مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الملكية في مغرب محمد السادس: “مُـقـدّسـة.. تـمْـلـكُ.. وتـحْـكـُم”

أحمد بن شمسي، مدير أسبوعيتي تيلكيل (بالفرنسية) ونيشان (بالعربية) يقف يوم 3 أغسطس 2009 في مكتبه بالدار البيضاء أمام غلاف المجلة التي منعت السلطات ترويجها AFP

فتح حجْـز أسبوعيتين مغربيتيْـن، لنشرهما نتائج استطلاع رأي حول عشر سنوات من مغرب الملك محمد السادس، الباب واسِـعا بوجه مناقشات حساسة لم تغِـب تماما عن الحياة السياسية المغربية، وظلت تُـطِـل برأسها بين الفينة والأخرى، رغم هامِـش الحرية الواسع المتاح قياسا بما ما كان عليه مغرب الحسن الثاني.

وأعلنت وزارة الداخلية المغربية يوم السبت 1 أغسطس أن الوزير شكيب بن موسى قرّر حجْـز أسبوعيتين تصدران عن مجموعة “تل كيل” للصحافة، هما مجلتيْ “تيل كل” الصادرة بالفرنسية و”نيشان” الصادرة باللغة العربية لـ “نشرهما مجموعة من المقالات تمَـسّ بالمُـقتضيات القانونية الجاري بها العمل”. وقال بلاغ الوزارة، “إن هذا الإجراء يأتي تطبيقا لمُـقتضيات قانون الصحافة بالمغرب”.

وأتى نشر نتائج استطلاع الرأي، الذي أجراه معهد “ال ام اس- سي اس اي” لصالح الأسبوعيتيْـن ويومية لوموند Le Monde الفرنسية، وشمل 1108 مغربي تفوق أعمارهم 18 سنة، بعد سلسلة ملفّـات خصّـصتها الأسبوعيتان “المُـشاكِـستان” لمدة أربعة أسابيع عن حصيلة العشرية الأولى لحُـكم العاهل المغربي الملك محمد السادس.

وحملت الملفّـات عناوين “حياة القصر: الإنسان والسلطان” و”سلطة وسياسة: المعلم” و”اقتصاد: رجل المال والأعمال” و”دين: المسلم الأول”، وختمت ملفّـاتها بنتائج استطلاع الرأي حول رأي المغاربة بمَـلِـكهم، الذين أدلوا بأجوبة إيجابية، حيث أعرب 91% منهم عن رضاهم أو أنهم راضون للغاية عن أدائه، من بينها 40% إيجابية جدا و51% إيجابية نوعا ما، وأجوبة سلبِـية نوعا ما بنسبة 6% وأجوبة سلبية جدّا بنسبة 2%. واعتبر 49% من المستجوبين أن المغرب مملكة ديمقراطية، فيما اعتبرها 33% غير ديمقراطية، ولم يعبِّـر 18% عن رأيهم.

ويُـظهر الاستطلاع أيضا أن المغاربة مُـتحفظون بشأن جهود الملك لمُـكافحة الفقر وإصلاح قانون الأسرة. ففيما يتعلّـق بالفقر، يعتبر 37% من المُـستطلعين أن الوضع تحسّـن في السنوات العشر الأخيرة، فيما اعتبر37% منهم بأنه لم يتحسّـن و24% منهم قالوا بأن الوضع ساء.

أما فيما يخصّ قانون الأسرة الجديد، الذي يفتخر به المغرب باعتباره ورشة كُـبرى للإصلاح ولتُـصبح المغربيات مُـساويات للرجل على كافة المستويات، باستثناء الإرث، فلم يحظ بتأييد واسع، حيث اعتبر 49% أن الإصلاح بالغ في إعطاء الحقوق للمرأة، فيما اعتبر 30% منهم أن الحقوق الممنوحة للمرأة كافية ولا يجب أن تتطوّر، واعتبر 16% منهم فقط أنه يجب على المرأة الحصول على المزيد من الحقوق.

“الملك مقدّس لا تُـنتَـهك حُـرمته”

وإذا كانت حصيلة الاستطلاع إيجابية لصالح تدبير محمد السادس لمملكتِـه، فإن سبر الآراء مسّ أداء الملك وهو جانب لم تسمح بعدُ التطوّرات السياسية بالبلاد بالإقتراب منه كثيرا، وإن كان عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية المغربية لا تتردد في مُلامسته بين فترة وأخرى.

ويقول خالد الناصري، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، “إن إجراء استقراء للرأي حول شخص الملك وجعله موضوع نِـقاش سياسي في الساحة العمومية، أمر يتنافى مع قدسِـية ومكانة المؤسسة الملكية”.

وأوضح الناصري أن “عدم وجود قانون ينظم استطلاعات الرأي، لا يحُـول دون وجود قوانين أخرى. فهناك قانون أسمى هو الدّستور الذي يحرِّم المَـساس بالاحترام الواجب لشخص الملك، وهناك قانون الصحافة الذي لا يبيح بدوره الإساءة إلى المؤسسة الملكية”، فيما تظل “القضايا الأخرى مُـباحة وتتعامل معها الصحافة بكل ما تشاء من حرية”، على حد تأكيده.

وأوضح الوزير المغربي أن الحجْـز لا يهمّ نتيجة هذا الاستطلاع، وإنما مبدأ تنظيمه حول هذا الموضوع، مؤكِّـدا أنه “لا يمكن ولن نقبَـل أبدا، حتى في المستقبل، أن تكون المؤسسة الملكية موضوع استقراء للرأي”، واعتبر أنه من شأن مثل هذا الاستطلاع للرأي “تلويث الحقل السياسي المغربي”، ودعا إلى “ترك المؤسسة الملكية في موقِـعها الذي يتَّـسم بالحرمة” والمبادرة إلى كل النقاشات وتنظيم استقراءات للرأي في باقي القضايا.

وإلى جانب حجز “تيل كيل” و”نيشان” فتح المغرب جبهة مع فرنسا من خلال منعِـه دخول عدد صحيفة لوموند المتضمّـن نتائج نفس الإستطلاع، وهو ما أبدت الخارجية الفرنسية أسفها له، دون صدور أي ردّ أو تعليق من وزارة الخارجية المغربية حتى لا تتوسّـع هذه الجبهة وتنعكِـس نيرانها سلْـبا على تطوّرات نزاع الصحراء الغربية، المتوقع أن تبدأ يوم الاثنين 10 أغسطس في فيينا، الجولة الأولى من المحادثات غير الرسمية بين المغرب وجبهة البوليساريو.

وإذا كان وزير الاتصال المغربي قد حدّد في تصريحاته موقِـفا رسميا تُـجاه مسألة استطلاعات الرأي وعدم وجود قانون منظّـم لها حتى الآن، فإنه حدّد أيضا الموقِـف الرّسمي من التّـعاطي مع شخصية الملك، التي يصفها الدّستور المغربي بالمقدّسة، ويقول الفصل 23 من الدستور المغربي إن “شخص الملك مقدّس لا تُـنتَـهك حُـرمته”، كما ينص على أن خُـطبه لا يمكن أن تكون موضوع أيّ نِـقاش.

“ملكية تملك ولا تحكم”

وباستثناء بعض المقالات الصحفية، فإن ردود الفعل على حجز الأسبوعيتيْـن المغربيتيْـن واليومية الفرنسية، تطرّقت إلى مسألة استطلاع الرأي وحرية الصحافة واعتبار الحجز مسّـا بحرية التعبير، في حين لم تقترب من الوضعية الدستورية للملك، الذي يرأس السلطة التنفيذية ويمارس العمل السياسي اليومي المتعلق بتسيير شؤون البلاد.

ويُـطالب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (مشارك بالحكومة) بتعديلات دستورية تنحى بالبلاد نحو مَـلكية برلمانية، إلا أن مطالبته هذه التي قدّمها في مذكرة رسمية للقصر الملكي، لم تحظ بنقاشات واسعة ومعمّـقة، لتزامن فتح ملفها مع بدء حملة الانتخابات البلدية التي جرت يوم 12 يونيو الماضي.

إلا أن كُـتّـابا وصحفيين مغاربة أثاروا مسألة المَـلكية التنفيذية وربْـط المحاسبة والتقييم بكل السلطات التي تمارس سلطات تنفيذية، ويقول هؤلاء إن على ممارسة السلطة التنفيذية أن تستدعي المحاسبة والتقييم أو أن يُـخوّل الملِـك السلطات التنفيذية إلى الحكومة.

وإذا كان قائد نقابي من طِـراز محمد نوبير الأموي، الامين العام للكنفدرالية الديمقراطية للشّـغل قد دفع عام 1992 ثمن دعوتِـه إلى مَـلَـكية تملك ولا تحكُـم، سنوات سجن طويلة، فإن دُعاة تقليص السّـلطات التنفيذية للملِـك محمد السادس لم يلحقهم عِـقاب أو متابعة.

فقد قال مصطفى الرميد، أحد قادة حزب العدالة والتنمية الأصولي ورئيس فريقه البرلماني، إن رفض الملِـك الذي يمارِس سلطات تنفيذية لاستطلاعات الرأي، يعني الديكتاتورية.

وتساءل الرميد في تصريحات نُـشرت بالرباط: “هل بالإمكان محاسبة أداء المُـلوك عن الحصيلات السلبية لسياساتهم؟ وما العمل إذا ما ثبت أن حصيلتهم لا تستجيب لتطلّـعات شعوبهم ومصالِـح أوطانهم؟”

وقال، “إن طرح هذه الأسئلة يفضي إلى مأزق لأنها تسير في الاتِّـجاه الممنوع، أي اتِّـجاه الأزمة والفِـتنة”، ويقترح الرميد أن المنطِـق الديمقراطي بالنسبة للملَـكية يقتضي أن يضطلع القائم على رأسها (أي الملك) بالمسؤوليات التحكيمية والواجبات السيادية، ليترك الحُـكم للشعب الذي عليه حقّ المحاسبة.

ويعتقد الرميد أن الملوك إذا أبوا إلا ممارسة الحُـكم، فعليهم أن يقبلوا كل ما يترتّـب عن ممارستهم له، ابتداء باستطلاعات الرأي وانتهاءً بالتقييمالت السلبِـية عن صواب أو عن خطإ، وإلا فإنها الدكتاتورية التي يتبرّأ منها الجميع.

أسئلة الرميد وآراؤه لم تَـأخذ حقّها من النقاش، ربما لأن الفاعل السياسي والنّخبة في عطلة الصيف، لكنها ستكون وغيرها التي تسير بنفس الاتِّـجاه محلّ متابعة صحفية أو قضائية، لأن البعض قد يعتبِـرها، كما قال هو نفسه، مُـؤدِّية إلى الفِـتنة والأزمة، لتتحوّل أزمة مجلتي “تيل كيل” و”نيشان” وصحيفة “لوموند” من مجرد حجز صُـحف إلى أداة تُسرّع بطرح الدستور للنِّـقاش القانوني والسياسي الواسع.

محمود معروف – الرباط – swissinfo.ch

لا أحد ينكر أن حرية الصحافة بالمغرب، هي إحدى انجازات عهد الملك محمد السادس، الذي تولى العرش صيف 1999. فبالإضافة إلى انتشار الصحافة المستقِـلة وتشجيع الثورة التكنولوجية لميلاد المئات من المواقع الإلكترونية، فإن ما تتناوله هذه الصحافة والمواقع كثيرا ما تمس قضايا كانت تُـعتبر في مغرب الحسن الثاني خطوطا حمراء بل مناطق محرمة.

ولم يكُـن سهلا تحقيق هذا الإنجاز، الذي انطلقت بوادِره أواخر عهد الحسن الثاني، مترافقا مع انفِـتاح القصر على أحزاب المعارضة الديمقراطية وُصولا إلى تدبيرها للشأن العام ومُـرورا بإطلاق سراح المُـعتقلين وعودة المغتربين وإلغاء عدد من القوانين، التي كانت تحدّ من حرية الرأي والتعبير.

وحسب ما تكشِـف عنه أوراق جديدة، فإن الصحافة المستقلّـة وُلِـدت برعاية القصر الملكي، لتكون المعارضة لحكومة الأحزاب الديمقراطية التي ترأّسَـها عبد الرحمن اليوسفي، الزعيم الاشتراكي، لكن ما شهده المغرب في عهد محمد السادس من انفتاح، دفع إلى تناسُـل هذه الصّحف وتمرّدها لتضع السلطات في إحراج، كثيرا ما يظهر من خلال سلسلة إجراءات أو متابعات قضائية ضدّ هذه الصّحف.

وفي نهاية عام 2000، مُـنعت عدّة صحف من الصدور، وتلا ذلك مُـتابعات قضائية لصحفيين أدينوا وحُـكم عليهم بالسّجن، ثم انتقلت السلطات – أخذا بنصحية أوروبية – إلى تدبير أقل ضجيجا من خلال إصدار القضاء لأحكام بالغرامة أعطت رقما قياسيا بالحُـكم على يومية “المساء” المستقِـلة بستة ملايين درهم (450 ألف دولار). وكان آخر الأحكام المُـثيرة للجدل، ما صدر عن محكمة بالدار البيضاء بإدانة ثلاث صُـحف، هي “المساء” و”الجريدة الأولى” و”الأحداث المغربية”، حيث حُـكم على كل منها بدفع غرامة بقيمة مليون درهم لفائدة الزعيم اللِّـيبي العقيد معمر القذافي.

إجمالا، يخوض المغرب الأقصى صراعا بين حمل سِـمة أو صِـفة الديمقراطية، وبين الثمن الذي يتوجب تسديده مقابل هذه الديمقراطية، وهو صراع يصعب حسمه كما أن الطريق المؤدية إليه وعرة ومتعرجة ومليئة بالأشواك لكلّ المعنِـيين به.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية