، يمكن أن يتم تركيب أجهزة استشعار عن كل ما هو مُمكن. ويَجري البحث حالياً على أجهزة استشعار تقوم بتحذير “هنري” قبل أن ترتفع درجة حرارته أكثر من اللازم بالنسبة له. ومن شأن أجهزة استشعار من هذا القبيل، أن تُنقذ حياة رجال الإطفاء عند مُمارستهم لوظيفتهم.

إيفلين كوبلر – swissinfo.ch

ظهرت مؤسسة (Empa) لى الوجود منذ عام 1880. وبدأت بممارسة عملها في قبْـو ما يُسمّى اليوم بالمعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، والذي كان يُدعى يومئِـذ بالمعهد الفدرالي للعلوم التطبيقية أو إخثارا “بولي” Poli، وعلى مرّ السنين، أُدمِج معهد اختبار الوقود ووظيفة فحص المنسوجات.

وقد سميَّـت المؤسسة منذ عام 1938 “المؤسسة الاتحادية لفحص المواد والتّجارب للصناعة والتشييد والتجارة”، إلا أنّ الإسم المُـختصَر Empa ايمبا، كان قد أصبح شائعاً منذ وقتٍ طويل. ومنذ عام 1988، لم يعد التركيز على التجارب، هي المُهمّة الرئيسية للمؤسسة الفدرالية السويسرية للأبحاث والفحوصات على المواد (إيمبا)، فقد تحولت المؤسسة من “مؤسسة تجارب” إلى “مؤسسة أبحاث”.

في عام 1994، أضيف مقرّ بلدية “تون”Thun (في كانتون برن) مع دوبندورف (كانتون زيورخ) وكانتون سانت غالن إلى “الإيمبا”، حيث تبنّـت الإيمبا قسماً مُتخصصاً في المجموعة لخدمات التسليح، التي تقوم بفحص المواد العسكرية.

واليوم، يتعامل قسم تكنولوجيا المواد في “تون” مع المسائل المدنية بشكل حَـصري تقريباً. وقد احتفلت “الإيمبا” عام 2005 بذكرى مرور 125 عاما على إنشائها.

يَضَع المعرض المُسمّى “أكثر أمناً.. أجمل وأسرع”، الرموز الرياضية السويسرية والملابس التي كانوا يرتدونها عند فوزهم في دائرة الأضواء.

هناك العديد من قطع الملابس الشهيرة، التي تنال إعجاب الزوّار في المعرض المُختصّ بالملابس الرياضية في سانت غالن، سواء كان المِـعطف الفضّي للبطل السويسري في التزحلق على الجليد سيمون أمّان Simon Amman، الذي حصل عليه في الألعاب الأولمبية الشتوية في سولت لايك سيتي (الولايات المُتحدة) عام 2002 أو بدلة ركوب الخيل لإمبراطورة النمسا وملكة المجر إليزابيث أمالي أوجيني Elisabeth Amalie Eugenie، المشهورة بلقب “سيسّي”.

كذلك، تُعرض الأعمال البحثية المُتعلقة بالتنظيم الحراري للمُؤسَّسة الإتحادية السويسرية لفَحص المواد والأبحاث Empa.

بالإضافة إلى التنظيم الحراري، قام قسم الحماية والفيزيولوجيا لـ”لإيمبا” بتطوير أقمِـشة تحتوي على أجهزة إستشعار. ونجد ملابس مُطرّزة بأجهزة استشعار موجودة في الأسواق بالفعل.

وقد طوّرت المؤسسة الإتحادية السويسرية لفحص المواد والأبحاث (إيمبا) بالتعاون مع بعض الشركاء المُختصين بصناعة الملابس الرياضية والتطريز، قميصاً (تي شيرت) لعملية تخطيط القلب.

وبواسطة هذا القميص الخاص، يُمكن مُراقبة نشاط القلب. وبفضل هذا التطور، لن تكون هناك حاجة في المستقبل للأقطاب الكهربائية التي تُربط بِجسم المريض.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية